يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
مأساة عالم بلا زعامات
الأستاذ أنور عبدالرحمن رئيس التحرير لديه وجهة نظر يرددها كثيرا في السنوات الماضية. في رأيه أن أحد أكبر مشاكل العالم اليوم، وأحد أكبر أسباب أزماته ومآسيه، أنه لم تعد توجد في العالم زعامات تاريخية كبرى.
يقول الأستاذ أنور إن عالم اليوم لا توجد به زعامات لها من المكانة والوزن والتأثير ما كان لزعامات مثل جمال عبدالناصر، أو نهرو، أو ماوتسي تونج، أو تشرشل، أو ايزنهاور. هذا بالطبع دون أن نذكر الزعامات الكبرى التي شهدها العالم عبر القرون السابقة في كل مراحل تطور البشرية.
وفي رأيه أنه لو كان في عالم اليوم زعامات بمثل هذا الوزن والتأثير والمكانة لما كان العالم قد وصل إلى ما وصل إليه من فوضى وضياع وانهيار للأمن والاستقرار وانهيار حتى للقيم والمبادئ الأخلاقية والقانونية الدولية التي من المفروض أنها حاكمة للنظام الدولي ولسلوك الدول.
هذه القضية موضع تحليل وجدل فكري وسياسي واسع في العالم منذ سنين طويلة. في هذا الجدل هناك قضايا كثيرة مطروحة. كيف تظهر الزعامة في التاريخ؟.. هل الأمر متعلق فقط بالمواهب والقدرات الفطرية والكاريزما التي يمتلكها البعض؟ أم إن الظروف المحيطة هي التي تلعب الدور الأكبر في ظهور الزعيم؟.. وكيف نفسر انتهاء عصر الزعامات في عالم اليوم؟.. وهكذا.
الأمر المؤكد في كل الأحوال أنه على امتداد تاريخ البشرية فإن زعامات أحدثت تحولا جذريا هائلا في تاريخ الأمم والشعوب وتاريخ البشرية كلها. ويصعب تصور حدوث هذه التحولات الكبرى ما لم توجد هذه الزعامات. ينطبق هذا على أدوار الزعامات السياسية والشعبية والفكرية.
هل كان من الممكن مثلا أن تشهد حركة التحرر الوطني في العالم الثالث كل هذا الزخم والقوة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لو لم توجد زعامات مثل عبدالناصر ونهرو وتيتو وكاسترو؟ هل كان من الممكن مثلا على صعيد الفكر الإنساني أن يشهد العالم الثورة الاشتراكية الفكرية والسياسية في مقابل الفكر الرأسمالي لو لم يوجد كارل ماركس؟.. هل كان من الممكن مثلا أن تشهد أوروبا حركة الإصلاح الديني التي قادت في النهاية إلى تأسيس الدولة الحديثة لو لم يوجد مارتن لوثر؟.. هل كان من الممكن مثلا أن نشهد الصين اليوم وقد أصبحت من أكبر القوى العظمى في العالم تثير فزع وخوف الغرب لو لم يظهر ماوتسي تونج؟.. هل كان من الممكن مثلا أن تشهد مصر الحديثة ما شهدته من نهضة لو لم يوجد زعيم مثل محمد علي؟
قل مثل هذا كثير جدا عن دور الزعامة في التاريخ.
المهم أني فكرت كثيرا في هذه الفكرة التي يثيرها الأستاذ أنور عبدالرحمن عن تأثير غياب الزعامة في عالم اليوم، وأنا أتابع كما الكل تطورات ما يجري في العالم وفي مقدمتها حرب الإبادة في غزة.
القضية هنا أن غزة تشهد أشنع حرب إبادة في التاريخ ضد شعب فلسطيني أعزل. هذه الإبادة وصمة عار على العالم كله. أغلب الدول الغربية بادرت في البداية واتخذت موقفا إجراميا بتأييد الكيان الصهيوني بشكل مطلق. وبعد أن وصلت الحرب إلى ما وصلت إليه من همجية، تقول اليوم إنها تريد وقف الحرب، وتريد إقامة دولة فلسطينية.. وهكذا. ومع ذلك تقف عاجزة تماما ولا تستطيع أن تفرض على الإرهابيين الصهاينة أي شيء مما تريد.
السؤال هو: لو كان في الدول الغربية اليوم زعيم له ما للزعامة من وزن وتأثير، هل كانت ستتخذ هذه المواقف المخزية من حرب إبادة غزة؟
هل كان رؤساء وقادة الدول الغربية سيقفون هكذا أذلاء خائفين أمام إرهابي مجرم حرب وإبادة مثل نتنياهو عاجزين عن أن يفعلوا شيئا؟
بالطبع من الممكن أن نقول مثل هذا عن الدول العربية وعجزها وهوانها أمام إبادة أهلنا في غزة.
للحديث بقية بإذن الله
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك