العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أوروبا المتخاذلة شريك مباشر في الحرب على الشعب الفلسطيني

بقلم: د. رمزي بارود

الاثنين ١٢ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

لقد‭ ‬لاذت‭ ‬أوروبا‭ ‬بالصمت‭ ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬قصف‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬المحاصر‭ ‬بعنف‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭.‬

والواقع‭ ‬أن‭ ‬أوروبا‭ ‬ظلت‭ ‬صامتة‭ ‬عندما‭ ‬حلت‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬الإبادة‭ ‬الجماعية‮»‬‭ ‬سريعاً‭ ‬محل‭ ‬الإشارة‭ ‬السابقة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وحماس‮»‬،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭. ‬

ولا‭ ‬بد‭ ‬لأولئك‭ ‬المطلعين‭ ‬على‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬الأوروبي‭ ‬والتصرفات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بإسرائيل‭ ‬وفلسطين‭ ‬أن‭ ‬يدركوا‭ ‬بالفعل‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬الحكومات‭ ‬الأوروبية‭ ‬كانت‭ ‬دائماً‭ ‬تقف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إسرائيل‭ ‬وتغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬سياساتها‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬صحيحًا‭ ‬تمامًا،‭ ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬يمكننا‭ ‬فعله‭ ‬من‭ ‬التعليقات‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬أدلى‭ ‬بها‭ ‬منسق‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬جوزيب‭ ‬بوريل،‭ ‬عندما‭ ‬بدا‭ ‬وكأنه‭ ‬يهاجم‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬23‭ ‬يناير‭ ‬2023،‭ ‬متهمًا‭ ‬إياها‭ ‬بـ«زرع‭ ‬الكراهية‭ ‬لأجيال‭ ‬عديدة»؟

وخلال‭ ‬مؤتمر‭ ‬صحفي‭ ‬مشترك‭ ‬في‭ ‬بروكسل‭ ‬مع‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬المصري‭ ‬سامح‭ ‬شكري‭ ‬والمفوض‭ ‬الأوروبي‭ ‬لشؤون‭ ‬التوسيع‭ ‬أوليفر‭ ‬فارهيلي،‭ ‬قال‭ ‬بوريل‭ ‬إن‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ ‬ضد‭ ‬حق‭ ‬تقرير‭ ‬مصير‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‮»‬‭.‬

لكن‭ ‬هل‭ ‬جوزيب‭ ‬بوريل‭ ‬صادق‭ ‬فيما‭ ‬قاله‭ ‬وأدلى‭ ‬به؟

ينبع‭ ‬إحباط‭ ‬جوزيب‭ ‬بوريل‭ ‬من‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬من‭ ‬إدراكه‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬تأخذ‭ ‬أوروبا‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد‭. ‬إنه‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬قي‭ ‬ذلك‭. ‬لم‭ ‬تنظر‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬قط‭ ‬إلى‭ ‬بروكسل‭ ‬أي‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭- ‬باعتبارها‭ ‬جهة‭ ‬فاعلة‭ ‬سياسية‭ ‬قوية‭ ‬وذات‭ ‬صلة‭ ‬مقارنة‭ ‬بواشنطن،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬لندن‭.‬

لقد‭ ‬كشفت‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخيرة‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬غير‭ ‬المتكافئة‭.‬

بعد‭ ‬فترة‭ ‬وجيزة‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى،‭ ‬توافد‭ ‬القادة‭ ‬الأوروبيون‭ - ‬بدءاً‭ ‬بالمستشار‭ ‬الألماني‭ ‬أولاف‭ ‬شولتز،‭ ‬ورئيسة‭ ‬الوزراء‭ ‬الإيطالية‭ ‬جيورجيا‭ ‬ميلوني‭ ‬والرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ - ‬إلى‭ ‬تل‭ ‬أبيب،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الهولندي،‭ ‬مارك‭ ‬روته،‭ ‬لتأكيد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬لإسرائيل‭ ‬كل‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‮»‬‭.‬

لكن‭ ‬الدعم‭ ‬الأوروبي‭ ‬تجاوز‭ ‬اللغة‭ ‬أو‭ ‬الإيماءات‭ ‬السياسية‭. ‬كما‭ ‬وصلت‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬دعم‭ ‬عسكري‭ ‬واستخباراتي‭.‬

وذكرت‭ ‬وكالة‭ ‬رويترز‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬اعتبارًا‭ ‬من‭ ‬يوم‭ ‬2‭ ‬نوفمبر،‭ ‬وافقت‭ ‬الحكومة‭ ‬الألمانية‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬303‭ ‬ملايين‭ ‬يورو‭ (‬323‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭) ‬من‭ ‬المعدات‭ ‬الدفاعية‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬مقارنة‭ ‬المبلغ‭ ‬الكبير‭ ‬بصادرات‭ ‬دفاعية‭ ‬بقيمة‭ ‬32‭ ‬مليون‭ ‬يورو‭ ‬التي‭ ‬وافقت‭ ‬عليها‭ ‬برلين‭ ‬طوال‭ ‬عام‭ ‬2022‭. ‬وهذا‭ ‬مجرد‭ ‬مثال‭ ‬واحد‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬الأمريكيين‭ ‬لم‭ ‬يخجلوا‭ ‬من‭ ‬الاضطلاع‭ ‬بدور‭ ‬الشريك‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬غزة،‭ ‬فإن‭ ‬موقف‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بدا‭ ‬غير‭ ‬أمين‭ ‬أو‭ ‬نزيه،‭ ‬وفي‭ ‬أفضل‭ ‬تقدير،‭ ‬غير‭ ‬متسق‭ ‬أو‭ ‬منسجم‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الأخلاقية‭.‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أراد‭ ‬ماكرون‭ ‬المتحمس‭ ‬والمندفع‭ ‬إنشاء‭ ‬تحالف‭ ‬عسكري‭ ‬مناهض‭ ‬لتنظيم‭ ‬داعش‭ ‬لاستهداف‭ ‬حماس،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬دعوة‭ ‬قادة‭ ‬إسبانيا‭ ‬وبلجيكا‭ ‬بشكل‭ ‬مشترك‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬دائم‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‭ ‬خلال‭ ‬مؤتمر‭ ‬صحفي‭ ‬عقد‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬رفح‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬24‭ ‬نوفمبر‭ ‬الثاني‭.‬

تعامل‭ ‬جوزيب‭ ‬بوريل‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬مع‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬مؤيد‭ ‬تمامًا‭ ‬لإسرائيل‭. ‬وقال‭ ‬عندما‭ ‬سئل‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬أجريت‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬الماضي‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬ترتكب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬لست‭ ‬محاميا‮»‬‭. ‬وبعد‭ ‬دقيقة‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬حماس‭ ‬كانت‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬جريمة‭ ‬حرب‭.‬

وهذه‭ ‬ليست‭ ‬حالة‭ ‬بسيطة‭ ‬من‭ ‬المعايير‭ ‬الغربية‭ ‬المزدوجة‭. ‬وتنظر‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬باعتبارها‭ ‬خادمة،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أوروبا،‭ ‬بشكل‭ ‬جماعي،‭ ‬تحمل‭ ‬ثقلاً‭ ‬اقتصادياً‭ ‬كبيراً،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ترفض‭ ‬ترجمته‭ ‬إلى‭ ‬نفوذ‭ ‬سياسي،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬إسرائيل‭.‬

وإلى‭ ‬أن‭ ‬تتعلم‭ ‬بروكسل‭ ‬حل‭ ‬هذا‭ ‬الانقسام‭ ‬وتجاوزه،‭ ‬فسوف‭ ‬تستمر‭ ‬في‭ ‬اتباع‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الغريبة‭.‬

أحد‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬إسرائيل‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬باعتبارها‭ ‬لاعبًا‭ ‬سياسيًا‭ ‬أقل‭ ‬شأنًا‭ ‬مقارنة‭ ‬بواشنطن،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الأوروبيين‭ ‬ربطوا‭ ‬جزءًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬أجندة‭ ‬سياستهم‭ ‬الخارجية‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬والتي‭ ‬بدورها‭ ‬تحركها‭ ‬أجندة‭ ‬ومصالح‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬يعمل‭ ‬بها‭. ‬وعندما‭ ‬انضم‭ ‬ماكرون‭ ‬إلى‭ ‬بايدن‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬غير‭ ‬المشروط‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الحرب،‭ ‬أشار‭ ‬نتنياهو‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬يقدر‭ ‬بشدة‮»‬‭ ‬الموقف‭ ‬الفرنسي‭.‬

ولكن‭ ‬عندما‭ ‬تجرأ‭ ‬ماكرون‭ ‬في‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬على‭ ‬انتقاد‭ ‬قتل‭ ‬إسرائيل‭ ‬للنساء‭ ‬والأطفال‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬سارع‭ ‬نتنياهو‭ ‬إلى‭ ‬انتقاده،‭ ‬واتهم‭ ‬ماكرون‭ ‬بارتكاب‭ ‬‮«‬خطأ‭ ‬جسيم‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الواقعي‭ ‬والأخلاقي‮»‬‭.‬

بدأت‭ ‬أوروبا‭ ‬على‭ ‬استحياء‭ ‬وبشكل‭ ‬بطيء‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬موقف‭ ‬أقوى‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬بشأن‭ ‬مجريات‭ ‬الأحداث‭ ‬المأساوية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قوياً‭ ‬بالدرجة‭ ‬الكافية‭ ‬للمطالبة‭ ‬بإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬أو‭ ‬التهديد‭ ‬بعواقب‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تنته‭ ‬الحرب‭.‬

في‭ ‬22‭ ‬يناير‭ ‬2024،‭ ‬عقد‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬اجتماعا‭ ‬وزاريا،‭ ‬ودعا‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يسرائيل‭ ‬كاتس‭ ‬ووزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الفلسطيني‭ ‬رياض‭ ‬المالكي‭ ‬للحضور‭. ‬وكان‭ ‬المؤتمر‭ ‬بمثابة‭ ‬محاولة‭ ‬أوروبية‭ ‬ضعيفة‭ ‬للإشارة‭ ‬إلى‭ ‬استعداد‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬لتأكيد‭ ‬نفسه‭ ‬باعتباره‭ ‬لاعباً‭ ‬سياسياً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬كان‭ ‬مدفوعًا‭ ‬بعوامل‭ ‬أخرى،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الضوء‭ ‬الأخضر‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬أكثر‭ ‬إحباطًا‭ ‬من‭ ‬نتنياهو‭ ‬لرفضه‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬واشنطن‭ ‬حول‭ ‬الرؤى‭ ‬المستقبلية‭ ‬وحل‭ ‬الدولتين‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الإقليمي،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬والذي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬نتيجة‭ ‬للحرب،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يشكل‭ ‬خطراً‭ ‬مباشراً‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬لأوروبا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

تختلف‭ ‬علاقة‭ ‬أوروبا‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬النواحي،‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬واشنطن‭. ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬مستعدة‭ ‬دائما‭ ‬لإعادة‭ ‬صياغة‭ ‬أولوياتها‭ ‬الجيوسياسية،‭ ‬فإن‭ ‬أوروبا‭ ‬مقيدة‭ ‬إلى‭ ‬أجل‭ ‬غير‭ ‬مسمى‭ ‬بقواعد‭ ‬القرب‭ ‬المادي‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ــ‭ ‬جغرافيته‭ ‬الحيوية،‭ ‬وموارده،‭ ‬وشعبه‭.‬

ذلك‭ ‬ما‭ ‬تعرفه‭ ‬أوروبا،‭ ‬كما‭ ‬يدرك‭ ‬بوريل،‭ ‬الذي‭ ‬ابتكر‭ ‬القول‭ ‬المأثور‭ ‬إن‭ ‬‮«‬أوروبا‭ ‬حديقة‮»‬،‭ ‬و«بقية‭ ‬العالم‭ ‬غابة‮»‬،‭ ‬و«الغابة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تغزو‭ ‬الحديقة‮»‬،‭ ‬يدرك‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعرض‭ ‬‮«‬حديقته‭ ‬الثمينة‭ ‬للخطر‮»‬،‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬تنتهي‭ ‬الحرب‭.‬

ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬كان‭ ‬بوريل‭ ‬حريصًا‭ ‬على‭ ‬الاجتماع‭ ‬الوزاري‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬ولكن‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬محادثات‭ ‬جادة،‭ ‬سلط‭ ‬الاجتماع‭ ‬الضوء‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬أهمية‭ ‬أوروبا،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬إسرائيل‭.‬

وقال‭ ‬بوريل‭ ‬إن‭ ‬كاتس‭ ‬جاء‭ ‬إلى‭ ‬الاجتماع‭ ‬لتقديم‭ ‬خطط‭ ‬لإنشاء‭ ‬جزيرة‭ ‬صناعية‭ ‬قبالة‭ ‬سواحل‭ ‬غزة‭ ‬‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تهجير‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬القطاع،‭ ‬‮«‬وهي‭ ‬مفاهيم‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بمحادثات‭ ‬السلام‮»‬‭.‬

وقال‭ ‬دبلوماسيون‭ ‬كبار‭ ‬آخرون‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬إن‭ ‬مقاطع‭ ‬الفيديو‭ ‬كانت‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ (‬قديمة‭) ‬قدمها‭ ‬كاتس‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬سابق،‭ ‬وأنهم‭ ‬‮«‬فاجأوا‮»‬‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬القاعة‭.‬

لكن‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬لدبلوماسيي‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬أن‭ ‬يفاجأوا،‭ ‬لأن‭ ‬حكوماتهم‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬مكنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬وأضعفت‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين‭. ‬وحتى‭ ‬الآن‭ ‬يواصل‭ ‬العديد‭ ‬منهم‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬عمليات‭ ‬القتل‭ ‬الجماعي‭ ‬التي‭ ‬ترتكبها‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬باعتبارها‭ ‬حق‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭.‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬بوريل‭ ‬يرغب‭ ‬حقا‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬السياسي،‭ ‬فيتعين‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يدعم‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬بشكل‭ ‬كامل،‭ ‬ويدعو‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬النفوذ‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الهائل‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬لحملها‭ ‬على‭ ‬إنهاء‭ ‬حربها‭ ‬واحتلالها‭ ‬العسكري‭ ‬لفلسطين‭.‬

إن‭ ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭ ‬يعطي‭ ‬مصداقية‭ ‬كبيرة‭ ‬للادعاء‭ ‬بأن‭ ‬بروكسل،‭ ‬تمامًا‭ ‬مثل‭ ‬واشنطن،‭ ‬شريك‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

 

{ أكاديمي‭ ‬وكاتب‭ ‬فلسطيني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا