العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الدلـيـل الإرشـادي للتعـميـر والـقـضاء على التشوهات البصرية

بقلم: عبدالهادي الخلاقي

الجمعة ٢٩ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

يشهد‭ ‬العالم‭ ‬اهتماماً‭ ‬متزايداً‭ ‬بالتنمية‭ ‬الحضرية‭ ‬والتطور‭ ‬العمراني‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬ينال‭ ‬اهتماماً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المدن‭ ‬العالمية‭ ‬وتحديداً‭ ‬العواصم‭ ‬الخليجية‭ ‬التي‭ ‬تتنافس‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬بأحدث‭ ‬وأٌرقى‭ ‬بنية‭ ‬عمرانية‭ ‬وأطول‭ ‬ناطحة‭ ‬سحاب‭ ‬وأجمل‭ ‬المباني‭ ‬العصرية؛‭ ‬ونظير‭ ‬ذلك‭ ‬أصـبح‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬ملحة‭ ‬إلى‭ ‬العناية‭ ‬بالبيئة‭ ‬الحضرية‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬وخاصة‭ ‬العاصمة‭ ‬المنامة‭ ‬التي‭ ‬تُعتبر‭ ‬واجهة‭ ‬البحرين‭ ‬الحضارية‭ ‬والعمرانية‭. ‬ويُعد‭ ‬التشوه‭ ‬البصري‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬الظواهر‭ ‬السلبية‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬جماليتها،‭ ‬والتشوه‭ ‬البصري‭ ‬هو‭ ‬اختلال‭ ‬المنظر‭ ‬الجمالي‭ ‬لأي‭ ‬مبنى‭ ‬أو‭ ‬مرفق‭ ‬تقع‭ ‬عليه‭ ‬الأعين‭ ‬عند‭ ‬النظر‭ ‬إليه‭ ‬ويُشعِر‭ ‬الناظر‭ ‬بعدم‭ ‬الارتياح‭ ‬النفسي،‭ ‬ويُمكننا‭ ‬وصفه‭ ‬أيضاً‭ ‬بأنه‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬تراجع‭ ‬مستويات‭ ‬الذوق‭ ‬الفني‭ ‬أو‭ ‬اختفاء‭ ‬الصورة‭ ‬الجمالية‭ ‬للمباني‭ ‬والطرقات‭ ‬والمرافق‭ ‬العامة،‭ ‬وإدراك‭ ‬المشهد‭ ‬البصرى‭ ‬للمدينة‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬صور‭ ‬بصرية‭ ‬تخضع‭ ‬في‭ ‬تكويناتها‭ ‬لقيم‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬جماليات‭ ‬العمران‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬القيم‭ ‬الوظيفية،‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وأيضاً‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬يرتكز‭ ‬عليها‭ ‬جميعاً‭ ‬الفكر‭ ‬التخطيطي‭ ‬والتصميم‭ ‬العمراني‭.‬

وتتمحور‭ ‬التشوهات‭ ‬البصرية‭ ‬في‭ ‬سوء‭ ‬التخطيط‭ ‬العمراني‭ ‬لبعض‭ ‬الأبنية‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تصاميمها‭ ‬المعمارية‭ ‬أو‭ ‬شكل‭ ‬بنائها‭ ‬واختلاف‭ ‬واجهاتها،‭ ‬أو‭ ‬بناء‭ ‬ملاحق‭ ‬إضافية‭ ‬بألواح‭ ‬خشبية‭ ‬أو‭ ‬سواتر‭ ‬حديدية‭ ‬بصورة‭ ‬غير‭ ‬حضارية‭ ‬أو‭ ‬وجود‭ ‬تشققات‭ ‬أو‭ ‬تلف‭ ‬في‭ ‬واجهات‭ ‬المباني‭ ‬أو‭ ‬أجزاء‭ ‬منها،‭ ‬أو‭ ‬تغطية‭ ‬الشرفات‭ ‬بمواد‭ ‬لا‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬شكل‭ ‬وطبيعة‭ ‬البناء‭ ‬أو‭ ‬سوء‭ ‬استخدام‭ ‬الشرفات‭ ‬كنشر‭ ‬الغسيل‭ ‬والتخزين‭ ‬وخلافه،‭ ‬كذلك‭ ‬تثبيت‭ ‬أجهزة‭ ‬التكييف‭ ‬أو‭ ‬تمديداتها‭ ‬في‭ ‬الواجهات‭ ‬الرئيسية‭ ‬للمباني،‭ ‬أو‭ ‬تربية‭ ‬الطيور‭ ‬والدواجن‭ ‬على‭ ‬الأسطح،‭ ‬بالإضافة‭ ‬الى‭ ‬انتشار‭ ‬ظاهرة‭ ‬الكتابات‭ ‬والصور‭ ‬والشعارات‭ ‬والإعلانات‭ ‬على‭ ‬الجدران،‭ ‬وتداخل‭ ‬البناء‭ ‬القديم‭ ‬والحديث‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ ‬واحد‭.‬

اختفاء‭ ‬المظاهر‭ ‬الجمالية‭ ‬للمدن‭ ‬يُعد‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬التلوث‭ ‬البيئي‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بالتلوث‭ ‬البصري،‭ ‬وهو‭ ‬يمثل‭ ‬مشكلة‭ ‬تمس‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬البيئة‭ ‬المشيدة‭ ‬فتظهر‭ ‬المباني‭ ‬غير‭ ‬منسجمة‭ ‬وغير‭ ‬متجانسة،‭ ‬مما‭ ‬يؤثر‭ ‬بصورة‭ ‬واضحة‭ ‬ومباشرة‭ ‬على‭ ‬المنظر‭ ‬العام‭ ‬للمدن،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬نتيجة‭ ‬لعدم‭ ‬احترام‭ ‬قوانين‭ ‬البناء‭ ‬والتعمير‭ ‬الذي‭ ‬يعكس‭ ‬جمالية‭ ‬وحضارية‭ ‬المدن‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬للتنافس‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬ما‭ ‬توليه‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬اهتمام‭ ‬بالغ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن؛‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬اعتبرت‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬التشوه‭ ‬البصري‭ ‬كارثة‭ ‬بيئية‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬مختلف‭ ‬وفقدانا للهوية،‭ ‬وإفسادا‭ ‬للذوق‭ ‬العام،‭ ‬وأوجبت‭ ‬التصدي‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬فسنت‭ ‬تشريعات‭ ‬رقابية‭ ‬صارمة‭ ‬حيث‭ ‬أعلنت وزارة‭ ‬الشؤون‭ ‬البلدية‭ ‬والقروية‭ ‬والإسكان‭ ‬السعودية،‭ ‬إتاحة‭ ‬إصدار‭ ‬شهادة‭ ‬امتثال‭ ‬المباني‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬ضمان‭ ‬التزام‭ ‬أصحاب‭ ‬المباني‭ ‬التجارية‭ ‬والسكنية‭ ‬وملاك‭ ‬حق‭ ‬الانتفاع‭ ‬بخلو‭ ‬مبانيهم‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬التشوه‭ ‬البصري؛‭ ‬لتوفير‭ ‬بيئة‭ ‬عمرانية‭ ‬صحية‭ ‬ومستدامة،‭ ‬والارتقاء‭ ‬بالمشهد‭ ‬الحضري‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬السعودية،‭ ‬وتحسين‭ ‬جودة‭ ‬الحياة،‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬سنت‭ ‬بلدية‭ ‬أبوظبي‭ ‬عقوبة‭ ‬على‭ ‬كل من‮ ‬يقوم‭ ‬بنشر الغسيل على‭ ‬الشرفات‭ ‬والنوافذ‭ ‬وفرضت‭ ‬غرامات‭ ‬عند‭ ‬تكرار‭ ‬المخالفة؛‭ ‬لما‭ ‬لهذا‭ ‬الفعل‭ ‬من‭ ‬تشويه‭ ‬للمنظر‭ ‬العام‭ ‬والنسق‭ ‬الجمالي‭ ‬للمدينة‭.‬

ويأتي‭ ‬التلوث‭ ‬البصري‭ ‬عادة‭ ‬نتيجة‭ ‬للإهمال‭ ‬أو‭ ‬سوء‭ ‬الاستعمال‭ ‬أو‭ ‬سوء‭ ‬التخطيط‭ ‬والتصميم،‭ ‬ونتمنى‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تطبيق‭ ‬الـدلـيـل‭ ‬الإرشــادي‭ ‬للتعمير‭ ‬فـي‭ ‬مـنـاطـق‭ ‬الـتـراث‭ ‬الـعـمـرانـي‭-‬UH،‭ ‬الذي‭ ‬أطلقته‭ ‬سعادة‭ ‬وزيرة‭ ‬الاسكان‭ ‬آمنة‭ ‬الرميحي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬سن‭ ‬تشريع‭ ‬رقابي‭ ‬وتنظيمي‭ ‬يضبط‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وزارة‭ ‬البلديات‭ ‬والتخطيط‭ ‬العمراني‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬ظاهرة‭ ‬العشوائيات‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬البناء‭ ‬المخالف‭ ‬للذوق‭ ‬العام‭ ‬ضمن‭ ‬خطة‭ ‬إنمائية‭ ‬متدرجة،‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالجوانب‭ ‬التخطيطية‭ ‬والمعمارية‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬العناصر‭ ‬البصرية‭ ‬والجمالية،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬المنامة‭ ‬ومدينة‭ ‬المحرق‭. ‬وللبدء‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬هذه‭ ‬الاشكالية‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تقييم‭ ‬الواقع‭ ‬الحالي‭ ‬لهذه‭ ‬العناصر‭ ‬وتحديد‭ ‬المؤثرات‭ ‬الإيجابية‭ ‬والسلبية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مدن‭ ‬البحرين‭ ‬مـن‭ ‬أجل‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالذوق‭ ‬العام‭ ‬عمرانياً‭ ‬وجمالياً‭ ‬وإعادة‭ ‬الصورة‭ ‬الذهنية‭ ‬لها‭ ‬كمدن‭ ‬حضارية‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬وتضع‭ ‬حداً‭ ‬للفوضى‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬عن‭ ‬سوء‭ ‬استغلال‭ ‬الحرية‭ ‬الفردية،‭ ‬وهنا‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نُدرك‭ ‬أننا‭ ‬نُخطط‭ ‬للمستقبل‭ ‬وعلينا‭ ‬إعداد‭ ‬أرضية‭ ‬صالحة‭ ‬ومتينـة‭ ‬للأجيال‭ ‬الحالية‭ ‬والقادمة‭ ‬ضمن‭ ‬أطر‭ ‬تكفل‭ ‬الحرية‭ ‬الفردية‭ ‬في‭ ‬التصاميم‭ ‬المعمارية‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬النظافة‭ ‬والشكل‭ ‬الخارجي‭ ‬الذي‭ ‬يُعتبر‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬تقدم‭ ‬ووعي‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬التطور‭ ‬المطرد‭ ‬للتجمعات‭ ‬وزيادة‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬السكان‭ ‬والكثافة‭ ‬السكانية‭ ‬والامتـداد‭ ‬العمراني‭ ‬وتلاصق‭ ‬الأحياء‭ ‬وارتفاع‭ ‬كثافة‭ ‬المباني‭ ‬التي‭ ‬أحدثت‭ ‬اختناقاً‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناطق،‭ ‬ونظير‭ ‬هذه‭ ‬الطفرة‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬مـن‭ ‬وضع‭ ‬ضوابط‭ ‬تنظم‭ ‬هذا‭ ‬الطفرة‭ ‬العمرانية‭ ‬والسكنية‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬النسق‭ ‬العام‭ ‬للشكل‭ ‬الهندسي‭ ‬والبصري‭ ‬والجمالي‭ ‬للمباني‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬الموروث‭ ‬التاريخي‭ ‬وانعكاساته‭ ‬على‭ ‬معالم‭ ‬المدن‭ ‬البحرينية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا