العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

ألفة العيد

بقلم: د. علي زين العابدين الحسيني

السبت ١٣ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

يأتي‭ ‬العيد‭ ‬في‭ ‬طيات‭ ‬الأيام‭ ‬وانسياب‭ ‬الزمن؛‭ ‬كنسمة‭ ‬هواء‭ ‬باردة‭ ‬بصيف‭ ‬حار،‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬أريج‭ ‬المحبة،‭ ‬ينثرها‭ ‬في‭ ‬الأرواح‭ ‬قبل‭ ‬الأجساد،‭ ‬فيجعل‭ ‬من‭ ‬القلوب‭ ‬المتعبة‭ ‬مرسى‭ ‬للسعادة‭ ‬وملتقى‭ ‬للمودة،‭ ‬فالعيد‭ ‬ليس‭ ‬يوماً‭ ‬يأتي‭ ‬بعد‭ ‬انقضاء‭ ‬شهر‭ ‬الصوم،‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬موسم‭ ‬لمعاني‭ ‬الوحدة‭ ‬والترابط،‭ ‬حيث‭ ‬تتساقط‭ ‬الخلافات‭ ‬كأوراق‭ ‬الخريف‭ ‬اليابسة،‭ ‬تاركةً‭ ‬وراءها‭ ‬أشجاراً‭ ‬مليئة‭ ‬بالود‭ ‬والتقدير‭.‬

قبل‭ ‬أن‭ ‬تتلاقى‭ ‬الأجساد‭ ‬تلتقي‭ ‬الأرواح‭ ‬ببعضها‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬عناق‭ ‬عميق،‭ ‬وتتبادل‭ ‬الأيدي‭ ‬هدايا‭ ‬التقدير،‭ ‬وينتظر‭ ‬الصغار‭ ‬أجواءه‭ ‬بعيونهم‭ ‬البراقة‭ ‬بكل‭ ‬شوق،‭ ‬ليس‭ ‬لما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬فرح‭ ‬وألعاب‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬للألفة‭ ‬التي‭ ‬تعم‭ ‬أوقاته،‭ ‬حيث‭ ‬يتلاشى‭ ‬كل‭ ‬شعور‭ ‬بالغربة‭ ‬أو‭ ‬الوحدة‭ ‬بين‭ ‬النفوس‭ ‬المجتمعة‭.‬

تكتسي‭ ‬الشوارع‭ ‬بألوان‭ ‬زاهية،‭ ‬وتفتح‭ ‬الأسر‭ ‬قلوبها‭ ‬قبل‭ ‬أبواب‭ ‬بيوتها،‭ ‬مرحبةً‭ ‬بكل‭ ‬من‭ ‬يأتي‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬الفرحة،‭ ‬فالعيد‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬رسالة‭ ‬تذكير‭ ‬بأهمية‭ ‬الصلة‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬المجتمع،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬اختلافاتهم‭. ‬إنه‭ ‬يعلمنا‭ ‬أنّ‭ ‬في‭ ‬العطاء‭ ‬سعادة‭ ‬تفوق‭ ‬سعادة‭ ‬الأخذ،‭ ‬وأنّ‭ ‬في‭ ‬التسامح‭ ‬قوة‭ ‬تعادل‭ ‬قوة‭ ‬الصبر‭!‬

وعلى‭ ‬مائدة‭ ‬العيد‭ ‬تجتمع‭ ‬العائلات؛‭ ‬فتُحكى‭ ‬قصص‭ ‬الأجداد‭ ‬ومتوارث‭ ‬الذكريات،‭ ‬وتتشابك‭ ‬الحكايات‭ ‬كأوراق‭ ‬الشجر‭ ‬في‭ ‬ريح‭ ‬الخريف؛‭ ‬لتشكل‭ ‬حلقة‭ ‬متصلة‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬إلى‭ ‬الحاضر،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل؛‭ ‬فتبني‭ ‬هذه‭ ‬اللحظات‭ ‬جسوراً‭ ‬من‭ ‬الذكريات‭ ‬الدافئة‭ ‬التي‭ ‬تظلّ‭ ‬معلقة‭ ‬في‭ ‬الذاكرة؛‭ ‬لتُعطر‭ ‬الأيام‭ ‬الصعبة،‭ ‬وتُضيء‭ ‬لنا‭ ‬الطريق‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬الضعف‭.‬

وأعظم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬العيد‭ ‬أنه‭ ‬تتجلى‭ ‬فيه‭ ‬معاني‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬أبهى‭ ‬صورها،‭ ‬تتوحد‭ ‬القلوب‭ ‬على‭ ‬الحب‭ ‬والمودة،‭ ‬وتذوب‭ ‬الفوارق،‭ ‬فلا‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬غني‭ ‬وفقير،‭ ‬صغير‭ ‬أو‭ ‬كبير؛‭ ‬إذ‭ ‬العيد‭ ‬يعلمنا‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬بكلّ‭ ‬أفراحها‭ ‬وأحزانها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مليئة‭ ‬بلحظات‭ ‬جميلة‭ ‬تستحق‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بها‭.‬

تهدأ‭ ‬الأصوات‭ ‬وتخفت‭ ‬الضحكات‭ ‬مع‭ ‬غروب‭ ‬شمس‭ ‬يومه،‭ ‬لكن‭ ‬يبقى‭ ‬الدفء‭ ‬في‭ ‬القلوب،‭ ‬والابتسامة‭ ‬على‭ ‬الشفاه،‭ ‬والأمل‭ ‬في‭ ‬النفوس‭ ‬بأن‭ ‬الأيام‭ ‬القادمة‭ ‬ستكون‭ ‬أجمل،‭ ‬وأن‭ ‬الحياة‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬ستجد‭ ‬طريقها؛‭ ‬لتعود‭ ‬وتزهر‭ ‬في‭ ‬قلوبنا‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

ليس‭ ‬العيد‭ ‬تقليداً‭ ‬يتكرر‭ ‬كلّ‭ ‬عام،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬فرصة‭ ‬لنعيد‭ ‬إدراك‭ ‬معاني‭ ‬الحياة‭ ‬والسعادة،‭ ‬ونؤكد‭ ‬قيم‭ ‬الألفة‭ ‬والمحبة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تسود‭ ‬كلّ‭ ‬يوم،‭ ‬ونجدد‭ ‬به‭ ‬عهدنا‭ ‬مع‭ ‬الحياة،‭ ‬ونتذكر‭ ‬أنّ‭ ‬كلّ‭ ‬نهاية‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬بداية‭ ‬جديدة،‭ ‬وأن‭ ‬الزمن‭ ‬مهما‭ ‬بدا‭ ‬قاسيًا‭ ‬فإنّه‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬فسحات‭ ‬من‭ ‬الأمل‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا