يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
أمريكا تبحث عن رئيس
تحدثت في المقال السابق عن أزمة غياب الزعامات التاريخية في عالم اليوم وتأثير هذا الغياب على الفوضى السائدة اليوم والمآسي التي يشهدها العالم.
لا يمكن أن نتحدث عن أزمة غياب الزعامات التي لها مكانة ووزن وتأثير من دون أن نتطرق بوجه خاص إلى ما يجري في أمريكا اليوم.
أمريكا كما نعلم مقبلة على انتخابات للرئاسة بعد أشهر. مشهد الانتخابات يتصدره اثنان هما حتى الآن المرشحان للرئاسة. أحدهما رئيس حالي هو الرئيس بايدن، والثاني رئيس سابق هو دونالد ترامب.
الكل، ليس في داخل أمريكا فقط، بل في العالم كله، يعلم أن هناك مشاكل كبرى تتعلق بجدارة المرشحين للترشح وقيادة أمريكا في السنوات القادمة.
الأمر الغريب أن الموضوع الرئيسي في أمريكا اليوم في الجدل حول ترشح بايدن وترامب، ليس الاختلاف أو الاتفاق حول مواقفهما وسياساتهما الداخلية والخارجية والاختيار بينهما على هذا الأساس كما هو مفترض، وإنما يدور حول أمر آخر تماما هو موضوع القدرات العقلية والإدراكية.
من منطلق هذا الموضوع، ولأسباب أخرى، فإن أغلب الناس في أمريكا، وبغض النظر عن انتماءاتهم الأيديولوجية والحزبية والسياسية العامة، لديهم قناعة بأن الاثنين لا يصلحان لقيادة أمريكا في المرحلة القادمة.
ومتابعة التقارير عما يجري في أمريكا بهذا الخصوص تؤكد أن الحزبين الكبيرين في ورطة حقيقية. الحزب الديمقراطي يشغله اليوم احتمال ألا يستطيع بايدن أن يترشح وأن تحول حالته الصحية والعقلية مثلا دون ذلك.. ماذا يفعل الحزب، ومن يرشح؟ والحزب الجمهوري أيضا لديه نفس الهاجس. ماذا لو أن القضاء الأمريكي مثلا قرر منع ترامب من الترشح؟.. ما العمل ومن يرشح؟
إذا تأملنا هذا الأمر فسنجده عجيبا ومذهلا.
كأن أمريكا، هذه الدولة العظمى، أصبحت عقيمة غير قادرة على أن تنجب قادة موثوقين قادرين على قيادة البلاد؟.. كأن أمريكا لم يعد بمقدورها سوى أن تقدم مرشحين طاعنين في السن أحوالهما العقلية والصحية ليست على ما يرام.
ما وجه الغرابة هنا؟
وجه الغرابة أنه في أمريكا والغرب عموما ظلوا عبر عقود يعطون العالم الدروس حول التجربة الديمقراطية الليبرالية الرائدة التي من المفروض من وجهة نظرهم أن تسود العالم.
يقولون في الغرب إن نظامهم الديمقراطي الليبرالي رسخ حكم المؤسسات المستقلة وأطلق الحريات في كل المجالات، وأن هذا المناخ يفرز باستمرار قيادات جديدة في كل مجال تأخذ فرصتها الكاملة في الحكم وإدارة شؤون البلاد.
ويقولون في الغرب باستمرار إنه لهذا فإن الحكم هو حكم مؤسسي، ولا يمكن أن يكون حكم فرد ينفرد بالسلطة. ودأبوا في الغرب على توجيه الانتقادات الشديدة إلى دول العالم غير الغربي التي في رأيهم لا تعرف حكم المؤسسات ويسود فيها حكم الفرد مع عدم وجود آيات تتيح تداول السلطة وبروز قيادات جيدة.
بغض النظر عن الموقف من هذه الآراء ومدى صحتها نظريا إلا أننا لا نملك إلا أن نستغرب لحال بلد مثل أمريكا تعتبر أن ديمقراطيتها هي الرائدة في العالم. إذا كان كل ما يقولونه صحيحا عن نظمهم السياسية، فكيف نفسر إذن الورطة التي تعيش فيها أمريكا اليوم في طريقها لانتخابات الرئاسة، وكأنها أصبحت رهينة بيد اثنين فقط، هما أصلا في رأي الكثيرين في أمريكا نفسها ليسا أهلا لحكم البلاد؟.. كيف نفسر أن أمريكا بكل تجربتها الديمقراطية تبحث اليوم عن مرشح تثق فيه وفي قدراته وإمكانياته لرئاسة البلاد؟
الحقيقة أن النظم الغربية في أزمة تاريخية عميقة. وهذه الأزمة هي على أي حال موضع جدل واسع جدا في أوساط الباحثين وعلماء السياسة في الغرب منذ سنوات طويلة.
وللإنصاف، الأزمة ليست قصرا على الغرب وحده. كل النظم السياسية في العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا تعيش أزمة وإن بأشكال وأبعاد مختلفة. وأحد تجليات هذه الأزمة في العالم كله غياب الزعامات التاريخية.
لكن من يدري. لعل المستقبل سوف يشهد ظهور مثل هذه الزعامات القادرة على أن تحدث تحولات جذرية في العالم وأحواله نحو الأفضل والأكثر عدلا وإنصافا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك