العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

آرون بوشنيل.. أنعيكَ شَهيدًا!

بقلم: روني ألفا

الجمعة ٠١ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

توفي‭ ‬الجندي‭ ‬الأمريكي‭ ‬آرون‭ ‬بوشنيل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أضرم‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬جسده‭ ‬على‭ ‬مدخل‭ ‬سفارة‭ ‬الكيان‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الأمريكية‭. ‬بقدّاحة‭ ‬صغيرة‭ ‬أشعل‭ ‬آرون‭ ‬بزّته‭ ‬العسكرية‭. ‬لم‭ ‬تتجاوب‭ ‬معه‭ ‬القداحة‭ ‬فأصرّ‭ ‬على‭ ‬قدحها‭ ‬مرات‭ ‬عدة‭. ‬شهادة‭ ‬عن‭ ‬سابق‭ ‬تصور‭ ‬وتصميم‭.‬

آرون‭ ‬لم‭ ‬تحرقه‭ ‬داعش‭. ‬حرقته‭ ‬إسرائيل‭ ‬ربيبة‭ ‬داعش‭. ‬كان‭ ‬متخصصًا‭ ‬بالرصد‭ ‬التجسسي‭ ‬الإلكتروني‭. ‬قيادته‭ ‬قتلت‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭ ‬مئات‭ ‬المقاومين‭ ‬الذين‭ ‬واجهوا‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬وفلسطين‭ ‬واليمن‭ ‬وفيتنام‭ ‬وأفغانستان‭.‬

شهد‭ ‬آرون‭ ‬على‭ ‬التنسيق‭ ‬مع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬العرب‭. ‬كان‭ ‬يتصرف‭ ‬بأمر‭ ‬الطاعة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتمرّد‭ ‬على‭ ‬قيادته‭ ‬بحرق‭ ‬نفسه‭. ‬كان‭ ‬بإمكانه‭ ‬أن‭ ‬يهرب‭ ‬من‭ ‬الخدمة‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يستقيل‭ ‬لكنه‭ ‬فضَل‭ ‬الموت‭ ‬الطوعي‭ ‬عن‭ ‬الاستقالة‭.‬

ما‭ ‬حدث‭ ‬لآرون‭ ‬بمثابة‭ ‬حرب‭ ‬على‭ ‬عقيدة‭ ‬غير‭ ‬أخلاقية‭. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستهانة‭ ‬بهذا‭ ‬الحدث‭ ‬الذي‭ ‬هزّ‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬ومعها‭ ‬الوجدان‭ ‬الجَمعي‭ ‬للشعب‭ ‬الأمريكي‭.‬

الأمريكيون‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬إرهاصات‭ ‬صحوة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تأخذ‭ ‬اليوم‭ ‬طابع‭ ‬تمرّد‭ ‬الشعب‭ ‬على‭ ‬قيادته‭ ‬السياسية‭ ‬ولكن‭ ‬بالتأكيد‭ ‬وعلى‭ ‬ضوء‭ ‬تصاعد‭ ‬حركة‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الأمريكي‭ ‬معطوفة‭ ‬على‭ ‬غلبة‭ ‬السردية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬بالتأكيد‭ ‬سيتحوّل‭ ‬آرون‭ ‬إلى‭ ‬رمز‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬الوعي‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬يعصف‭ ‬بوجدان‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭.‬

أبعد‭ ‬من‭ ‬حدث‭ ‬عادي‭. ‬بداية‭ ‬تفكك‭ ‬اللوبي‭ ‬الصهيوني‭ ‬المتحكم‭ ‬بالقرار‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬هي‭ ‬الأقوى‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬شبح‭ ‬فيتنام‭ ‬وأفغانستان‭ ‬والعراق‭ ‬وغزّة‭ ‬كان‭ ‬حاضرًا‭ ‬أمام‭ ‬سفارة‭ ‬الكيان‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭. ‬قليل‭ ‬من‭ ‬البنزين‭ ‬في‭ ‬مستوعب‭ ‬صغير‭ ‬للقهوة‭ ‬كان‭ ‬كافيًا‭ ‬لإشعال‭ ‬حرب‭ ‬كبيرة‭. ‬حرب‭ ‬رفض‭ ‬الحرب‭.‬

شعلة‭ ‬حقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬توهّجت‭ ‬باشتعال‭ ‬جسد‭ ‬آرون‭. ‬صراخه‭ ‬وهو‭ ‬يصيح‭: ‬‮«‬حرروا‭ ‬فلسطين‮»‬‭ ‬سيتردد‭ ‬طويلًا‭ ‬في‭ ‬ضمير‭ ‬رفاق‭ ‬سلاح‭ ‬آرون‭. ‬بالطبع‭ ‬سيقال‭ ‬‮«‬بناقص‭ ‬جندي‭ ‬لا‭ ‬يقدّم‭ ‬ولا‭ ‬يؤخر‮»‬‭. ‬غير‭ ‬صحيح‭. ‬آرون‭ ‬عبّر‭ ‬عن‭ ‬سرطان‭ ‬عقدي‭ ‬خبيث‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬علاج‭. ‬علاجه‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬هيمنة‭ ‬الصهاينة‭ ‬على‭ ‬أقوى‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬دولة‭ ‬فيها‭ ‬أرقى‭ ‬الجامعات‭ ‬وشعبها‭ ‬طيّب‭ ‬وسياستها‭ ‬قاتلة‭. ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬كان‭ ‬حاضرًا‭ ‬في‭ ‬مستوعب‭ ‬البنزين‭ ‬الذي‭ ‬أحرق‭ ‬جسد‭ ‬آرون‭.‬

صار‭ ‬آرون‭ ‬شهيدًا‭ ‬أسوة‭ ‬بشهداء‭ ‬غزّة‭. ‬من‭ ‬تكساس‭ ‬الأمريكية‭ ‬المكلومة‭ ‬باستشهاد‭ ‬ابنها‭ ‬إلى‭ ‬خان‭ ‬يونس‭ ‬يمكن‭ ‬التعزية‭ ‬بآرون‭ ‬كشهيد‭ ‬مكتمل‭ ‬أوصاف‭ ‬الشهادة‭. ‬كأنه‭ ‬استشهد‭ ‬في‭ ‬غزّة‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬فحسب‭.‬

مع‭ ‬شهداء‭ ‬غزّة‭ ‬الذين‭ ‬قضوا‭ ‬حرقًا‭ ‬بنار‭ ‬الصهاينة‭ ‬قضى‭ ‬آرون‭ ‬بالنار‭ ‬أيضًا‭. ‬عزّت‭ ‬به‭ ‬المقاومة‭ ‬كأحد‭ ‬مجاهديها‭. ‬لا‭ ‬دين‭ ‬ولا‭ ‬جنسية‭ ‬ولا‭ ‬مذهب‭ ‬للشهداء‭. ‬الأمريكي‭ ‬آرون‭ ‬شهيد‭ ‬أيضًا‭.‬

خمس‭ ‬وعشرون‭ ‬سنة‭ ‬كان‭ ‬عمر‭ ‬آرون‭. ‬كان‭ ‬بإمكانه‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬خمسين‭ ‬سنة‭ ‬إضافية‭. ‬أن‭ ‬ينهي‭ ‬شابٌ‭ ‬في‭ ‬مقتبل‭ ‬العمر‭ ‬حياته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬قضية‭ ‬حقّ‭ ‬ففي‭ ‬هذا‭ ‬شجاعة‭ ‬استثنائيَّة‭. ‬استشهاده‭ ‬ثقافة‭ ‬حياة‭ ‬بالتأكيد‭. ‬حياة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬رفض‭ ‬الذل‭. ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ ‬لا‭ ‬للأمريكيين‭ ‬فحسب‭ ‬ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬لو‭ ‬قدّرَ‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬أن‭ ‬يدفنوه‭ ‬لدفنوه‭ ‬شهيدًا‭.‬

مات‭ ‬آرون‭ ‬من‭ ‬فظاعة‭ ‬ما‭ ‬شهد‭ ‬عليه‭. ‬عمل‭ ‬في‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬والدعم‭ ‬الاستخباراتي‭. ‬التخطيط‭ ‬للقصف‭ ‬والاغتيال‭ ‬مرّ‭ ‬من‭ ‬المكاتب‭ ‬التي‭ ‬خدم‭ ‬فيها‭ ‬خلال‭ ‬حياته‭ ‬القصيرة‭. ‬صُوّرَ‭ ‬له‭ ‬العدو‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬عمامة‭ ‬أو‭ ‬بندقية‭ ‬مقاوم‭. ‬تيقّن‭ ‬أنه‭ ‬يقتل‭ ‬الإنسان‭ ‬والحق‭ ‬بالحياة‭ ‬والحرية‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭. ‬حتى‭ ‬اسمه‭ ‬الذي‭ ‬يشي‭ ‬بأصل‭ ‬يهودي‭ ‬لم‭ ‬يشفع‭ ‬له‭ ‬حتى‭ ‬يستمر‭ ‬بتصديق‭ ‬الكذبة‭. ‬أحرق‭ ‬اسمه‭ ‬أيضًا‭ ‬بحرق‭ ‬جسده‭. ‬وفاته‭ ‬أعطته‭ ‬آلاف‭ ‬الأسماء‭ ‬العربية‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬آرون‭ ‬جنديًا‭ ‬عاديًّا‭. ‬كان‭ ‬من‭ ‬خيرة‭ ‬الجنود‭. ‬عمل‭ ‬خصوصًا‭ ‬على‭ ‬تدريب‭ ‬ضميره‭. ‬مظاهر‭ ‬القوة‭ ‬والبأس‭ ‬في‭ ‬الجيوش‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬لتشكيل‭ ‬عقيدة‭. ‬القوة‭ ‬النارية‭ ‬دون‭ ‬ضمير‭ ‬تحرق‭ ‬من‭ ‬يستعملها‭. ‬هذا‭ ‬بالتحديد‭ ‬ما‭ ‬يحرق‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا