العدد : ١٧٠٥٨ - الخميس ٠٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٨ - الخميس ٠٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

إدارة الشرّ عالميًّا!

{‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬البركة‭ ‬والطاعات‭ ‬والخير،‭ ‬ندرك‭ ‬أنه‭ ‬أيضًا‭ ‬مع‭ ‬روحانيات‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬التأمل‭ ‬والمقارنة‭ ‬والرصد‭ ‬لحجم‭ ‬ما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬‮«‬الشرّ‮»‬‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي،‭ ‬فإذا‭ ‬به‭ ‬مستفحل‭ ‬وقد‭ ‬اخترق‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬إدارة‭ ‬عقل‭ ‬الإنسان‭ ‬بالشرّ،‭ ‬واقتحام‭ ‬عالم‭ ‬الأطفال‭ ‬لتوجيههم‭ ‬نحو‭ ‬الشرّ،‭ ‬وضرب‭ ‬القيم‭ ‬الأسرية‭ ‬وهدم‭ ‬عالم‭ ‬الإنسان‭ ‬ليحلّ‭ ‬محله‭ ‬‮«‬عالم‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الإنسان‮»‬‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬كثير‭! ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬اللافت‭ ‬ليس‭ ‬وجود‭ ‬الشرّ؛‭ ‬لأن‭ ‬صراع‭ ‬الخير‭ ‬والشرّ‭ ‬صراع‭ ‬أزلي‭ ‬مقرون‭ ‬بالحياة‭ ‬نفسها‭ ‬وبالإنسان،‭ ‬وهو‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬أساس‭ (‬المختبر‭ ‬الدنيوي‭ ‬للإنسان‭)‬،‭ ‬إذًا‭ ‬ليس‭ ‬وجود‭ ‬الشرّ‭ ‬هو‭ ‬اللافت‭ ‬وإنما‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لهذا‭ ‬الشرّ‭ (‬إدارة‭ ‬عالمية‭) ‬تدير‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬به‭ ‬ويروج‭ ‬له‭ ‬وبآليات‭ ‬وتقنيات‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬توصل‭ ‬إليه‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه‭!‬

{‭ ‬تلك‭ ‬الإدارة‭ ‬العالمية‭ ‬للشرّ‭ ‬لها‭ ‬متخصصوها‭ ‬ومراكزها‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬وجمعياتها‭ ‬وأدواتها‭ ‬وتمويلها‭ ‬وآليات‭ ‬ترويجها،‭ ‬سواءٌ‭ ‬بما‭ ‬يتعلق‭ ‬بهدم‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والأخلاقية‭! ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتفكيك‭ ‬العقل‭ ‬والفكر‭ ‬وتفكيك‭ ‬الأسر‭ ‬والحثّ‭ ‬على‭ ‬الطلاق‭ ‬والخُلع‭ ‬تحت‭ ‬وهم‭ ‬الحرية‭! ‬أو‭ ‬ترصد‭ ‬الأطفال‭ ‬والمراهقين‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التعليم‭ ‬والألعاب‭ ‬والبرامج‭ ‬والمواقع‭ ‬في‭ ‬‮«‬النت‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬كيفية‭ ‬إدارة‭ ‬نشر‭ ‬المخدرات‭ ‬أو‭ ‬التجارة‭ ‬بالبشر‭ ‬أو‭ ‬تزوير‭ ‬الأدوية‭ ‬وزيادة‭ ‬السمية‭ ‬فيها‭ ‬كتأثيرات‭ ‬جانبية‭ ‬لفعاليتها‭ ‬العلاجية‭! ‬أو‭ ‬توجيه‭ ‬العالم‭ ‬والبشرية‭ ‬لتكون‭ ‬محكومة‭ ‬بالآلات‭ ‬وبالذكاء‭ ‬الاصطناعي‭! ‬أو‭ ‬إدارة‭ ‬الشرّ‭ ‬الظاهر‭ ‬للعيان‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬وإدارة‭ ‬الأزمات‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يُسهم‭ ‬في‭ ‬فشل‭ ‬الدول‭ ‬ويعمق‭ ‬فجواتها‭ ‬وثغراتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬وغيره‭ (‬لم‭ ‬يعد‭ ‬موجودًا‭ ‬‮«‬وجودًا‭ ‬عشوائيًا‮»‬‭) ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬بتدخل‭ ‬بعض‭ ‬الأفراد‭ ‬أو‭ ‬الفئات‭ ‬صاحبة‭ ‬القرار‭ ‬التي‭ ‬تدير‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬يدها‭ ‬من‭ ‬أحداث،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬و‭(‬إنما‭ ‬أصبح‭ ‬اليوم‭ ‬للشرّ‭ ‬إدارة‭ ‬عالمية‭ ‬ورواج‭ ‬وترويج‭ ‬ومدير‭ ‬أساسي‭ ‬يراه‭ ‬البعض‭ ‬‮«‬الدجال‮»‬‭ ‬ويراه‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬‮«‬حكومة‭ ‬النخبة‭ ‬الشيطانية‮»‬‭)!‬

{‭ ‬بعض‭ ‬ثالث‭ ‬يراه‭ ‬أنه‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬يديره‭ ‬‮«‬الشيطان‮»‬‭ ‬منذ‭ ‬غوايته‭ ‬آدم‭ ‬وخروجه‭ ‬من‭ ‬الجنة‭ ‬وهبوطه‭ ‬معه‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‭ ‬لتبدأ‭ ‬أحابيل‭ ‬وحيل‭ ‬الشيطان‭ ‬الموجود‭ ‬عبر‭ ‬كل‭ ‬العصور،‭ ‬والعارف‭ ‬بكل‭ ‬خفايا‭ ‬الإنسان‭ ‬والمدرك‭ ‬لكيفية‭ ‬خلخلة‭ ‬نموّه‭ ‬الروحي‭ ‬والوجداني،‭ ‬إن‭ ‬ابتعد‭ ‬عن‭ ‬الله‭! ‬وما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬الموسوس‭ ‬لنفس‭ ‬فيها‭ (‬فجورها‭ ‬وتقواها‭)‬،‭ ‬فكل‭ ‬خطوة‭ ‬يبتعد‭ ‬فيها‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬الله،‭ ‬فإنه‭ ‬يقترب‭ ‬بذات‭ ‬الدرجة‭ ‬من‭ ‬الشيطان‭ ‬الذي‭ ‬كيده‭ ‬ضعيف‭ ‬على‭ ‬عباد‭ ‬الله‭ ‬وقويّ‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يوالونه‭!‬

{‭ ‬بتعريف‭ ‬آخر‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬من‭ ‬طغيان‭ ‬للشرّ‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ونحن‭ ‬نستشعره‭ ‬كمسلمين‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الطغيان‭ ‬يتناسخ‭ ‬ويتناسل‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬والأسر‭ ‬والمجتمعات‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬والعلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬والقوانين،‭ ‬ولكأنها‭ ‬كلها‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬نارية‭ ‬واحدة‭ ‬تتجه‭ ‬بالإنسان‭ ‬إلى‭ ‬الهاوية‭ ‬والنهاية‭ ‬المحتومة‭ ‬لما‭ ‬بعد‭ ‬السقوط‭!‬

حين‭ ‬يتوغلّ‭ ‬مثلاً‭ ‬عنصر‭ ‬الإلهاء‭ ‬وسرقة‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬بث‭ ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬الهائل‭ ‬المخصص‭ ‬لرمضان‭ ‬من‭ ‬مسلسلات‭ ‬وبرامج‭ ‬ترفيهية‭ ‬وألعاب‭ ‬ومنافسات،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬حتى‭ ‬الهادف‭ ‬فيها‭ ‬إلا‭ ‬أقل‭ ‬القليل،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬طغيان‭ ‬الفساد‭ ‬الديني‭ ‬والأخلاقي‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬الله‭ ‬والعبادة‭ ‬والصوم،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أسس‭ ‬طغيان‭ ‬الشرّ‭ ‬ومربى‭ ‬له‭! ‬وحتمًا‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬ذلك‭ (‬اعتباطيًا‭) ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬عناصر‭ ‬تدير‭ ‬آليات‭ ‬ذلك‭ ‬الطغيان‭ ‬وكيفية‭ ‬نشره‭ ‬وترسيخه،‭ ‬وهذه‭ ‬العناصر‭ ‬مرتبطة‭ ‬بعناصر‭ ‬أخرى‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية‭! ‬لتضييق‭ ‬دائرة‭ ‬الشبكة‭ ‬ونصل‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬الإدارة‭ ‬فيها‭ ‬التي‭ ‬تمسك‭ ‬بتدوير‭ ‬خيوط‭ ‬الشرّ،‭ ‬وفق‭ ‬مواصفات‭ ‬تدخل‭ ‬فيها‭ ‬السرّية‭ ‬ولكن‭ ‬تنمو‭ ‬في‭ ‬العلنية‭ ‬حتى‭ ‬يتحوّل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يرتبط‭ ‬بالشرّ‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬اعتياد‭ ‬وروتين‭ ‬بل‭ ‬وطريق‭ ‬مفروش‭ ‬بالمغريات‭ ‬والأضواء‭ ‬والزينة‭ ‬والبهرج‭ ‬والفنون‭! ‬

{ الغريب‭ ‬أن‭ ‬أسس‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬الخير‭ ‬والشرّ‭ ‬وبين‭ ‬الإنسان‭ ‬والشيطان‭ ‬كله‭ ‬مذكور‭ ‬في‭ ‬القرآن،‭ ‬بل‭ ‬بكل‭ ‬ذرات‭ ‬التفاصيل‭ ‬التي‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬الضلال‭ ‬وإما‭ ‬إلى‭ ‬الهدى‭ ‬وما‭ ‬بينهما‭ ‬من‭ ‬فرقان‭! ‬أخبرنا‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬الشرّ‭ ‬ضعيف‭ ‬أمام‭ ‬قوة‭ ‬الإيمان‭ ‬وتقوى‭ ‬الإنسان،‭ ‬ولكنه‭ ‬مدمّر‭ ‬للذين‭ ‬يجعلون‭ ‬من‭ ‬أنفسهم‭ ‬موالين‭ ‬وعبدة‭ ‬الشيطان‭! ‬سيبقى‭ ‬الشر‭ ‬موجودًا‭ ‬مثلما‭ ‬الخير،‭ ‬وسيبقى‭ ‬الرهان‭ ‬قائمًا،‭ ‬وسيبقى‭ ‬الامتحان‭ ‬والمحك‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬منذ‭ ‬سابق‭ ‬العصور‭ ‬والأزمان‭! ‬هذه‭ ‬الإدارة‭ ‬العالمية‭ ‬للشر‭ ‬وبقوانين‭ ‬وآليات‭ ‬وتقنيات‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬لن‭ ‬تضيف‭ ‬إلى‭ ‬الحقيقة‭ ‬المذكورة‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬شيئًا،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭ ‬لهو‭ ‬ومتاع‭ ‬الغرور،‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬ألاعيب‭ ‬الشرّ‭ ‬هي‭ ‬قائمة‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ (‬إما‭ ‬على‭ ‬الغرائزيات‭ ‬المنفلتة‭ ‬واللهو‭ ‬وإما‭ ‬على‭ ‬الغرور‭ ‬والأنا‭ ‬والتضخم‭ ‬الذاتي‭)! ‬وأن‭ ‬كيد‭ ‬الشيطان‭ ‬ضعيف‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬قوته‭ ‬بل‭ ‬وإدارته‭ ‬عالميًا‭ ‬ولأن‭ ‬الله‭ ‬محيط‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭.‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا