العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

«يوم الأرض» تكريس للهوية الفلسطينية ضد مشاريع الاستيطان والتهويد

بقلم: د. جيمس زغبي

الخميس ١١ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

لقد‭ ‬كانت‭ ‬الأرض‭ ‬دائمًا‭ ‬رمزا‭ ‬جوهريا‭ ‬يجسد‭ ‬معاني‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭.‬

لقد‭ ‬تعلمت‭ ‬هذا‭ ‬الدرس‭ ‬عام‭ ‬1971‭ ‬عندما‭ ‬قضيت‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والأردن،‭ ‬حيث‭ ‬عكفت‭ ‬على‭ ‬جمع‭ ‬قصص‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬نكبة‭ ‬فلسطين‭. ‬كانت‭ ‬ذكرياتهم‭ ‬عن‭ ‬المنازل‭ ‬والأراضي‭ ‬التي‭ ‬تركوها‭ ‬وراءهم،‭ ‬وشوقهم‭ ‬العميق‭ ‬للعودة،‭ ‬وتصميمهم‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬قريتهم‭ ‬حية،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬كلها‭ ‬مؤثرة‭ ‬تأثيرا‭ ‬عميقا‭.‬

أصبح‭ ‬الارتباط‭ ‬القوي‭ ‬بين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وأرضهم‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحًا‭ ‬عندما‭ ‬تعرفت‭ ‬وتعلمت‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬بعض‭ ‬الشعراء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الكبار‭ ‬مثل‭ ‬توفيق‭ ‬زياد‭ ‬ومحمود‭ ‬درويش‭ ‬أو‭ ‬الفنانين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬مثل‭ ‬إسماعيل‭ ‬شموط‭ ‬وكمال‭ ‬بلاطة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬صنعوها‭ ‬والمشاعر‭ ‬التي‭ ‬أثاروها‭ ‬ألهمت‭ ‬الأجيال‭.‬

يمكنك‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬معرفة‭ ‬المزيد‭ ‬عن‭ ‬الأشخاص‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأغاني‭ ‬التي‭ ‬يغنونها،‭ ‬أو‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬يروونها،‭ ‬أو‭ ‬الفن‭ ‬الذي‭ ‬يحبونه،‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يمكنك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الخطب‭ ‬السياسية‭ ‬لقادتهم‭. ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأشكال‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬يلوح‭ ‬الارتباط‭ ‬بالأرض‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭.‬

وسيتذكر‭ ‬اللاجئون‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬ديار‭ ‬أجدادهم‭. ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬صادر‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬أراضيهم،‭ ‬سوف‭ ‬يتذكرون‭ ‬بساطة‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬قراهم‭.‬

وكانت‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬غزوها‭ ‬هي‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬دُفن‭ ‬فيه‭ ‬تاريخهم‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬ربيع‭ ‬جديد‭ ‬يولدون‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬باختصار،‭ ‬إن‭ ‬حياتهم‭ ‬الماضية‭ ‬وأحزانهم‭ ‬الحالية‭ ‬وآمالهم‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬مرتبطة‭ ‬بتمسكهم‭ ‬بأرضهم‭.‬

ونظراً‭ ‬إلى‭ ‬هذا،‭ ‬فلا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مفاجئاً‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬يوم‭ ‬الأرض‭ (‬أو‭ ‬يوم‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الأرض‭) ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬تاريخ‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬بمكان‭. ‬تمت‭ ‬الدعوة‭ ‬للاحتفاء‭ ‬بيوم‭ ‬الأرض‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1976‭ ‬ردًا‭ ‬على‭ ‬خطط‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬الجليل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬زيادة‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬إن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬المملوكة‭ ‬للعرب‭ ‬لإفساح‭ ‬المجال‭ ‬للهجرة‭ ‬اليهودية‭ ‬كان‭ ‬أسلوب‭ ‬عمل‭ ‬إسرائيل‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬نشأتها‭ ‬كدولة‭.‬

وخلال‭ ‬العقود‭ ‬الثلاثة‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬عام‭ ‬1976،‭ ‬وضعت‭ ‬إسرائيل‭ ‬الأساس‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬دولتها‭ ‬اليهودية‮»‬‭ ‬الوليدة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مصادرة‭ ‬مليون‭ ‬ونصف‭ ‬مليون‭ ‬فدان‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬المملوكة‭ ‬للعرب‭ ‬وهدم‭ ‬حوالي‭ ‬500‭ ‬قرية‭ ‬فلسطينية‭ - ‬التي‭ ‬طرد‭ ‬منها‭ ‬معظم‭ ‬السكان‭ ‬العرب‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬نكبة‭ ‬1948‭.‬

خلال‭ ‬تلك‭ ‬العقود‭ ‬الثلاثة‭ ‬نفسها،‭ ‬واجه‭ ‬المواطنون‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬صعوبات‭ ‬كبيرة‭ ‬أخرى‭. ‬لقد‭ ‬خرجوا‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬مصدومين‭ ‬من‭ ‬أهوال‭ ‬النكبة‭ ‬التي‭ ‬أُجبر‭ ‬خلالها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬عائلاتهم‭ ‬على‭ ‬الفرار،‭ ‬ومات‭ ‬كثيرون‭ ‬آخرون،‭ ‬وتم‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬أراضيهم‭ ‬ومنازلهم‭ ‬وأعمالهم‭ ‬التجارية‭.‬

وبعد‭ ‬الحرب،‭ ‬تعرض‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬لقوانين‭ ‬الدفاع‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الطوارئ‭ ‬والقيود‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بموجبها‭ ‬حظر‭ ‬التجول‭ ‬والعقاب‭ ‬الجماعي‭ ‬والاعتقال‭ ‬دون‭ ‬تهمة‭ ‬والطرد‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنهم‭ ‬مواطنون‭ ‬إسرائيليون‭ ‬اسميًّا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬بلدهم‭.‬

ومن‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬طبقت‭ ‬إسرائيل‭ ‬نفس‭ ‬قوانين‭ ‬الدفاع‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الطوارئ‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬حديثًا‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الصعوبات‭ ‬المفروضة‭ ‬عليهم،‭ ‬فقد‭ ‬نمت‭ ‬ثقة‭ ‬المواطنين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬عرب‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وقدراتهم‭ ‬السياسية،‭ ‬وارتباطهم‭ ‬بهويتهم‭ ‬العربية‭ ‬والفلسطينية‭.‬

وانضموا‭ ‬إلى‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬ستضمهم‭. ‬لقد‭ ‬ترشحوا‭ ‬وفازوا‭ ‬بمناصب‭ ‬انتخابية‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬العربية،‭ ‬وقاموا‭ ‬بتنظيم‭ ‬أنفسهم‭ ‬دفاعًا‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم‭ ‬وعن‭ ‬قضاياهم‭.‬

وهكذا،‭ ‬عندما‭ ‬أعلنت‭ ‬الحكومة،‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1976،‭ ‬خططا‭ ‬لإصدار‭ ‬أوامر‭ ‬جديدة‭ ‬لمصادرة‭ ‬الأراضي‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬‮«‬لتهويد‮»‬‭ ‬الجليل،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬بمثابة‭ ‬‮«‬القشة‭ ‬التي‭ ‬قصمت‭ ‬ظهر‭ ‬البعير‮»‬‭. ‬وكان‭ ‬رد‭ ‬فعلهم‭ ‬هو‭ ‬التخطيط‭ ‬لإضراب‭ ‬عام‭ ‬ضخم‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬البلاد‭ ‬ومسيرة‭ ‬احتجاجية‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬كفى‭!‬‮»‬‭.‬

وبما‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬كانت‭ ‬مرعوبة‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬أشكال‭ ‬المقاومة‭ ‬العربية،‭ ‬فقد‭ ‬أعلنت‭ ‬أن‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬أضرب‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬وساروا‭ ‬سلميا‭. ‬وشاب‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬إسرائيلي‭ ‬عنيف‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬مقتل‭ ‬ستة‭ ‬مواطنين‭ ‬فلسطينيين‭ ‬وإصابة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬آخرين‭.‬

وقد‭ ‬أثار‭ ‬هذا‭ ‬غضبًا‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬المجتمع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬أي‭ ‬عرب‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بل‭ ‬أيضًا‭ ‬بين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬وأولئك‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الشتات‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1976،‭ ‬لم‭ ‬تستمر‭ ‬احتجاجات‭ ‬يوم‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬مارس‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬انتشرت‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬فلسطين‭ ‬وفي‭ ‬المجتمعات‭ ‬حول‭ ‬العالم‭. ‬إنها‭ ‬بمثابة‭ ‬تكريم‭ ‬لاستمرار‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الارتباط‭ ‬بأرضهم،‭ ‬وصمودهم،‭ ‬وتصميمهم‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬مجتمعهم‭ ‬الوطني‭.‬

هذا‭ ‬العام،‭ ‬صادف‭ ‬يوم‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬بين‭ ‬الأيام‭ ‬المقدسة‭ ‬لدى‭ ‬المسيحيين،‭ ‬الجمعة‭ ‬العظيمة‭ ‬وعيد‭ ‬الفصح‭. ‬إن‭ ‬التقاء‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬الثلاثة‭ ‬بمثابة‭ ‬تذكير‭ ‬بالطرق‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بها‭ ‬المواضيع‭ ‬التي‭ ‬تستحضرها‭ ‬مكونات‭ ‬أساسية‭ ‬للهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭: ‬التمسك‭ ‬بأرضهم،‭ ‬والصمود‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الخسائر‭ ‬التي‭ ‬تكبدوها،‭ ‬والإيمان‭ ‬بوعد‭ ‬التجديد‭.‬

{ رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا