يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
«عقيدة بايدن».. أي عقيدة؟!
الكاتب الأمريكي المعروف توماس فريدمان طرح منذ أيام في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» ملامح وأبعاد ما أسماه «عقيدة بايدن».
يقول ان هذه الملامح لـ«عقيدة بايدن» آخذة في التبلور. ويقصد ان هناك استراتيجية لإدارة بايدن في منطقة الشرق الأوسط تتشكل وتتبلور، ويعتبر أنها استراتيجية كبيرة جدا وشاملة للتعامل مع مختلف قضايا المنطقة.
وفي تقدير الكاتب ان هذه الاستراتيجية الجديدة تقوم على ثلاثة مسارات هي:
المسار الأول: يقوم على تبني موقف صارم حازم ضد إيران لردعها، بما في ذلك الرد العسكري الحازم على القوى والمليشيات التابعة لها في المنطقة.
المسار الثاني: يقوم على مبادرة دبلوماسية أمريكية غير مسبوقة لتبني إقامة دولة فلسطينية. وتتضمن المبادرة اعتراف أمريكا بدولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة بشرط قيام مؤسسات فلسطينية ذات مصداقية وقدرات أمنية، بحيث تكون الدول قابلة للحياة ولا تهدد بأيّ شكل من الاشكال أمن إسرائيل.
المسار الثالث: يقوم على تحالف أمني واسع النطاق بين أمريكا والسعودية، يشمل أيضا تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل. ويعتبر أنه «إذا نجحت إدارة بايدن في تحقيق هذا التطبيع، فسيكون هذا أكبر تحول استراتيجي في الشرق الأوسط منذ كامب ديفيد عام 1979».
هذا هو ما يطرحه الكاتب الأمريكي فيما يتعلق بعقيدة بايدن.
السؤال هو: لماذا الحديث اليوم عن مثل هذه الاستراتيجية لإدارة بايدن، وهي في عامها الأخير في السلطة؟
الجواب معروف. إدارة بايدن تعيش أزمة كبرى على كل المستويات في المنطقة والعالم وفي الداخل الأمريكي أيضا، وخصوصا بعد حرب الابادة التي يشنها الكيان الصهيوني في غزة وموقف الإدارة منها.
الدعم الأعمى لحرب الإبادة الصهيونية والعجز الكامل الذي أظهرته الإدارة في ان يكون لها موقف مستقل تفرضه أفقدها المصداقية في كل مكان.. في الدول العربية وفي العالم كله. وفي داخل أمريكا كل التقارير تؤكد انصراف العرب الأمريكيين عن بايدن وإدارته بسبب موقفه من حرب الإبادة، الأمر الذي يمكن أن يشكل عنصر تهديد كبير لمحاولته العودة للحكم في الانتخابات القادمة.
هذا هو سبب الحديث عن مثل هذه الاستراتيجية اليوم. هي محاولة لتصوير الأمر كما لو أن وراء العجز الأمريكي الحالي وفقدان المصداقية لدى العرب والعالم رؤية استراتيجية بعيدة المدى لا يدركها الكثيرون.
حقيقة الأمر أن هذه «العقيدة» او الاستراتيجية لإدارة بايدن التي يطرحها توماس فريدمان هي من وحي الخيال. ليس هناك على ارض الواقع ما يشير من قريب او بعيد الى أن إدارة بايدن بصدد التفكير على هذه النحو ولا تبنّي مثل هذه الجوانب التي طرحها.
أولا، الكل يعلم ان مسألة ان تقوم إدارة بايدن بمواجهة إيران عسكريا وسياسيا كما يقول الكاتب وردعها وإنهاء خطرها في المنطقة ليست واردة أساسا في تفكير الإدارة. كل المواقف والتصرفات الأمريكية تؤكد هذا. المطروح على العكس من هذا هو استرضاء إيران والعمل على التفاهم معها وتجنب أيّ تصعيد. وكل هذا في النهاية يدعم المشروع الإيراني في المنطقة.
وثانيا، الكل يعلم ان ادارة بايدن لا تستطيع، ولا تريد أصلا، ان تفرض أي شيء على الكيان الصهيوني. واهم جدا كل من يتصور أن إدارة بايدن تستطيع ان تفرض على الكيان الصهيوني قبول قيام دولة فلسطينية. نظريا هي تستطيع إن أوقفت كل المساعدات للكيان الصهيوني، لكنها لا يمكن ان تفعل هذا.
وثالثا، من السخف والاستفزاز طرح تحالف استراتيجي بين أمريكا والسعودية او غيرها على قاعدة التطبيع مع الكيان الصهيوني.
حقيقة الأمر ان كل الحلفاء التقليديين لأمريكا في المنطقة العربية أصبحت ثقتهم فيها محدودة. وبايدن نفسه من المعروف عنه انه لا يكنّ تقديرا كبيرا لهذا التحالف ولا لحلفاء أمريكا.
الخلاصة ان هذا الحديث عن «عقيدة» او استراتيجية كبرى جديدة لإدارة بايدن يراد به محاولة تبييض وجهها وتصوير الأمر كما لو ان لديها حكمة خفيّة وبعد نظر واستراتيجية لا يدركها أحد.
وهذا ليس صحيحا.. إدارة بايدن ليس لديها لا حكمة، ولا استراتيجية يمكن ان تنقذها من حالة الأزمة والضياع الحالية في المنطقة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك