العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لماذا تتجاهل الحكومات الغربية خبراءها وتستمر في دعم العدوان الإسرائيلي؟

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الثلاثاء ١٣ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

أثارت‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية،‭ ‬وبالأخص‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬ودول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬استنكارًا‭ ‬واسعًا؛‭ ‬محليًا‭ ‬وعالميًا،‭ ‬حيث‭ ‬انتقد‭ ‬مسؤولو‭ ‬الشؤون‭ ‬الخارجية‭ ‬الغربيون‭ ‬سياسيات‭ ‬حكوماتهم،‭ ‬بشأن‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬إسرائيل؛‭ ‬سياسيًا،‭ ‬واقتصاديًا،‭ ‬وعسكريًا،‭ ‬ودبلوماسيا،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب،‭ ‬والإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬التي‭ ‬ترتكبها،‭ ‬والتي‭ ‬أسفرت‭ ‬عن‭ ‬استشهاد‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وتشريد‭ ‬الملايين،‭ ‬وتدمير‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭. ‬

ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬اتخذت‭ ‬إجراءات‭ ‬لحماية‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬الانتقادات‭ ‬الدولية‭ ‬الموجهة‭ ‬إليها،‭ ‬حيث‭ ‬استخدمت‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ ‬الفيتو‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وظهر‭ ‬ذلك‭ ‬جليا‭ ‬عندما‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬كبح‭ ‬انتقادات‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬لها‭ ‬بوجوب‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬تمنع‭ ‬حدوث‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية؛‭ ‬فلجأت‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬إضعاف‭ ‬الثقة‭ ‬بقرارات‭ ‬المحكمة،‭ ‬وتقويض‭ ‬شرعيتها‭ ‬مثل‭ ‬ادعاء‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بأن‭ ‬الدعوى‭ ‬لا‭ ‬أساس‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الصحة،‭ ‬وأنها‭ ‬قضية‭ ‬تحريضية‭. ‬واستمرارا،‭ ‬أعلنت‭ ‬واشنطن،‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬وقف‭ ‬تمويلهم‭ ‬لوكالة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لإغاثة‭ ‬وتشغيل‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ (‬الأونروا‭)‬؛‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لقي‭ ‬انتقادات‭ ‬شديدة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المنظمات‭ ‬الحقوقية،‭ ‬ونشطاء‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

وبعد‭ ‬مرور‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬أشهر‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬استمرت‭ ‬المظاهرات‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم؛‭ ‬بسبب‭ ‬تقاعس‭ ‬حكومات‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬واشنطن،‭ ‬ولندن،‭ ‬وبروكسل،‭ ‬عن‭ ‬محاسبة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬والضغط‭ ‬عليها‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب،‭ ‬حيث‭ ‬تجاهلوا‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الجماهيرية‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬مواطنوها،‭ ‬والتي‭ ‬منها‭ ‬مسيرة‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬10‭.‬000‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬وإدنبره،‭ ‬يوم‭ ‬3‭ ‬فبراير‭ ‬2024‭.‬

ومع‭ ‬تغاضي‭ ‬القادة‭ ‬الغربيين‭ ‬عن‭ ‬انتهاكات‭ ‬إسرائيل‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬تم‭ ‬تسجيل‭ ‬استياء‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬داخل‭ ‬حكوماتهم،‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬وزارات‭ ‬خارجيتهم،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تجاهل‭ ‬كبار‭ ‬مسؤوليها‭ ‬ومستشاريها‭ ‬لصالح‭ ‬السياسات‭ ‬والقوى‭ ‬الأيديولوجية‭. ‬وانعكاسًا‭ ‬لهذا‭ ‬النهج،‭ ‬وقع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬800‭ ‬مسؤول‭ ‬بارز‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬على‭ ‬وثيقة‭ ‬باسم‭ ‬رسالة‭ ‬عبر‭ ‬الأطلسي،‭ ‬يوم‭ ‬2‭/‬2‭/‬2024،‭ ‬تتضمن‭ ‬انتقادات‭ ‬لاذعة‭ ‬للسياسات‭ ‬الغربية‭ ‬تجاه‭ ‬الحرب‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬والأراضي‭ ‬المحتلة،‭ ‬واتهموا‭ ‬حكوماتهم‭ ‬بالتواطؤ‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أسوأ‭ ‬الكوارث‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحالي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السماح‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بارتكاب‭ ‬انتهاكات‭ ‬جسيمة‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وجرائم‭ ‬الحرب،‭ ‬والتطهير‭ ‬العرقي،‭ ‬والإبادة‭ ‬الجماعية‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الوزراء‭ ‬وكبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬الغربيين،‭ ‬قد‭ ‬استقالوا‭ ‬بالفعل‭ ‬من‭ ‬مناصبهم؛‭ ‬احتجاجًا‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬حكوماتهم‭ ‬لإسرائيل؛‭ ‬فقد‭ ‬أوضح‭ ‬نيك‭ ‬بوبلي،‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬تايم،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الوثيقة‭ ‬تمثل‭ ‬أول‭ ‬معارضة‭ ‬منسقة‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الحرب،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬تأثير‭ ‬سوء‭ ‬إدارة‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الرئيسية‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬مؤسساتها‭ ‬الحكومية‭. ‬

وبشكل‭ ‬واضح،‭ ‬أدانت‭ ‬الوثيقة‭ ‬دعم‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬الواضح‭ ‬والمطلق‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬والذي‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬استشهاد‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المدنيين،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬تجنبه،‭ ‬فيما‭ ‬انتقدت‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬أدوار‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬واشنطن،‭ ‬ولندن،‭ ‬وبروكسل؛‭ ‬لدعمهم‭ ‬القوي‭ ‬لقوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬التي‭ ‬اعتبروها‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬المنع‭ ‬المتعمد‭ ‬للمساعدات،‭ ‬وما‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬تعريض‭ ‬آلاف‭ ‬المدنيين‭ ‬لخطر‭ ‬المجاعة‭ ‬والموت‭ ‬البطيء،‭ ‬مشيرين‭ ‬إلى‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬تواجهه‭ ‬حكومات‭ ‬الغرب‭ ‬لكونهم‭ ‬يساهمون‭ ‬في‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الجسيمة‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وجرائم‭ ‬الحرب،‭ ‬وحتى‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي،‭ ‬أو‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استمرارهم‭ ‬في‭ ‬تسليح‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وتوفير‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬تحديدا‭ ‬القنابل‭ ‬غير‭ ‬الموجهة‭ ‬المستخدمة‭ ‬ضد‭ ‬غزة،‭ ‬وتعمدها‭ ‬تجاوز‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬لتقديم‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الذخائر‭ ‬لحليفته‭.‬

ومن‭ ‬المهم‭ ‬التأكيد‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الوثيقة‭ ‬ليست‭ ‬الحالة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يعبر‭ ‬فيها‭ ‬مسؤولون‭ ‬وموظفون‭ ‬في‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬عن‭ ‬اعتراضاتهم‭ ‬القوية‭ ‬على‭ ‬السياسات‭ ‬الداعمة‭ ‬لإسرائيل‭. ‬وأوضح‭ ‬توم‭ ‬بيتمان،‭ ‬من‭ ‬شبكة‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي،‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬تنامي‭ ‬المعارضة‭ ‬داخل‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬الحليفة‭ ‬لإسرائيل‭. ‬وأشار‭ ‬روبي‭ ‬جرامر،‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬فورين‭ ‬بوليسي،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عاصفة‭ ‬متنامية‭ ‬من‭ ‬المعارضة‭ ‬تشكلت‭ ‬بين‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬عندما‭ ‬شرع‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬أنتوني‭ ‬بلينكن،‭ ‬في‭ ‬أولى‭ ‬جولاته‭ ‬العديدة‭ ‬الفاشلة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬حيث‭ ‬شعروا‭ ‬بالغضب‭ ‬والصدمة‭ ‬واليأس؛‭ ‬بسبب‭ ‬إعطاء‭ ‬واشنطن‭ ‬لإسرائيل‭ ‬الضوء‭ ‬الأخضر‭ ‬لقصف‭ ‬غزة‭. ‬

وفي‭ ‬الإطار‭ ‬ذاته،‭ ‬أرسل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬500‭ ‬موظف‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬وكالة‭ ‬حكومية‭ ‬أمريكية‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2023،‭ ‬رسالة‭ ‬مشتركة‭ ‬إلى‭ ‬بايدن،‭ ‬ينتقدون‭ ‬فيها‭ ‬سياسته‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬كما‭ ‬وقع‭ ‬1000‭ ‬موظف‭ ‬آخر‭ ‬داخل‭ ‬الوكالة‭ ‬الأمريكية‭ ‬للتنمية‭ ‬الدولية،‭ ‬على‭ ‬رسالة‭ ‬أخرى‭ ‬تحث‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬وقف‭ ‬فوري‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‭ ‬لأسباب‭ ‬إنسانية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬مستشهدين‭ ‬بالانتهاكات‭ ‬العديدة‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬التي‭ ‬ترتكبها‭ ‬إسرائيل،‭ ‬واستهدافها‭ ‬المتعمد‭ ‬للمدارس،‭ ‬والمستشفيات،‭ ‬وأماكن‭ ‬العبادة،‭ ‬كأسباب‭ ‬حتى‭ ‬تتراجع‭ ‬واشنطن‭ ‬عن‭ ‬سياساتها‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تمت‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬طيلة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬تم‭ ‬تجاهل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وأوروبا،‭ ‬نصيحة‭ ‬خبراء‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬بشأن‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬وتم‭ ‬تخصيص‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الرسالة‭ ‬عبر‭ ‬الأطلسي،‭ ‬لاتهام‭ ‬كبار‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬الغربي‭ ‬بتجاهل‭ ‬تحذيرات‭ ‬مستشاريهم‭ ‬لما‭ ‬ينطوي‭ ‬عليه‭ ‬دعمهم‭ ‬المستمر‭ ‬لإسرائيل‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬قصيرة‭ ‬وطويلة‭ ‬الأجل‭. ‬ونقلت‭ ‬شبكة‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي،‭ ‬عن‭ ‬مسؤول‭ ‬أمريكي‭ ‬بارز،‭ ‬شكواه‭ ‬من‭ ‬الرفض‭ ‬الدائم‭ ‬لآرائهم،‭ ‬وعدم‭ ‬الإنصات‭ ‬للعارفين‭ ‬بكُنه‭ ‬المنطقة‭ ‬وديناميكياتها،‭ ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬حلت‭ ‬محلها‭ ‬أصوات‭ ‬تتبنى‭ ‬اعتبارات‭ ‬سياسية‭ ‬وأيديولوجية‭. ‬وفي‭ ‬أكتوبر2023،‭ ‬احتج‭ ‬جوش‭ ‬بول‭ -‬مسؤول‭ ‬سابق‭ ‬في‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬والمستقيل‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭- ‬على‭ ‬نقل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬المتصاعد‭ ‬للأسلحة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬باستخدامها‭ ‬ضد‭ ‬أهداف‭ ‬مدنية‭ ‬في‭ ‬غزة‭.. ‬متسائلا‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬وحلفائها،‭ ‬قد‭ ‬خلقت‭ ‬توترات‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬مع‭ ‬الخبرة‭ ‬والواجب‭ ‬الذي‭ ‬يتحمله‭ ‬موظفو‭ ‬الخدمة‭ ‬المدنية‭.‬

وعليه،‭ ‬وصف‭ ‬دبلوماسيون‭ ‬سابقون‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬من‭ ‬المعارضة‭ ‬بأنه‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭. ‬ورأى‭ ‬روبرت‭ ‬فورد،‭ ‬السفير‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬أن‭ ‬اعتراضات‭ ‬السياسيين‭ ‬والدبلوماسيين‭ ‬الحكوميين‭ ‬الغربيين؛‭ -‬ردا‭ ‬على‭ ‬سياسات‭ ‬حكومتهم‭ ‬تجاه‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭- ‬تعد‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها،‭ ‬بالنظر‭ ‬لخبرته‭ ‬الممتدة‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬أربعين‭ ‬عاما،‭ ‬مضيفا‭ ‬إلى‭ ‬شعورهم‭ ‬باضطرارهم‭ ‬للإفصاح‭ ‬عن‭ ‬مخاوفهم‭ ‬الخطيرة‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬تظل‭ ‬الضغوط‭ ‬السياسية‭ ‬داخل‭ ‬وزارات‭ ‬خارجية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬قوية‭ ‬لكبح‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأصوات‭ ‬المعارضة‭. ‬وأشار‭ ‬إدوارد‭ ‬وونج،‭ ‬وماتينا‭ ‬جريدنيف،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الرسالة‭ ‬عبر‭ ‬الأطلسي،‭ ‬لم‭ ‬تحمل‭ ‬أسماء‭ ‬للموقعين‭ ‬عليها،‭ ‬نظرا‭ ‬إلى‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬التنكيل‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إداراتهم‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الضرورة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬للتحدث‭ ‬علنًا،‭ ‬وأهمية‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الرفض‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬تأكيدها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بربر‭ ‬فان‭ ‬دير‭ ‬فودي،‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬السابقة‭ ‬بالخارجية‭ ‬الهولندية،‭ ‬والتي‭ ‬أضحت‭ ‬الآن‭ ‬صوتًا‭ ‬مؤيدًا‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬بلادها،‭ ‬والتي‭ ‬علقت‭ ‬بالقول‭: ‬إن‭ ‬كونك‭ ‬موظفًا‭ ‬حكوميًا‭ ‬لا‭ ‬يعفيك‭ ‬من‭ ‬مسؤوليتك‭ ‬في‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬التفكير،‭ ‬وأنه‭ ‬عندما‭ ‬يصدر‭ ‬النظام‭ ‬قرارات‭ ‬أو‭ ‬أفعالا‭ ‬فاسدة،‭ ‬فإن‭ ‬مسؤولية‭ ‬إيقافها‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬عاتقنا‭. ‬فيما‭ ‬تحدثت‭ ‬جينا‭ ‬أبركرومبي‭ ‬وينستانلي،‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬السابقة،‭ ‬عن‭ ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬تتوقع‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سعيدًا‭ ‬بعدم‭ ‬الاعتداد‭ ‬برأيه‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬الحقل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬هو‭ ‬مجال‭ ‬عمله‭.‬

وبالتوازي‭ ‬مع‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬انتقاد‭ ‬السياسات‭ ‬اللاأخلاقية‭ ‬الغربية،‭ ‬سلطت‭ ‬الوثيقة،‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬دعم‭ ‬الغرب‭ ‬الحالي‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬يعد‭ ‬أيضًا‭ ‬خطأ‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬حيث‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬كيفية‭ ‬إضعاف‭ ‬السياسات‭ ‬الآنية‭ ‬لموقف‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬الأخلاقي،‭ ‬وتقويض‭ ‬قدرتهم‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحرية‭ ‬والعدالة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بالعالم‭. ‬ووافق‭ ‬بول،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدعم‭ ‬الأحادي‭ ‬الجانب‭ ‬لفظائع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وتعامي‭ ‬الغرب‭ ‬عن‭ ‬الإنسانية‭ ‬الفلسطينية؛‭ ‬يُعدان‭ ‬فشلاً‭ ‬أخلاقياً‭ ‬وسياسياً،‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الكيفية‭ ‬التي‭ ‬سيؤدي‭ ‬بها‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تقويض‭ ‬مصالحهم‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬سنوات‭ ‬قادمة‭.‬

وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بما‭ ‬ينبغي‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬لإصلاح‭ ‬الضرر‭ ‬الذي‭ ‬خلفته‭ ‬السياسات‭ ‬الغربية‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬أوضحت‭ ‬الرسالة‭ ‬عبر‭ ‬الأطلسي،‭ ‬أن‭ ‬الدعم‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬والعسكري‭ ‬الذي‭ ‬تقدمه‭ ‬واشنطن،‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬لإسرائيل‭ ‬دون‭ ‬شروط‭ ‬حقيقية،‭ ‬أو‭ ‬مساءلة،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭. ‬فيما‭ ‬انضم‭ ‬الموقعون‭ ‬إلى‭ ‬قائمة‭ ‬متزايدة‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬والجماعات‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬الزعماء‭ ‬الغربيين‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬كل‭ ‬النفوذ‭ ‬المتاح‭ -‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وقف‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭- ‬لتأمين‭ ‬وقف‭ ‬دائم‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار،‭ ‬وإيصال‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬إلى‭ ‬غزة‭.‬

وكما‭ ‬أوضح‭ ‬هوارد‭ ‬فرينش،‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬فورين‭ ‬بوليسي،‭ ‬فإنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬إرسال‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬158‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1948‭ ‬ومارس‭ ‬2023،‭ ‬كمساعدات‭ ‬عسكرية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تزويدها‭ ‬بـواحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬قدرة‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬فقط،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أيضًا،‭ ‬فقد‭ ‬دفعت‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬نقل‭ ‬الأسلحة‭ ‬بعد‭ ‬7‭ ‬أكتوبر2023،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يستوجب‭ ‬إثارة‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الدهشة،‭ ‬خاصة‭ ‬أنها،‭ ‬لم‭ ‬تذكر‭ ‬أي‭ ‬سبب‭ ‬ضروري‭ ‬لذلك‭.‬

ونتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬تصاعدت‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬تقليص‭ ‬المساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لإسرائيل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬كبح‭ ‬عدوانها‭ ‬على‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬ودعا‭ ‬ديلان‭ ‬ويليامز،‭ ‬من‭ ‬مركز‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية،‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬إلى‭ ‬إصدار‭ ‬التزامات‭ ‬محددة،‭ ‬لمنع‭ ‬استخدام‭ ‬أسلحته‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭. ‬ورأى‭ ‬بيرني‭ ‬ساندرز،‭ ‬المرشح‭ ‬الرئاسي‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق،‭ ‬أن‭ ‬دور‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬تسليح‭ ‬إسرائيل،‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬التواطؤ،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬ألحقته‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬ودمار‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬فإنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬المتزايدة،‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬الحكومة‭ ‬أو‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬لم‭ ‬تبدو‭ ‬أي‭ ‬مؤشرات‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬وحلفائها‭ ‬لتغيير‭ ‬دعمهم‭ ‬المستمر‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬بايدن،‭ ‬نفسه‭ ‬صرح‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2023،‭ ‬بعدم‭ ‬اكتراثه‭ ‬بشيء‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬حماية‭ ‬إسرائيل‭. ‬وبينما‭ ‬اعترف‭ ‬وزير‭ ‬دفاعه‭ ‬لويد‭ ‬أوستن‭ -‬في‭ ‬الشهر‭ ‬ذاته‭- ‬باحتمالية‭ ‬تعرض‭ ‬إسرائيل‭ ‬لـهزيمة‭ ‬استراتيجية،‭ ‬جراء‭ ‬وحشية‭ ‬معاملتها‭ ‬للمدنيين‭ ‬الفلسطينيين؛‭ ‬فإن‭ ‬الرفض‭ ‬المستمر‭ ‬من‭ ‬إدارته‭ ‬وحلفائها‭ ‬الغربيين‭ ‬لوقف‭ ‬الحرب،‭ ‬جعل‭ ‬منهم‭ ‬شركاء‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬تواطؤهم‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬وتسليح‭ ‬وحماية‭ ‬إسرائيل‭ ‬دبلوماسيا،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬معترفا‭ ‬به‭ ‬دوليا،‭ ‬وتعالت‭ ‬الأصوات‭ ‬بإدانته‭ ‬حتى‭ ‬داخل‭ ‬وزارات‭ ‬خارجيتهم‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬يعتقد‭ ‬هوارد‭ ‬فرينش،‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬لحظة‭ ‬جيدة‭ ‬للقادة‭ ‬الغربيين؛‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬وهدف‭ ‬القوة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬تجاهلوا‭ ‬بوضوح‭ ‬نصيحة‭ ‬المسؤولين‭ ‬ذوي‭ ‬الخبرة‭ ‬داخل‭ ‬وزارات‭ ‬خارجيتهم،‭ ‬واختارا‭ ‬اتباع‭ ‬المنطق‭ ‬السياسي‭ ‬والأيديولوجي،‭ ‬ما‭ ‬جعلهم‭ ‬مسؤولين‭ ‬عن‭ ‬الفشل‭ ‬الأخلاقي،‭ ‬والضرر‭ ‬الهائل‭ ‬بالسمعة‭ ‬الذي‭ ‬لحق‭ ‬بهم،‭ ‬جراء‭ ‬الإخفاق‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬الكارثة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬التي‭ ‬يكابدها‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تسهيل‭ ‬معاناتهم‭ ‬عبر‭ ‬دعمهم‭ ‬الثابت‭ ‬لأهداف‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا