العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

رموز الهوية الفلسطينية تفشل سياسة التهويد الثقافي

بقلم: د. رمزي بارود

الأربعاء ١٠ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

إن‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬ينتقدون‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬مسلحة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مسلحة،‭ ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬إلا‭ ‬النزر‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬الفهم‭ ‬للتداعيات‭ ‬النفسية‭ ‬للمقاومة،‭ ‬مثل‭ ‬الشعور‭ ‬بالتمكين‭ ‬الجماعي‭ ‬والشرف‭ ‬والأمل‭.‬

لكن‭ ‬المقاومة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬بندقية،‭ ‬أو‭ ‬قاذفة‭ ‬صواريخ‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬مجرد‭ ‬مظهر‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬المقاومة،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مدعومة‭ ‬بدعم‭ ‬شعبي‭ ‬قوي،‭ ‬فمن‭ ‬غير‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭.‬

وفي‭ ‬الواقع،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جميع‭ ‬أشكال‭ ‬المقاومة‭ ‬المستدامة‭ ‬متجذرة‭ ‬في‭ ‬الثقافة،‭ ‬مما‭ ‬يساعدها‭ ‬على‭ ‬توليد‭ ‬معان‭ ‬جديدة‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت‭.‬

وفي‭ ‬حالة‭ ‬النضال‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬فإن‭ ‬مفهوم‭ ‬المقاومة‭ ‬متعدد‭ ‬الأوجه‭ ‬ومتأصل‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬الروح‭ ‬الجماعية‭ ‬لأجيال‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬مما‭ ‬يمكن‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬الحدود‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬والسياسية‭ ‬للفصائل‭ ‬والجماعات‭ ‬السياسية‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬رموز‭ ‬هذه‭ ‬المقاومة‭ ‬‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬الكوفية‭ ‬والعلم‭ ‬والخريطة‭ ‬والمفتاح‭ ‬‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬من‭ ‬المعاني،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬مجرد‭ ‬دلالات‭ ‬على‭ ‬أفكار‭ ‬ومعتقدات‭ ‬وقيم‭ ‬عميقة‭ ‬حقًا‭.‬

ومهما‭ ‬حاولت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تشويه‭ ‬سمعة‭ ‬هذه‭ ‬الرموز‭ ‬أو‭ ‬حظرها‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬التصدي‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬محاربتها‭ ‬بشتى‭ ‬الأساليب‭ ‬والوسائل‭ ‬أملا‭ ‬في‭ ‬محوها‭ ‬واجتثاثها‭ ‬من‭ ‬الذاكرة،‭ ‬فستفشل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وستظل‭ ‬تفشل‭ ‬مهما‭ ‬حاولت‭.‬

في‭ ‬أوائل‭ ‬العقد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬ابتكر‭ ‬مصممو‭ ‬الأزياء‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الكوفية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وقد‭ ‬بدت‭ ‬الأوشحة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬من‭ ‬بعيد،‭ ‬مشابهة‭ ‬للأوشحة‭ ‬التقليدية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬معظمها‭ ‬كان‭ ‬أزرق‭ ‬اللون‭.‬

وبإلقاء‭ ‬نظرة‭ ‬من‭ ‬قرب،‭ ‬وبالتمعن‭ ‬في‭ ‬الأمر،‭ ‬يمكن‭ ‬للمرء‭ ‬أن‭ ‬يفهم‭ ‬أن‭ ‬النسخة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المتماثلة‭ ‬من‭ ‬الرمز‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬تلاعب‭ ‬ذكي‭ ‬بنجمة‭ ‬داود‭.‬

ويمكن‭ ‬تصنيف‭ ‬ذلك‭ ‬بسهولة‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬الاستيلاء‭ ‬الثقافي،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬الأمر‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدًا‭ ‬بكثير‭.‬

لم‭ ‬يخترع‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬الكوفية،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الحطة‮»‬‭ ‬hatta،‭ ‬وهي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬أغطية‭ ‬الرقبة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الرأس‭ ‬شيوعًا‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬هو‭ ‬أنهم‭ ‬استحوذوا‭ ‬على‭ ‬الكوفية،‭ ‬وأعطوها‭ ‬معاني‭ ‬أعمق‭ -‬المعارضة‭ ‬والثورة‭ ‬والوحدة‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬بروز‭ ‬الكوفية‭ ‬مدفوعاً‭ ‬جزئياً‭ ‬بالأفعال‭ ‬والقيود‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬إسرائيل‭. ‬

وبعد‭ ‬احتلال‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية،‭ ‬وهي‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وغزة،‭ ‬قامت‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬بحظر‭ ‬رفع‭ ‬العلم‭ ‬الفلسطيني‭.‬

وكان‭ ‬هذا‭ ‬الحظر‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬حملة‭ ‬تقييدية‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬منع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬تطلعاتهم‭ ‬السياسية،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬رمزية‭.‬

وما‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬الإدارة‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬منعه‭ ‬هو‭ ‬استخدام‭ ‬الكوفية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أساسيات‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ ‬فلسطيني‭. ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬لاحق،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬أصبحت‭ ‬الكوفية‭ ‬الرمز‭ ‬الجديد‭ ‬للأمة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والمقاومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬حلت‭ ‬محل‭ ‬العلم‭ ‬المحظور‭ ‬الآن‭.‬

يعود‭ ‬تاريخ‭ ‬الكوفية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الأصيلة‭ ‬إلى‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة‭ ‬قبل‭ ‬النكبة،‭ ‬أي‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬الذي‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬المليشيات‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬عامي‭ ‬1947‭ ‬و1948‭.‬

في‭ ‬الواقع،‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬دراسة‭ ‬أي‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬فلسطين‭ ‬الحديث،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬الإضراب‭ ‬والانتفاضة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬عامي‭ ‬1936‭ ‬و1939،‭ ‬مرورًا‭ ‬بالمقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬خلال‭ ‬النكبة،‭ ‬وحتى‭ ‬حركة‭ ‬الفدائيين‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الخمسينيات،‭ ‬وحتى‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر،‭ ‬فإنه‭ ‬يتبين‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬الكوفية‭ ‬قد‭ ‬برزت‭ ‬بشكل‭ ‬لافت‭ ‬باعتبارها‭ ‬الرمز‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الصعود‭ ‬الحقيقي‭ ‬للكوفية‭ ‬كرمز‭ ‬للتضامن‭ ‬العالمي‭ ‬مع‭ ‬فلسطين‭ ‬والفلسطينيين‭ ‬لم‭ ‬يصبح‭ ‬ظاهرة‭ ‬دولية‭ ‬حقيقية‭ ‬حتى‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1987‭. ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬شاهد‭ ‬العالم‭ ‬بكل‭ ‬إعجاب‭ ‬جيلاً‭ ‬متمكناً‭ ‬مسلحاً‭ ‬فقط‭ ‬بالحجارة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المدجج‭ ‬بالسلاح‭. ‬

 

نوعان‭ ‬من‭ ‬الرموز

ومن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أننا‭ ‬عندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬رمزية‮»‬‭ ‬الرموز‭ ‬الثقافية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ولمواجهة‭ ‬الرموز‭ ‬الثقافية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬فإننا‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬نوعين‭ ‬من‭ ‬الرموز‭: ‬نوع‭ ‬محمل‭ ‬بتمثيلات‭ ‬غير‭ ‬ملموسة،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬جوهرية‭ -‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬البطيخ‭ -‬وأخرى‭ ‬ذات‭ ‬تمثيلات‭ ‬ملموسة‭ ‬وتبعية‭ - ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭.‬

أما‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬فهو‭ ‬رمز‭ ‬حي‭ ‬وبارز‭ ‬في‭ ‬المخيال‭ ‬للروحانية‭ ‬والتاريخ‭ ‬والقومية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وأيضا‭ ‬بناء‭ ‬مادي‭ ‬فعلي‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬فلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬أي‭ ‬القدس،‭ ‬والقدس‭ ‬الشرقية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭.‬

ولسنوات‭ ‬عديدة‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬بانزعاج‭ ‬شديد،‭ ‬فترد‭ ‬على‭ ‬الادعاء‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بالزعم‭ ‬بأن‭ ‬تحت‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬تقع‭ ‬أنقاض‭ ‬الهيكل‭ ‬اليهودي،‭ ‬الذي‭ ‬تشكل‭ ‬قيامته‭ ‬أهمية‭ ‬بالغة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الروحانية‭ ‬اليهودية‭.‬

ولذلك،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬مجرد‭ ‬رمز،‭ ‬يخدم‭ ‬دور‭ ‬التمثيل‭ ‬السياسي‭. ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬نما‭ ‬دوره‭ ‬وازدادت‭ ‬رمزيته‭ ‬حتى‭ ‬بات‭ ‬يحمل‭ ‬معنى‭ ‬أعمق‭ ‬بكثير‭ ‬في‭ ‬النضال‭ ‬الفلسطيني‭.‬

ولن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬المبالغة‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬بقاء‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬يرتبط‭ ‬الآن‭ ‬ارتباطًا‭ ‬وفقًا‭ ‬لعالم‭ ‬اللغة‭ ‬السويسري‭ ‬الشهير‭ ‬فرناند‭ ‬دي‭ ‬سوسور،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬علامة‭ ‬أو‭ ‬رمز‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬‮«‬دال‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬الشكل‭ ‬الذي‭ ‬تتخذه‭ ‬العلامة،‭ ‬و«المدلول‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬المفهوم‭ ‬الذي‭ ‬تمثله‭.‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الخريطة‭ ‬يتم‭ ‬تعريفها‭ ‬بشكل‭ ‬شائع‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬التمثيل‭ ‬الجغرافي‭ ‬لمنطقة‭ ‬أو‭ ‬إقليم‭ ‬يظهر‭ ‬فقط‭ ‬السمات‭ ‬المادية‭ ‬وخصائص‭ ‬معينة‭ ‬للمكان،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬‮«‬دلالة‮»‬‭ ‬مختلفة‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬المنطقة‭ ‬أو‭ ‬الأرض‭ ‬المعنية‭ ‬منطقة‭ ‬محتلة‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬فلسطين‭.‬

ولذلك‭ ‬أصبح‭ ‬التمثيل‭ ‬المادي‭ ‬لحدود‭ ‬فلسطين‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬رمزاً‭ ‬قوياً‭ ‬يعكس‭ ‬الظلم‭ ‬الذي‭ ‬لحق‭ ‬بالشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭.‬

وتم‭ ‬تطبيق‭ ‬نفس‭ ‬العملية‭ ‬على‭ ‬المفاتيح‭ ‬الخاصة‭ ‬بهؤلاء‭ ‬اللاجئين‭ ‬أنفسهم،‭ ‬ضحايا‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬والعنصري‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لفلسطين‭. ‬والفرق‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬القرى‭ ‬موجودة،‭ ‬ثم‭ ‬توقفت‭ ‬عن‭ ‬الوجود،‭ ‬فإن‭ ‬المفتاح‭ ‬كان‭ ‬موجودًا‭ ‬ككائن‭ ‬مادي،‭ ‬قبل‭ ‬النكبة‭ ‬وبعدها‭.‬

ربما‭ ‬يكون‭ ‬المنزل‭ ‬والباب‭ ‬قد‭ ‬اختفيا،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬مفتاحا‭ ‬ماديا‭ ‬لا‭ ‬يزال،‭ ‬رمزيًا،‭ ‬يحيل‭ ‬إلى‭ ‬ثنائية‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬استعادة‭ ‬الباب‭ ‬والمنزل‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭.‬

وفي‭ ‬ضوء‭ ‬ذلك،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قطعة‭ ‬الأرض‭ ‬الممتدة‭ ‬في‭ ‬المساحة‭ ‬الجغرافية‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬نهر‭ ‬الأردن‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬مجرد‭ ‬رمال‭ ‬وماء‭ ‬وعشب‭ ‬وحجارة‭. ‬فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬تمثل‭ ‬شيئًا‭ ‬آخر‭ ‬تمامًا‭.‬

ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬من‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬البحر‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬طبوغرافيا‭ ‬فعلية‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬السياسة‭. ‬فهو‭ ‬شعار‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬إدراك‭ ‬أن‭ ‬حدثًا‭ ‬تاريخيًا‭ ‬مدمرًا‭ ‬قد‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الظلم‭ ‬والألم‭ ‬والأذى‭ ‬لفلسطين‭ ‬التاريخية‭.‬

إن‭ ‬مواجهة‭ ‬هذا‭ ‬الظلم‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مجزأة،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬شاملة‭ ‬ومتكاملة‭ ‬تسمح‭ ‬للأرض،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬للسكان‭ ‬الأصليين‭ ‬لتلك‭ ‬الأرض،‭ ‬باستعادة‭ ‬كرامتهم‭ ‬وحقوقهم‭ ‬وحريتهم‭.‬

 

البطيخ‭ ‬والمثلثات‭ ‬الحمراء

ومما‭ ‬يجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الرموز،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬استخدامها‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬بداية‭ ‬عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى،‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬شعبية‭ ‬بعد‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تم‭ ‬استخدام‭ ‬ثمرة‭ ‬البطيخ،‭ ‬مرارا‭ ‬وتكرارا،‭ ‬طوال‭ ‬تاريخ‭ ‬فلسطين‭ ‬الحديث،‭ ‬وتحديدا‭ ‬عندما‭ ‬حظرت‭ ‬إسرائيل‭ ‬ملكية‭ ‬البطيخ‭ ‬أو‭ ‬رفع‭ ‬العلم‭ ‬الفلسطيني‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الفاكهة‭ ‬نفسها،‭ ‬وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬كونها‭ ‬رمزًا‭ ‬لثراء‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين،‭ ‬تتميز‭ ‬أيضًا‭ ‬بنفس‭ ‬ألوان‭ ‬العلم‭: ‬الأسود‭ ‬والأحمر‭ ‬والأبيض‭ ‬والأخضر‭.‬

أما‭ ‬الرمز‭ ‬الآخر‭ ‬ذو‭ ‬الصلة‭ ‬فهو‭ ‬المثلث‭ ‬الأحمر‭. ‬بدأ‭ ‬مثلث‭ ‬أحمر‭ ‬صغير‭ ‬يظهر‭ ‬كأداة‭ ‬وظيفية‭ ‬في‭ ‬مقاطع‭ ‬الفيديو‭ ‬التي‭ ‬تنتجها‭ ‬كتائب‭ ‬القسام،‭ ‬لمجرد‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬هدف‭ ‬عسكري‭ ‬إسرائيلي‭ ‬محدد‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تصيبه‭ ‬قذيفة‭ ‬ياسين‭ ‬105‭ ‬أو‭ ‬قذيفة‭ ‬آر‭ ‬بي‭ ‬جي‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬قذيفة‭ ‬أخرى‭.‬

لكن‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬بدأ‭ ‬المثلث‭ ‬الأحمر‭ ‬يكتسب‭ ‬معنى‭ ‬جديداً،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬مقصوداً‭ ‬من‭ ‬مصممي‭ ‬فيديوهات‭ ‬كتائب‭ ‬القسام‭ ‬أم‭ ‬لا‭.‬

كان‭ ‬المثلث‭ ‬الأحمر‭ ‬مرتبطا‭ ‬كرمز‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬بالعلم‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وتحديداً‭ ‬بالمثلث‭ ‬الأحمر‭ ‬الموجود‭ ‬على‭ ‬اليسار،‭ ‬والموجود‭ ‬فوق‭ ‬اللون‭ ‬الأبيض،‭ ‬بين‭ ‬الأسود‭ ‬والأخضر‭. ‬وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬فإن‭ ‬أصول‭ ‬المثلث‭ ‬الأحمر‭ ‬الصغير‭ ‬لا‭ ‬تهم‭. ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬الرموز‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الأخرى،‭ ‬فهو‭ ‬أيضًا‭ ‬يتمتع‭ ‬بقوة‭ ‬تمكنه‭ ‬من‭ ‬تجسيد‭ ‬واختزال‭ ‬معانٍ‭ ‬جديدة‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت‭.‬

 

الثقافة‭ ‬والثقافة‭ ‬المضادة

على‭ ‬غرار‭ ‬‮«‬الكوفية‭ ‬الإسرائيلية‮»‬،‭ ‬حاولت‭ ‬إسرائيل‭ ‬مواجهة‭ ‬الثقافة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬لقد‭ ‬فعلوا‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وضع‭ ‬قوانين‭ ‬تمنع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬التواصل‭ ‬أو‭ ‬إبراز‭ ‬رموزهم‭ ‬الثقافية‭.‬

وكان‭ ‬التكتيك‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬استخدمته‭ ‬إسرائيل‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬المطالبة‭ ‬بالرموز‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وكأنها‭ ‬رموزها‭ ‬الخاصة،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬شائع‭ ‬جدًا‭ ‬في‭ ‬الملابس‭ ‬والطعام‭ ‬والموسيقى‭. ‬عندما‭ ‬استضافت‭ ‬إسرائيل‭ ‬مسابقة‭ ‬ملكة‭ ‬جمال‭ ‬الكون‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬تم‭ ‬نقل‭ ‬المتسابقات‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬رهط‮»‬‭ ‬البدوية‭ ‬العربية‭ (‬في‭ ‬لواء‭ ‬الجنوب‭ ‬وفق‭ ‬التقسيم‭ ‬الإداري‭ ‬الذي‭ ‬فرضته‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭).‬

ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أنهم‭ ‬غير‭ ‬مدركين‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬البدوية،‭ ‬بملابسها‭ ‬المطرزة‭ ‬وطعامها‭ ‬وموسيقاها‭ ‬ومظاهرها‭ ‬الثقافية‭ ‬العديدة،‭ ‬هي‭ ‬ثقافة‭ ‬عربية‭ ‬فلسطينية‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها،‭ ‬فقد‭ ‬لجأت‭ ‬مسابقات‭ ‬ملكات‭ ‬الجمال‭ ‬إلى‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬حماسهن‭ ‬لكونهن‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬‮«‬يوم‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬بدوي‮»‬‭ ‬مع‭ ‬إطلاق‭ ‬هاشتاج‭ ‬#visit‭_‬israel‭.‬

قد‭ ‬تسلط‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬الخداع‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ولكنها‭ ‬تكشف‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬شعور‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالدونية‭ ‬الثقافية‭.‬

إذا‭ ‬تمعنا‭ ‬مليا‭ ‬في‭ ‬الرموز‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬العلم‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬نجمة‭ ‬داود‭ ‬أو‭ ‬أسد‭ ‬يهوذا‭ ‬أو‭ ‬أغاني‭ ‬الحرب‭ ‬الوطنية،‭ ‬مثل‭ ‬حرب‭ ‬دربو،‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬مستخرج‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬مراجع‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس،‭ ‬والبطولات‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬نشأة‭ ‬إسرائيل‭ ‬نفسها‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬الرموز‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تعكس‭ ‬رغبة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬أجدادهم،‭ ‬واستعادة‭ ‬الحقوق‭ ‬والعدالة‭ ‬التي‭ ‬حرموا‭ ‬منها‭ ‬فترة‭ ‬طويلة،‭ ‬فإن‭ ‬الرموز‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تبدو‭ ‬مجرد‭ ‬ادعاءات‭ ‬ــ‭ ‬قديمة‭ ‬ودينية‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬التحقق‭ ‬منها‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬مما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬الصهيوني،‭ ‬و75‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬الوجود‭ ‬الرسمي‭ ‬كدولة،‭ ‬فقد‭ ‬فشلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الارتباط‭ ‬بأرض‭ ‬فلسطين،‭ ‬وبثقافات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬نحت‭ ‬مكان‭ ‬لنفسها‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المنطقة‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يُكتب‭ ‬بعد،‭ ‬وهو‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬سيكتبه‭ ‬بالتأكيد‭ ‬السكان‭ ‬الأصليون‭ ‬لتلك‭ ‬الأرض،‭ ‬أي‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

 

‭ ‬{ أكاديمي‭ ‬وكاتب‭ ‬فلسطيني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا