العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

افلاطون والذكاء الاصطناعي!

بقلم: نور كريم الطائي

السبت ١٦ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

‭ ‬اختلفت‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬الفلسفية‭ ‬الاغريقية‭ ‬في‭ ‬مفاهيم‭ (‬الوجود،‭ ‬الحقيقة،‭ ‬الحياة،‭ ‬الفن‭) ‬وغيرها‭ ‬مثلما‭ ‬اختلفوا‭ ‬في‭ ‬وجهات‭ ‬نظرهم‭ ‬وصراعاتهم‭ ‬الفلسفية‭ ‬فقد‭ ‬تميزت‭ ‬نظرياتً‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الاغريقي‭ ‬افلاطون‭ ‬بانها‭ ‬الأكثر‭ ‬جدلاً‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الزمن‭ ‬وحتى‭ ‬اللحظة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالحقيقة‭ ‬والوجود،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ (‬زوايا‭ ‬الفن‭/ ‬المحاكاة‭) ‬مع‭ ‬الاعتبار‭ ‬الفكري‭ ‬والجمالي‭ ‬ان‭ ‬نظرية‭ ‬افلاطون‭ ‬تذهب‭ ‬الى‭ ‬الدور‭ ‬التربوي‭ ‬والتهذيبي‭ ‬للفن،‭ ‬باعتبار‭ ‬ان‭ ‬الجانب‭ ‬التهذيبي‭ ‬التربوي‭ ‬هو‭ ‬اعلى‭ ‬مرتبة‭ ‬من‭ (‬اللّذّة‭) ‬فالجمال‭ ‬الحقيقي‭ ‬لدى‭ ‬افلاطون‭ ‬هو‭ ‬جمال‭ ‬الحق‭ ‬والخير‭ ‬وليس‭ ‬جمال‭ ‬الصورة‭ ‬الحسّيّة‭ ‬التي‭ ‬تُحدث‭ ‬في‭ ‬النّفس‭ ‬لذّة‭ ‬جماليّة‭ ‬قوامها‭ ‬الحس،‭ ‬لذا‭ ‬فان‭ ‬افلاطون‭ ‬وجه‭ ‬نقده‭ ‬الشرس‭ ‬للفن‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬عصره‭ ‬آنذاك‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬اظهار‭ ‬الجوانب‭ ‬المحسوسة‭ ‬للأشياء‭ ‬من‭ ‬مرئيات‭ ‬ومسموعات‭ ‬وهو‭ ‬الامر‭ ‬الذي‭ ‬يقوض‭ ‬عملية‭ ‬السمو‭ ‬من‭ ‬المحسوسات‭ ‬الى‭ ‬المعقولات‭ ‬لبلوغ‭ ‬مرتبة‭ (‬الحق‭) ‬فان‭ ‬افلاطون‭ ‬وفقاً‭ ‬لهذه‭ ‬الرؤية‭ ‬كان‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬مهمة‭ ‬أساس‭ ‬للفن‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬المثل‭ ‬الأعلى‭ ‬للجمال‭ ‬والذي‭ ‬يعده‭ ‬المصدر‭ ‬الأساس‭ ‬للفن،‭ ‬ان‭ ‬افلاطون‭ ‬يرى‭ ‬انقسام‭ ‬الوجود‭ ‬الى‭ ‬ثلاث‭ ‬دوائر‭: ‬1‭ - ‬دائرة‭ ‬المال‭ ‬والمدركات‭ ‬العقليّة‭ ‬وهي‭ ‬دائرة‭ ‬الحقائق‭ ‬الكلّيّة‭. ‬2‭ - ‬دائرة‭ ‬العالم‭ ‬المحسوس‭ ‬والطبيعة‭ ‬والواقع‭. ‬3‭ - ‬دائرة‭ ‬الفنون‭ ‬والعلاقة‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬هذه‭ ‬الدوائر‭ ‬الثلاث‭ ‬هي‭ ‬علاقة‭ ‬محاكاة‭. ‬تكمن‭ ‬الدائرة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ (‬المُثل‭) ‬والثانية‭ ‬هي‭ (‬عالم‭ ‬الحسّ‭) ‬وهي‭ ‬صورة‭ ‬العالم‭ ‬الأول،‭ ‬اما‭ ‬الثالث‭ ‬فهي‭ ‬عالم‭ ‬الظلال‭ ‬والصور‭ ‬والأعمال‭ ‬الفنيّة،‭ ‬ان‭ ‬العالم‭ ‬المثالي‭ ‬الكامل‭ (‬من‭ ‬صنع‭ ‬الإله‭) ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬يتضمن‭ ‬الحقائق‭ ‬المطلقة،‭ ‬اما‭ ‬العالم‭ ‬المحسوس‭ ‬الطبيعي‭ ‬المادي‭ ‬هو‭ (‬عالم‭ ‬الموجودات‭) ‬والذي‭ ‬يعده‭ ‬صورة‭ ‬منقولة‭ ‬لعالم‭ ‬المثل‭ ‬العليا‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الاغريقي‭ ‬افلاطون‭ (‬التقليد‭ ‬الأول‭) ‬ومثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ (‬الشجرة‭ ‬الأولى‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬المثل‭ ‬‭ ‬شجرة‭ ‬الواقع‭ ‬المادي‭ ‬المحسوس‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬‭ ‬الشجرة‭ ‬المرسومة‭ ‬من‭ ‬الفنان‭ ‬والذي‭ ‬نقلها‭ ‬من‭ ‬الشجرة‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬المحسوس‭) (‬محاكاة‭ ‬المحاكاة‭) ‬وهذه‭ ‬المحاكاة‭ ‬تنقل‭ ‬صورة‭ ‬عن‭ ‬صور‭ ‬لإنتاج‭ ‬صورة‭ ‬ناقصة‭ ‬ومشوهة‭ ‬فالفنان‭ ‬هنا‭ ‬مجرد‭ ‬محاكي‭ ‬ومقلد‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الثانية‭ ‬فيأخذنا‭ ‬الفنان‭ ‬مع‭ ‬أفلاطون‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬بدرجتين،‭ ‬باعتبار‭ ‬ان‭ ‬العالم‭ ‬المحسوس‭ ‬لدى‭ ‬افلاطون‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬مظهر‭ ‬محسوس‭ ‬او‭ ‬انعكاس‭ ‬وتجلي‭ ‬بسيط‭ ‬للعالم‭ ‬الحقيقي‭ ‬او‭ ‬عالم‭ ‬الأفكار‭ ‬الواضح‭ ‬الراسخ‭ ‬في‭ ‬المثل‭ ‬العليا‭ ‬،‭ ‬فان‭ ‬كان‭ ‬الفنان‭ ‬الذي‭ ‬يستخدم‭ ‬ادواته‭ ‬الحسية‭ ‬المادية‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬بدرجتين،‭ ‬فماذا‭ ‬سيكون‭ ‬صانع‭ ‬المحتوى‭ ‬الفني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ (‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭)‬؟‭! ‬عبر‭ ‬ما‭ ‬تتيحه‭ ‬التقنيات‭ ‬المعاصرة‭ ‬عبر‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬من‭ ‬اعمال‭ ‬فنية‭! ‬قوامها‭ ‬الوهم‭ ‬والمنتجة‭ ‬وتقنيات‭ ‬الهولجرام‭ ‬وتقنية‭ ‬الصورة‭ ‬ثلاثية‭ ‬الابعاد‭ ‬،‭ ‬الذواكر‭ ‬الهولوغرافية‭ ‬وبرامج‭ ‬المونتاج‭ ‬الفيديوي‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬والتي‭ ‬تغاير‭ ‬تماماً‭ ‬من‭ ‬شكل‭ ‬الحقيقة‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬تصوير‭ ‬فيلم‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬ممكن‭ ‬تصويره‭ ‬في‭ ‬مسبح‭ ‬صغير،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬الف‭ ‬جندي‭ ‬بالإمكان‭ ‬استخدام‭ ‬عشرة‭ ‬جنود‭ ‬ونسخهم‭ ‬بالبرامج‭ ‬الذكية‭ ‬أو‭ ‬الرسم‭ ‬الالكتروني‭ ‬أو‭ ‬دخول‭ ‬الروبوت‭ ‬مجال‭ ‬التمثيل،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الاستخدامات‭ ‬والتوظيفات‭ ‬التي‭ ‬يطول‭ ‬الحديث‭ ‬عنها،‭ ‬فهل‭ ‬ستبعدها‭ ‬هذه‭ ‬الخدع‭ ‬والحيل‭ ‬والوهم‭ ‬الحسي‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬بدرجة‭ ‬أخرى،‭ ‬وهل‭ ‬تطور‭ ‬تلك‭ ‬التقنيات‭ ‬التي‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬المحاكاة‭ ‬اليومية‭ ‬للحياة‭ ‬وللفن‭ ‬وللوجود‭ ‬يبعدنا‭ ‬اكثر‭ ‬واكثر‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬وبالتالي‭ ‬الابتعاد‭ ‬الكلي‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬الوجود‭ ‬السامية‭ ‬والانطلاق‭ ‬لفكرة‭ ‬الوهم‭ ‬المحسوس‭ ‬المادي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينبع‭ ‬الا‭ ‬من‭ ‬انعكاسات‭ ‬مشوهة‭ ‬لواقع‭ ‬متناقض‭ ‬يعوزه‭ ‬الكثير‭ ‬ليكون‭ ‬تمثلاً‭ ‬حقيقياً‭ ‬للفكرة،‭ ‬اننا‭ ‬إزاء‭ ‬تعقيدات‭ ‬جديدة‭ ‬وازمات‭ ‬أخرى‭ ‬تنبع‭ ‬مع‭ ‬موجة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والذي‭ ‬ستفرز‭ ‬حتماً‭ ‬جوانب‭ ‬سلبية‭ ‬معها‭ ‬تصيب‭ ‬الانسان‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الفكري‭ ‬والحسي‭.‬

 

{‭ ‬كاتبة‭ ‬ومترجمة‭ ‬عراقية‭ ‬–‭ ‬البصرة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا