العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هل هي حرب على غزة أم حرب على القضية الفلسطينية؟

بقلم: د. هبة الحسيني {

الأربعاء ٢١ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

بعد‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭ ‬منذ‭ ‬هجوم‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023م،‭ ‬والذي‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬1200‭ ‬شخص‭ ‬واختطاف‭ ‬240‭ ‬آخرين،‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬نهاية‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬للحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

وأثار‭ ‬مقتل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬27‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني،‭ ‬بحسب‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬احتجاجات‭ ‬عالمية‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أصدرته‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬26‭ ‬يناير‭ ‬ويحث‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬تجنب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬قواتها‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬القتال‭ ‬مستمر‭. ‬ويتساءل‭ ‬الفلسطينيون‭: ‬ما‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الألم‭ ‬والمعاناة‭ ‬عندما‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬إسرائيل‭ ‬أهدافها‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬اقتلاع‭ ‬حماس‭ ‬أو‭ ‬تدمير‭ ‬قدرتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬ولم‭ ‬تتوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬لإطلاق‭ ‬سراح‭ ‬الرهائن‭ ‬المتبقين‭ ‬مقابل‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬سجناء‭ ‬فلسطينيين؟

هل‭ ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬حقيقية‭ ‬على‭ ‬حماس؟‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬بالأحرى،‭ ‬كما‭ ‬نراها‭ ‬نحن‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬حرب‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وحملة‭ ‬لمنع‭ ‬إنشاء‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية،‭ ‬كما‭ ‬أعلن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬علناً‭ ‬وبشكل‭ ‬متكرر؟

وعندما‭ ‬سئلنا‭ ‬عما‭ ‬يريده‭ ‬الفلسطينيون،‭ ‬أجبنا‭: ‬إنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬وممارسة‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬بحرية‭ ‬وأمن‭ ‬وأمان‭ ‬في‭ ‬دولتنا‭ ‬المستقلة‭ ‬ذات‭ ‬الحدود‭ ‬الواضحة‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تحقيقها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سلام‭ ‬دائم‭ ‬يتم‭ ‬التفاوض‭ ‬عليه‭.‬

فالفلسطينيون‭ ‬يريدون‭ ‬ما‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬الحرة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الكرامة‭ ‬والرفاهية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والرخاء‭. ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬الحرب‭ ‬أو‭ ‬الدمار،‭ ‬أو‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬الألم‭ ‬والمعاناة‭ ‬أو‭ ‬خسارة‭ ‬الأرواح‭ ‬البشرية‭.‬

وكان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬الكثيرين‭ ‬منا‭ ‬يشعرون‭ ‬بالابتهاج‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬اتفاقيتي‭ ‬أوسلو‭ ‬الأولى‭ ‬وأوسلو‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬التسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقيات،‭ ‬اعترفت‭ ‬إسرائيل‭ ‬ومنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ببعضهما‭ ‬البعض‭.‬

وكان‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬هو‭ ‬تبادل‭ ‬الأرض‭ ‬مقابل‭ ‬السلام‭ ‬وإنشاء‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬لإقامة‭ ‬الدولتين‭. ‬لقد‭ ‬اعتقدنا‭ ‬أننا‭ ‬تصالحنا‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬وأن‭ ‬نهاية‭ ‬الاحتلال‭ ‬وهذا‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬دام‭ ‬عقوداً‭ ‬قد‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬الأفق‭.‬

ومن‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تنفيذها‭ ‬قط،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سمح‭ ‬للتطرف‭ ‬بالتوسع‭ ‬والتنامي‭ ‬على‭ ‬الجانبين،‭ ‬فيما‭ ‬ظلت‭ ‬العلاقة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تتسم‭ ‬بعدم‭ ‬الثقة‭ ‬والرفض‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭.‬

عندما‭ ‬يسعى‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬دولة،‭ ‬يقول‭ ‬كثيرون‭ ‬آخرون‭ ‬إن‭ ‬القضايا‭ ‬معقدة‭ ‬للغاية‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬حلها‭ ‬بشكل‭ ‬واقعي‭. ‬إسرائيل‭ ‬تقول‭ ‬لنا‭ ‬إن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نكتفي‭ ‬بالعيش‭ ‬تحت‭ ‬سيطرتها‭ ‬السيادية‭.‬

تريد‭ ‬إسرائيل‭ ‬مواصلة‭ ‬تكريس‭ ‬ذات‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬بتقديم‭ ‬تصاريح‭ ‬عمل‭ ‬مؤقتة‭ ‬يمكن‭ ‬إلغاؤها‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬لنحو‭ ‬160‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني‭ ‬للقيام‭ ‬بأعمال‭ ‬يدوية‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭.‬

هذا‭ ‬الوضع‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يسمح‭ ‬أيضا‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بإحكام‭ ‬قبضتها‭ ‬على‭ ‬وارداتنا‭ ‬ويفرض‭ ‬علينا‭ ‬رسومًا‭ ‬لأنه‭ ‬ليس‭ ‬لدينا‭ ‬حدود‭ ‬دولية،‭ ‬إذ‭ ‬تسيطر‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬أرضنا‭ ‬وأجوائنا‭ ‬وبحرنا‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬يتيح‭ ‬لإسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تبيعنا‭ ‬المياه‭ ‬والطاقة‭ ‬والوقود‭ ‬والغذاء‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الضروريات‭ ‬لأنها‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬حدودنا‭ ‬الخارجية‭ ‬وحتى‭ ‬الحدود‭ ‬الداخلية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شبكة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬نقاط‭ ‬التفتيش‭ ‬العسكرية‭ ‬داخل‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭.‬

قطاع‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬معزولان‭ ‬عن‭ ‬بعضهما‭ ‬البعض‭. ‬إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬كيف‭ ‬ومتى‭ ‬يمكننا‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬فلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭.‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والإسرائيليين‭ ‬لديهم‭ ‬اختلافات‭ ‬جوهرية‭ ‬في‭ ‬القيم‭. ‬إن‭ ‬قواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬وضعها‭ ‬بعد‭ ‬أهوال‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬تنطبق‭ ‬على‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بالتساوي‭.‬

إن‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬هيمنت‭ ‬على‭ ‬السياسة‭ ‬العالمية‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬تسمح‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بجني‭ ‬فوائد‭ ‬نظام‭ ‬القيم‭ ‬الدولي،‭ ‬لكن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬يحرمون‭ ‬من‭ ‬ذلك‭. ‬

وعندما‭ ‬قتلت‭ ‬حماس‭ ‬1200‭ ‬إسرائيلي‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي،‭ ‬فقد‭ ‬أشعل‭ ‬ذلك‭ ‬فتيل‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬مقتل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬27‭ ‬ألف‭ ‬مدني‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

وقد‭ ‬دُفن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬8000‭ ‬شخص‭ ‬تحت‭ ‬الأنقاض،‭ ‬وأصيب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬65000‭ ‬شخص،‭ ‬ونزح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1‭.‬7‭ ‬مليون‭ ‬شخص،‭ ‬أي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬75‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬السكان،‭ ‬وأجبروا‭ ‬على‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬خيام‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أحياء‭ ‬ضيقة‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬غزة‭. ‬وتدافع‭ ‬إسرائيل‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬باعتباره‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬النفس‭.‬

ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬عندما‭ ‬تتعرض‭ ‬للهجوم‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬وخاصة‭ ‬سكانها‭ ‬المدنيين‭. ‬ويجب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬أن‭ ‬تحمي‭ ‬مواطنيها‭ ‬من‭ ‬الاختطاف‭.‬

تستطيع‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك،‭ ‬لكن‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬أو‭ ‬حماية‭ ‬أطفالها‭ ‬وسكانها‭ ‬المدنيين‭.‬

منذ‭ ‬أن‭ ‬أخلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬مستوطناتها‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2005،‭ ‬ظلت‭ ‬حماس‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬وسكانه‭ ‬المدنيين،‭ ‬فيما‭ ‬استمرت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭. ‬وبعد‭ ‬صراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬مع‭ ‬فتح،‭ ‬الذراع‭ ‬السياسية‭ ‬لمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬تخوض‭ ‬انتخابات‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬حكمت‭ ‬حماس‭ ‬غزة‭.‬

منذ‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬والغزو‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المدمر‭ ‬لغزة،‭ ‬تظهر‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬الدعم‭ ‬لحماس‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬أقل‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

أما‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬والقدس‭ ‬الشرقية،‭ ‬حيث‭ ‬أعيش،‭ ‬فهي‭ ‬قصة‭ ‬أخرى‭. ‬لقد‭ ‬رأينا‭ ‬أرضنا‭ ‬تتقلص‭ ‬لصالح‭ ‬المستوطنات‭ ‬الإسرائيلية؛‭ ‬ويعيش‭ ‬الآن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬700‭ ‬ألف‭ ‬مستوطن‭ ‬إسرائيلي‭ ‬في‭ ‬وسطنا‭.‬

أصبح‭ ‬حقنا‭ ‬في‭ ‬العبادة‭ ‬في‭ ‬أماكننا‭ ‬المقدسة‭ ‬مقيدا‭ ‬لأن‭ ‬سكان‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وغزة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يحصلوا‭ ‬على‭ ‬تصاريح‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬لدخول‭ ‬القدس‭.‬

ويعيش‭ ‬ملايين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬اللاجئين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬والقدس‭ ‬الشرقية‭. ‬لقد‭ ‬فرت‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬أو‭ ‬شردتهم‭ ‬المستوطنات‭ ‬اليهودية‭ ‬اللاحقة‭.‬

أما‭ ‬اليوم،‭ ‬فإن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية‭ ‬والجزء‭ ‬الذي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليه‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬غير‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬مراكزنا‭ ‬الحضرية‭ ‬لتلبية‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬لدينا،‭ ‬أو‭ ‬تحسين‭ ‬شبكات‭ ‬النقل‭ ‬لدينا،‭ ‬أو‭ ‬استغلال‭ ‬مواردنا‭ ‬الطبيعية‭ ‬لأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬تصاريح‭ ‬البناء‭ ‬لدينا‭ ‬وتفضل‭ ‬مستوطناتها‭.‬

وبينما‭ ‬يعاني‭ ‬سكاننا‭ ‬من‭ ‬المنازل‭ ‬المكتظة‭ ‬والطرق‭ ‬السيئة،‭ ‬نرى‭ ‬مدنًا‭ ‬ومراكز‭ ‬حضرية‭ ‬استيطانية‭ ‬إسرائيلية‭ ‬بأكملها‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭.‬

تاريخياً،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬أبداً‭ ‬أسياد‭ ‬مصيرهم‭. ‬بدأ‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬الانتداب‭ ‬البريطاني‭ ‬على‭ ‬فلسطين‭ ‬عام‭ ‬1918‭ ‬وما‭ ‬تلا‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬هجرة‭ ‬يهودية‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭. ‬ثم،‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬احتلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬هذه‭ ‬الأراضي‭.‬

لقد‭ ‬مهّد‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬المحدود‭ ‬الذي‭ ‬أنشأته‭ ‬اتفاقيات‭ ‬أوسلو‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1995‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ليصبحوا‭ ‬أسياد‭ ‬مصيرنا،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬ينفذ‭ ‬بالكامل‭ ‬قط‭. ‬وعندما‭ ‬تراجعت‭ ‬آفاق‭ ‬السلام،‭ ‬تبددت‭ ‬آمالنا‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭.‬

إن‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬للإسرائيليين‭ ‬والفلسطينيين‭ ‬والمنطقة‭ ‬برمتها‭ ‬يتطلب‭ ‬تحقيق‭ ‬رؤية‭ ‬الدولتين‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬بأوسلو‭ ‬الأولى‭ ‬وأوسلو‭ ‬الثانية‭.‬

إن‭ ‬الأفق‭ ‬السياسي‭ ‬الآن‭ ‬مناسب،‭ ‬ولكن‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تعزيز‭ ‬مكانتها‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬أصدقائها‭ ‬العرب‭ ‬واتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬حاسمة‭ ‬لدعوة‭ ‬الجانبين‭ ‬إلى‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬ومنع‭ ‬تصعيد‭ ‬الحرب‭.‬

ولا‭ ‬يمكن‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أن‭ ‬تسمح‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بأن‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬حرب‭ ‬استنزاف‭ ‬مقدر‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬لأشهر‭ ‬عديدة‭ ‬أخرى‭. ‬لقد‭ ‬أدت‭ ‬استراتيجية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وسياستها‭ ‬تجاه‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬حروب‭ ‬متتالية‭ ‬وصعود‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬إيران‭.‬

وقد‭ ‬تركزت‭ ‬هذه‭ ‬الحروب‭ ‬حول‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين؛‭ ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تجاهل‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭. ‬لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬التكلفة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬جميعا‭ ‬مرتفعة‭ ‬للغاية‭.‬

ويبقى‭ ‬السؤال‭ ‬الكبير‭: ‬من‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أن‭ ‬يمثله‭ ‬وكيف‭ ‬ينبغي‭ ‬اختيار‭ ‬ذلك‭ ‬الشخص‭ ‬أو‭ ‬المجموعة؟‭ ‬إنه‭ ‬سؤال‭ ‬صعب‭ ‬للغاية،‭ ‬ونحن‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬نتصارع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الإجابة‭ ‬الصحيحة‭ ‬بأنفسنا‭.‬

إن‭ ‬أفضل‭ ‬طريق‭ ‬لحل‭ ‬مسألة‭ ‬الزعامة‭ ‬يتلخص‭ ‬في‭ ‬إجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬تتمكن‭ ‬فيها‭ ‬الأحزاب‭ ‬المستقلة،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬ممثلو‭ ‬حماس‭ ‬أو‭ ‬فتح،‭ ‬من‭ ‬الترشح‭ ‬لمنصب‭ ‬الرئيس‭ ‬والبرلمان‭.‬

وفي‭ ‬الواقع،‭ ‬عندما‭ ‬أعلن‭ ‬رئيس‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬محمود‭ ‬عباس‭ ‬إجراء‭ ‬الانتخابات‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬انضم‭ ‬36‭ ‬حزباً‭ ‬مستقلاً‭ ‬إلى‭ ‬قوائم‭ ‬المرشحين‭.‬

وهذا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الجمهور‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يريد‭ ‬تغييرات‭ ‬كبيرة‭ ‬ومستعد‭ ‬للانتقال‭ ‬من‭ ‬حماس‭ ‬أو‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬وربما‭ ‬تكون‭ ‬النتيجة‭ ‬الأكثر‭ ‬ترجيحاً‭ ‬هي‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬ائتلافية‭.‬

ويريد‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬حكومة‭ ‬تمثيلية‭ ‬يمكنها‭ ‬تقديم‭ ‬الخدمات‭ ‬والأمن‭. ‬إنهم‭ ‬يريدون‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وإنهاء‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وفلسطين‭ ‬محررة‭.‬

هذا‭ ‬أمر‭ ‬طويل‭ ‬جدًا،‭ ‬لكنه‭ ‬يمثل‭ ‬الطريقة‭ ‬الوحيدة‭ ‬لمنح‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬الذي‭ ‬يستحقونه،‭ ‬مثل‭ ‬كل‭ ‬البشر‭ ‬وسائر‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإنسانية‭.‬

 

{‭ ‬مواطنة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مقيمة‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬وتمارس‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭. ‬عملت‭ ‬مستشارا‭ ‬قانونيا‭ ‬لمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬خلال‭ ‬المفاوضات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬–‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بين‭ ‬1994‭ ‬و2008،‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬مبادرات‭ ‬السلام‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا