العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

غزوة بدر من منظور آخر

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٣١ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

لم‭ ‬تكن‭ ‬غزوة‭ ‬بدر‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬المساحة‭ ‬الجغرافية‭ ‬أو‭ ‬عدد‭ ‬أفراد‭ ‬الجيوش‭ ‬المقاتلة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الخطط‭ ‬والتكتيكات‭ ‬الحربية‭ ‬تُعد‭ ‬من‭ ‬أقوى‭ ‬المعارك‭ ‬والغزوات‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬إذ‭ ‬أنها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُعد‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬المعارك‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬القبائل‭ ‬العربية‭ ‬المتناحرة،‭ ‬إذ‭ ‬أنها‭ ‬مجرد‭ ‬سويعات‭ ‬وانتهت‭ ‬المعركة‭ ‬بغلبة‭ ‬أحد‭ ‬الطرفين‭ ‬على‭ ‬الآخر،‭ ‬وذهب‭ ‬كل‭ ‬في‭ ‬طريقه‭.‬

ولكن‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬التاريخية‭ ‬والعقائدية‭ ‬والثقافية‭ ‬والفكرية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُعد‭ ‬غزوة‭ ‬بدر‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المعارك‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬إذ‭ ‬أنها‭ ‬تُعد‭ ‬المعركة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬أساسا‭ ‬لتكوين‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬غيرت‭ ‬مجرى‭ ‬التاريخ،‭ ‬إنها‭ ‬معركة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬حضارات‭ ‬وثقافات‭ ‬وأفكار،‭ ‬إذ‭ ‬أنها‭ ‬هدمت‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأوثان‭ ‬البشرية‭ ‬والفكرية‭ ‬التي‭ ‬عفا‭ ‬عنها‭ ‬الزمن‭ ‬لتكوّين‭ ‬حضارة‭ ‬جديدة،‭ ‬وفكر‭ ‬جديد،‭ ‬وحياة‭ ‬جديدة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الطهارة‭ ‬والقيم‭ ‬والرقي‭ ‬الفكري‭ ‬والثقافي‭ ‬والنفسي‭ ‬والجسدي‭.‬

حسنٌ،‭ ‬لماذا‭ ‬غزوة‭ ‬بدر‭ ‬معركة‭ ‬كونية‭ ‬فاصلة؟

من‭ ‬غرائب‭ ‬هذه‭ ‬المعركة،‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬بتحديد‭ ‬كل‭ ‬أمر‭ ‬فيما‭ ‬يخصها،‭ ‬فهو‭ ‬سبحانه‭ ‬الذي‭ ‬اختار‭ ‬زمان‭ ‬المعركة،‭ ‬ومكانها،‭ ‬وحتى‭ ‬أنه‭ ‬حدد‭ ‬أهدافها‭ ‬وبكل‭ ‬دقة‭.‬

فنحن‭ ‬نعلم‭ ‬اليوم،‭ ‬أن‭ ‬المعركة‭ ‬لم‭ ‬تبدأ‭ ‬بهدف‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬معركة،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬هدفها‭ ‬الذي‭ ‬حدده‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ومجتمع‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬هو‭ ‬استرداد‭ ‬أموال‭ ‬المهاجرين‭ ‬التي‭ ‬اغتصبتها‭ ‬قريش،‭ ‬فكان‭ ‬الهدف‭ ‬ماديا‭ ‬بحتا،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬حقا‭ ‬مشروعا،‭ ‬فالأموال‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬قافلة‭ ‬أبو‭ ‬سفيان‭ ‬كان‭ ‬جلها‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬المهاجرين‭ ‬التي‭ ‬تركوها‭ ‬خلفهم‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬أثناء‭ ‬الهجرة،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬الآن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استقر‭ ‬بهم‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬أن‭ ‬يستردوا‭ ‬أموالهم،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الهدف‭ ‬البشري‭ ‬للخروج‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬المعركة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يحدد‭ ‬أنها‭ ‬معركة‭ ‬بعد‭.‬

عندما‭ ‬استشار‭ ‬القائد‭ ‬العام‭ ‬وحاكم‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬مجتمع‭ ‬المدنية‭ ‬بالخروج‭ ‬للتصدي‭ ‬للقافلة،‭ ‬كان‭ ‬الاجماع‭ ‬يؤيد‭ ‬الخروج‭ ‬للقافلة‭ ‬والتصدي‭ ‬لها،‭ ‬ولقد‭ ‬اشارت‭ ‬الدراسات‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬القافلة‭ ‬القرشية‭ ‬تُعد‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬القوافل‭ ‬المكية‭ ‬مالاً،‭ ‬فضرب‭ ‬هذه‭ ‬القافلة‭ ‬يمثل‭ ‬ضربةً‭ ‬اقتصاديةً‭ ‬هائلةً‭ ‬لمكة،‭ ‬فيها‭ ‬ألف‭ ‬بعير‭ ‬موقرة‭ ‬بالأموال،‭ ‬وفيها‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬خمسين‭ ‬ألف‭ ‬دينار‭ ‬ذهبي،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القافلة‭ ‬ليست‭ ‬بقيادة‭ ‬قائد‭ ‬مغمور‭ ‬من‭ ‬قواد‭ ‬مكة‭ ‬أو‭ ‬تاجر‭ ‬عادي‭ ‬من‭ ‬تجار‭ ‬قريش،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬بقيادة‭ ‬أبي‭ ‬سفيان‭ ‬بن‭ ‬حرب‭ ‬من‭ ‬سادة‭ ‬قريش،‭ ‬ومع‭ ‬هذه‭ ‬القافلة‭ ‬حراسة‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬إلى‭ ‬40‭ ‬فارسًا‭.‬

وهذا‭ ‬يعني‭ ‬ببساطة‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬متاحة‭ ‬للمسلمين‭ ‬حتى‭ ‬يتصدوا‭ ‬للقافلة‭ ‬ويسترجعوا‭ ‬أموالهم‭ ‬المنهوبة‭.‬

خرج‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬ثلاثمائة‭ ‬وبضعة‭ ‬عشر‭ ‬رجلاً،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬معهم‭ ‬إلا‭ ‬فرسان،‭ ‬وسبعون‭ ‬بعيًرا‭ ‬يتعاقبون‭ ‬على‭ ‬ركوبها،‭ ‬فعلم‭ ‬أبو‭ ‬سفيان‭ ‬بأمر‭ ‬خروج‭ ‬المسلمين‭ ‬بقيادة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬القائد‭ ‬العام‭ ‬بنفسه‭ ‬للتصدي‭ ‬للقافلة،‭ ‬فهرب،‭ ‬ولكنه‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أرسل‭ ‬نذيرا‭ ‬لمكة‭ ‬المكرمة‭ ‬أن‭ ‬مجتمع‭ ‬المدينة‭ ‬قد‭ ‬خرج‭ ‬للتصدي‭ ‬للقافلة‭. ‬

في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬حدثت‭ ‬ثلاثة‭ ‬أمور‭ ‬مهمة،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬غيرت‭ ‬معالم‭ ‬المعركة؛

1-‭ ‬هروب‭ ‬قافلة‭ ‬قريش،‭ ‬فابتعدت‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الجيش‭ ‬الإسلامي‭.‬

2-‭ ‬استنفار‭ ‬قوات‭ ‬قريش‭ ‬للتصدي‭ ‬للجيش‭ ‬الإسلامي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يهدف‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جيشًا،‭ ‬وإنما‭ ‬فريق‭ ‬صغير‭ ‬للتصدي‭ ‬للقافلة،‭ ‬فاستعدت‭ ‬قريش‭ ‬للخروج‭ ‬دفاعًا‭ ‬عن‭ ‬قافلتها،‭ ‬وحشدت‭ ‬كل‭ ‬طاقتها،‭ ‬ولم‭ ‬يتخلف‭ ‬منهم‭ ‬إلا‭ ‬القليل،‭ ‬فقد‭ ‬رأت‭ ‬قريش‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حطًا‭ ‬لمكانتها،‭ ‬وامتهانًا‭ ‬لكرامتها،‭ ‬وضربًا‭ ‬لاقتصادها،‭ ‬وبلغ‭ ‬عددهم‭ ‬نحوًا‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬مقاتل،‭ ‬ومعهم‭ ‬مائتا‭ ‬فرس‭ ‬يقودونها‭.‬

3-‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬فريق‭ ‬مجتمع‭ ‬المدينة‭ ‬الذي‭ ‬خرج‭ ‬للتصدي‭ ‬للقافلة‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬ويفكر،‭ ‬فهو‭ ‬أمام‭ ‬طريق‭ ‬لا‭ ‬ثالث‭ ‬لهما،‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يرجع‭ ‬للمدينة‭ ‬المنورة‭ ‬وإما‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬من‭ ‬فريق‭ ‬إلى‭ ‬جيش،‭ ‬يقاتل‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬النتائج‭. ‬

هنا‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة،‭ ‬وعندما‭ ‬نفتح‭ ‬الستارة‭ ‬على‭ ‬مشهد‭ ‬المعركة‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬المعركة‭ ‬قد‭ ‬تحولت‭ ‬بكل‭ ‬حذافيرها‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬ومن‭ ‬هدف‭ ‬إلى‭ ‬هدف،‭ ‬ومن‭ ‬رؤية‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬فرسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬قتال‭ ‬ستكون‭ ‬له‭ ‬آثار‭ ‬سلبية‭ ‬كبيرة،‭ ‬فهو‭ ‬سيهز‭ ‬كيان‭ ‬المسلمين‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة،‭ ‬وسيضيع‭ ‬مكاسب‭ ‬كثيرة‭ ‬تم‭ ‬جنيها‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المعارك‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬غزوة‭ ‬بدر،‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬وسيشجع‭ ‬الكفار‭ ‬على‭ ‬التمادي‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬المسلمين،‭ ‬فكلما‭ ‬رجع‭ ‬المسلم‭ ‬خطوة‭ ‬احتلها‭ ‬عدوه،‭ ‬ولا‭ ‬يستبعد‭ ‬مطلقًا‭ ‬إذا‭ ‬رجع‭ ‬الجيش‭ ‬المسلم‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬الجيش‭ ‬المكي‭ ‬في‭ ‬المسير‭ ‬ويغزو‭ ‬المدينة،‭ ‬وعندئذ‭ ‬سيكون‭ ‬الخطر‭ ‬أكبر،‭ ‬لكن‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قائدًا‭ ‬ديكتاتوريًا،‭ ‬لذلك‭ ‬ومرة‭ ‬أخرى‭ ‬عقد‭ ‬مجلس‭ ‬الشورى‭ ‬بجميع‭ ‬من‭ ‬حضر‭ ‬الغزوة‭.‬

كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يأمر،‭ ‬فيطاع،‭ ‬فهو‭ ‬القائد‭ ‬العسكري،‭ ‬وحاكم‭ ‬المدينة،‭ ‬وفوق‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬فهو‭ ‬خاتم‭ ‬الأنبياء‭ ‬والرسل،‭ ‬فله‭ ‬الأمر‭ ‬كله،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬دعا‭ ‬الجيش‭ ‬كله‭ ‬للتشاور،‭ ‬وهذا‭ ‬نهج‭ ‬إسلامي‭ ‬لا‭ ‬مراء‭ ‬فيه،‭ ‬وهذا‭ ‬منهج‭ ‬الجيوش‭ ‬المنتصرة‭.‬

كان‭ ‬الجيش‭ ‬الإسلامي‭ ‬كله‭ ‬يعلم‭ ‬‭ ‬بحسب‭ ‬الاستخبارات‭ ‬النبوية‭ ‬‭ ‬كم‭ ‬يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬الجيش‭ ‬القرشي،‭ ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬قادة‭ ‬الجيش،‭ ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬كبار‭ ‬القوم‭ ‬الموجودون‭ ‬في‭ ‬الجيش،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬القرشي،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬التالي‭:‬

{‭ ‬الجيش‭ ‬القرشي‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬الإسلامي‭ ‬بثلاثة‭ ‬أضعاف،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬صحابي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقابل‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬فرسان‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬القرشي‭. ‬

{‭ ‬وهذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الأسلحة‭ ‬والإمكانيات‭ ‬وكل‭ ‬الأمور‭ ‬المادية،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬العقيدة‭ ‬الإسلامية‭ ‬فإنه‭ ‬يكون‭ ‬راسخًا‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬وفي‭ ‬عقول‭ ‬المسلمين‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬العدد‭ ‬ولا‭ ‬العدة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحسما‭ ‬المعركة،‭ ‬وإنما‭ ‬هناك‭ ‬أمور‭ ‬عقائدية‭ ‬وفكرية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تأخذ‭ ‬بتلابيب‭ ‬المعركة‭ ‬إلى‭ ‬النصر‭ ‬أو‭ ‬الهزيمة‭.‬

{‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬يعرف‭ ‬كل‭ ‬الصحابة‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬الموجودين‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬القرشي‭ ‬أنهم‭ ‬سيواجهون‭ ‬أقاربهم‭ ‬وأرحامهم‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬المعركة،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الابن‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقاتل‭ ‬والده،‭ ‬أو‭ ‬بالعكس‭.‬

تبادل‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬الآراء‭ ‬مع‭ ‬الجميع،‭ ‬حتى‭ ‬تم‭ ‬الإجماع‭ ‬على‭ ‬القتال‭ ‬ومقابلة‭ ‬الجيش‭ ‬القرشي،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬النتائج‭.‬

وهذا‭ ‬يعني‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬أن‭ ‬المعركة‭ ‬تحولت‭ ‬تمامًا؛

{‭ ‬فالهدف‭ ‬تحول‭ ‬من‭ ‬هدف‭ ‬مادي‭ ‬بحت‭ ‬إلى‭ ‬هدف‭ ‬عقائدي،‭ ‬قيمي،‭ ‬فكري،‭ ‬ثقافي،‭ ‬والذي‭ ‬حول‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬وبإرادة‭ ‬الله‭ ‬وحده‭ ‬لا‭ ‬شريك‭ ‬له‭.‬

{‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬اختار‭ ‬أرض‭ ‬المعركة‭.‬

{‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬اختار‭ ‬زمن‭ ‬المعركة‭.‬

لذلك‭ ‬فإننا‭ ‬حينما‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭ ‬لم‭ ‬يتدخل‭ ‬في‭ ‬تنظيمها‭ ‬بشر،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬حق‭ ‬وواضح،‭ ‬فالله‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬حدد‭ ‬كل‭ ‬أمر‭ ‬فيها،‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬أنزل‭ ‬من‭ ‬السماوات‭ ‬الملائكة‭ ‬لتقاتل‭ ‬ضمن‭ ‬الجيش‭ ‬الإسلامي‭ ‬ضد‭ ‬الجيش‭ ‬المشرك‭. ‬

ولكن‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬يقين‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬بنصر‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يقف‭ ‬متفرجًا،‭ ‬وإنما‭ ‬فعّل‭ ‬ما‭ ‬المطلوب‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬البشرية‭ ‬واتخاذ‭ ‬أسباب‭ ‬النصر،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ألا‭ ‬يركن‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬إلى‭ ‬التواكل‭ ‬في‭ ‬إنجاز‭ ‬حاجياتهم،‭ ‬فماذا‭ ‬فعل‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم؟

{‭ ‬الشورى؛‭ ‬تجلت‭ ‬منهجية‭ ‬الشورى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الغزوة‭ ‬بأوضح‭ ‬صورة،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬استشار‭ ‬الصحابة‭ ‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬قبيل‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬لملاقاة‭ ‬القافلة،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬هربت‭ ‬القافلة،‭ ‬ووجد‭ ‬نفسه‭ ‬أمام‭ ‬هدف‭ ‬جديد‭ ‬وهو‭ ‬القتال‭ ‬أعاد‭ ‬الكرة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬واستشار‭ ‬من‭ ‬حضر‭ ‬من‭ ‬الصحابة‭ ‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬القتال،‭ ‬فحينما‭ ‬أجمع‭ ‬الجميع‭ ‬اتخذ‭ ‬القرار‭.‬

{‭ ‬توحيد‭ ‬الصف‭ ‬والهدف؛‭ ‬بعدما‭ ‬اتخذ‭ ‬قرار‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬المعركة،‭ ‬أصبح‭ ‬لزامًا‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬الاستعداد‭ ‬والخضوع‭ ‬للقائد‭ ‬العام‭ ‬للمعركة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث،‭ ‬ففي‭ ‬علم‭ ‬الإدارة‭ ‬والقيادة‭ ‬فإن‭ ‬على‭ ‬القائد‭ ‬أن‭ ‬يستشير‭ ‬وبعدما‭ ‬يتفق‭ ‬الجميع‭ ‬على‭ ‬المنهج‭ ‬والهدف‭ ‬وبقية‭ ‬الأمور،‭ ‬عليه‭ ‬هو‭ ‬كقائد‭ ‬أن‭ ‬يمسك‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬مع‭ ‬فريق‭ ‬العمل،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬بدر،‭ ‬فالهدف‭ ‬تغير‭ ‬والاتفاق‭ ‬قد‭ ‬تم،‭ ‬والآن‭ ‬بقيت‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭. ‬

{‭ ‬الاستخبارات؛‭ ‬خلال‭ ‬المراحل‭ ‬المختلفة‭ ‬للاستعداد‭ ‬لدخول‭ ‬المعركة‭ ‬استعان‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ببعض‭ ‬الصحابة‭ ‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬لجمع‭ ‬المعلومات،‭ ‬إذ‭ ‬أنه‭ ‬جمع‭ ‬المعلومات‭ ‬عن‭ ‬القافلة،‭ ‬وبعدما‭ ‬هربت،‭ ‬وأتت‭ ‬المعلومات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستخبارات‭ ‬التي‭ ‬أرسلها‭ ‬عن‭ ‬خروج‭ ‬قريش‭ ‬لمقاتلته،‭ ‬وعدد‭ ‬الجيش‭ ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬قادة‭ ‬الجيش‭ ‬المكي،‭ ‬وكل‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬المعركة،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬تجربة‭ ‬أيًا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬معلومات‭ ‬واضحة‭ ‬وجلية‭.‬

{‭ ‬الحافز؛‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬علم‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ويقينه‭ ‬بالنصر،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬ينس‭ ‬أن‭ ‬يثير‭ ‬الحوافز‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الصحابة‭ ‬الكرام،‭ ‬فمرة‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬مصارع‭ ‬قادة‭ ‬قريش‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬المعركة،‭ ‬وتارة‭ ‬أخبر‭ ‬الصحابة‭ ‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬جيشًا‭ ‬من‭ ‬الملائكة‭ ‬تحارب‭ ‬معهم،‭ ‬وتارة‭ ‬أخبرهم‭ ‬وبشرهم‭ ‬بالنصر،‭ ‬فللحافز‭ ‬أثر‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬البشر،‭ ‬لذلك‭ ‬يعلمنا‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬المناهج‭ ‬القيادية‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬الذكية‭.‬

تنتهي‭ ‬المعركة‭ ‬بانتصار‭ ‬ساحق‭ ‬للجيش‭ ‬الإسلامي،‭ ‬تتكون‭ ‬بعدها‭ ‬الدولة‭ ‬وتنتصر‭ ‬خلال‭ ‬أعوام‭ ‬على‭ ‬قوى‭ ‬العالم‭ ‬ليصبح‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬منذ‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأديان‭ ‬انتشارًا‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ويصبح‭ ‬اتباعه‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأمم‭ ‬كرامة‭ ‬وهيبة‭ ‬فلا‭ ‬يرضون‭ ‬الظلم‭ ‬ولا‭ ‬الهوان،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬غزوة‭ ‬بدر‭ ‬تعد‭ ‬هي‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية،‭ ‬كونها‭ ‬الغزوة‭ ‬التي‭ ‬غيرت‭ ‬مجرى‭ ‬التاريخ‭ ‬والكون‭. ‬

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا