العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

المخابرات الأمريكية وحقيقة مرض هافانا

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الجمعة ٠٥ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

منذ‭ ‬قرابة‭ ‬تسع‭ ‬سنوات‭ ‬واللغز‭ ‬المعروف‭ ‬بمرض‭ ‬هافانا‭ ‬الغريب‭ ‬الذي‭ ‬أصاب‭ ‬بعض‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬يتعقد‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬ويزداد‭ ‬غموضاً،‭ ‬وتتشابك‭ ‬خيوطه‭ ‬وتتأزم‭ ‬أكثر‭. ‬فلا‭ ‬يعلم‭ ‬أحد‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬عِلْم‭ ‬اليقين‭ ‬حقيقةْ‭ ‬وواقعية‭ ‬الأعراض‭ ‬المرضية‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬هؤلاء‭ ‬الدبلوماسيين،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬أحد‭ ‬مصدر‭ ‬هذه‭ ‬الأعراض‭ ‬وسببها،‭ ‬فالنظريات‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬سبر‭ ‬غور‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الفريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬وتقدم‭ ‬تفسيرات‭ ‬لمختلف‭ ‬جوانب‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬تغيرت‭ ‬مع‭ ‬الوقت،‭ ‬بل‭ ‬وأصبحت‭ ‬متناقضة‭ ‬ومتضادة‭ ‬ولا‭ ‬اتفاق‭ ‬بينها‭.‬

ويوم‭ ‬31‭ ‬مارس‭ ‬2024‭ ‬وقفنا‭ ‬أمام‭ ‬نظرية‭ ‬مثيرة‭ ‬جداً‭ ‬طرحتها‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬مستقلة‭ ‬من‭ ‬روسيا،‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وألمانيا‭. ‬فمن‭ ‬روسيا‭ ‬هي‭ ‬الصحيفة‭ ‬الإلكترونية (The Insider)، وهي‭ ‬مستقلة‭ ‬ومتخصصة‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬الاستقصائية‭ ‬وتقصي‭ ‬الحقائق،‭ ‬ومن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬المحطة‭ ‬الإخبارية‭ ‬العريقة‭ ‬‮«‬سي‭ ‬بِي‭ ‬إس‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تبث‭ ‬برنامجاً‭ ‬معروفا‭ ‬هو‭ ‬‮«‬60‭ ‬دقيقة‮»‬‭ ‬(60 Minutes)،‭ ‬ومن‭ ‬ألمانيا‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬دير‭ ‬شبيجل‮»‬‭ ‬(Der Spiegel).

فهذا‭ ‬الفريق‭ ‬الإعلامي‭ ‬المستقل‭ ‬أجرى‭ ‬تحقيقا‭ ‬سريا‭ ‬استغرق‭ ‬عاما‭ ‬كاملاً،‭ ‬اطلع‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬وثائق‭ ‬سرية‭ ‬من‭ ‬روسيا،‭ ‬وسِجِلْ‭ ‬الهواتف‭ ‬النقالة‭ ‬لبعض‭ ‬رجال‭ ‬المخابرات‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مقابلات‭ ‬وشهادات‭ ‬لبعض‭ ‬المتضررين‭ ‬والمتورطين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬الصحية‭ ‬الغريبة‭ ‬التي‭ ‬نزلت‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬وعملاء‭ ‬المخابرات‭ ‬والعسكريين‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬بدءاً‭ ‬بالعاصمة‭ ‬الكوبية‭ ‬هافانا‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2016،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الأمريكية‭ ‬واشنطن‭ ‬دي‭ ‬سي،‭ ‬وألمانيا،‭ ‬والنمسا،‭ ‬والهند،‭ ‬وفيتنام،‭ ‬والصين،‭ ‬وجورجيا‭.‬

فهؤلاء‭ ‬المتضررون،‭ ‬والذين‭ ‬أصابتهم‭ ‬الحالة‭ ‬الصحية‭ ‬الغريبة‭ ‬والفريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الحالة‭ ‬يشتكون‭ ‬من‭ ‬تعرضهم‭ ‬لذبذبات‭ ‬عالية‭ ‬وحادة‭ ‬تصم‭ ‬الأذن،‭ ‬فتنعكس‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬باقي‭ ‬الجسد‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الشكوى‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأعراض‭ ‬المختلفة‭ ‬كالصداع‭ ‬المزمن،‭ ‬والدوخة‭ ‬المزمنة،‭ ‬والشعور‭ ‬بالإرهاق،‭ ‬وفقدان‭ ‬السمع،‭ ‬والاكتئاب،‭ ‬وفقدان‭ ‬التوازن،‭ ‬وفقدان‭ ‬البصر‭.‬

ولذلك‭ ‬أُجري‭ ‬أخيراً‭ ‬هذا‭ ‬التحقيق‭ ‬لإلقاء‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬مصدر‭ ‬وأسباب‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬العضال‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬العلماء‭ ‬والأطباء‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬تفسيراً‭ ‬علمياً‭ ‬يشفي‭ ‬غليلهم‭ ‬ويرشدهم‭ ‬إلى‭ ‬الدليل‭ ‬الدامغ‭ ‬حول‭ ‬أسبابه‭. ‬وقد‭ ‬توصل‭ ‬هذا‭ ‬التحقيق‭ ‬الصحفي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬هي‭ ‬مصدر‭ ‬هذا‭ ‬التهديد‭ ‬الصحي‭ ‬للأمريكيين‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬والبنتاجون‭. ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬التحقيق‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬وحدة‭ ‬استخبارات‭ ‬عسكرية‭ ‬روسية‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬مهمات‭ ‬محددة‭ ‬عنيفة،‭ ‬ويُطلق‭ ‬عليها‭ ‬الوحدة‭ ‬رقم‭ (‬29155‭)‬،‭ ‬وهذه‭ ‬الوحدة‭ ‬العسكرية‭ ‬السرية‭ ‬الخاصة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحوم‭ ‬حولها‭ ‬الشبهات‭ ‬للهجوم‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬الدبلوماسيون‭ ‬ورجال‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الأمريكية‭. ‬كما‭ ‬أفاد‭ ‬التقرير‭ ‬الاستقصائي‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الوحدة‭ ‬استخدمت‭ ‬أسلحة‭ ‬صوتية‭ ‬موجهة‭ ‬تُطلق‭ ‬موجات‭ ‬بترددات‭ ‬محددة‭ ‬تسبب‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬الصحية‭ ‬الغامضة‭ ‬التي‭ ‬بلغت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1500‭ ‬حالة،‭ ‬وتُعرف‭ ‬الآن‭ ‬بمرض‭ ‬هافانا‭ ‬(Havana Syndrome)،‭ ‬أو‭ ‬حسب‭ ‬الاسم‭ ‬الرسمي‭ ‬لهذه‭ ‬الحالة‭ ‬والظاهرة‭ ‬الغريبة‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬حالات‭ ‬صحية‭ ‬غريبة‮»‬‭ ‬(Anomalous Health Incidents)‭. ‬ونظراً‭ ‬لواقعية‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬وازدياد‭ ‬أعداد‭ ‬المصابين،‭ ‬فقد‭ ‬أصدر‭ ‬الكونجرس‭ ‬ممثلاً‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬21‭ ‬سبتمبر‭ ‬2021‭ ‬قانوناً‭ ‬وقع‭ ‬عليه‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬أكتوبر‭ ‬2021‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬قانون‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬حول‭ ‬دعم‭ ‬الضحايا‭ ‬الأمريكيين‭ ‬الذين‭ ‬تأثروا‭ ‬بهجمات‭ ‬عصبية‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬يعطي‭ ‬هذا‭ ‬التشريع‭ ‬الصلاحيات‭ ‬لوكالة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬المركزية‭ ‬ووزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬والوكالات‭ ‬الأخرى‭ ‬لتعويض‭ ‬المتضررين‭.‬

فهذا‭ ‬التحقيق‭ ‬الصحفي‭ ‬الأخير‭ ‬يُقدم‭ ‬إحدى‭ ‬النظريات‭ ‬لتفسير‭ ‬هذه‭ ‬الحالات،‭ ‬وهناك‭ ‬نظريات‭ ‬أخرى‭ ‬طُرحت‭ ‬منذ‭ ‬انكشاف‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬وبروزها‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬الإعلامي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬

فهناك‭ ‬النظرية‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬أفادت‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬سلاحٍ‭ ‬أجنبي‭ ‬خارجي‭ ‬وعدائي‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬الموظفون،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬السلاح‭ ‬الصوتي‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬سلاح‭ ‬الأشعة‭ ‬الكهرومغناطيسية‮»‬‭ ‬(pulsed electromagnetic energy)‭ ‬الذي‭ ‬تنبعث‭ ‬منه‭ ‬طاقة‭ ‬وموجات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الميكروويف،‭ ‬أو‭ ‬ترددات‭ ‬الراديو‭ ‬(radio-frequency energy)‭. ‬ففي‮ ‬30‮ ‬أغسطس‭ ‬2018‭ ‬نُشرت‭ ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الكهرومغناطيسية‭ ‬الحيوية‮»‬ (Bio Electro Magnetics)،‭ ‬وخلصت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التعرض‭ ‬لأشعة‭ ‬الميكروويف‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬أفران‭ ‬الميكروويف‭ ‬التي‭ ‬نستخدمها‭ ‬لتسخين‭ ‬الطعام‭ ‬وفي‭ ‬الهواتف‭ ‬النقالة‭ ‬قد‭ ‬يُفسر‭ ‬هذه‭ ‬الأعراض‭ ‬المرضية‭ ‬الغريبة‭ ‬التي‭ ‬أُصيب‭ ‬بها‭ ‬الوفد‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬كوبا‭ ‬والصين‭. ‬فعندما‭ ‬يتعرض‭ ‬الإنسان‭ ‬لأشعة‭ ‬الميكروويف‭ ‬المُركزة‭ ‬والشديدة‭ ‬فإنه‭ ‬سيحس‭ ‬بالضوضاء‭ ‬العالية‭ ‬والأصوات‭ ‬المرتفعة،‭ ‬وينعكس‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬الصحي‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الشعور‭ ‬بالصداع‭ ‬والإغماء‭ ‬والإرهاق‭ ‬ثم‭ ‬تلف‭ ‬وارتجاج‭ ‬في‭ ‬المخ،‭ ‬حسب‭ ‬الدراسة‭ ‬المنشورة‭ ‬في‮ ‬20‮ ‬مارس‮ ‬2018‮ ‬في‭ ‬‮«‬مجلة‭ ‬جمعية‭ ‬الأطباء‭ ‬الأمريكيين‮»‬‭ ‬حول‭ ‬‮«‬بيانات‭ ‬عصبية‭ ‬للمسؤولين‭ ‬الحكوميين‭ ‬الذين‭ ‬أفادوا‭ ‬لتعرضهم‭ ‬لظواهر‭ ‬صوتية‭ ‬وحسية‭ ‬في‭ ‬كوبا‮»‬‭. ‬ففي‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬تم‭ ‬فحص‭ ‬وتقييم‮ ‬21‮ ‬دبلوماسيا‭ ‬أمريكياً‭ ‬كانوا‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬كوبا،‭ ‬وأشارت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬شكوى‭ ‬هؤلاء‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬السفارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬كوبا‭ ‬تفيد‭ ‬بتعرض‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأفراد‭ ‬لخلل‭ ‬في‭ ‬شبكات‭ ‬المخ،‭ ‬وأفادت‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الأعراض‭ ‬تُشبه‭ ‬من‭ ‬تعرض‭ ‬لحادثة‭ ‬ارتجاج‭ ‬في‭ ‬المخ‭ ‬جراء‭ ‬حادثة‭ ‬سيارة،‭ ‬أو‭ ‬السقوط‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬مرتفع،‭ ‬أو‭ ‬حدوث‭ ‬انفجار،‭ ‬ولكن‭ ‬الدراسة‭ ‬لم‭ ‬تحدد‭ ‬مصدر‭ ‬وأسباب‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬المرضية‭. ‬كذلك‭ ‬قدم‭ ‬البحث‭ ‬المنشور‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2018‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬الحسابات‭ ‬العصبية‭ ‬‭(‬Neural‭ ‬Computation‭) ‬الإثباتات‭ ‬والدلائل‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬تؤشر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الهجوم‭ ‬بأشعة‭ ‬الميكروويف‮»‬‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬وراء‭ ‬مرض‭ ‬الأمريكيين‭.‬

وفي‭ ‬المقابل‭ ‬تدخل‭ ‬‮«‬مجتمع‭ ‬الاستخبارات‮»‬‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬فك‭ ‬شفرات‭ ‬هذا‭ ‬اللغز‭ ‬وأصدر‭ ‬النشرة‭ ‬الإعلامية‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬2023،‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬بيان‭ ‬مدير‭ ‬الاستخبارات‭ ‬القومية‭ ‬حول‭ ‬تقييم‭ ‬مجتمع‭ ‬الاستخبارات‭ ‬عن‭ ‬الحالات‭ ‬المرضية‭ ‬الغريبة‮»‬‭. ‬فهذا‭ ‬التحقيق‭ ‬والتقييم‭ ‬الجديد‭ ‬شمل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1500‭ ‬حالة‭ ‬مرضية‭ ‬لموظفين‭ ‬أمريكيين‭ ‬يعملون‭ ‬خارج‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬96‭ ‬دولة،‭ ‬واستغرق‭ ‬هذا‭ ‬التحقيق‭ ‬الذي‭ ‬أجرته‭ ‬سبع‭ ‬وكالات‭ ‬استخباراتية‭ ‬ست‭ ‬سنوات،‭ ‬وشمل‭ ‬دراسة‭ ‬شاملة‭ ‬ودقيقة‭ ‬لجميع‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬وقعتْ‭ ‬بين‭ ‬عامين‭ ‬من‭ ‬2016‭ ‬إلى‭ ‬2018،‭ ‬حيث‭ ‬وصف‭ ‬مدير‭ ‬وكالة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬المركزية‭ (‬سي‭ ‬أي‭ ‬إيه‭)‬‭ (‬Central‭ ‬Intelligence‭ ‬Agency‭) ‬بيل‭ ‬بارنز‭ ‬(Bill Burns)‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬إنه‭ ‬التحقيق‭ ‬الأكبر‭ ‬والأكثر‭ ‬شمولية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الوكالة،‭ ‬وهو‭ ‬يعكس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عامين‭ ‬من‭ ‬جمع‭ ‬المعلومات‭ ‬والأعمال‭ ‬الاستقصائية‭ ‬وتحليل‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭ ‬من‭ ‬مجتمع‭ ‬الاستخبارات‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يحيط‭ ‬بالحادثة‭ ‬قبل‭ ‬وأثناء‭ ‬وبعد‭ ‬وقوعها‮»‬‭. ‬وهذا‭ ‬التقرير‭ ‬لمجتمع‭ ‬المخابرات‭ ‬عن‭ ‬الحالات‭ ‬المرضية‭ ‬الشاذة‭ ‬تم‭ ‬تصنيفه‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬سري‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬قُدم‭ ‬ملخص‭ ‬الاستنتاجات‭ ‬في‭ ‬البيان‭ ‬الصحفي‭ ‬الذي‭ ‬صرحت‭ ‬به‭ ‬مديرة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬القومية،‭ ‬أفريل‭ ‬هاينز‭ (‬Avril‭ ‬Haines‭) ‬قائلة‭: ‬‮«‬نحن‭ ‬اليوم‭ ‬نُشارككم‭ ‬جهود‭ ‬التحقيقات‭ ‬والاستنتاجات‭ ‬التي‭ ‬توصل‭ ‬إليها‭ ‬تقييم‭ ‬مجتمع‭ ‬الاستخبارات‭ ‬حول‭ ‬الحالات‭ ‬الصحية‭ ‬الغريبة‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬النشرة‭: ‬‮«‬معظم‭ ‬وكالات‭ ‬مجتمع‭ ‬الاستخبارات‭ ‬استنتج‭ ‬الآن‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬من‭ ‬المستبعد‮»‬‭ (‬very‭ ‬unlikely‭) ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬جهة‭ ‬أجنبية‭ ‬تتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬الحالات‭ ‬المرضية‭ ‬الغريبة‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬بعض‭ ‬الدبلوماسيين‮»‬‭. ‬كذلك‭ ‬استنتج‭ ‬التقرير‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬البيان‭ ‬بأن‭: ‬‮«‬الأعراض‭ ‬التي‭ ‬انكشفت‭ ‬على‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لعوامل‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بجهات‭ ‬أجنبية‭ ‬عدائية،‭ ‬مثل‭ ‬الحالات‭ ‬المرضية‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يعانون‭ ‬منها‭ ‬سابقاً،‭ ‬أو‭ ‬أمراض‭ ‬معروفة‭ ‬مسبقاً،‭ ‬أو‭ ‬عوامل‭ ‬بيئية‮»‬‭. ‬

وأخيراً‭ ‬نشرت‭ ‬‮«‬المعاهد‭ ‬الوطنية‭ ‬للصحة‮»‬‭ ‬في‭ ‬18‭ ‬مارس‭ ‬2024‭ ‬تقريراً‭ ‬حول‭ ‬نتائج‭ ‬الأشعة‭ ‬التي‭ ‬أُخذت‭ ‬على‭ ‬مخ‭ ‬المصابين،‭ ‬حيث‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬إصابات‭ ‬في‭ ‬المج‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬الأعراض،‭ ‬إضافة‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬ظواهر‭ ‬حيوية‭ ‬غير‭ ‬طبيعية،‭ ‬فأشعة‭ ‬المخ‭ ‬للمصابين‭ ‬مماثلة‭ ‬لأشعة‭ ‬مخ‭ ‬الإنسان‭ ‬الطبيعي‭ ‬غير‭ ‬المصاب،‭ ‬ولكنها‭ ‬أكدت‭ ‬واقعية‭ ‬الأعراض‭ ‬وأنها‭ ‬أثرت‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬حياتهم‭ ‬اليومية‭. ‬كما‭ ‬نشرت‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬‮«‬مجلة‭ ‬الجمعية‭ ‬الأمريكية‭ ‬الطبية‮»‬‭ ‬في‭ ‬18‭ ‬مارس‭ ‬2024‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬المرض‭ ‬العصبي‭ ‬والدروس‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬تعلمها‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‮»‬‭.‬

فمما‭ ‬سبق‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬المرضية‭ ‬الغريبة‭ ‬للدبلوماسيين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬تعقدت‭ ‬كثيراً‭ ‬وتشابكت‭ ‬في‭ ‬نظرياتها‭ ‬وتفسيراتها،‭ ‬سواء‭ ‬المتعلقة‭ ‬بواقعية‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬وأسبابها‭ ‬ومصادرها،‭ ‬أو‭ ‬بالجهة‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬نزولها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬دخول‭ ‬رجال‭ ‬السياسية‭ ‬والاستخبارات‭ ‬والإعلام‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬جعلت‭ ‬تفسيراتهم‭ ‬ونظرياتهم‭ ‬غير‭ ‬نزيهة،‭ ‬وغير‭ ‬موضوعية،‭ ‬ولا‭ ‬مصداقية‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليها‭. ‬فمع‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التعقيدات‭ ‬لا‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬الحقيقة‭ ‬ستظهر‭ ‬قريبا‭.‬

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا