أعلن الكيان الصهيوني منذ بداية عدوانه على قطاع غزة عن أهدافه التي ينوي تحقيقها من وراء هذا العدوان منها على وجه الخصوص القضاء على حركة حماس وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء واستعادة المحتجزين والأسرى إلى غير ذلك من الأهداف الفرعية المعلنة وغير المعلنة، حيث وبعد مرور 4 أشهر على هذا العدوان فإنه وبالرغم من اجتياح إسرائيل لغزة وتدميرها لأوجه الحياة المختلفة فيها فإنها لم تستطع إلى تاريخه لا استعادة المحتجزين ولا القضاء على المقاومة المسلحة ولا تهجير الفلسطينيين إلى خارج قطاع غزة مما زاد من إحباط الحلف السياسي العسكري الإسرائيلي الذي تمثله حكومة الحرب اليمينية المتطرفة مما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن إنهاء هذه المواجهة بالوسائل العسكرية يكاد يكون مستحيلا.
فعلى صعيد استعادة المحتجزين بات واضحا أن استعادتهم غير ممكنة بالوسائل العسكرية والاستخباراتية وأن الطريق الوحيد لذلك هو بالوسائل الدبلوماسية والمفاوضات بين المقاومة ودولة الاحتلال ويؤكد ذلك أن العدد الذي تم إطلاقه من المحتجزين قد تم فقط بالوسائل السلمية وعن طريق الوسطاء مما يؤكد أن القوة العسكرية الجبارة التي استخدمت في تدمير غزة وقتل 30 ألف مدني وإصابة أكثر من 60 ألف مدني لم تنجح أبدا في تحقيق هدف واحد من أهداف إسرائيل وعلى رأس هذه الأهداف استعادة هؤلاء المحتجزين الذين يزيد عددهم على 100 شخص بالرغم من العنف الهائل الذي مارسه الجيش الإسرائيلي وفرض سيطرته العسكرية على قطاع غزة.
على صعيد السيطرة على المدن في غزة شمال ووسط وجنوب وخاصة مدينة خان يونس ورفح تبين أن السيطرة الوحيدة التي حققتها إسرائيل هي تدمير المباني والطرقات والبنية التحتية والمستشفيات والمدارس إلا إنها مع ذلك وبالرغم من وجودها الدائم بين أنقاض هذه المدن فإنها لا تزال غير قادرة على السيطرة عليها بالمعنى الأمني أو العسكري أو السياسي حيث لا تزال تتعرض إلى الضربات تلو الضربات وبالتالي يعطينا هذا الوضع فكرة عن استحالة عودة إسرائيل في المستقبل للسيطرة المباشرة على قطاع غزة لأن كل مواطن غزاوي هو مشروع مقاوم.
أما بخصوص القضاء على المقاومة فقد تبين خلال المواجهة أن هذا الهدف بعيد المنال تماما بالرغم من الخسائر التي ألحقها جيش الاحتلال الإسرائيلي بالقوى المقاومة وتشير التقديرات الإعلامية والسياسية إلى أن أكثر من 70% من قوة المقاومة لا تزال موجودة ومتحركة وفاعلة وقادرة على إلحاق الأذى بالجيش الإسرائيلي بل قادرة اليوم على ضرب المدن الإسرائيلية بالصواريخ بما في ذلك العاصمة تل أبيب وهذا معناه في النهاية أن هدف القضاء على قوة المقاومة لا يمكن تحقيقه على المدى المنظور مما أصاب بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة بنوع من الجنون جعله يرفض جميع المبادرات الأمريكية والأوروبية والعربية لأن القادة العسكريين الإسرائيليين محبطون تماما بالرغم من القوة التي استخدموها فإن قواتهم لا تزال تضرب في كل مكان بل من الواضح أن حساباتهم ومعلومات استخباراتهم لم تكن دقيقة وإن تقديراتهم بأن الأنفاق تمتد إلى160 كيلومترا غير صحيحة تماما ولذلك فمن المستحيل القضاء اليوم على المقاومة.
إن هذه الهزيمة الاستراتيجية التي وقعت فيها إسرائيل يبدو في الحقيقة إن لها ثلاثة أسباب:
الأول: إن إسرائيل لم يعد بإمكانها استخدام قوتها العسكرية لتحقيق أهدافها السابقة وإن استمرار وجودها لن يحقق الاستقرار على المدى البعيد وإن تحقيق الاستقرار فقط من خلال العودة إلى الشرعية الدولية والقبول بحل الدولتين والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وبدولته المستقلة ذات السيادة.
الثاني: إن المجتمع الفلسطيني في غزة والضفة الغربية لا يمكن أن يقبل بالتهجير وإنه سوف يظل يقاوم بكل شراسة وإن المراهنة على النسيان أصداؤها فاشلة.
الثالث: إن الرأي العام الدولي بدأ يتغير بشكل واضح وجلي لأن أجيالا جديدة متحررة من الإعلام التقليدي الذي تهيمن عليه الأوساط الصهيونية في الغرب ويعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي، بدأ يرفض بوضوح وبشكل علني الخرافات الإسرائيلية حول أرض الميعاد وبدأ يتعاطف بشكل واضح مع حقوق الشعب الفلسطيني وقد رأينا ذلك خلال الأشهر الماضية في أغلب عواصم العالم ولذلك ليس أمام إسرائيل إلا القبول بالسلام وبالشرعية الدولية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك