يأتي العيد في طيات الأيام وانسياب الزمن؛ كنسمة هواء باردة بصيف حار، يحمل في طياته أريج المحبة، ينثرها في الأرواح قبل الأجساد، فيجعل من القلوب المتعبة مرسى للسعادة وملتقى للمودة، فالعيد ليس يوماً يأتي بعد انقضاء شهر الصوم، إنما هو موسم لمعاني الوحدة والترابط، حيث تتساقط الخلافات كأوراق الخريف اليابسة، تاركةً وراءها أشجاراً مليئة بالود والتقدير.
قبل أن تتلاقى الأجساد تلتقي الأرواح ببعضها البعض في عناق عميق، وتتبادل الأيدي هدايا التقدير، وينتظر الصغار أجواءه بعيونهم البراقة بكل شوق، ليس لما يحمله من فرح وألعاب فحسب، بل للألفة التي تعم أوقاته، حيث يتلاشى كل شعور بالغربة أو الوحدة بين النفوس المجتمعة.
تكتسي الشوارع بألوان زاهية، وتفتح الأسر قلوبها قبل أبواب بيوتها، مرحبةً بكل من يأتي للمشاركة في الفرحة، فالعيد في جوهره رسالة تذكير بأهمية الصلة بين أبناء المجتمع، بغض النظر عن اختلافاتهم. إنه يعلمنا أنّ في العطاء سعادة تفوق سعادة الأخذ، وأنّ في التسامح قوة تعادل قوة الصبر!
وعلى مائدة العيد تجتمع العائلات؛ فتُحكى قصص الأجداد ومتوارث الذكريات، وتتشابك الحكايات كأوراق الشجر في ريح الخريف؛ لتشكل حلقة متصلة من الماضي إلى الحاضر، ومن ثم إلى المستقبل؛ فتبني هذه اللحظات جسوراً من الذكريات الدافئة التي تظلّ معلقة في الذاكرة؛ لتُعطر الأيام الصعبة، وتُضيء لنا الطريق في لحظات الضعف.
وأعظم ما في العيد أنه تتجلى فيه معاني الإنسانية في أبهى صورها، تتوحد القلوب على الحب والمودة، وتذوب الفوارق، فلا فرق بين غني وفقير، صغير أو كبير؛ إذ العيد يعلمنا أن الحياة بكلّ أفراحها وأحزانها يمكن أن تكون مليئة بلحظات جميلة تستحق الاحتفاء بها.
تهدأ الأصوات وتخفت الضحكات مع غروب شمس يومه، لكن يبقى الدفء في القلوب، والابتسامة على الشفاه، والأمل في النفوس بأن الأيام القادمة ستكون أجمل، وأن الحياة مهما كانت ستجد طريقها؛ لتعود وتزهر في قلوبنا من جديد.
ليس العيد تقليداً يتكرر كلّ عام، بل هو فرصة لنعيد إدراك معاني الحياة والسعادة، ونؤكد قيم الألفة والمحبة التي يجب أن تسود كلّ يوم، ونجدد به عهدنا مع الحياة، ونتذكر أنّ كلّ نهاية هي في الحقيقة بداية جديدة، وأن الزمن مهما بدا قاسيًا فإنّه يحمل في طياته فسحات من الأمل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك