العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

سـرديـات: عن السيرة الذاتية الروائية

بقلم: د. ضياء الكعبي

السبت ٠٩ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

يعد‭ ‬الروائيّ‭ ‬التركي‭ ‬أورهان‭ ‬باموق‭ (‬1952‭) ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬كتاب‭ ‬الرواية‭ ‬التاريخيّة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭. ‬وقد‭ ‬حاز‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬في‭ ‬الآداب‭ ‬سنة‭ ‬2006‭. ‬ألف‭ ‬باموق‭ ‬أول‭ ‬رواية‭ ‬له‭ ‬عام‭ ‬1982‭ ‬وهي‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬جودت‭ ‬بيه‭ ‬وأولاده‭ ‬‮«‬التي‭ ‬أتبعها‭ ‬برواية‭ ‬‮«‬البيت‭ ‬الصامت‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1983‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬القلعة‭ ‬البيضاء‭ ‬‮«‬عام‭ ‬1985‭. ‬ومن‭ ‬أشهر‭ ‬رواياته‭ ‬كذلك‭ ‬‮«‬اسمي‭ ‬أحمر‮»‬‭ ‬و«ثلج‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬كتب‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬إسطنبول،‭ ‬الذكريات‭ ‬والمدينة‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬بورتريه‭ ‬شخصي‭ ‬مزدوج‭ ‬لفضاء‭ ‬المكان‭ ‬‮«‬إسطنبول‮»‬‭ ‬متعالقًا‭ ‬مع‭ ‬سيرته‭ ‬الذاتية‭.‬

ويمثل‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬ألوان‭ ‬أخرى،‭ ‬قصة‭ ‬جديدة‭ ‬ومقالات‮»‬‭ ‬شذرات‭ ‬من‭ ‬السرد‭ ‬السير‭ ‬ذاتي‭ ‬عند‭ ‬باموق؛‭ ‬وهي‭ ‬شذرات‭ ‬ذاتية‭ ‬لم‭ ‬يضمنها‭ ‬في‭ ‬رواياته؛‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬جمعتُ‭ ‬هذه‭ ‬القطع‭ ‬لتشكل‭ ‬كتابًا‭ ‬جديدًا‭ ‬تمامًا‭ ‬يتمركز‭ ‬حول‭ ‬السيرة‭ ‬الذاتية‭. ‬وقد‭ ‬تخلصتُ‭ ‬من‭ ‬جزئيات‭ ‬كثيرة،‭ ‬واختصرتُ‭ ‬جزئيات‭ ‬أخرى،‭ ‬وأخذتُ‭ ‬مجرد‭ ‬مقتطفات‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬والمذكرات‮»‬‭. ‬ويمثلُ‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬سيرة‭ ‬الكتابة‭ ‬عند‭ ‬باموق‭ ‬الروائي‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬سيرة‭ ‬القلم‭ ‬الأولى‭ ‬وتشكلاتها‭ ‬المبكرة‭. ‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬حديث‭ ‬باموق‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬أشبه‭ ‬بالشذرات‭ ‬المتناثرة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬التقاطها‭ ‬كي‭ ‬يحصل‭ ‬المتلقي‭ ‬على‭ ‬سرد‭ ‬ذاتي‭ ‬متصل،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنَّ‭ ‬التسلسل‭ ‬الزمني‭ ‬والمكاني‭ ‬مفقود‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الشذرات‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬المتلقي‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬قراءة‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬لملء‭ ‬الفجوات‭ ‬الكثيرة‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬رغم‭ ‬احتشاد‭ ‬الكتاب‭ ‬بتفاصيل‭ ‬عدة‭. ‬ولذلك‭ ‬فإننا‭ ‬نجد‭ ‬هذه‭ ‬الشذرات‭ ‬تأتي‭ ‬معنونة‭ ‬بعناوين‭ ‬أشياء‭ ‬أو‭ ‬أماكن‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬عادة‭ ‬باموق‭ ‬في‭ ‬رواياته‭. ‬فمن‭ ‬عناوينه‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬وهو‭ ‬يتحدثُ‭ ‬عن‭ ‬ذاكرة‭ ‬السرد‭ ‬الأولى‭ ‬‮«‬ساعات‭ ‬يدي‮»‬‭. ‬لقد‭ ‬جعل‭ ‬باموق‭ ‬ساعة‭ ‬اليد‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬جسده؛‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬ملازمة‭ ‬له‭ ‬وهذا‭ ‬يؤشرُ‭ ‬على‭ ‬علاقته‭ ‬الخصوصية‭ ‬بالزمن؛‭ ‬زمن‭ ‬الكتابة‭ ‬والإبداع‭. ‬ويشير‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬بوصفه‭ ‬مبدعًا‭ ‬تكون‭ ‬ساعة‭ ‬اليد‭ ‬لديه‭ ‬ضابطًا‭ ‬رقميًا‭ ‬لإبداعه‭ ‬اليومي‭ ‬الذي‭ ‬حصره‭ ‬بين‭ ‬الحادية‭ ‬عشرة‭ ‬والرابعة‭ ‬صباحًا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬يوم‭. ‬يقول‭ ‬باموق‭ ‬عن‭ ‬ساعة‭ ‬اليد‭ ‬‮«‬بدأتُ‭ ‬أضع‭ ‬أول‭ ‬ساعة‭ ‬يد‭ ‬عام‭ ‬1965،‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬الثانية‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمري،‭ ‬ثم،‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1970‭ ‬تخلصتُ‭ ‬منها؛‭ ‬لأنها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬كانت‭ ‬قديمة‭ ‬جدًا‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ماركة‭ ‬فاخرة،‭ ‬مجرد‭ ‬ساعة‭ ‬عادية‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1970‭ ‬اشتريتُ‭ ‬ساعة‭ ‬أوميجا،‭ ‬وظللتُ‭ ‬أستخدمها‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬1983،‭ ‬وهذه‭ ‬ساعتي‭ ‬الثالثة،‭ ‬أوميجا‭ ‬أيضًا‭. ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬قديمة‭ ‬جدًا؛‭ ‬زوجتي‭ ‬اشترتها‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬1983،‭ ‬بعد‭ ‬شهور‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬نشر‭ ‬البيت‭ ‬الصامت‭ (...) ‬سأنظر‭ ‬إلى‭ ‬وجه‭ ‬الساعة،‭ ‬وسيبدو‭ ‬عقربا‭ ‬الساعات‭ ‬والدقائق‭ ‬قد‭ ‬وصلا‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬كانا‭ ‬يقصدانه‭. ‬ولكني‭ ‬لا‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬كفكرة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬الوقت‭. ‬ولهذا‭ ‬فلن‭ ‬أشتري‭ ‬أبدًا‭ ‬ساعة‭ ‬رقمية،‭ ‬فالساعات‭ ‬الرقمية‭ ‬تظهر‭ ‬تلك‭ ‬الجزيئات‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬كأرقام،‭ ‬بينما‭ ‬وجه‭ ‬ساعتي‭ ‬أيقونة‭ ‬غامضة‭ ‬مكتنفة‭ ‬بالأسرار،‭ ‬أعشق‭ ‬النظر‭ ‬إليها‭. ‬وجه‭ ‬الوقت،‭ ‬بشكل‭ ‬ما،‭ ‬يستحضر‭ ‬في‭ ‬الذهن‭ ‬ذلك‭ ‬التصور‭ ‬الغيبي‭ ‬أو‭ ‬شيئًا‭ ‬يقاربه‮»‬‭. ‬

شكّلت‭ ‬سيرة‭ ‬باموق‭ ‬الذاتية‭ ‬قرابة‭ ‬نصف‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬إسطنبول،‭ ‬الذكريات‭ ‬والمدينة‮»‬‭. ‬ويجمعُ‭ ‬هذا‭ ‬الكتابُ‭ ‬بين‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬الصور‭ ‬والمناظر‭ ‬وكيمياء‭ ‬مدينة،‭ ‬وإدراك‭ ‬طفل‭ ‬لتلك‭ ‬المدينة‭ ‬وهو‭ ‬يروي‭ ‬سيرته‭ ‬الذاتية‭ ‬وخاصة‭ ‬العبارة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬التي‭ ‬تقول‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬ذلك‭ ‬الطفل‭ ‬‮«‬قلتُ‭: ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬فنانًا،‭ ‬سوف‭ ‬أكون‭ ‬كاتبًا‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬باموق‭ ‬فعلاً‭ ‬ففي‭ ‬بدايات‭ ‬حياته‭ ‬ظهر‭ ‬حبه‭ ‬للفنون‭ ‬البصرية،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬التحق‭ ‬بالجامعة‭ ‬لدراسة‭ ‬الهندسة‭ ‬المعمارية‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬عشقه‭ ‬للرسم‭ ‬والألوان‭ ‬ظهر‭ ‬جليًا‭ ‬في‭ ‬رواياته‭. ‬

يذكر‭ ‬باموق‭ ‬أنَّه‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬‮«‬اسمي‭ ‬أحمر‮»‬‭ ‬كان‭ ‬يريد‭ ‬كتابة‭ ‬طموحه‭ ‬لأن‭ ‬يصبح‭ ‬رسامًا؛‭ ‬فبدأ‭ ‬بداية‭ ‬خادعة‭: ‬بدأ‭ ‬يكتب‭ ‬كتابًا‭ ‬تصويريًا‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬رسام‭ ‬واحد‭.. ‬ثم‭ ‬حوّل‭ ‬الرسام‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الرسامين‭ ‬يعملون‭ ‬معًا‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الأتيليهات‭. ‬يقول‭ ‬باموق‭: ‬‮«‬في‭ ‬البداية‭ ‬كنت‭ ‬أفكرُ‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬حول‭ ‬فنان‭ ‬معاصر،‭ ‬ثم‭ ‬فكرتُ‭ ‬أنَّ‭ ‬هذا‭ ‬الفنان‭ ‬التركي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مشتقًا‭ ‬بكثافة،‭ ‬شديد‭ ‬التأثر‭ ‬بالغرب،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬عدتُ‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬لأكتب‭ ‬حول‭ ‬رسامي‭ ‬المنمنمات‮»‬‭.‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬ذاكرة‭ ‬القراءة‭ ‬جزءًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬السيرة‭ ‬الذاتية‭ ‬لباموق؛‭ ‬فقد‭ ‬أورد‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موضع‭ ‬من‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬ألوان‭ ‬أخرى‮»‬‭ ‬طائفة‭ ‬من‭ ‬الروائيين‭ ‬الذين‭ ‬شكّلوا‭ ‬ذاكرته‭ ‬الكتابية‭ ‬مثل‭ ‬فيكتور‭ ‬هوجو‭ ‬ودستوفسكي‭ ‬وومارسيل‭ ‬بروست‭ ‬وكالفينو‭ ‬وناباكوف‭ ‬وغيرهم‭. ‬كما‭ ‬مثّلت‭ ‬ًبعض‭ ‬الروايات‭. ‬مثل‭ ‬رواية‭ ‬Charterhouse‭ ‬of‭ ‬Parma’‭ ‬لستاندال‭ ‬مصدرًا‭ ‬رئيسًا‭ ‬في‭ ‬تشكيله‭ ‬الكتابي،‭ ‬وبلغ‭ ‬إعجابه‭ ‬بالرواية‭ ‬حد‭ ‬أنه‭ ‬كتب‭ ‬بخط‭ ‬يده‭ ‬ملاحظات‭ ‬دوَّنها‭ ‬على‭ ‬هوامش‭ ‬الكتاب‭. ‬ويعلق‭ ‬باموق‭ ‬على‭ ‬أغلفة‭ ‬الكتب‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬استطاع‭ ‬روائي‭ ‬أن‭ ‬ينهي‭ ‬كتابًا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحلم‭ ‬بغلافه‭ ‬مصقول‭ ‬جيدًا،‭ ‬وناضج‭ ‬مكتمل‭ ‬التكوين،‭ ‬فهو‭ ‬حكيم،‭ ‬لكنه‭ ‬أيضًا‭ ‬قد‭ ‬فقد‭ ‬البراءة‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬منه‭ ‬روائيًا‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‮»‬‭. ‬

يعترف‭ ‬باموق‭ ‬بأنَّ‭ ‬كتبه‭ ‬هي‭ ‬حياته؛‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬تشكل‭ ‬معادلاً‭ ‬موضوعًيا‭ ‬وإبداعيًا‭ ‬له‭.. ‬إنها‭ ‬رحلة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬التفصيلات‭ ‬الدقيقة؛‭ ‬ولذلك‭ ‬فقد‭ ‬استعان‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬روايات‭ ‬التاريخية‭ ‬وخاصة‭ ‬روايته‭ ‬المشهورة‭ ‬‮«‬القلعة‭ ‬البيضاء‮»‬‭ ‬بكتابات‭ ‬المؤرخين‭ ‬الأتراك‭ ‬ويومياتهم‭ ‬عن‭ ‬العصر‭ ‬العثماني‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للمجانين‭. ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬كتابات‭ ‬أوليا‭ ‬تشلبي‭ ‬وكتب‭ ‬اليوميات‭ ‬مثل‭ ‬كتاب‭ ‬أحمد‭ ‬آغا‭ ‬‮«‬يوميات‭ ‬حصار‭ ‬فيينا‮»‬‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬‮«‬رواية‭ ‬القلعة‭ ‬البيضاء‮»‬‭.‬

‭ ‬أمّا‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬الكتاب‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬فإنَّ‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬قضاها‭ ‬باموق‭ ‬في‭ ‬طفولته‭ ‬‮«‬الفكرة‭ ‬الأصلية‭ ‬لرواية‭ ‬‮«‬الكتاب‭ ‬الأسود‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬باموق‭ ‬‮«‬كانت‭ ‬شيئًا‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬السبعينيات،‭ ‬يستدعي‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬من‭ ‬شعر‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬طفولتي،‭ ‬ويحتفل‭ ‬بفوضوية‭ ‬إسطنبول،‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر‭. ‬في‭ ‬مذكرات‭ ‬بدأتُ‭ ‬في‭ ‬كتابتها‭ ‬في‭ ‬1979،‭ ‬كتبتُ‭ ‬عن‭ ‬مثقف‭ ‬في‭ ‬الخامسة‭ ‬والثلاثين‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬يهرب‭ ‬من‭ ‬منزله،‭ ‬ومن‭ ‬تجاربه،‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬آخر‭ ‬أسبوع‭ ‬طويلة،‭ ‬ومن‭ ‬مباراة‭ ‬كرة‭ ‬قدم‭ ‬أثناء‭ ‬نفس‭ ‬تلك‭ ‬العطلة‭ ‬والتي‭ ‬تتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬كارثة‭ ‬قومية،‭ ‬كتبتُ‭ ‬عن‭ ‬انقطاع‭ ‬الكهرباء‭ ‬وشوارع‭ ‬إسطنبول،‭ ‬عن‭ ‬طقس‭ ‬لوحات‭ ‬بروجل‭ (‬الثلج‭) ‬وكذلك‭ ‬لوحات‭ ‬هرمنيوس‭ ‬بوش‭(‬الشياطين‭)‬،‭ ‬وعن‭ ‬مثنوي،‭ ‬وعن‭ ‬الشاهنامة،‭ ‬وعن‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‮»‬‭.‬

إن‭ ‬َّكتاب‭ ‬‮«‬ألوان‭ ‬أخرى‮»‬‭ ‬لأورهان‭ ‬باموق‭ ‬يقدم‭ ‬سيرته‭ ‬الذاتية‭ ‬ليس‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬اعتدنا‭ ‬بها‭ ‬قراءة‭ ‬السير‭ ‬الذاتية‭ ‬بتسلسل‭ ‬زمني‭ ‬ومكاني‭. ‬إنه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬يقدمُ‭ ‬لنا‭ ‬طرحًا‭ ‬مغايرًا‭ ‬لسيرة‭ ‬ذاتية‭ ‬تأتي‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬شذرات‭ ‬متناثرة‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬ويستطيع‭ ‬كل‭ ‬متلقٍّ‭ ‬أن‭ ‬يجمعها‭ ‬ليحصل‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬المتعددة‭ ‬القابلة‭ ‬للتأويل‭ ‬عند‭ ‬روائي‭ ‬مغاير‭ ‬مثل‭ ‬باموق‭. ‬أثارت‭ ‬كتاباته‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تثير‭ ‬آفاقًا‭ ‬خصبة‭ ‬للنقاش‭ ‬والجدل‭ ‬والاختلاف‭.‬

 

{ أستاذ‭ ‬النقد‭ ‬الأدبي‭ ‬الحديث‭ ‬المشارك،‭ ‬

كلية‭ ‬الآداب،‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭.‬‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا