العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

سيناريوهات إنهاء الاحتلال الصهيوني

بقلم: د. ناجي صادق شراب {

الأحد ٠٧ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

عبارة‭ ‬تتكرر‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬المسؤولين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وهي‭ ‬مطلب‭ ‬شعبي،‭ ‬وأساس‭ ‬لأي‭ ‬تسويه‭ ‬سياسية‭. ‬والسؤال‭ ‬كيف‭ ‬ننهي‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬السلطة‭ ‬القائمة‭ ‬وما‭ ‬يحكمها‭ ‬من‭ ‬اتفاقات‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬سابقة‭ ‬سياسية‭ ‬بين‭ ‬سلطة‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬وإسرائيل‭ ‬كسلطة‭ ‬تمارس‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الاحتلال‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬والإنسان‭ ‬معا‭. ‬وما‭ ‬السيناريوهات‭ ‬أمام‭ ‬السلطة؟

إنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬له‭ ‬صور‭ ‬كثيرة‭ ‬أهمها‭: ‬الإعلان‭ ‬الرسمي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬سلطة‭ ‬الاحتلال‭ ‬بإنهاء‭ ‬احتلالها‭ ‬وباتفاق‭ ‬مع‭ ‬السلطة‭ ‬المخولة‭ ‬بذلك‭ ‬ووفقا‭ ‬لاتفاق‭ ‬مكتوب‭ ‬وبضمانات‭ ‬عبر‭ ‬اتفاق‭ ‬تفاوضي،‭ ‬وهذه‭ ‬الصورة‭ ‬لم‭ ‬تتحقق‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬رغم‭ ‬مسيرة‭ ‬تفاوضية‭ ‬تجاوزت‭ ‬العقدين‭ ‬لتنتهي‭ ‬بسلطة‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬حكم‭ ‬ذاتي،‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬احتلالها‭ ‬بل‭ ‬ومصادرتها‭ ‬للأراضي‭ ‬المخصصة‭ ‬للدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬السياسي‭ ‬الأمني‭ ‬يعمق‭ ‬من‭ ‬التبعية‭ ‬ويديم‭ ‬سلطة‭ ‬الاحتلال‭ ‬ويمنحها‭ ‬غطاء‭ ‬لاحتلالها،‭ ‬فهو‭ ‬اتفاق‭ ‬قوة‭ ‬مفروض،‭ ‬والاتفاق‭ ‬الاقتصادي‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬باتفاق‭ ‬باريس‭ ‬يعمق‭ ‬من‭ ‬التبعية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ويحرم‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬سيطرة‭ ‬على‭ ‬موارها‭ ‬الطبيعية‭.‬

هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬صالحا‭ ‬لإنهاء‭ ‬الاحتلال،‭ ‬والبديل‭ ‬لذلك‭ ‬الإعلان‭ ‬الرسمي‭ ‬لإلغاء‭ ‬الاتفاقيتين،‭ ‬والإعلان‭ ‬الصريح‭ ‬والواضح‭ ‬بمرحلة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وما‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬إنهاء‭ ‬للسلطة‭ ‬وإعادة‭ ‬تأسيس‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬عبر‭ ‬الانتخابات،‭ ‬ويدعم‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬وضع‭ ‬فلسطين‭ ‬وشخصيتها‭ ‬الدولية‭ ‬كدولة‭ ‬مراقب‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وعضويتها‭ ‬الكاملة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية،‭ ‬وهذا‭ ‬السيناريو‭ ‬يتطلب‭ ‬المضي‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬والمبادرات‭ ‬أولها‭ ‬التمسك‭ ‬بخيار‭ ‬التفاوض‭ ‬والسلام،‭ ‬ولكن‭ ‬مرجعية‭ ‬التفاوض‭ ‬هنا‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المستقلة‭ ‬بحدودها‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬دوليا‭ ‬وبعاصمتها‭ ‬القدس‭.‬

وثانيا‭ ‬التقدم‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بطلب‭ ‬رفع‭ ‬عضوية‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬مراقب‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬صعبا،‭ ‬ويمكن‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬الفيتو‭ ‬الذى‭ ‬تملكه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬لأن‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬يحتاج‭ ‬موافقه‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬بتأييد‭ ‬الدول‭ ‬الخمس‭ ‬الدائمة،‭ ‬وللتغلب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬يتم‭ ‬دعوة‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وفقا‭ ‬لقرار‭ ‬الاتحاد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلام‭ ‬استنادا‭ ‬لأن‭ ‬عدم‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كخيار‭ ‬للسلام‭ ‬يهدد‭ ‬السلام‭ ‬والأمن‭ ‬العالميين،‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬ثلثي‭ ‬أصوات‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬ممكن‭ ‬تحقيقه‭ ‬بسهولة‭ ‬يصبح‭ ‬قرارا‭ ‬ملزما‭.‬

وعندها‭ ‬يمكن‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬إنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬عن‭ ‬دولة‭ ‬عضو‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية،‭ ‬والمطالبة‭ ‬بتطبيق‭ ‬الفصل‭ ‬السادس‭ ‬والسابع‭ ‬من‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لإلزام‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالانسحاب‭. ‬هنا‭ ‬المعركة‭ ‬معركة‭ ‬شرعية‭ ‬دولية‭ ‬وتفعيل‭ ‬المسؤولية‭ ‬الدولية‭ ‬لإنهاء‭ ‬الاحتلال‭. ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬على‭ ‬أهميته‭ ‬وفعاليته‭ ‬لا‭ ‬يكفي،‭ ‬وقد‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬طويل،‭ ‬ويحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الصورة‭ ‬أو‭ ‬الآلية‭ ‬الثانية‭ ‬الموازية‭ ‬للآلية‭ ‬الأولى‭ ‬وهي‭ ‬تفعيل‭ ‬المقاومة‭ ‬السلمية‭ ‬الشاملة‭ ‬بكل‭ ‬صورها‭ ‬من‭ ‬مقاطعة‭ ‬كاملة‭ ‬لكل‭ ‬البضائع‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬المقاومة‭ ‬حتى‭ ‬العسكرية‭ ‬المشروعة‭ ‬والتي‭ ‬أقرتها‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية،‭ ‬وهذا‭ ‬السيناريو‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يدعم‭ ‬السيناريو‭ ‬الأول‭ ‬ويقويه‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬الدول‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬مكلفا‭ ‬بشريا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬ولكنه‭ ‬سيدفع‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬لاحتلالها،‭ ‬لأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬بوضعيتها‭ ‬السكانية‭ ‬والجغرافية‭ ‬وبحكم‭ ‬مكونات‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬فمن‭ ‬شأن‭ ‬المقاومة‭ ‬السلمية‭ ‬الفاعلة‭ ‬والقوية‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬من‭ ‬موازين‭ ‬القوة‭ ‬والعلاقة،‭ ‬ومن‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تخلق‭ ‬ضغوطات‭ ‬داخل‭ ‬إسرائيل‭ ‬نفسها‭ ‬كما‭ ‬رأينا‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬الأقصى‭ ‬الأخيرة‭ ‬وكيف‭ ‬تحرك‭ ‬سكان‭ ‬الداخل‭. ‬وبطبيعتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬تحتمل‭ ‬مثل‭ ‬هكذا‭ ‬مقاومة‭. ‬

إسرائيل‭ ‬معتادة‭ ‬على‭ ‬خيار‭ ‬الحرب‭ ‬القصيرة‭ ‬والسريعة‭ ‬وخارج‭ ‬حدودها‭. ‬وقد‭ ‬يقول‭ ‬قائل‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬سلطة‭ ‬الاحتلال‭ ‬وهذا‭ ‬أيضا‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تحتمله‭ ‬إسرائيل‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬صالحها‭. ‬هذه‭ ‬الآليات‭ ‬والسيناريوهات‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تفعيل‭ ‬المتغير‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬بإنهاء‭ ‬الانقسام‭ ‬أولا،‭ ‬وثانيا‭ ‬بوضع‭ ‬رؤية‭ ‬وطنية‭ ‬انتقالية‭ ‬لإنهاء‭ ‬الاحتلال،‭ ‬والتنسيق‭ ‬بين‭ ‬قرار‭ ‬المقاومة‭ ‬والقرار‭ ‬السياسي،‭ ‬وهذا‭ ‬شرط‭ ‬أساسي،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬واد‭ ‬والضفة‭ ‬في‭ ‬واد‭ ‬أو‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬واد‭ ‬والفصائل‭ ‬الأخرى،‭ ‬وأخص‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬واد‭ ‬آخر‭. ‬كما‭ ‬رأينا‭ ‬كيف‭ ‬إن‭ ‬الخيارات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تجهض‭ ‬بعضها‭ ‬بعضا،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وفى‭ ‬تفريغ‭ ‬الخيارات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬فعاليتها‭.‬

والحاجة‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬مؤسسات‭ ‬دولة‭ ‬كفاحية‭ ‬للفترة‭ ‬الانتقالية‭. ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تفعيل‭ ‬الدور‭ ‬العربي‭ ‬باعتباره‭ ‬متغيرا‭ ‬رئيسيا‭ ‬وفاعلا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬وتحميل‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬علاقات‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬مسؤولياتها‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬الاحتلال‭. ‬ويبقى‭ ‬السؤال‭ ‬فلسطينيا‭ ‬كيف‭ ‬نجعل‭ ‬للاحتلال‭ ‬ثمنا‭ ‬مرتفعا‭ ‬تدفعه‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬يدفعه‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬الاحتلال؟‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تشعر‭ ‬فيه‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬احتلالها‭ ‬له‭ ‬ثمن‭ ‬مرتفع،‭ ‬عندها‭ ‬ستعلن‭ ‬إنهاء‭ ‬احتلالها‭ ‬وقيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المستقلة‭.‬

ولعل‭ ‬أهم‭ ‬تداعيات‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬السياسية‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬خسرت‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬سياسيا‭ ‬بعودة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وتزايد‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬ويبقى‭ ‬السؤال‭: ‬هل‭ ‬يحسن‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬توظيف‭ ‬هذه‭ ‬النتائج؟

{‭ ‬أكاديمي‭ ‬فلسطيني‭ ‬

مختص‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا