العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هل خسرت إسرائيل حربها في غزة؟

بقلم: فاروق يوسف

السبت ٣٠ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

لستُ‭ ‬ممَن‭ ‬يقيسون‭ ‬علاقتهم‭ ‬بالواقع‭ ‬السياسي‭ ‬بمشاعرهم‭ ‬العاطفية‭. ‬وإذا‭ ‬كنتُ‭ ‬أتمنى‭ ‬من‭ ‬أعماق‭ ‬نفسي‭ ‬أن‭ ‬تُهزم‭ ‬إسرائيل‭ ‬وأن‭ ‬يُكسر‭ ‬جبروت‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬الغاشمة‭ ‬لكي‭ ‬يستعيد‭ ‬الضعفاء‭ ‬والمعذبون‭ ‬حقوقهم‭ ‬فإنّني‭ ‬أدرك‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تُهزم‭ ‬بالأمنيات،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الأمنيات‭ ‬صادقة‭ ‬وعادلة‭. ‬وما‭ ‬وضعته‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬بكل‭ ‬وضوح،‭ ‬وهو‭ ‬معطى‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكاره،‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬روح‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬والروح‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬شيء‭ ‬أكثر‭ ‬عمقا‭. ‬فحين‭ ‬يشير‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬إلى‭ ‬مقتل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬ألفا‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬فذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بالضرورة‭ ‬أن‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬صدد‭ ‬تغيير‭ ‬موقفها‭ ‬المتضامن‭ ‬مع‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬شكلا‭ ‬ومضمونا،‭ ‬وأفعالا‭ ‬وتحديات‭. ‬وما‭ ‬استخفاف‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬من‭ ‬تصريحات‭ ‬بايدن‭ ‬إلا‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬ثقته‭ ‬بأن‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬ثابت‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬فيها‭ ‬مأساة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬المستمرة‭ ‬ليس‭ ‬منذ‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر،‭ ‬بل‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬75‭ ‬سنة‭ ‬هي‭ ‬عمر‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭.‬

ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬هزيمة‭ ‬إسرائيل‭ ‬ليست‭ ‬مستحيلة‭ ‬حين‭ ‬تجرها‭ ‬رعونة‭ ‬أفعالها‭ ‬إلى‭ ‬فخ‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬الخروج‭ ‬منه‭ ‬بيسر‭. ‬فبعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬المفتوحة‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭. ‬لا‭ ‬لأن‭ ‬المقاومة‭ ‬مستمرة‭ ‬بحسب،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬لأن‭ ‬الموقف‭ ‬الشعبي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ازداد‭ ‬تماسكا‭ ‬وصلابة‭. ‬مَن‭ ‬يحب‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬ويناصرها‭ ‬ومَن‭ ‬يمقت‭ ‬الحركة‭ ‬ويعتبرها‭ ‬خروجا‭ ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬النضال‭ ‬الوطني‭ ‬المسلح‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬ضد‭ ‬الهمجية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تنتج‭ ‬عن‭ ‬خطأ‭ ‬متعمد‭ ‬ارتكبه‭ ‬اليمين‭ ‬بقيادة‭ ‬نتنياهو،‭ ‬بل‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬العقيدة‭ ‬الصهيونية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬سوى‭ ‬حشرات‭ ‬كما‭ ‬صرّح‭ ‬وزير‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الوارد‭ ‬في‭ ‬عرفها‭ ‬أن‭ ‬يتساوى‭ ‬مقتل‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بمقتل‭ ‬إسرائيلي‭ ‬واحد‭. ‬وإن‭ ‬أكد‭ ‬فلسطيني‭ ‬أن‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬لا‭ ‬تمثله‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬طبيعي‭ ‬فليس‭ ‬في‭ ‬إمكانه‭ ‬الثناء‭ ‬على‭ ‬آلة‭ ‬القتل‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬حين‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬استدارت‭ ‬إلى‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬المدنيين‭ ‬العزل‭ ‬وصارت‭ ‬تحصدهم‭ ‬بالآلاف‭ ‬كالحشرات‭ ‬تطبيقا‭ ‬لمبدأ‭ ‬الإبادة‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تضلل‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اعتماد‭ ‬الإبادة‭ ‬مبدأً‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬تعاملها‭ ‬مع‭ ‬سكان‭ ‬الأرض‭ ‬الأصليين‭ ‬فإن‭ ‬الأمريكان‭ ‬الذين‭ ‬يعتبرون‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬ورثة‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬الأخلاق‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يثنوا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬السلوك‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬يزيدون‭ ‬من‭ ‬تورط‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الجريمة‭ ‬التي‭ ‬ستوسع‭ ‬من‭ ‬المسافة‭ ‬التي‭ ‬تفصلها‭ ‬عن‭ ‬أيّ‭ ‬مقاربة‭ ‬إنسانية،‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أساسا‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬حقوق‭ ‬شعب‭ ‬اغتصبت‭ ‬أرضه‭ ‬وحُرم‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬الحياة‭ ‬الحقة‭ ‬حين‭ ‬شُرّد‭ ‬عبر‭ ‬أجيال‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬الشتات‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬هويتها‭ ‬الفلسطينية‭. ‬لم‭ ‬تتعلم‭ ‬إسرائيل‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬الدرس‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الشامل‭ ‬واختصرت‭ ‬صراعها‭ ‬بـ«حماس‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬تنظيم‭ ‬مسلح‭ ‬أضفى‭ ‬على‭ ‬المسألة‭ ‬طابعا‭ ‬دينيا‭ ‬ليس‭ ‬منها‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬التنظيم‭ ‬قد‭ ‬خدش‭ ‬الهوية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬حين‭ ‬عرّضها‭ ‬لتجاذبات‭ ‬دينية‭ ‬ضيقة‭ ‬فإن‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬لتلك‭ ‬الهوية‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬قائما‭ ‬وسليما‭. ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬ازداد‭ ‬قوة‭ ‬حين‭ ‬ضُربت‭ ‬غزة‭ ‬بحجة‭ ‬محاربة‭ ‬الإرهاب‭. ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬والإعلام‭ ‬الغربي‭ (‬الأمريكي‭ ‬والبريطاني‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭) ‬عمل‭ ‬على‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬باعتبارها‭ ‬مجرد‭ ‬تنظيمات‭ ‬إرهابية‭ ‬خارجة‭ ‬على‭ ‬القانون‭.‬

لن‭ ‬يغير‭ ‬الغرب‭ ‬موقفه‭ ‬من‭ ‬النضال‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬خوفه‭ ‬من‭ ‬استعادة‭ ‬التفكير‭ ‬بالمسألة‭ ‬اليهودية‭. ‬الانحياز‭ ‬الثابت‭ ‬لإسرائيل‭ ‬لا‭ ‬يستمد‭ ‬قوة‭ ‬ديمومته‭ ‬واستمراره‭ ‬من‭ ‬كراهية‭ ‬العرب‭ ‬وحب‭ ‬إسرائيل‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬شبح‭ ‬عودة‭ ‬اليهود‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬وانهيار‭ ‬المشروع‭ ‬الاستيطاني‭ ‬الذي‭ ‬تمت‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬عملية‭ ‬التخلص‭ ‬منهم‭ ‬والانتهاء‭ ‬من‭ ‬عقدة‭ ‬استمرت‭ ‬قرونا‭. ‬الغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬لا‭ ‬يضع‭ ‬خبرته‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬معيارا‭ ‬للفصل‭ ‬بين‭ ‬انحيازه‭ ‬السياسي‭ ‬والشرط‭ ‬القانوني‭ ‬الذي‭ ‬فرضت‭ ‬القرارات‭ ‬الدولية‭ ‬حقوقا‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تُحترم‭. ‬يقف‭ ‬الغرب‭ ‬وراء‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭. ‬موقف‭ ‬أعمى‭ ‬لن‭ ‬تستفيد‭ ‬منه‭ ‬إسرائيل‭ ‬كثيرا‭ ‬وهي‭ ‬تمحو‭ ‬إمكانية‭ ‬أن‭ ‬تتفاوض‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬نهائي‭ ‬للمشكلة،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬سيضر‭ ‬بسمعة‭ ‬الغرب‭ ‬لا‭ ‬أمام‭ ‬العالم‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬وأيضا‭ ‬بين‭ ‬شعوبه‭ ‬التي‭ ‬تشعر‭ ‬بالعار‭ ‬وهي‭ ‬ترى‭ ‬أنها‭ ‬صارت‭ ‬تمول‭ ‬الهمجية‭ ‬وعمليات‭ ‬القتل‭ ‬بأموال‭ ‬الضرائب‭ ‬التي‭ ‬تدفعها‭.‬

تواطؤ‭ ‬الغرب‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬لن‭ ‬ينفعها‭ ‬في‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬مأزق‭ ‬غزة‭. ‬وهي‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تفوقها‭ ‬العسكري‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬من‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تزداد‭ ‬فيه‭ ‬جريمتها‭ ‬بشاعة‭. ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الدعم‭ ‬الغربي‭ ‬فإن‭ ‬إسرائيل‭ ‬وهي‭ ‬‮»‬دولة‮«‬‭ ‬صغيرة‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬ما‭ ‬يؤهلها‭ ‬للاستمرار‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬طويلة‭. ‬ولكنها‭ ‬حين‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬اللاحل‭ ‬فإنها‭ ‬ستواجه‭ ‬هزيمة‭ ‬ستهز‭ ‬كيانها‭ ‬الداخلي‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يخشاه‭ ‬نتنياهو‭.‬

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا