استطاعت قصيدة النثر عبر التراكم المعرفي الإنساني الأدبي أن تحدث ثورة في بنية الكتابة الشعرية، وتفجر طاقات اللغة بأساليب غير اعتيادية وتعطي لنفسها الفرادة بشكل ملفت ومؤثر عبر تقنيات متنوعة نجدها حاضرة في مجموعة (ما لم يقله أحد عن طوفان نوح) لحسام وهبان.
1- التشظي
انقلبت القصيدة في هذا الديوان على العلاقات المألوفة والتصورات الجاهزة وكشفت رؤياها عن العالم في ثالوثها الله/العالم/الإنسان وأحدثت دهشة خاصة وخاصة جدا لهذه العلاقات ولكنها حفظت للشعر خصوصيته فمثلا قوله:
«أنا كبرياء العش، تماهت إنسانيته مع العالم
أنا ديمومة الأسماء
هنيئا لك الملك والملكوت
لا نفهم حكمة الله فيك
كيف ترى الدم بعينيك ماء؟»
2- الصورة
الصورة في مجموعة (ما لم يقله أحد عن طوفان نوح) انعكاس لتصل حقائق تفتح للمتلقي عملية الإبداع قابلة لثنائية التأويل المتغير بالصورة والرمز عالم من خيبات الأمل والحسرة نراه يقول:
«اصقل من دمنا سيفك العربي
وابصقنا نجوما
في سماء النشيد الحماسي
في خطبة النصر»
إلى أن يقول
«دم
دمع
وحلم ترمل
فلا تكترث
سينبع نهر
يستنطق الأرض حتى ترى النور بذرة باقية
ستعلن في خطبة العرش
موتى وموتك»
إلى أن يقول في موضع آخر
«سيأكل الطريق قدميك»
ثم يقول:
«امرأة تغزل نهديها لعابر مثلي»
3- الذاتية
مما يميز هذه المجموعة الذاتية باعتبار الشاعر يتحدث عن نفسه وعن العالم من خلال نفسه محاولا أن يحتفظ برؤية تخصه ليست مجرد إعادة إنتاج لرؤى السابقين أو استهلاك مكرور فالقصيدة هنا ابنة شرعيةً لتصورات شاعرها وفرديته وتفرده باعتبار أن الشاعر تجربة وجود ومرآة لتجليات بالغة الخصوصية ملتبسة بثقافة الشاعر.
فالشاعر هنا عجن تطلعاته وتصوراته في بوتقة النص له خصوصيته الفريدة في العالم والإنسان والأحداث والرؤى والأفكار، نظرة خاصة وخاصة جدا عن وضعه الإنساني الفريد تجاه الأوطان والأفكار والتواريخ استثمر ثقافته بدرجة فائقة ونقلها كأنها لا تنتمي لشيء سواه هذا الانصهار العميق جعل النص كله قصيدة والقصيدة كلها نص في عالم طويل ومتعدد ومتشابك يشوبه الحزن مرة فيه واقعية كالقهوة وبائع متجول وشارع مزدحم والميناء كلها مفردات شكلت عالمه وقدمته للقارئ بشكل فيه ذاتية وذاتية خاصة.
4- المعرفية
مجموعة ما لم يقله أحدٍ عن طوفان نوح قصيدة لا تجر نفسها في فخ الغنائية الساذجة أو الخطابية الموجة أو التقريرية المتعالية وإنما هي تطمح وتتطلع إلى رؤية معرفية هي بمثابة فلسفة للعلم وتصو عن دينامية الوجود عاطفيا وإنسانيا هي تحدى للاستيعاب والتحليل.
الدلالة الشعرية في هذه المجموعة معرفية بطريقة أدبية تحدثت عن الأوطان والجراحات وجعلت طوفان نوح طوفانا متحركا في مسرح الحياة حيث يقول:
«الضجيج لا يتوقف داخلي
سباق لا يتوقف فيه أحد
البحر
لؤلؤتي الغارقة في دنيا الناس
درب العابرين إلى لا مكان
الصحراء
عطشي الأبدي في انتظار الينابيع»
«الهوة العميقة
تشدني من سمائي
نسير معا»
إذن المعرفة الممزوجة بعالم الشعر حاصرتها الذكريات في كل مكان في الماء والصحراء والسماء عالم فريد جمع فيه الشاعر بين واقعية الأنا وشعرية الضمير.
هذه الأربع تقنيات رسمت من مجموعة ما لم يقله أحد عن طوفان نوح حقيقة العنوان في لغة شعرية مكثفة جدا وصورة متسعة أكثر المجموعة كلها قصيدة يجمعها الجرح الشعرى ويوسعها الضمير الإنساني في ثقل تمنينا على الشاعر أن يخففه علينا لنشاركه الرؤية، رؤيته مكتملة كالحجر الصلد لا يقبل تأثير الماء إلا قليلا وبجهد كبير.
تجربة شعرية مكتملة الأدوات تسرح في عالم شعري خاص تكتسب الخبرة بهدوء وروية لا تستعجل الإنجاز ولكنها فيها أنا طاغية في خصوصية فردية.
{ ناقد بحريني
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك