مارتن هيدغر فيلسوف ألماني ظاهراتي (1889-1976) يًعد من أبرز فلاسفة القرن العشرين المؤثِّرين من خلال أطروحاته الفلسفيّة، وبخاصة أسئلته الفلسفيّة الكبرى عن زمانية الكائن في العالم بعامة، وماهية العقل الإنساني، وتاريخ الحقيقة الذي يستند إليه، وهشاشة تصوّراتنا عن الإنسانية، وأزمة حداثة التنوير وغيرها. ويّعد كتاب هيدغر «الكينونة والزمان»، 1927 واحدًا من أعظم الكتب الفلسفيّة في تاريخ الفكر الفلسفيّ المعاصر في أطروحاته الفلسفيّة المبتكرة، وفي ذلك السجال المشتعل الذي أثاره لدى أجيال من الفلاسفة من سارتر إلى جاك دريدا، ومن أدورنو إلى هابرماس، والجدير بالذكر أنه قد تُرجِمَ إلى أكثر من عشرين لغة في العالم. وعلى الرغم من مرور ما يزيد على الأربعة عقود على موت هيدغر إلا أنَّ سؤاله عن معنى الكينونة لا يزال يُطرح ويُتداول فلسفيًا!
لقد كوَّن هيدغر نسقًا فلسفيًا مترابطًا يبحث في الوجود وفي الحياة والموت في كتابه «الكينونة والزمان» من خلال سعيه لابتكار نظرية متكاملة حول «الكينونة» ووصف مادتها الأولية وهي الكائن الذي أسماه هيدغر (بالدازاين). ويرى هيدغر أنَّ كينونتنا هي مشروع كينونة فقط؛ وهذا يعني أنّ الإنسان هو الكائن الذي عليه دائمًا أن يوجد، وهو أيضًا يسعى في موقع العمل إلى تحقيق إمكاناته وفي توتر مستمر نحو المستقبل.
في عام 1955 ألقى هيدغر في منطقة النورماندي الفرنسية محاضرة شهيرة عنوانها (ما الفلسفة؟)، أعلن فيها أنَّ الفلسفة ليست مستودعًا من المعارف النظرية، بل مسرى من التطلب الوجودي يستنهض الكائن الإنساني في أعماق وعيه حتى يستجيب لنداء الحقيقة؛ أيّ لاستدعاء الكينونة. وليست الفلسفة علمًا كسائر العلوم، ولا رؤية متسقة للعالم مبنية على أساس الحكم القطعي، ولا أساسًا نظريًا للمعارف العقلية، ولا معرفة مطلقة، ولا حتى اختبارًا من اختبارات القلق الوجودي الذي يعتصر فؤاد الإنسان المعاصر. إنَّ جوهر الفلسفة الحقيقي عند هيدغر هو دعوة الكائن إلى الانغماس في حياته وتأملها؛ لذلك يدعو هيدغر الإنسان إلى اختيار الطريق الصحيح، فإما السقوط في محنة الموضوعية المتصلبة التي تخنق الكائنات في تقنية الاستثمار والاتجار، وإمّا المغامرة في الانتقال انتقال القفز الجريء إلى عالم الحياة إذ يعاين الناس حقيقة الأشياء في تناغم عناصر الكون كلّه.
إنَّ ثمَّة حاجة تأسيسيّة لربط هذه الأطروحات الفلسفيّة عن الفلسفة الكونيّة بخطاباتها التي صدرت عنها وبمرجعياتها الأصلية منذ الفلسفة اليونانية إلى الفلسفات المعاصرة الغربية لاختزال أهم منطلقاتها وأفكارها، وتقديمها إلى المتلقي مع رفدها بقائمة مصادر ومراجع يستطيع الرجوع إليها. لقد وجدتُ مثل هذه الأدلة والكتب الاختزالية الفلسفية بلغات أجنبية متعددة، وقد تُرجم بعضها إلى اللغة العربيّة لكننا بحاجة كذلك إلى مثل هذه الأدلة الفلسفيّة الاختزالية الشارحة لأبرز مصادر الفكر الفلسفيّ العربيّ الإسلاميّ مع قوائم بالمصادر التأسيسّية لتشجيع المتلقي أيًا كانت ثقافته على القراءة الناظمة المتعمِّقة.
{ أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ الحديث
المشارك، كلية الآداب، جامعة البحرين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك