العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ماذا بعد ان أعلنت حكومة نتنياهو رفضها إقامة دولة فلسطينية؟

بقلم: د. أحمد رفيق عوض {

السبت ١٧ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

فيما‭ ‬ترى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وأطراف‭ ‬عربية‭ ‬وكثير‭ ‬غيرهم‭ ‬أن‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬هي‭ ‬ضمانة‭ ‬لأمن‭ ‬إسرائيل‭ ‬واستقرارها‭ ‬وإنهاء‭ ‬للصراع‭ ‬الطويل‭ ‬والمرير،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬بمختلف‭ ‬تياراتها‭ ‬الآن‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬تهديدا‭ ‬خطيرا‭ ‬لأمنها‭ ‬ومستقبلها،‭ ‬فهذه‭ ‬الدولة‭ ‬‭ ‬بحسب‭ ‬نتنياهو‭ ‬‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬ستكون‭ ‬قاعدة‭ ‬للإرهاب‭ ‬ومصدرا‭ ‬لعدم‭ ‬الاستقرار‭ .‬

هذا‭ ‬الفرق‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والعالم‭ ‬كله‭ ‬تقريبا‭ ‬يعكس‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬مدى‭ ‬التطرف‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وانفصاله‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬واختياره‭ ‬أسوأ‭ ‬السيناريوهات،‭ ‬لأن‭ ‬عدم‭ ‬إقامة‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬دائرة‭ ‬العنف‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬الحالية‭ ‬تفضل‭ ‬ضم‭ ‬وتهويد‭ ‬الأرض‭ ‬على‭ ‬التسوية‭ ‬وتفضل‭ ‬الاحتلال‭ ‬على‭ ‬التطبيع،‭ ‬فإسرائيل‭ ‬تريد‭ ‬الآن‭ ‬تطبيعا‭ ‬مجانيا‭ ‬لا‭ ‬تدفع‭ ‬فيه‭ ‬أو‭ ‬تقدم‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬أي‭ ‬شيء‭. ‬ماذا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬الأمر؟‭!‬

يعني‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تعرف‭ ‬تماما‭ ‬ألا‭ ‬ضغوط‭ ‬حقيقية‭ ‬تمارس‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تسوية‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬فكل‭ ‬المواقف‭ ‬والآراء‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬تمنيات‭ ‬أو‭ ‬نصائح‭ ‬أو‭ ‬رفع‭ ‬عتب‭ ‬أو‭ ‬مجرد‭ ‬إلهاء‭ ‬أو‭ ‬خداع‭ ‬أو‭ ‬ذر‭ ‬للرماد‭ ‬في‭ ‬العيون‭ .‬

يعني‭ ‬إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تعرف‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬والتحكم‭ ‬والنفوذ‭ ‬بحيث‭ ‬تستطيع‭ ‬محاصرة‭ ‬أو‭ ‬مواجهة‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬هيئة‭ ‬دولية‭ ‬أو‭ ‬إقليمية‭ ‬بأدوات‭ ‬علنية‭ ‬وسرية‭ ‬لإسكاتها‭ ‬أو‭ ‬احتواء‭ ‬مواقفها‭ .‬

ويعني‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تعرف‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تتصرف‭ ‬وحدها،‭ ‬وأن‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬كله‭ ‬يقف‭ ‬معها‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لهذا‭ ‬الغرب‭ ‬أن‭ ‬يتركها‭ ‬أو‭ ‬يسلمها‭ ‬أو‭ ‬يخذلها‭ .‬

ويعني‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تعرف‭ ‬حقا‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يقف‭ ‬وحده‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬وأنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬مجال‭ ‬استراتيجي‭ ‬يتكئ‭ ‬عليه‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬جبهة‭ ‬قوية‭ ‬موحدة‭ ‬تسانده‭ ‬بالموقف‭ ‬والمال‭ ‬والقوة‭ .‬

إن‭ ‬رفض‭ ‬إسرائيل‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬وقبول‭ ‬إسرائيل‭ ‬احتلالها‭ ‬لشعب‭ ‬فلسطيني‭ ‬يعد‭ ‬بالملايين‭ ‬وحرمانه‭ ‬من‭ ‬مستقبله‭ ‬وسيادته‭ ‬وكرامته،‭ ‬إنما‭ ‬تختار‭ ‬ضريبة‭ ‬ذلك‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يحمل‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬من‭ ‬معنى،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬ضمن‭ ‬أمور‭ ‬أخرى‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬اختارت‭ ‬المواجهة‭ ‬الدائمة‭ .‬

المشكلة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المنطق‭ ‬أنه‭ ‬يغفل‭ ‬مفاجآت‭ ‬الزمن‭ ‬وتغيرات‭ ‬التاريخ،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬ينتبه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬دورات‭ ‬للقوة‭ ‬وموجات‭ ‬للنفوذ‭ ‬وانتقالات‭ ‬للأفكار‭ ‬والأشخاص‭ ‬والمراكز،‭ ‬فالعالم‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬دائمة‭ ‬ودائبة،‭ ‬وأصدقاء‭ ‬اليوم‭ ‬هم‭ ‬أعداء‭ ‬غد،‭ ‬وأن‭ ‬ثروات‭ ‬اليوم‭ ‬ستجف‭ ‬وأن‭ ‬المدن‭ ‬المضاءة‭ ‬قد‭ ‬تتغير‭ ‬عليها‭ ‬الطرق‭ ‬والأموال‭ ‬وصنع‭ ‬القرار‭ .‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬لإسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬اليوم،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لأصدقائها‭ ‬وحلفائها‭ ‬والمرتعبين‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬يبقوا‭ ‬على‭ ‬حالهم‭ ‬أيضا،‭ ‬وكذلك‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬لن‭ ‬يبقى‭ ‬على‭ ‬حاله،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الجمهور‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لن‭ ‬يبقى‭ ‬على‭ ‬حاله‭ ‬أيضا‭ .‬

أقول‭ ‬ذلك‭ ‬لأصل‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬ليس‭ ‬غبيا‭ ‬ولا‭ ‬ساذجا‭ ‬عندما‭ ‬ينصح‭ ‬إسرائيل‭ ‬ويحاول‭ ‬عقلنتها‭ ‬وترشيدها‭ ‬بقبول‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬كفيلة‭ ‬لضمان‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬والهدوء،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬قد‭ ‬تتحول‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬رفضها‭ ‬دائما‭ ‬إلى‭ ‬مقترح‭ ‬مختلف‭ ‬تماما‭ .‬

الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المقترحة‭ ‬اليوم‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬ناقصة‭ ‬وهشة‭ ‬وفيها‭ ‬غموض‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك،‭ ‬ولكنها‭ ‬تظل‭ ‬فكرة‭ ‬تلقى‭ ‬القبول‭ ‬أو‭ ‬التأييد‭ ‬باعتبارها‭ ‬التسوية‭ ‬الممكنة،‭ ‬رغم‭ ‬الاستيطان‭ ‬والرفض‭ ‬والإنكار‭ ‬لحقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يعتريها‭ ‬من‭ ‬نقص‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬للعالم‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬الحالية،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬يريده‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬ولكن‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬فإن‭ ‬الجمهور‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬ونخبه‭ ‬وحكومته‭ ‬يرفضون‭ ‬حتى‭ ‬طرح‭ ‬الفكرة‭ ‬للنقاش،‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تريد‭ ‬كتابة‭ ‬تاريخ‭ ‬آخر‭ ‬للمنطقة‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يبادر‭ ‬أصدقاؤها‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬ومن‭ ‬يعتقد‭ ‬أنها‭ ‬معجزة‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬أرضه‭ ‬إلى‭ ‬كبح‭ ‬جماحها،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬تجب‭ ‬الخشية‭ ‬منه‭ .‬

وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬التلويح‭ ‬بإقامة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬هو‭ ‬لمجرد‭ ‬شراء‭ ‬الوقت‭ ‬وإدارة‭ ‬الصراع‭ ‬ليس‭ ‬إلا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ترفض‭ ‬الكلام‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الخدعة‭.. ‬هذا‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬التحول‭ ‬الذي‭ ‬أصاب‭ ‬الرؤية‭ ‬والرأي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العزلة‭ ‬والمزيد‭ ‬من‭ ‬العنف‭.‬

 

{ رئيس‭ ‬مركز‭ ‬القدس‭ ‬للدراسات‭ ‬

المستقبلية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬القدس

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا