اختلفت وجهات النظر الفلسفية الاغريقية في مفاهيم (الوجود، الحقيقة، الحياة، الفن) وغيرها مثلما اختلفوا في وجهات نظرهم وصراعاتهم الفلسفية فقد تميزت نظرياتً الفيلسوف الاغريقي افلاطون بانها الأكثر جدلاً منذ ذلك الزمن وحتى اللحظة، وبخاصة فيما يتعلق بالحقيقة والوجود، من خلال (زوايا الفن/ المحاكاة) مع الاعتبار الفكري والجمالي ان نظرية افلاطون تذهب الى الدور التربوي والتهذيبي للفن، باعتبار ان الجانب التهذيبي التربوي هو اعلى مرتبة من (اللّذّة) فالجمال الحقيقي لدى افلاطون هو جمال الحق والخير وليس جمال الصورة الحسّيّة التي تُحدث في النّفس لذّة جماليّة قوامها الحس، لذا فان افلاطون وجه نقده الشرس للفن السائد في عصره آنذاك والذي كان يقوم على اظهار الجوانب المحسوسة للأشياء من مرئيات ومسموعات وهو الامر الذي يقوض عملية السمو من المحسوسات الى المعقولات لبلوغ مرتبة (الحق) فان افلاطون وفقاً لهذه الرؤية كان يبحث عن مهمة أساس للفن تكمن في الكشف عن المثل الأعلى للجمال والذي يعده المصدر الأساس للفن، ان افلاطون يرى انقسام الوجود الى ثلاث دوائر: 1 - دائرة المال والمدركات العقليّة وهي دائرة الحقائق الكلّيّة. 2 - دائرة العالم المحسوس والطبيعة والواقع. 3 - دائرة الفنون والعلاقة التي تربط هذه الدوائر الثلاث هي علاقة محاكاة. تكمن الدائرة الأولى في (المُثل) والثانية هي (عالم الحسّ) وهي صورة العالم الأول، اما الثالث فهي عالم الظلال والصور والأعمال الفنيّة، ان العالم المثالي الكامل (من صنع الإله) وهو الذي يتضمن الحقائق المطلقة، اما العالم المحسوس الطبيعي المادي هو (عالم الموجودات) والذي يعده صورة منقولة لعالم المثل العليا وهو ما يطلق عليه الفيلسوف الاغريقي افلاطون (التقليد الأول) ومثال على ذلك (الشجرة الأولى الموجودة في عالم المثل – شجرة الواقع المادي المحسوس في الحياة – الشجرة المرسومة من الفنان والذي نقلها من الشجرة الموجودة في الواقع المحسوس) (محاكاة المحاكاة) وهذه المحاكاة تنقل صورة عن صور لإنتاج صورة ناقصة ومشوهة فالفنان هنا مجرد محاكي ومقلد من الدرجة الثانية فيأخذنا الفنان مع أفلاطون بعيدًا عن الواقع بدرجتين، باعتبار ان العالم المحسوس لدى افلاطون هو مجرد مظهر محسوس او انعكاس وتجلي بسيط للعالم الحقيقي او عالم الأفكار الواضح الراسخ في المثل العليا ، فان كان الفنان الذي يستخدم ادواته الحسية المادية بعيد عن الحقيقة بدرجتين، فماذا سيكون صانع المحتوى الفني من خلال (الذكاء الاصطناعي)؟! عبر ما تتيحه التقنيات المعاصرة عبر هذا الذكاء من اعمال فنية! قوامها الوهم والمنتجة وتقنيات الهولجرام وتقنية الصورة ثلاثية الابعاد ، الذواكر الهولوغرافية وبرامج المونتاج الفيديوي الحديثة التي تستخدم في الأفلام والتي تغاير تماماً من شكل الحقيقة بدلاً من تصوير فيلم في بحر ممكن تصويره في مسبح صغير، بدلاً من استخدام الف جندي بالإمكان استخدام عشرة جنود ونسخهم بالبرامج الذكية أو الرسم الالكتروني أو دخول الروبوت مجال التمثيل، وغيرها من الاستخدامات والتوظيفات التي يطول الحديث عنها، فهل ستبعدها هذه الخدع والحيل والوهم الحسي عن الحقيقة بدرجة أخرى، وهل تطور تلك التقنيات التي تدخل في المحاكاة اليومية للحياة وللفن وللوجود يبعدنا اكثر واكثر عن الحقيقة وبالتالي الابتعاد الكلي عن فكرة الوجود السامية والانطلاق لفكرة الوهم المحسوس المادي الذي لا ينبع الا من انعكاسات مشوهة لواقع متناقض يعوزه الكثير ليكون تمثلاً حقيقياً للفكرة، اننا إزاء تعقيدات جديدة وازمات أخرى تنبع مع موجة الذكاء الاصطناعي والذي ستفرز حتماً جوانب سلبية معها تصيب الانسان على المستوى الفكري والحسي.
{ كاتبة ومترجمة عراقية – البصرة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك