إن المتتبع الفذ لخط سير الحركة الأدبية للمرأة البحرينية، يلحظ أن إمارات النهوض بدأت منذ سبعينيات القرن المنصرم، والتي تأتي كنتيجة طبيعية لموقعية مملكة البحرين في إحراز السبق من حيث كونها أول دولة خليجية اضطلعت بمسؤولية تعليم المرأة منذ العام 1928، وهو ما أفضى إلى وصول المرأة إلى مواقع متقدمة في سلّم المناصب العليا القيادية كوزيرة ورئيسة جامعة وعميدة، وحصولها على درجات علمية رفيعة في مجال التدريس الجامعي، والبحث الأكاديمي وعضوية الهيئات والمراكز الدولية.
وفي سياق آخر كان للمرأة حضورها الفاعل في الحركة الأدبية لتشكل قطباً حيوياً في المشهد الثقافي عامةً فبرعت في الشعر العربي، والرواية والمقال والفنون التشكيلية والإسهامات الصحفية.
وباستعراض هذه المسيرة يمكننا التعويل على الورقة التحليلية التي قدمتها الكاتبة البحرينية فوزية محمد الرشيد عضو الاتحاد النسائي عن إسهامات المرأة الخليجية، وعلى وجه الخصوص المرأة البحرينية في الأدب والإبداع بمهرجان القرين الثقافي الثاني والعشرين المنعقد في الثلاثين من يناير لعام 2016، حيث سلطت الضوء على بداية تطور الرواية المكتوبة بأقلام نسائية، والفارق الزمني والفني الكبير بين أول رواية نسائية في البحرين في العام 1983، وما تلتها من كتابات نسائية أخرى في عام 2005.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن فوزية رشيد تعتبر أول امرأة بحرينية كتبت الرواية والقصة القصيرة (ثلاث روايات منشورة هي الحصار لعام 1983، تحولات الفارس الغريب في البلاد العاربة لعام 1990، القلق السري لعام 2000 وأربع مجموعات قصصية هي مرايا الظل والفرح لعام 1983، كيف صار الأخضر حجراً لعام 1986، امرأة ورجل لعام 1986، فوزية رشيد – الأعمال القصصية لعام 2006 إضافة إلى ليلى حسن صقر التي أصدرت رواية واحدة وتوقفت وهي بدرية تحت الشمس في عام 1997، وفتحية ناصر التي أصدرت أربع روايات تحت عناوين: المرأة التي أحب عام 2005، الرجل السؤال عام 2009، ثلاثية أبحث عن نفسي عام 2012، سيرة عاطفية توثيق لذاكرة الإحساس عام 2014.
ويعتبر كتاب «دور المرأة البحرينية في رفد الثقافة» مرجعاً فكرياً مهماً لرصد الحركة النسوية الثقافية للمرأة البحرينية، في هذا الصدد وهو خير دليل على المراحل التي مرت بها المرأة البحرينية عبر قرن من الزمن بما فيها المرحلة الأدبية والتي تعد مرحلة ازدهار فكري عاشتها ولا زالت تعايشها المرأة اليوم.
حيث تطرق د. منصور سرحان للنتاج الكتابي والفكري للمرأة في فترة السبعينات، مشيراً إلى أن د. أمل الزيانى أصدرت كتاب «البحرين» كأحد أهم المساهمات، وهي قليلة جداً في هذه الحقبة إذ بلغت أربعة كتب فقط، أحدها ديوان شعر لحمدة خميس، وقد تطور الإصدار والنتاج فيما بعد حيث تم التطرق لمواضيع غير مسبوقة تعنى بالمرأة والطفل والديكور وكتب الطهي.
مضيفاً أن سنوات دخول المرأة للتعليم وخوضها للحياة الأكاديمية رغم المعارضات الشديدة التي اعترضتها في بادئ الأمر، إلى جانب مشاركاتها الصحافية التي كانت تدونها على استحياء في بداية مشوارها دون ذكر اسمها أو الاكتفاء بالإشارة من خلال الأحرف جعلها اليوم متمرسة ومتمكنة في جميع المجالات الثقافية.
وأشار د. سرحان عبر منجزه الذي يعتبر أول كتاب يتطرق لرحلة المرأة البحرينية المليئة بالكفاح عبر قرنين من الزمن احتدم فيهما الصراع المجتمعي بين قوقعة المرأة وفق العادات والتقاليد الصارمة قديماً، وانطلاقها للتعليم وكيف تمكنت هذه الدرة من بلورة نفسها ثقافياً ومعرفياً.
وعطفاً على ما سبق، وتحديداً في العام 1973 صدر أول كتاب مطبوع لامرأة بحرينية يتحدث عن البحرين والخليج للسيدة أمل إبراهيم الزياني، كما صدرت العديد من الدواوين الشعرية إذ تم حصر 115 عنواناً في الأدب من بين 275 مؤلفاً ومن المؤلفات الأدبية، 81 ديوان شعر و22 قصة و7 روايات و6 مقالات أدبية وتعتبر حمدة خميس وفتحية عجلان من الشاعرات اللاتي تميزن في هذه الفترة.
كما كتبت المرأة في مواضيع أخرى مختلفة كالتاريخ، وتعد الشيخة مي بنت محمد آل خليفة وزيرة الثقافة سابقاً إحدى الرائدات في هذا المجال عبر ما أنجزته من إصدارات لامست الجانب التاريخي لدى بعض أعلام الحركة الأدبية والشعرية خاصة من مثل: «مع شيخ الأدباء في البحرين الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة»، و«محمد بن خليفة الأسطورة والتاريخ الموازي»، وكتاب «القرامطة من فكرة إلى دولة» وكتاب «تشارلز بلجريف السيرة والمذكرات»، وغيرها الكثير.
كما تناول الدكتور فهد حسين المشهد السردي النسوي حركة المرأة السردية في منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية التي بدأت -بحسب الكاتب- ملفتة في العقد الأول من الألفية الثالثة، حيثُ بدأت حركة التأليف والكتابة الإبداعية الشعرية والسردية، وتحديداً الروائية مما أدى إلى لفت أنظار دور النشر التي رحبت بهذا النتاج الذي أسهم في بروز الكثير من الكاتبات البحرينيات عبر عدة تجارب تعتبر ضمن سياق التجربة النسوية ودورها الثقافي والإبداعي، وقد عنى الدكتور فهد باشتغاله في الكتابة السردية متطرقاً لذكر العديد من الأسماء التي كان لها حضورها الفاعل في المشهد الأدبي منها فوزية رشيد ومنيرة الفاضل، ليلى حسن صقر، هدى عواجي، منيرة أسوار، مها المسجن، معصومة المطاوعة، أنيسة فخرو، أنيسة الزياني، هناء مرهون، فريدة خنجي، نعيمة السماك، يثرب العالي.
ومنذ عقدي السبعينيات والتسعينيات انتهاء إلى هذه الألفية امتدت آفاق المرأة البحرينية إلى المحيط، فتخطت إبداعاتها المحلية إلى المستوى العالمي. خارج حدود المملكة وفي هذا الصدد نستذكر أهم الكاتبات صحفياً أيضاً واللاتي وضعن لهن بصمة خاصة في الصحافة البحرينية وهن طفلة الخليفة، عصمت الموسوي، سوسن الشاعر، ريم خليفة ولميس ضيف بالإضافة إلى العديد من المبدعات.
اليوم وقد تعددت الألوان الأدبية بين شعر ونثر، قصة ورواية، مسرح ومقال صحافي، وغيرها الكثير، لمع الكثير من النجوم في سماء الثقافة والإبداع؛ لتثري المرأة البحرينية مسيرتها الزاخرة بالعطاء فكريا وأدبيا، وتضيف لها المجد في هذه الطريق التي شقتها بنفس مليئة بالإصرار والصبر، حتى أصبحت ما هي عليه الآن، وحققت ما حققته من إنجازات كبيرة في هذا المجال الإنساني والحضاري، من خلال مسيرة العطاء والمشاركة في دعمها عجلة التطور المحلي والعالمي أدبياً وعلى مختلف الأصعدة.
وتعزى مكانة المرأة اليوم ثقافياً، ودورها في ترسيخ هذه المسيرة الأدبية على مدى العقود الماضية، ومواكبتها لمختلف المستجدات، إلى تعاطيها مع التحديات بروح ملؤها العطاء المتواصل، مما جعل لها بصمات واضحة، فشعّت وتسيّدت الإبداع الفكري والأدبي والثقافي؛ لتجمع بين الكاتبة والروائية والقاصة والشاعرة، ونذكر من أولئك: الكاتبة جميلة الوطني، الروائية شيماء الوطني، الشاعرة نادية الملاح، القاصة ندى فردان، القاصة نسرين النور، الكاتبة زينب البحراني وغيرهن الكثير مما لا يسع ذكره.
وقد وجد هذا الإرث الأدبي الضخم في مملكة البحرين أرضية خصبة تشكلت بداية مع دعم جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم للمرأة والتي وصلت بفضل توصياته وجهوده إلى ما هي عليه اليوم، حيث صدر أمر ملكي بتعيين الأستاذة هالة بنت محمد جابر الأنصاري مستشاراً لجلالة الملك المعظم للشؤون الثقافية والعلمية بدرجة وزير فكان نتاج هذا الغرس مباركاً بأن تتقلد المرأة المناصب العليا مما أسهم في ترسيخ مسيرتها المليئة بإنجازاتها.
فضلاً عن دعم المجلس الأعلى المرأة برعاية قرينة عاهل الملك المفدى الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة للمرأة، وتمكينها على كافة المستويات بما فيها المستوى الثقافي والمعرفي، ويأتي ذلك من خلال إعلان المجلس الأعلى للمرأة (يوم المرأة البحرينية) كمناسبة وطنية منذ العام 2008 وبالتزامن مع مرور 80 عاماً على بدء التعليم النظامي للمرأة في البحرين، والذي حمل شعار «قرأت.. تعلمت.. شاركت» مرتكزاً على التعليم كأساس لمشاركة المرأة البحرينية الفاعلة في بناء وطنها.
وقد حرص المجلس الأعلى للمرأة على المشاركة الدائمة في الفعاليات الثقافية، كمهرجان الأيام الثقافي حيث يستقطب جناحه مجموعة غنية في مجال شؤون المرأة، والتعريف بالإنتاج الفكري المتعلق بالمرأة من كتابات ومؤلفات وتقارير وأبحاث ووثائق ودراسات وبيانات بجميع أشكالها المقروءة والمسموعة، والمرئية، والإلكترونية، وغيرها. علاوة على توفر مكتبة متخصصة تضم عدد من مصادر المعلومات بمختلف أنواعها في مجال شئون المرأة البحرينية بشكل خاص، والمرأة على المستويين العربي والدولي لدى المجلس الأعلى للمرأة، وكذلك توافر نسخ الكترونية لبعض إصدارات المجلس، والمادة العلمية لبعض الورش التي أقامها.
ويسعدني في هذا الشأن أن أشير إلى الدور الذي تطلع به وزارة التربية والتعليم في مملكة البحرين في دعم المرأة الشابة، حيث ساهمت الوزارة في تنمية المواهب الفكرية والإبداعية عبر اكتشافها وصقلها من خلال برامج ومشاريع متقدمة، لتظهر لنا نماذج جديدة على الساحة الأدبية منهما القاصة فاطمة فاضل وآلاء القيدوم واللتان تمثلان شعلة في منارة الحقل الأدبي البحريني.
وفي ضوء ذلك برزت العديد من المؤسسات والجهات الأدبية التي أخذت على عاتقها رسالة تنمية وتطوير ونشر الفكر الإبداعي النسوي والنهوض بالمستوى الثقافي، حيث تجلت قدرات المرأة الأدبية اليوم بشكل ملفت للأنظار فتعددت الإصدارات والدواوين الشعرية والمقالات الصحفية وحصدت المرأة الجوائز الأدبية محلياً وعالمياً.
{ كاتبة وروائية بحرينية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك