ابتسامات هاربة للقاص محمد أبو حسن قصص اجتماعية تتكون من 14 قصة. قصص لغتها رشيقة تعتمد على ترابط الأحداث ومسبباته، تمنح قصصها من الواقع الاجتماعي ويتعاضد فيه الزمان والمكان مع الأحداث ليتم تشكيل القصة وبناؤها المتماسك.
يحضر المكانان: المفتوح مثل الشارع والبحر بعنفوانه، والمزرعة والسوق المركزي، والمكان المغلق مثل الغرفة والمنزل والجامعة والمستشفى.
يمثل الموت في المجموعة محورا غالبا في القصص، حيث تشكل ثيمة بارزة متكررة، فالشخصية الرئيسة تعاني دائما من هذا الفقد الذي سببه الموت، لذلك تظل محاصرة بزمنها القاسي والمكان بتفاصيله سواء المفتوح والمغلق، تسترجع الذكريات والزمن الماضي واللحظات الجميلة مع الميت، فترفع وتزيد من جرعة الألم، وأحيانا تلجأ الشخصية الرئيسة إلى الحلم واللامعقول.
للموت علاقة وطيدة بالذكريات واسترجاع الأحداث، فهي تنقله من اللحظات الآنية إلى اللحظات والأيام والسنوات السابقة القريبة والبعيدة، الفاقد ليس له سوى الزمن الماضي الذي يتشكل بقوة أمام عينيه، وحتى الأماكن تنطق بذكرى الراحل، الأشياء الصغيرة تنطق، والشجر والشارع والغرفة وسجادة الصلاة والعربة والصخرة عند البحر وكل ما حول الإنسان يعبر ويسترجع تلك الذكريات وإن كانت بسيطة أو صغيرة.
تحضر الأشياء الصغيرة في الشارع مثل العربة الخشبية في قصة (سأنتظرك هنا) حيث يجرها الأب نحو الشجرة التي اختفى ابنه الصغير محمود عندها، وظل يكرر هذا الانتظار والمجيء إلى الشجرة لعل ابنه يعود عند هذه الشجرة، ولم يكن فقد الابن هو الوحيد، فقد ماتت الأم حزنا على فقد ابنها. ووفاة الابن يتكرر في القصة الأخيرة (عزف آخر) مع رحيل الابن المعاق أحمد والصور الأليمة والأحداث التي تصور ذلك الألم النفسي الذي انطبع على المكان (أزحت الستارة لأنظر ما حولي، صار لونها محروقا من حرارة الشمس، كل الطرق خالية من المارة، وكأنها فرغت من الحياة).
يمثل البحر في قصة (وعاد من حيث جاء) وهو المكان الذي فُقد فيه الصديق الحاج ناصر، تسترجع الشخصية ما حدث في تلك اللحظات الأخيرة، وتسترجع الأحداث الماضية التي حدثت منذ سنوات طويلة، وهذا الزمن لم يكن كافيا لمسح الألم والحزن الشديد. الزمن النفسي يحاصر الشخصية، وحينما يذهب إلى المكان الذي فقد فيه صديقه، فإن المكان يؤجج تلك المشاعر، ويجعلها ماثلة أمامه لتقوم الذاكرة بإعادة ورسم الحدث المؤلم. كما استخدم القاص محمد أبوحسن أسلوب الاستفهام الذي يكشف عن مقدار اللوعة والألم لفقدان هذا الصديق (لماذا رحلت؟ لماذا لم تخبرني بأنك راحل؟ ماذا أقول للزمن؟ ماذا أقول للأيام التي جمعتنا؟). ويتكرر فقد الصديق في قصة (القماش الأسود) حينما يفقد سلمان صديقه سعيدا بعد حادث أصابهما أثناء ذهابهما إلى السوق، وتعزز الطبيعة في هذه القصة وتعمق من صورة الفقد والعزلة وكأنما انعكس ذلك على الحالة النفسية (كل الأوراق بجانبه ينهشها الموت، رفع رأسه يحدق في تلك الأغصان العارية وقد تقوست من شدة اليباس، فلا ماء يوجد هنا، ولا هواء صالح ينعشها).
والاسترجاع يحضر في قصة (وتناثر الحلم) حينما تتذكر الشخصية حياتها مع الجد في المزرعة التي عملا فيها، وبالتالي يكون في دوامة خطر بعد موت الجد والأب والعم، فالموت هنا جاء ليدخل الرجل في مرحلة صعبة حيث تكون المزرعة معرضة للفقدان. وفي قصتي (بقايا سجود) و (ظلمة الطريق) يحضر موت الأم، والقصة الأولى تصور نهايتها مشهد فقد الأم أثناء سجودها الأخير في غرفتها. وتفقد مريم أمها في القصة الثانية (ظلمة الطريق).
في قصة (وعادت سمر) يوحي العنوان بفكرة القصة، فسمر الزوجة المفقودة، يقوم باسترجاع صورتها، وهكذا الفاقد ليس له سوى استرجاع الأحداث الجميلة والحزينة مع من فقده، تعود له تفاصيل الزوجة (ينظر على وجهها المستدير كالقمر، وإلى شعرها المخبأ تحت حجابها الملون بأزهار الربيع حين يطول بهما السهر) ومن خلال الاسترجاع نقرأ بعض قضايا المجتمع، وتفاوت الطبقات الاجتماعية، لكن استطاع كسر ذلك الحاجز والزواج بها. ويتكرر موت الزوجة في قصة (هذيان زائف) والاسترجاع كان سريعا لمرحلة الزواج، وتأتي التخيلات أثناء وجوده في البحر، حيث الحب ومرارة الفقد تكون الأثر في تكوين الحدث اللامعقول، ويمتزج مع الحقيقي. والشخص الفاقد يمتزج لديه المعقول باللامعقول، يأتيه الحلم الجميل ويغادره ليخفف عنه الوطء، وأحيانا يأتيه ليزيد من وطأة واقعه الأليم.
ابتسامات هاربة للقاص محمد أبو حسن صدرت عام 2020م – دار رؤى البحرين.
كاتب وناقد من المملكة العربية السعودية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك