العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

«الموت في قصص ابتسامات هاربة للقاص محمد أبو حسن»

السبت ١٦ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

ابتسامات‭ ‬هاربة‭ ‬للقاص‭ ‬محمد‭ ‬أبو‭ ‬حسن‭ ‬قصص‭ ‬اجتماعية‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬14‭ ‬قصة‭. ‬قصص‭ ‬لغتها‭ ‬رشيقة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬ترابط‭ ‬الأحداث‭ ‬ومسبباته،‭ ‬تمنح‭ ‬قصصها‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ويتعاضد‭ ‬فيه‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬مع‭ ‬الأحداث‭ ‬ليتم‭ ‬تشكيل‭ ‬القصة‭ ‬وبناؤها‭ ‬المتماسك‭.‬

يحضر‭ ‬المكانان‭: ‬المفتوح‭ ‬مثل‭ ‬الشارع‭ ‬والبحر‭ ‬بعنفوانه،‭ ‬والمزرعة‭ ‬والسوق‭ ‬المركزي،‭ ‬والمكان‭ ‬المغلق‭ ‬مثل‭ ‬الغرفة‭ ‬والمنزل‭ ‬والجامعة‭ ‬والمستشفى‭.‬

يمثل‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬المجموعة‭ ‬محورا‭ ‬غالبا‭ ‬في‭ ‬القصص،‭ ‬حيث‭ ‬تشكل‭ ‬ثيمة‭ ‬بارزة‭ ‬متكررة،‭ ‬فالشخصية‭ ‬الرئيسة‭ ‬تعاني‭ ‬دائما‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الفقد‭ ‬الذي‭ ‬سببه‭ ‬الموت،‭ ‬لذلك‭ ‬تظل‭ ‬محاصرة‭ ‬بزمنها‭ ‬القاسي‭ ‬والمكان‭ ‬بتفاصيله‭ ‬سواء‭ ‬المفتوح‭ ‬والمغلق،‭ ‬تسترجع‭ ‬الذكريات‭ ‬والزمن‭ ‬الماضي‭ ‬واللحظات‭ ‬الجميلة‭ ‬مع‭ ‬الميت،‭ ‬فترفع‭ ‬وتزيد‭ ‬من‭ ‬جرعة‭ ‬الألم،‭ ‬وأحيانا‭ ‬تلجأ‭ ‬الشخصية‭ ‬الرئيسة‭ ‬إلى‭ ‬الحلم‭ ‬واللامعقول‭.‬

للموت‭ ‬علاقة‭ ‬وطيدة‭ ‬بالذكريات‭ ‬واسترجاع‭ ‬الأحداث،‭ ‬فهي‭ ‬تنقله‭ ‬من‭ ‬اللحظات‭ ‬الآنية‭ ‬إلى‭ ‬اللحظات‭ ‬والأيام‭ ‬والسنوات‭ ‬السابقة‭ ‬القريبة‭ ‬والبعيدة،‭ ‬الفاقد‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬سوى‭ ‬الزمن‭ ‬الماضي‭ ‬الذي‭ ‬يتشكل‭ ‬بقوة‭ ‬أمام‭ ‬عينيه،‭ ‬وحتى‭ ‬الأماكن‭ ‬تنطق‭ ‬بذكرى‭ ‬الراحل،‭ ‬الأشياء‭ ‬الصغيرة‭ ‬تنطق،‭ ‬والشجر‭ ‬والشارع‭ ‬والغرفة‭ ‬وسجادة‭ ‬الصلاة‭ ‬والعربة‭ ‬والصخرة‭ ‬عند‭ ‬البحر‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬حول‭ ‬الإنسان‭ ‬يعبر‭ ‬ويسترجع‭ ‬تلك‭ ‬الذكريات‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬بسيطة‭ ‬أو‭ ‬صغيرة‭.‬

تحضر‭ ‬الأشياء‭ ‬الصغيرة‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬مثل‭ ‬العربة‭ ‬الخشبية‭ ‬في‭ ‬قصة‭ (‬سأنتظرك‭ ‬هنا‭) ‬حيث‭ ‬يجرها‭ ‬الأب‭ ‬نحو‭ ‬الشجرة‭ ‬التي‭ ‬اختفى‭ ‬ابنه‭ ‬الصغير‭ ‬محمود‭ ‬عندها،‭ ‬وظل‭ ‬يكرر‭ ‬هذا‭ ‬الانتظار‭ ‬والمجيء‭ ‬إلى‭ ‬الشجرة‭ ‬لعل‭ ‬ابنه‭ ‬يعود‭ ‬عند‭ ‬هذه‭ ‬الشجرة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬فقد‭ ‬الابن‭ ‬هو‭ ‬الوحيد،‭ ‬فقد‭ ‬ماتت‭ ‬الأم‭ ‬حزنا‭ ‬على‭ ‬فقد‭ ‬ابنها‭. ‬ووفاة‭ ‬الابن‭ ‬يتكرر‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬الأخيرة‭ (‬عزف‭ ‬آخر‭) ‬مع‭ ‬رحيل‭ ‬الابن‭ ‬المعاق‭ ‬أحمد‭ ‬والصور‭ ‬الأليمة‭ ‬والأحداث‭ ‬التي‭ ‬تصور‭ ‬ذلك‭ ‬الألم‭ ‬النفسي‭ ‬الذي‭ ‬انطبع‭ ‬على‭ ‬المكان‭ (‬أزحت‭ ‬الستارة‭ ‬لأنظر‭ ‬ما‭ ‬حولي،‭ ‬صار‭ ‬لونها‭ ‬محروقا‭ ‬من‭ ‬حرارة‭ ‬الشمس،‭ ‬كل‭ ‬الطرق‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬المارة،‭ ‬وكأنها‭ ‬فرغت‭ ‬من‭ ‬الحياة‭).‬

يمثل‭ ‬البحر‭ ‬في‭ ‬قصة‭ (‬وعاد‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬جاء‭) ‬وهو‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬فُقد‭ ‬فيه‭ ‬الصديق‭ ‬الحاج‭ ‬ناصر،‭ ‬تسترجع‭ ‬الشخصية‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وتسترجع‭ ‬الأحداث‭ ‬الماضية‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬وهذا‭ ‬الزمن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كافيا‭ ‬لمسح‭ ‬الألم‭ ‬والحزن‭ ‬الشديد‭. ‬الزمن‭ ‬النفسي‭ ‬يحاصر‭ ‬الشخصية،‭ ‬وحينما‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬فقد‭ ‬فيه‭ ‬صديقه،‭ ‬فإن‭ ‬المكان‭ ‬يؤجج‭ ‬تلك‭ ‬المشاعر،‭ ‬ويجعلها‭ ‬ماثلة‭ ‬أمامه‭ ‬لتقوم‭ ‬الذاكرة‭ ‬بإعادة‭ ‬ورسم‭ ‬الحدث‭ ‬المؤلم‭. ‬كما‭ ‬استخدم‭ ‬القاص‭ ‬محمد‭ ‬أبوحسن‭ ‬أسلوب‭ ‬الاستفهام‭ ‬الذي‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬مقدار‭ ‬اللوعة‭ ‬والألم‭ ‬لفقدان‭ ‬هذا‭ ‬الصديق‭ (‬لماذا‭ ‬رحلت؟‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬تخبرني‭ ‬بأنك‭ ‬راحل؟‭ ‬ماذا‭ ‬أقول‭ ‬للزمن؟‭ ‬ماذا‭ ‬أقول‭ ‬للأيام‭ ‬التي‭ ‬جمعتنا؟‭). ‬ويتكرر‭ ‬فقد‭ ‬الصديق‭ ‬في‭ ‬قصة‭ (‬القماش‭ ‬الأسود‭) ‬حينما‭ ‬يفقد‭ ‬سلمان‭ ‬صديقه‭ ‬سعيدا‭ ‬بعد‭ ‬حادث‭ ‬أصابهما‭ ‬أثناء‭ ‬ذهابهما‭ ‬إلى‭ ‬السوق،‭ ‬وتعزز‭ ‬الطبيعة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬وتعمق‭ ‬من‭ ‬صورة‭ ‬الفقد‭ ‬والعزلة‭ ‬وكأنما‭ ‬انعكس‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الحالة‭ ‬النفسية‭ (‬كل‭ ‬الأوراق‭ ‬بجانبه‭ ‬ينهشها‭ ‬الموت،‭ ‬رفع‭ ‬رأسه‭ ‬يحدق‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأغصان‭ ‬العارية‭ ‬وقد‭ ‬تقوست‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬اليباس،‭ ‬فلا‭ ‬ماء‭ ‬يوجد‭ ‬هنا،‭ ‬ولا‭ ‬هواء‭ ‬صالح‭ ‬ينعشها‭).‬

والاسترجاع‭ ‬يحضر‭ ‬في‭ ‬قصة‭ (‬وتناثر‭ ‬الحلم‭) ‬حينما‭ ‬تتذكر‭ ‬الشخصية‭ ‬حياتها‭ ‬مع‭ ‬الجد‭ ‬في‭ ‬المزرعة‭ ‬التي‭ ‬عملا‭ ‬فيها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬خطر‭ ‬بعد‭ ‬موت‭ ‬الجد‭ ‬والأب‭ ‬والعم،‭ ‬فالموت‭ ‬هنا‭ ‬جاء‭ ‬ليدخل‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬صعبة‭ ‬حيث‭ ‬تكون‭ ‬المزرعة‭ ‬معرضة‭ ‬للفقدان‭. ‬وفي‭ ‬قصتي‭ (‬بقايا‭ ‬سجود‭) ‬و‭ (‬ظلمة‭ ‬الطريق‭) ‬يحضر‭ ‬موت‭ ‬الأم،‭ ‬والقصة‭ ‬الأولى‭ ‬تصور‭ ‬نهايتها‭ ‬مشهد‭ ‬فقد‭ ‬الأم‭ ‬أثناء‭ ‬سجودها‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬غرفتها‭. ‬وتفقد‭ ‬مريم‭ ‬أمها‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬الثانية‭ (‬ظلمة‭ ‬الطريق‭).‬

في‭ ‬قصة‭ (‬وعادت‭ ‬سمر‭) ‬يوحي‭ ‬العنوان‭ ‬بفكرة‭ ‬القصة،‭ ‬فسمر‭ ‬الزوجة‭ ‬المفقودة،‭ ‬يقوم‭ ‬باسترجاع‭ ‬صورتها،‭ ‬وهكذا‭ ‬الفاقد‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬سوى‭ ‬استرجاع‭ ‬الأحداث‭ ‬الجميلة‭ ‬والحزينة‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬فقده،‭ ‬تعود‭ ‬له‭ ‬تفاصيل‭ ‬الزوجة‭ (‬ينظر‭ ‬على‭ ‬وجهها‭ ‬المستدير‭ ‬كالقمر،‭ ‬وإلى‭ ‬شعرها‭ ‬المخبأ‭ ‬تحت‭ ‬حجابها‭ ‬الملون‭ ‬بأزهار‭ ‬الربيع‭ ‬حين‭ ‬يطول‭ ‬بهما‭ ‬السهر‭) ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الاسترجاع‭ ‬نقرأ‭ ‬بعض‭ ‬قضايا‭ ‬المجتمع،‭ ‬وتفاوت‭ ‬الطبقات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬لكن‭ ‬استطاع‭ ‬كسر‭ ‬ذلك‭ ‬الحاجز‭ ‬والزواج‭ ‬بها‭. ‬ويتكرر‭ ‬موت‭ ‬الزوجة‭ ‬في‭ ‬قصة‭ (‬هذيان‭ ‬زائف‭) ‬والاسترجاع‭ ‬كان‭ ‬سريعا‭ ‬لمرحلة‭ ‬الزواج،‭ ‬وتأتي‭ ‬التخيلات‭ ‬أثناء‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬حيث‭ ‬الحب‭ ‬ومرارة‭ ‬الفقد‭ ‬تكون‭ ‬الأثر‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬الحدث‭ ‬اللامعقول،‭ ‬ويمتزج‭ ‬مع‭ ‬الحقيقي‭. ‬والشخص‭ ‬الفاقد‭ ‬يمتزج‭ ‬لديه‭ ‬المعقول‭ ‬باللامعقول،‭ ‬يأتيه‭ ‬الحلم‭ ‬الجميل‭ ‬ويغادره‭ ‬ليخفف‭ ‬عنه‭ ‬الوطء،‭ ‬وأحيانا‭ ‬يأتيه‭ ‬ليزيد‭ ‬من‭ ‬وطأة‭ ‬واقعه‭ ‬الأليم‭.‬

ابتسامات‭ ‬هاربة‭ ‬للقاص‭ ‬محمد‭ ‬أبو‭ ‬حسن‭ ‬صدرت‭ ‬عام‭ ‬2020م‭ ‬‭ ‬دار‭ ‬رؤى‭ ‬البحرين‭.‬

 ‬كاتب‭ ‬وناقد‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا