العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هجوم موسكو: الفشل العسكري يقود إلى الإرهاب

بقلم: د. نبيل العسومي

الخميس ٢٨ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الهزائم‭ ‬العسكرية‭ ‬المتتالية‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬على‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة‭ ‬وفي‭ ‬خطوط‭ ‬المواجهة‭ ‬انتجت‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬تعويض‭ ‬هذه‭ ‬الهزائم‭ ‬الكبيرة،‭ ‬وهذا‭ ‬الانهيار‭ ‬على‭ ‬خطوط‭ ‬المواجهة‭ ‬باللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الأعمال‭ ‬الإرهابية‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬وباللجوء‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬مهاجمة‭ ‬العمق‭ ‬الروسي‭ ‬بضرب‭ ‬الأحياء‭ ‬السكنية‭ ‬المدنية‭ ‬وضرب‭ ‬أهداف‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بالمواجهة‭ ‬العسكرية‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬الإفلاس‭ ‬العسكري‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬خلق‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نسميه‭ ‬بالمعنى‭ ‬الأخلاقي‭ ‬الإفلاس‭ ‬الأخلاقي‭ ‬لأنه‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬رمز‭ ‬ومؤشر‭ ‬إلى‭ ‬قرب‭ ‬انتهاء‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬كييف‭ ‬بصورته‭ ‬الحالية‭ ‬على‭ ‬الأرجح،‭ ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التقارير‭ ‬المختصة‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التقارير‭ ‬الصادرة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الغربية‭ ‬نفسها‭ ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬بعض‭ ‬جرائدها‭ ‬المشهورة‭ ‬تقارير‭ ‬بعنوان‭ ‬هزيمة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬أو‭ ‬انتهاء‭ ‬أوكرانيا‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬العبارات‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬النتيجة‭ ‬نفسها‭.‬

لقد‭ ‬دفعني‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المقدمة‭ ‬أصداء‭ ‬العملية‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬نفذت‭ ‬في‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬صالة‭ ‬احتفالات‭ ‬بمجمع‭ ‬تجاري‭ ‬وراح‭ ‬ضحيتها‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬الأبرياء‭ ‬بين‭ ‬قتيل‭ ‬وجريح‭ ‬لا‭ ‬ناقة‭ ‬لهم‭ ‬ولا‭ ‬جمل‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬وفي‭ ‬جبهات‭ ‬القتال،‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬الإجرامية‭ ‬التي‭ ‬نفذتها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الإرهابيين‭ ‬الذين‭ ‬خلت‭ ‬قلوبهم‭ ‬من‭ ‬الرحمة‭ ‬والإنسانية‭ ‬والقيم‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لتسجيل‭ ‬انتصارات‭ ‬وهمية‭ ‬لا‭ ‬تغير‭ ‬أبدا‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬الهزيمة‭ ‬على‭ ‬الجبهة،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬لم‭ ‬تستعجل‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬اتهامات‭ ‬محددة‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬طرف‭ ‬فإن‭ ‬المنطق‭ ‬القانوني‭ ‬والسياسي‭ ‬يقودان‭ ‬حتما‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬المستفيد،‭ ‬والمستفيد‭ ‬حتما‭ ‬هو‭ ‬نظام‭ ‬كييف‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬سوابق‭ ‬مماثلة‭ ‬وجميعها‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬والأهداف‭ ‬المدنية،‭ ‬فلا‭ ‬غرابة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬وجه‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬التورط‭ ‬الأوكراني‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬النكراء‭ ‬التي‭ ‬تتكرر‭ ‬يوميا‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬نوفغورد‭ ‬الروسية‭ ‬تحديدا‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الادعاء‭ ‬بأن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬داعش‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬نفذ‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة،‭ ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬فلا‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬والمجموعات‭ ‬التي‭ ‬تهاجم‭ ‬المدن‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬النتيجة‭ ‬واحدة‭ ‬والهدف‭ ‬واحد‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الادعاء‭ ‬بأن‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬بهذه‭ ‬العمليات‭ ‬هو‭ ‬فيلق‭ ‬روسي‭ ‬معارض‭ ‬للسلطة‭ ‬في‭ ‬موسكو‭.‬

من‭ ‬الواضح‭ ‬إذن‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الورطة‭ ‬أوكرانية‭-‬غربية،‭ ‬لأن‭ ‬أوكرانيا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬النازية‭ ‬وتتبناهم‭ ‬وترعاهم‭ ‬وهي‭ ‬القوى‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬تقتل‭ ‬المواطنين‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬والمدنيين‭ ‬الروس‭ ‬بلا‭ ‬حسيب‭ ‬ولا‭ ‬رقيب‭ ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ ‬كييف‭ ‬قد‭ ‬كرم‭ ‬مانديرا‭ ‬كرمز‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬الوطنية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وهي‭ ‬المعروفة‭ ‬بموالاتها‭ ‬للنازية‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬الوطنية‭ ‬العظمى‭ ‬أيام‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ ‬كييف‭ ‬لا‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬تبني‭ ‬الهجمات‭ ‬اليومية‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين،‭ ‬بل‭ ‬التنكيل‭ ‬حتى‭ ‬بأفراد‭ ‬الشعب‭ ‬الأوكراني‭ ‬الذين‭ ‬يرفضون‭ ‬التجنيد‭ ‬الاجباري‭ ‬والزج‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬يائسة‭ ‬وفاشلة،‭ ‬فلا‭ ‬غرابة‭ ‬والأمر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬أن‭ ‬يهرب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬6‭ ‬ملايين‭ ‬أوكراني‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وإلى‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬الأخرى‭ ‬وتسجل‭ ‬يوميا‭ ‬حالات‭ ‬الهروب‭ ‬والاستسلام‭ ‬للقوات‭ ‬الروسية‭ ‬بين‭ ‬القوات‭ ‬الأوكرانية‭.‬

وقبل‭ ‬أن‭ ‬نصدر‭ ‬أي‭ ‬أحكام‭ ‬مستعجلة‭ ‬بشأن‭ ‬العمل‭ ‬الإرهابي‭ ‬الذي‭ ‬نفذ‭ ‬في‭ ‬موسكو‭ ‬فإن‭ ‬تكرار‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬وارد،‭ ‬بل‭ ‬متوقع‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬القادمة‭ ‬لأنه‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تتقدم‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬الجبهة‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬يسجل‭ ‬الجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬يوميا‭ ‬فشلا‭ ‬وهزيمة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تعمل‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬كييف‭ ‬على‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬الترهيبية‭ ‬لمجرد‭ ‬الإيحاء‭ ‬بأن‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬موسكو‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬الأمن‭ ‬لشعبه‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬واقعي‭ ‬لأن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬الإرهابية‭ ‬لا‭ ‬تأثير‭ ‬لها‭ ‬لا‭ ‬جدي‭ ‬ولا‭ ‬واقعي‭ ‬على‭ ‬الأرض‭.‬

ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وعلى‭ ‬لسان‭ ‬رئيسها‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬وكبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬قد‭ ‬عبّرت‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬عن‭ ‬استعداد‭ ‬روسيا‭ ‬الدائم‭ ‬والمستمر‭ ‬للجلوس‭ ‬إلى‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات‭ ‬وحل‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬بين‭ ‬الشعبين‭ ‬الشقيقين‭ ‬لأن‭ ‬روسيا‭ ‬لا‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الأوكراني‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬عدو‭ ‬بل‭ ‬تُكنّ‭ ‬له‭ ‬كل‭ ‬التقدير‭ ‬والمحبة،‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬مختطف‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬النازية‭ ‬التي‭ ‬يسيرها‭ ‬الغرب‭ ‬اليوم،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الغرب‭ ‬الذي‭ ‬سارع‭ ‬بعد‭ ‬اتفاق‭ ‬تركيا‭ ‬بين‭ ‬موسكو‭ ‬وكييف‭ ‬إلى‭ ‬إجبار‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬كييف‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬الحل‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سينهي‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬ويجنب‭ ‬البلدين‭ ‬الشقيقين‭ ‬أهوال‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭. ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬الغرب‭ ‬وتحديدا‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وبريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬يستشعرون‭ ‬اليوم‭ ‬بخيبة‭ ‬وبورطة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬فهم‭ ‬من‭ ‬شجعوا‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬اعتقادا‭ ‬منهم‭ ‬بإمكانية‭ ‬إلحاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬بروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وبذلك‭ ‬فإنهم‭ ‬اليوم‭ ‬لم‭ ‬يعودوا‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬هزيمة‭ ‬روسيا‭ ‬وإنما‭ ‬عن‭ ‬منع‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬انتصار‭ ‬عسكري‭ ‬فهذا‭ ‬أمر‭ ‬غريب‭ ‬ومضحك‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬بالمعيار‭ ‬السياسي‭ ‬وبالمعيار‭ ‬العسكري‭.‬

ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬بحسب‭ ‬التجارب‭ ‬والاحداث‭ ‬السابقة‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬الإرهابية‭ ‬الجبانة‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬تؤثر‭ ‬أبدا‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬القوي‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬إيذاء‭ ‬بعض‭ ‬المدنيين‭ ‬الأبرياء،‭ ‬الخزي‭ ‬والعار‭ ‬للإرهاب‭ ‬والإرهابيين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا