العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

التقنيات الأدبية في قصيدة النثر..

السبت ٣٠ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

استطاعت‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬عبر‭ ‬التراكم‭ ‬المعرفي‭ ‬الإنساني‭ ‬الأدبي‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬الكتابة‭ ‬الشعرية،‭ ‬وتفجر‭ ‬طاقات‭ ‬اللغة‭ ‬بأساليب‭ ‬غير‭ ‬اعتيادية‭ ‬وتعطي‭ ‬لنفسها‭ ‬الفرادة‭ ‬بشكل‭ ‬ملفت‭ ‬ومؤثر‭ ‬عبر‭ ‬تقنيات‭ ‬متنوعة‭ ‬نجدها‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ (‬ما‭ ‬لم‭ ‬يقله‭ ‬أحد‭ ‬عن‭ ‬طوفان‭ ‬نوح‭) ‬لحسام‭ ‬وهبان‭.‬

1-‭  ‬التشظي

انقلبت‭ ‬القصيدة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الديوان‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬المألوفة‭ ‬والتصورات‭ ‬الجاهزة‭ ‬وكشفت‭ ‬رؤياها‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬ثالوثها‭ ‬الله‭/‬العالم‭/‬الإنسان‭ ‬وأحدثت‭ ‬دهشة‭ ‬خاصة‭ ‬وخاصة‭ ‬جدا‭ ‬لهذه‭ ‬العلاقات‭ ‬ولكنها‭ ‬حفظت‭ ‬للشعر‭ ‬خصوصيته‭ ‬فمثلا‭ ‬قوله‭:‬

‮«‬أنا‭ ‬كبرياء‭ ‬العش،‭ ‬تماهت‭ ‬إنسانيته‭ ‬مع‭ ‬العالم

أنا‭ ‬ديمومة‭ ‬الأسماء

هنيئا‭ ‬لك‭ ‬الملك‭ ‬والملكوت

لا‭ ‬نفهم‭ ‬حكمة‭ ‬الله‭ ‬فيك

كيف‭ ‬ترى‭ ‬الدم‭ ‬بعينيك‭ ‬ماء؟‮»‬

2-‭  ‬الصورة

الصورة‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ (‬ما‭ ‬لم‭ ‬يقله‭ ‬أحد‭ ‬عن‭ ‬طوفان‭ ‬نوح‭) ‬انعكاس‭ ‬لتصل‭ ‬حقائق‭ ‬تفتح‭ ‬للمتلقي‭ ‬عملية‭ ‬الإبداع‭ ‬قابلة‭ ‬لثنائية‭ ‬التأويل‭ ‬المتغير‭ ‬بالصورة‭ ‬والرمز‭ ‬عالم‭ ‬من‭ ‬خيبات‭ ‬الأمل‭ ‬والحسرة‭ ‬نراه‭ ‬يقول‭:‬

‮«‬اصقل‭ ‬من‭ ‬دمنا‭ ‬سيفك‭ ‬العربي

وابصقنا‭ ‬نجوما

في‭ ‬سماء‭ ‬النشيد‭ ‬الحماسي

في‭ ‬خطبة‭ ‬النصر‮»‬

إلى‭ ‬أن‭ ‬يقول

‮«‬دم

دمع

وحلم‭ ‬ترمل

فلا‭ ‬تكترث

سينبع‭ ‬نهر

يستنطق‭ ‬الأرض‭ ‬حتى‭ ‬ترى‭ ‬النور‭ ‬بذرة‭ ‬باقية

ستعلن‭ ‬في‭ ‬خطبة‭ ‬العرش

موتى‭ ‬وموتك‮»‬

إلى‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬آخر

‮«‬سيأكل‭ ‬الطريق‭ ‬قدميك‮»‬

ثم‭ ‬يقول‭:‬

‮«‬امرأة‭ ‬تغزل‭ ‬نهديها‭ ‬لعابر‭ ‬مثلي‮»‬

3-‭  ‬الذاتية

مما‭ ‬يميز‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬الذاتية‭ ‬باعتبار‭ ‬الشاعر‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬وعن‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نفسه‭ ‬محاولا‭ ‬أن‭ ‬يحتفظ‭ ‬برؤية‭ ‬تخصه‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬لرؤى‭ ‬السابقين‭ ‬أو‭ ‬استهلاك‭ ‬مكرور‭ ‬فالقصيدة‭ ‬هنا‭ ‬ابنة‭ ‬شرعيةً‭ ‬لتصورات‭ ‬شاعرها‭ ‬وفرديته‭ ‬وتفرده‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬الشاعر‭ ‬تجربة‭ ‬وجود‭ ‬ومرآة‭ ‬لتجليات‭ ‬بالغة‭ ‬الخصوصية‭ ‬ملتبسة‭ ‬بثقافة‭ ‬الشاعر‭.‬

فالشاعر‭ ‬هنا‭ ‬عجن‭ ‬تطلعاته‭ ‬وتصوراته‭ ‬في‭ ‬بوتقة‭ ‬النص‭ ‬له‭ ‬خصوصيته‭ ‬الفريدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬والإنسان‭ ‬والأحداث‭ ‬والرؤى‭ ‬والأفكار،‭ ‬نظرة‭ ‬خاصة‭ ‬وخاصة‭ ‬جدا‭ ‬عن‭ ‬وضعه‭ ‬الإنساني‭ ‬الفريد‭ ‬تجاه‭ ‬الأوطان‭ ‬والأفكار‭ ‬والتواريخ‭ ‬استثمر‭ ‬ثقافته‭ ‬بدرجة‭ ‬فائقة‭ ‬ونقلها‭ ‬كأنها‭ ‬لا‭ ‬تنتمي‭ ‬لشيء‭ ‬سواه‭ ‬هذا‭ ‬الانصهار‭ ‬العميق‭ ‬جعل‭ ‬النص‭ ‬كله‭ ‬قصيدة‭ ‬والقصيدة‭ ‬كلها‭ ‬نص‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬طويل‭ ‬ومتعدد‭ ‬ومتشابك‭ ‬يشوبه‭ ‬الحزن‭ ‬مرة‭ ‬فيه‭ ‬واقعية‭ ‬كالقهوة‭ ‬وبائع‭ ‬متجول‭ ‬وشارع‭ ‬مزدحم‭ ‬والميناء‭ ‬كلها‭ ‬مفردات‭ ‬شكلت‭ ‬عالمه‭ ‬وقدمته‭ ‬للقارئ‭ ‬بشكل‭ ‬فيه‭ ‬ذاتية‭ ‬وذاتية‭ ‬خاصة‭.‬

4-‭  ‬المعرفية

مجموعة‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يقله‭ ‬أحدٍ‭ ‬عن‭ ‬طوفان‭ ‬نوح‭ ‬قصيدة‭ ‬لا‭ ‬تجر‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬الغنائية‭ ‬الساذجة‭ ‬أو‭ ‬الخطابية‭ ‬الموجة‭ ‬أو‭ ‬التقريرية‭ ‬المتعالية‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬تطمح‭ ‬وتتطلع‭ ‬إلى‭ ‬رؤية‭ ‬معرفية‭ ‬هي‭ ‬بمثابة‭ ‬فلسفة‭ ‬للعلم‭ ‬وتصو‭ ‬عن‭ ‬دينامية‭ ‬الوجود‭ ‬عاطفيا‭ ‬وإنسانيا‭ ‬هي‭ ‬تحدى‭ ‬للاستيعاب‭ ‬والتحليل‭.‬

الدلالة‭ ‬الشعرية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬معرفية‭ ‬بطريقة‭ ‬أدبية‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬الأوطان‭ ‬والجراحات‭ ‬وجعلت‭ ‬طوفان‭ ‬نوح‭ ‬طوفانا‭ ‬متحركا‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬الحياة‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭:‬

‮«‬الضجيج‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬داخلي

سباق‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬فيه‭ ‬أحد

البحر

لؤلؤتي‭ ‬الغارقة‭ ‬في‭ ‬دنيا‭ ‬الناس

درب‭ ‬العابرين‭ ‬إلى‭ ‬لا‭ ‬مكان

الصحراء

عطشي‭ ‬الأبدي‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬الينابيع‮»‬

‮«‬الهوة‭ ‬العميقة

تشدني‭ ‬من‭ ‬سمائي

نسير‭ ‬معا‮»‬

إذن‭ ‬المعرفة‭ ‬الممزوجة‭ ‬بعالم‭ ‬الشعر‭ ‬حاصرتها‭ ‬الذكريات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬والصحراء‭ ‬والسماء‭ ‬عالم‭ ‬فريد‭ ‬جمع‭ ‬فيه‭ ‬الشاعر‭ ‬بين‭ ‬واقعية‭ ‬الأنا‭ ‬وشعرية‭ ‬الضمير‭.‬

هذه‭ ‬الأربع‭ ‬تقنيات‭ ‬رسمت‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يقله‭ ‬أحد‭ ‬عن‭ ‬طوفان‭ ‬نوح‭ ‬حقيقة‭ ‬العنوان‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬شعرية‭ ‬مكثفة‭ ‬جدا‭ ‬وصورة‭ ‬متسعة‭ ‬أكثر‭ ‬المجموعة‭ ‬كلها‭ ‬قصيدة‭ ‬يجمعها‭ ‬الجرح‭ ‬الشعرى‭ ‬ويوسعها‭ ‬الضمير‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬ثقل‭ ‬تمنينا‭ ‬على‭ ‬الشاعر‭ ‬أن‭ ‬يخففه‭ ‬علينا‭ ‬لنشاركه‭ ‬الرؤية،‭ ‬رؤيته‭ ‬مكتملة‭ ‬كالحجر‭ ‬الصلد‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬تأثير‭ ‬الماء‭ ‬إلا‭ ‬قليلا‭ ‬وبجهد‭ ‬كبير‭.‬

تجربة‭ ‬شعرية‭ ‬مكتملة‭ ‬الأدوات‭ ‬تسرح‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬شعري‭ ‬خاص‭ ‬تكتسب‭ ‬الخبرة‭ ‬بهدوء‭ ‬وروية‭ ‬لا‭ ‬تستعجل‭ ‬الإنجاز‭ ‬ولكنها‭ ‬فيها‭ ‬أنا‭ ‬طاغية‭ ‬في‭ ‬خصوصية‭ ‬فردية‭.‬

{ ناقد‭ ‬بحريني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا