يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
رؤية 2050 والتوافق الوطني
منذ أن أطلق جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المشروع الإصلاحي الكبير أرسى أسس فلسفة التوافق الوطني.
سبق لي أن كتبت عن أبعاد فلسفة التوافق والحكمة من ورائها.
حين أرسى جلالة الملك أسس هذه الفلسفة كان وراء ذلك ايمان عميق بأنه فيما يتعلق بالقضايا الكبرى في العمل الوطني ليس من المصلحة الوطنية ان ينفرد أحد او جهة واحدة بأن تقرر وحدها أو تضع وحدها الرؤى والتصورات.
كان وراء هذه الفلسفة ايمان عميق بأن هذه القضايا يجب ان تكون محل توافق عام في المجتمع وان تأتي أي رؤية أو تصور محصلة لهذا التوافق.
من شأن ذلك ان يضمن الرضا العام عن أي استراتيجية أو رؤية او سياسة، كما من شأنه ان يضمن الحماس في التنفيذ العملي. ومن شأنه في المحصلة النهائية ان يضمن مستقبلا أفضل للوطن والمواطن.
لهذا كانت رؤية جلالة الملك واضحة منذ البداية في أن أي تطوير او اصلاح جديد يجب ان يكون محصلة للتوافق الوطني بين مختلف قوى المجتمع.
من منطلق فلسفة التوافق الوطني جاءت توجيهات سمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء في الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء فيما يتعلق بصياغة رؤية البحرين الاقتصادية 2050.
سموه وجه بالبدء في إجراء مشاورات معَ السلطة التشريعية والقطاع الخاص والجمعيات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني، لصياغة رؤية البحرينِ الاقتصاديةِ 2050.
سموه برر الدعوة إلى إجراء هذه المشاورات مع قوى المجتمع من منطلق الحرص على أن تأتي الصياغة النهائية للرؤية ملبية لطموحات وتطلعات المجتمع.
اذن توجيهات سمو ولي العهد رئيس الوزراء على هذا النحو تعكس حرصا من الحكومة على ألا تنفرد هي وحدها بصياغة رؤية البحرين الاقتصادية 2050 وعلى ان تكون كل قوى المجتمع شريكا في هذه الصياغة.
يجب ان نقدر عاليا لسمو ولي العهد رئيس الوزراء الحرص على التوجيه بإعداد صياغة الرؤية مبكرا منذ الآن. هذا يعني في حد ذاته حرصا على التخطيط السليم للمستقبل.
الآن، تتحمل السلطة التشريعية وكل الجمعيات السياسية وقوى المجتمع المدني ومنظماته في كل المجالات مسؤولية أساسية عن صياغة الرؤية.
يجب ان تدرك هذه القوى ان هذه مسألة لها أهمية استراتيجية بالغة. الرؤية الاقتصادية 2050 هي التي ستحكم بداهة كل العمل الحكومي على امتداد عشرين عاما. كل السياسات والخطط والمشاريع الحكومية ستكون محكومة بهذه الرؤية. من المفهوم بطبيعة الحال ان التطورات والمستجدات عبر هذه الفترة الزمنية من الممكن ان تفرض تعديلا أو تغييرا في بعض جوانب الرؤية، لكن ستبقى الصياغة الرئيسية هي الموجه الحاكم للعمل الحكومي والخطط والسياسات العامة.
لهذا من المفروض ان تبادر السلطة التشريعية وكل قوى المجتمع المدني ومنظماته بأداء دورها المفترض وان تدرك ان اسهامها بهذا الخصوص هي مهمة وطنية يجب القيام بها بلا تردد.
السلطة التشريعية وقوى المجتمع المدني مطالبة هنا في تقديرنا بثلاثة أمور محددة:
الأمر الأول: أن تبادر وتبدي ملاحظاتها فيما يتعلق بتقييم الرؤية الحالية 2030. وقد طلب سمو ولي العهد رئيس الوزراء بالفعل إجراء هذا التقييم.
المطلوب هنا ابداء الآراء حول ما تحقق من الخطة، وحول الجوانب الإيجابية واوجه القصور في تطبيق الخطة.. وهكذا.
هذا التقييم مهم لأنه يلقي أضواء على خطة 2050 وكيف يجب ان تكون.
والأمر الثاني: ان تبادر هذه القوى بتقديم صياغتها الخاصة لرؤية 2050 الاقتصادية، من حيث الأسس التي يجب ان تقوم عليها، والأهداف الكبرى التي يجب ان تسعى إلى تحقيقها، والخطط والسياسات الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف.
نقصد هنا ان السلطة التشريعية والقوى المدنية يجب الا تنتظر حتى يتم عرض صياغة للرؤية عليها ثم تبدي ملاحظاتها بعد ذلك.
والأمر الثالث: ان تقدم هذه القوى تصورا بالإصلاحات التي ترى انها ضرورية في مختلف المجالات لتحقيق اهداف الرؤية كما تحددها من وجهة نظرها وكي تأتي بالفعل تلبية لطموحات ومطالب المواطنين.
مطلوب من السلطة التشريعية وقوى المجتمع المدني ان تبادر وان تعد تصوراتها لرؤية 2050 على ضوء هذه الجوانب الثلاثة إذا أردنا ان تأتي الرؤية تجسيدا بالفعل لفلسفة التوافق الوطني التي أرساها جلالة الملك.
اما ان تقاعست هذه القوى عن أداء دورها وتقديم تصوراتها، فليس من المقبول ان تأتي بعد ذلك حين يتم عرض صياغة للرؤية وتبدي التحفظات وتوجه الانتقادات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك