لم أجد شبيها له في سمرته، تشعر حين تراه، وكأنه خليط بين السمرة والزراق، مزجا في لمعة أضفت على وجهه مسحة من البساطة والوقار، في هدوء ينزل حمل البطيخ في غرارة كبيرة تدلت من فوق ظهر حمار ضخم، يستقر في وقفته مطمئنا كصاحبه، على رأس الدرب مكانه منذ أعوام، لا أذكرها تحديدا يذكرني بها المعلم «نصحي» النجار، وهو يلملم طرف جلبابه تحت كعبيه، يتقي برودة الصباح: «محمد الأسمر، يبيع البطيخ منذ كان صبيا مع والده، هو أسمر لكنه أبيض القلب»، في نبرة تداخلت حروفها كبربري يصرخ في ابتسام، تشع البهجة من بين أسنانه البيض: «ع السكين»، لا يمنع حر القيلولة من توافد النسوة، وفي أعقابهن الحفاة من أبنائهن، قد غابت ملامح وجوههم خلف قناع شفاف لزج، خليط من الدموع ومقذوف الأنوف، وبكاء وتوسلات لا تنقطع لأجل الشراء، في هاته الأثناء وجدت «آمال» فرصتها، تجلس القرفصاء، وتقوم بدحرجة البطيخة أسفل منها، ليلتقطها ابنها من خلف، ويسلمها بدوره لأخ يتولى توصيلها إلى البيت القريب.
تقتصد قدر الإمكان في سرقتها، لاحقا أغواها شيطانها فضاعفت غلتها، لتهدي أقاربها من خيراتها، تثير أفعالها المشينة حفيظة الجيران، زجروها، طالبوا أن تتوقف، لكنها قابلت النصح بشيء من الاستخفاف، اهتدى «الأسمر» لسرقتها أخيرا، بعدما أكل الغيظ كبده، قدم رشوة سخية لعاطل دله عليها، وذات ظهيرة لم يتورع عن التشهير بها، بعد إذ وقعت في الفخ، انقطعت عن المجيء، لكنها أرسلت أبناءها ليحوموا كالبوم، في انتظار الفرصة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك