العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مدينة رفح تستصرخ ضـمـــيــر العالم!

بقلم: د. رمزي بارود

الاثنين ٢٥ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

إن‭ ‬مدينة‭ ‬رفح‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ليست‭ ‬أقدم‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬قديمة‭ ‬قدم‭ ‬الحضارة‭ ‬نفسها‭. ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين،‭ ‬حيث‭ ‬أشار‭ ‬إليها‭ ‬الكنعانيون‭ ‬باسم‭ ‬رافيا،‭ ‬وكانت‭ ‬رافيا‭ ‬موجودة‭ ‬هناك‭ ‬دائمًا‭ ‬تقريبًا،‭ ‬لحراسة‭ ‬الحدود‭ ‬الجنوبية‭ ‬لفلسطين،‭ ‬القديمة‭ ‬والحديثة‭.‬

وباعتبارها‭ ‬البوابة‭ ‬بين‭ ‬قارتين‭ ‬وعالمين،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬رفح‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬والغزوات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬من‭ ‬قدامى‭ ‬المصريين‭ ‬إلى‭ ‬الرومان،‭ ‬ثم‭ ‬نابليون‭ ‬وجيشه‭ ‬المهزوم‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭.‬

والآن‭ ‬جاء‭ ‬دور‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭. ‬لقد‭ ‬جعل‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬من‭ ‬رفح‭ ‬جوهرة‭ ‬تاج‭ ‬عاره،‭ ‬والمعركة‭ ‬التي‭ ‬ستحدد‭ ‬مصير‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬يشنها‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ - ‬بل‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬مستقبل‭ ‬بلاده‭ ‬ذاته‭.‬

وقال‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬صحفي‭ ‬يوم‭ ‬17‭ ‬فبراير‭ ‬2024‭: ‬‮«‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬منعنا‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬رفح‭ ‬يقولون‭ ‬لنا‭: ‬اخسروا‭ ‬الحرب‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬يوجد‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬1‭.‬3‭ ‬إلى‭ ‬1‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬في‭ ‬رفح،‭ ‬وهي‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬عدد‭ ‬سكانها،‭ ‬قبل‭ ‬بدء‭ ‬الحرب،‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬200‭ ‬ألف‭ ‬نسمة‭.‬

وحتى‭ ‬قبل‭ ‬بدء‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬هذه،‭ ‬كان‭ ‬معبر‭ ‬رفح‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬مزدحما‭. ‬ولا‭ ‬يمكننا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نتخيل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الوضع‭ ‬الآن،‭ ‬حيث‭ ‬يتوزع‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬اللاجئين‭ ‬الموحلة،‭ ‬ويعيشون‭ ‬في‭ ‬خيام‭ ‬مؤقتة‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬عناصر‭ ‬الشتاء‭ ‬القاسي‭.‬

ويقول‭ ‬رئيس‭ ‬بلدية‭ ‬رفح‭ ‬إن‭ ‬10%‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬احتياجات‭ ‬الغذاء‭ ‬والمياه‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬سكان‭ ‬المخيمات،‭ ‬حيث‭ ‬يعاني‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬الجوع‭ ‬الشديد،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬المجاعة‭ ‬التامة‭.‬

تعاني‭ ‬هذه‭ ‬العائلات‭ ‬من‭ ‬الصدمة‭ ‬لأنها‭ ‬فقدت‭ ‬أحباءها‭ ‬ومنازلها،‭ ‬ولا‭ ‬يمكنها‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬رعاية‭ ‬طبية‭. ‬إنهم‭ ‬محاصرون‭ ‬بين‭ ‬الجدران‭ ‬العالية‭ ‬والبحر‭ ‬والجيش‭ ‬الهمجي‭ ‬القاتل‭.‬

إن‭ ‬الغزو‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لرفح‭ ‬لن‭ ‬يغير‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة‭ ‬لصالح‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ولكنه‭ ‬سيكون‭ ‬مروعا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬النازحين‭. ‬إن‭ ‬المذبحة‭ ‬سوف‭ ‬تتجاوز‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬رأيناه‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

أين‭ ‬سيذهب‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬1‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬عندما‭ ‬تصل‭ ‬الدبابات‭ ‬الإسرائيلية؟‭ ‬وأقرب‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالمنطقة‭ ‬الآمنة‭ ‬هي‭ ‬المواصي،‭ ‬وهي‭ ‬مكتظة‭ ‬بالفعل‭ ‬وصغيرة‭ ‬جدًا‭. ‬كما‭ ‬يعاني‭ ‬اللاجئون‭ ‬النازحون‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬المجاعة‭ ‬بسبب‭ ‬منع‭ ‬إسرائيل‭ ‬المساعدات‭ ‬وقصف‭ ‬القوافل‭ ‬المستمر‭.‬

ثم‭ ‬هناك‭ ‬شمال‭ ‬غزة،‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬معظمه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬خراب؛‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬بها‭ ‬طعام‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناطق،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬علف‭ ‬الحيوانات،‭ ‬الذي‭ ‬يستهلكه‭ ‬البشر‭ ‬الآن‭.‬

لم‭ ‬يقم‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬أخيراً‭ ‬بتطوير‭ ‬الإرادة‭ ‬لوقف‭ ‬إسرائيل،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬المروعة‭ ‬ستكون‭ ‬أسوأ‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬ارتكبت‭ ‬بالفعل،‭ ‬والتي‭ ‬أسفرت‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬وجرح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭.‬

وحتى‭ ‬مع‭ ‬غزو‭ ‬رفح،‭ ‬فإن‭ ‬إسرائيل‭ ‬لن‭ ‬تحقق‭ ‬أي‭ ‬نصر‭ ‬عسكري‭ ‬أو‭ ‬استراتيجي‭. ‬فنتنياهو‭ ‬يريد‭ ‬ببساطة‭ ‬تلبية‭ ‬نداءات‭ ‬سفك‭ ‬الدماء‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬إسرائيل‭. ‬وبعد‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬الانتقام‭.‬

قالت‭ ‬وزيرة‭ ‬المساواة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والنهوض‭ ‬بالمرأة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬مي‭ ‬جولان،‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬للكنيست‭ ‬يوم‭ ‬21‭ ‬فبراير‭ ‬2024م‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬شخصياً‭ ‬فخورة‭ ‬بآثار‭ ‬غزة‮»‬‭.‬

ولكن‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬نصر‭ ‬في‭ ‬رفح‭ ‬أيضا‭.‬

وفي‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬قالت‭ ‬إسرائيل‭ ‬إن‭ ‬حماس‭ ‬تتركز‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬في‭ ‬الشمال‭. ‬تم‭ ‬تدمير‭ ‬الشمال‭ ‬تدميرا‭ ‬مروعا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المقاومة‭ ‬ظلت‭ ‬صامدة‭ ‬تقاتل‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭.‬

ثم‭ ‬زعموا‭ ‬أن‭ ‬مقر‭ ‬المقاومة‭ ‬كان‭ ‬تحت‭ ‬مستشفى‭ ‬الشفاء،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬قصفه‭ ‬ومداهمته‭ ‬وتدميره‭. ‬ثم‭ ‬زعموا‭ ‬أن‭ ‬البريج‭ ‬والمغازي‭ ‬ووسط‭ ‬غزة‭ ‬هي‭ ‬الجائزة‭ ‬الكبرى‭ ‬للحرب‭. ‬ثم‭ ‬أُعلنت‭ ‬خان‭ ‬يونس‭ ‬‮«‬عاصمةً‭ ‬لحماس‭ ‬وهكذا‭ ‬دواليك‮»‬‭.‬

وباستثناء‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬وقتل‭ ‬مئات‭ ‬المدنيين‭ ‬يومياً،‭ ‬لم‭ ‬تربح‭ ‬إسرائيل‭ ‬شيئاً؛‭ ‬ولم‭ ‬تُهزم‭ ‬المقاومة،‭ ‬وانتقلت‭ ‬‮«‬عاصمة‭ ‬حماس‮»‬‭ ‬المزعومة‭ ‬بسهولة‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬من‭ ‬حي‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭.‬

والآن،‭ ‬يتم‭ ‬إطلاق‭ ‬نفس‭ ‬الادعاءات‭ ‬السخيفة‭ ‬والادعاءات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬أساس‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الصحة‭ ‬ضد‭ ‬رفح،‭ ‬حيث‭ ‬فر‭ ‬معظم‭ ‬سكان‭ ‬غزة،‭ ‬في‭ ‬يأس‭ ‬تام،‭ ‬للنجاة‭ ‬من‭ ‬الهجوم‭.‬

وكانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تأمل‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬أن‭ ‬يهرع‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬بمئات‭ ‬الآلاف‭ ‬إلى‭ ‬صحراء‭ ‬سيناء‭. ‬لم‭ ‬يفعلوا‭. ‬ثم‭ ‬بدأ‭ ‬القادة‭ ‬الإسرائيليون،‭ ‬مثل‭ ‬وزير‭ ‬المالية‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬اليميني‭ ‬المتطرف‭ ‬بتسلئيل‭ ‬سموتريش،‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الهجرة‭ ‬الطوعية‮»‬‭ ‬باعتبارها‭ ‬‮«‬الحل‭ ‬الإنساني‭ ‬الصحيح‮»‬‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬بقي‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬وظلوا‭ ‬على‭ ‬صمودهم‭.‬

والآن،‭ ‬اتفقوا‭ ‬جميعاً‭ ‬على‭ ‬غزو‭ ‬منطقة‭ ‬رفح،‭ ‬وهو‭ ‬جهد‭ ‬أخير‭ ‬لتدبير‭ ‬نكبة‭ ‬فلسطينية‭ ‬أخرى‭. ‬لكن‭ ‬نكبة‭ ‬أخرى‭ ‬لن‭ ‬تحدث‭. ‬ولن‭ ‬يسمح‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬بحدوث‭ ‬ذلك‭. ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬الجنون‭ ‬السياسي‭ ‬لنتنياهو‭ ‬وإسرائيل‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬للعالم‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التخاذل‭ ‬الجبان‭.‬

إن‭ ‬حياة‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬جهودنا‭ ‬الجماعية‭ ‬لوضع‭ ‬نهاية‭ ‬فورية‭ ‬لهذه‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭.‬

{ أكاديمي‭ ‬وكاتب‭ ‬فلسطيني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا