العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

بعد الرد الإيراني.. ماذا ستفعل حكومة نتنياهو؟

بقلم: د. طارق عبود {

الأربعاء ١٧ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

بعد‭ ‬الرد‭ ‬الإيراني‭ ‬على‭ ‬ضربة‭ ‬القنصلية‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬دمشق،‭ ‬ليل‭ ‬السبت‭ ‬ـ‭ ‬الأحد‭ ‬الماضي،‭ ‬ترتسم‭ ‬ملامح‭ ‬شرق‭ ‬أوسط‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدًا،‭ ‬وهو‭ ‬مسار‭ ‬دشنه‭ ‬تاريخ‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬ويستمر‭ ‬في‭ ‬الارتقاء‭ ‬شيئًا‭ ‬فشيئًا‭ ‬حتى‭ ‬كاد‭ ‬في‭ ‬الساعات‭ ‬الماضية‭ ‬يبلغ‭ ‬حافة‭ ‬الانفجار‭ ‬الكبير‭.‬

تتزاحم‭ ‬المصالح‭ ‬عملياً؛‭ ‬تتحكّم‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬المتوتر‭ ‬في‭ ‬الإقليم؛‭ ‬فتضعه‭ ‬على‭ ‬مفترق‭ ‬حاسم‭ ‬وخطير،‭ ‬فإما‭ ‬سلوك‭ ‬طريق‭ ‬التصعيد‭ ‬الخطير،‭ ‬وبالتالي‭ ‬الحرب‭ ‬الكبرى،‭ ‬أو‭ ‬مسار‭ ‬الانفراج،‭ ‬وربما‭ ‬التسوية‭. ‬فأيُّ‭ ‬حصان‭ ‬سيتقدّم،‭ ‬ويشدّ‭ ‬العربة‭ ‬نحو‭ ‬الطريق‭ ‬الذي‭ ‬يريد؟‭ ‬حصان‭ ‬الحرب،‭ ‬أم‭ ‬حصان‭ ‬التسوية؟‭ ‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أنّ‭ ‬امتداد‭ ‬زمن‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬وعدم‭ ‬تحقيق‭ ‬انتصار‭ ‬حاسم،‭ ‬بدأ‭ ‬يُضيّق‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬ورئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬ودخل‭ ‬الطرفان‭ ‬في‭ ‬منافسة‭ ‬سياسية،‭ ‬يقدّم‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬مصالحه‭ ‬الخاصة،‭ ‬فمن‭ ‬منهما‭ ‬يمتلك‭ ‬الأوراق‭ ‬الأقوى‭ ‬التي‭ ‬تخوّله‭ ‬للفوز‭ ‬بالسباق‭ ‬السياسي؟‭ ‬

يقول‭ ‬هنري‭ ‬كيسنجر‭ ‬‮«‬إنّ‭ ‬السلطة‭ ‬هي‭ ‬أقصى‭ ‬درجات‭ ‬الشهوة‮»‬‭. ‬ولعلّ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ينطبق‭ ‬عليه‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬أنّ‭ ‬أي‭ ‬وقف‭ ‬للحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬سيُشكّل‭ ‬نهايته‭ ‬السياسية‭ ‬وسقوط‭ ‬حكومته‭ ‬المتطرفة،‭ ‬وفتح‭ ‬مسار‭ ‬المحاسبة‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وبالتالي‭ ‬الاضطرابات‭ ‬السياسية‭.‬

‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬يُفشِل‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أي‭ ‬مفاوضات‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب،‭ ‬لأن‭ ‬نتنياهو‭ ‬سيكون‭ ‬الخاسر‭ ‬الأكبر،‭ ‬لذا،‭ ‬يفعل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬وسعه‭ ‬لعرقلة‭ ‬أي‭ ‬صفقة،‭ ‬أو‭ ‬مفاوضات‭ ‬تكون‭ ‬نتيجتها‭ ‬وقف‭ ‬الحرب‭. ‬ولكن؛‭ ‬ثمة‭ ‬معضلة‭ ‬أنّ‭ ‬نتنياهو‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يُفكر‭ ‬بمستقبله‭ ‬السياسي‭ ‬وحده،‭ ‬فرئيس‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الأميركية‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬يدفع‭ ‬ثمنًا‭ ‬باهظًا‭ ‬جراء‭ ‬اندفاعة‭ ‬نتنياهو‭ ‬غير‭ ‬المحسوبة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يُكلّفه‭ ‬عدم‭ ‬تمديد‭ ‬ولايته،‭ ‬لمرة‭ ‬ثانية،‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬بسبب‭ ‬خضوعه‭ ‬لابتزاز‭ ‬نتنياهو‭ ‬وحكومة‭ ‬إسرائيل‭ ‬وجيشها‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الحالية‭.‬

‭ ‬لذا‭ ‬تشهد‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الرئيسين،‭ ‬شدّ‭ ‬حبالٍ‭ ‬محمومًا،‭ ‬لأنّ‭ ‬اشتعال‭ ‬الحرب‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ستصبّ‭ ‬في‭ ‬كفة‭ ‬نتنياهو،‭ ‬ولكنها‭ ‬ستُورّط‭ ‬الرئيس‭ ‬الديموقراطي،‭ ‬وتعيد‭ ‬الجيش‭ ‬الأميركي‭ ‬إلى‭ ‬الغوص‭ ‬في‭ ‬وحول‭ ‬المنطقة،‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬الحاسمة‭ ‬قبل‭ ‬معركة‭ ‬التجديد‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬المقبل‭. ‬

في‭ ‬الأسبوعين‭ ‬الأخيرين‭ ‬بدأنا‭ ‬نشهد‭ ‬انعطافة‭ ‬ولكنها‭ ‬غير‭ ‬حاسمة‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬السياسي‭ ‬الأميركي،‭ ‬أقلّه‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬اللفظية،‭ ‬عما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭.‬

فقد‭ ‬افتتح‭ ‬زعيم‭ ‬الأغلبية‭ ‬الديموقراطية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬شاك‭ ‬شومر،‭ ‬التصريحات‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬ينتقد‭ ‬فيها‭ ‬نتنياهو‭ ‬وحكومته‭. ‬وأتى‭ ‬امتناع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬التصويت‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬2728‭ ‬الداعي‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار،‭ ‬ليخدم‭ ‬السياق‭ ‬نفسه،‭ ‬وأعقب‭ ‬ذلك‭ ‬اتصال‭ ‬هاتفي‭ ‬بين‭ ‬بايدن‭ ‬ونتنياهو‭ ‬تسرّبت‭ ‬منه‭ ‬لغة‭ ‬توتر‭ ‬عالية‭.‬

‭ ‬لاحقًا،‭ ‬لاحظنا‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬بايدن‭ ‬استكمل‭ ‬مسار‭ ‬النقد،‭ ‬فوصف‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬تلفزيونية‭ ‬سياسة‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بالخاطئة،‭ ‬وقال‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬نهجه‭. ‬وأنّ‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬الى‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭. ‬وأن‭ ‬تسمح‭ ‬بالوصول‭ ‬الكامل‭ ‬إلى‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والأدوية‭. ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬عذر‭ ‬لعدم‭ ‬توفير‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الطبية‭ ‬والغذائية‭ ‬لسكان‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭. ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬الآن‮»‬‭.‬

‭ ‬وكان‭ ‬عضو‭ ‬مجلس‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بني‭ ‬جانتس‭ ‬قد‭ ‬زار‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬الماضي،‭ ‬وعقد‭ ‬سلسلة‭ ‬لقاءات‭ ‬هناك،‭ ‬وسمع‭ ‬كلامًا‭ ‬مختلفًا‭ ‬ينتقد‭ ‬سلوك‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬ثم‭ ‬تبعه‭ ‬بعد‭ ‬أسبوعين‭ ‬وزير‭ ‬الحرب‭ ‬يوآف‭ ‬جالانت،‭ ‬لإتمام‭ ‬حاجات‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬السلاح،‭ ‬ولشرح‭ ‬خطة‭ ‬اجتياح‭ ‬رفح‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تقنع‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬أبريل‭ ‬الجاري،‭ ‬استقبل‭ ‬مستشار‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأميركي‭ ‬جيك‭ ‬سوليفان‭ ‬زعيم‭ ‬المعارضة‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬السابق‭ ‬يائير‭ ‬لابيد،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬قرر‭ ‬تأجيل‭ ‬زيارة‭ ‬كانت‭ ‬مقررة‭ ‬إلى‭ ‬السعودية،‭ ‬يمتلك‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬بيده‭ ‬ورقة‭ ‬رابحة‭ ‬لم‭ ‬يستخدمها‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬وهي‭ ‬التلويح‭ ‬بوقف‭ ‬جسر‭ ‬المساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيشكّل‭ ‬ضربة‭ ‬قاسية‭ ‬جداً‭ ‬لحكومة‭ ‬نتنياهو،‭ ‬مستفيداً‭ ‬من‭ ‬جو‭ ‬يتبلور‭ ‬تدريجيًا‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬الحزب‭ ‬الديموقراطي‭ ‬ينتقد‭ ‬الدعم‭ ‬المفتوح‭ ‬لإسرائيل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ضوابط‭. ‬ويدرك‭ ‬بايدن‭ ‬أيضًا،‭ ‬أنّ‭ ‬مشكلة‭ ‬نتنياهو‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬امتلاكه‭ ‬رؤية‭ ‬استراتيجية‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عليه‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬للحرب‭. ‬وهو‭ ‬يريد‭ ‬إزاحة‭ ‬نتنياهو‭ ‬وإسقاط‭ ‬حكومته،‭ ‬ولكنه‭ ‬لا‭ ‬يسعى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬قبل‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار،‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬نتيجة‭ ‬الحرب‭.‬

‭ ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬نتنياهو؟‭ ‬يتسلّح‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬الأوراق‭ ‬التي‭ ‬يعتقد‭ ‬أنها‭ ‬تدعم‭ ‬موقفه‭ ‬مقابل‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭: ‬التذكير‭ ‬دائمًا‭ ‬بما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر،‭ ‬ورفع‭ ‬لواء‭ ‬مظلومية‭ ‬إسرائيل،‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬نصرتها،‭ ‬وإحالة‭ ‬أي‭ ‬انتقاد‭ ‬له‭ ‬ولحكومته،‭ ‬أنه‭ ‬انتقاد‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وأنّ‭ ‬التلويح‭ ‬بتقنين‭ ‬المساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬المفتوحة،‭ ‬هو‭ ‬تخلٍّ‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬الأكثر‭ ‬حراجة‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭.‬

‭ ‬يستغل‭ ‬نتنياهو‭ ‬المنافسة‭ ‬المحمومة‭ ‬بين‭ ‬المرشحين‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬ودونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬وحاجة‭ ‬كلّ‭ ‬منهما‭ ‬إلى‭ ‬الصوت‭ ‬اليهودي‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬القادمة‭. ‬يدرك‭ ‬نتنياهو‭ ‬أنّ‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬ضعيفة،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬شخصية‭ ‬كاريزماتية‭ ‬تقودها،‭ ‬وهو‭ ‬دائم‭ ‬الاتهام‭ ‬لها‭ ‬بأنها‭ ‬بانتقادها‭ ‬حكومته،‭ ‬تساعد‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬الانتصار‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭.‬

دفعَ‭ ‬قصف‭ ‬القنصلية‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬دمشق،‭ ‬واغتيال‭ ‬قادة‭ ‬في‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬ولبنان،‭ ‬المشهد‭ ‬إلى‭ ‬ذروة‭ ‬التعقيد،‭ ‬وشكّل‭ ‬ضربةً‭ ‬تحت‭ ‬الحزام،‭ ‬وتجاوزًا‭ ‬لكل‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمر،‭ ‬ودفع‭ ‬بحرب‭ ‬الظل‭ ‬إلى‭ ‬الشمس‭. ‬وما‭ ‬كان‭ ‬متوقعاً،‭ ‬شاهد‭ ‬العالم‭ ‬فصوله‭ ‬لحظة‭ ‬بلحظة،‭ ‬مع‭ ‬صدور‭ ‬القرار‭ ‬الإيراني‭ ‬بالرد‭ ‬على‭ ‬الضربة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬العالم‭ ‬ينتظر‭ ‬مجددًا‭ ‬إمكانية‭ ‬الرد‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬الرد‭ ‬الإيراني،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يزيد‭ ‬احتمالات‭ ‬توسّع‭ ‬الصراع‭ ‬إلى‭ ‬أماكن‭ ‬أخرى،‭ ‬فتتحوّل‭ ‬حربًا‭ ‬شاملة‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬بها‭ ‬لا‭ ‬الأمريكي‭ ‬ولا‭ ‬الإيراني،‭ ‬ولكن‭ ‬حتماً‭ ‬يريد‭ ‬نتنياهو‭ ‬من‭ ‬الأمريكيين‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬شركاء‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مواجهة‭ ‬محتملة‭ ‬مع‭ ‬إيران‭.‬

تُقابل‭ ‬قتامة‭ ‬مشهد‭ ‬التصعيد،‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬الوازنة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬شد‭ ‬العربة‭ ‬نحو‭ ‬مفترق‭ ‬الانفراج،‭ ‬ووقف‭ ‬الحرب،‭ ‬وهي‭: ‬أولًا‭: ‬إنّ‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المراوحة،‭ ‬وعدم‭ ‬إمكانية‭ ‬الحسم،‭ ‬والفشل‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬نتنياهو‭ ‬وحكومته‭.‬

‭ ‬ثانيًا‭: ‬الوقت‭ ‬الممنوح‭ ‬لآلة‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بدأ‭ ‬بالنفاد،‭ ‬بسبب‭ ‬الفشل‭ ‬العسكري‭ ‬أولًا،‭ ‬وبسبب‭ ‬اقتراب‭ ‬موعد‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬المقبل‭ ‬ثانيًا،‭ ‬زدْ‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الرد‭ ‬الإيراني،‭ ‬باتت‭ ‬قدرة‭ ‬الأميركيين‭ ‬في‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬اي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭.‬

ثالثًا‭: ‬ثمة‭ ‬انزياح‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي،‭ ‬والغربي‭ ‬خاصة،‭ ‬ضدّ‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بسبب‭ ‬الإخفاق‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬النصر،‭ ‬وبسبب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬الكيان،‭ ‬والتي‭ ‬أحرجت‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية،‭ ‬وتُوّجت‭ ‬بمقتل‭ ‬سبعة‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬‮«‬المطبخ‭ ‬المركزي‭ ‬العالمي‮»‬‭.‬

‭ ‬رابعًا‭: ‬صمود‭ ‬المقاومة‭ ‬الأسطوري‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬والخسائر‭ ‬الكبيرة‭ ‬للجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬وتهافت‭ ‬نظرية‭ ‬الردع‭ ‬التي‭ ‬سعى‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إلى‭ ‬تثبيتها‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬واستمرار‭ ‬الضغط‭ ‬من‭ ‬اليمن‭ ‬والعراق،‭ ‬ترافق‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬استخدام‭ ‬العدو‭ ‬قوة‭ ‬نارية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬وتجاوزه‭ ‬كل‭ ‬القواعد‭ ‬المعمول‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الحروب،‭ ‬عبر‭ ‬قصف‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬تقريبًا،‭ ‬وقتل‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬وثلاثين‭ ‬ألف‭ ‬إنسان،‭ ‬وجعل‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬مكانًا‭ ‬غير‭ ‬صالح‭ ‬للحياة،‭ ‬وعبر‭ ‬حصار‭ ‬وتجويع‭ ‬مليوني‭ ‬بشري‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭.‬

‭ ‬خامسًا‭: ‬انسحاب‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المفاجئ‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وإبقاء‭ ‬لواء‭ ‬‮«‬الناحال‮»‬‭ ‬وحيدًا،‭ ‬ليفصل‭ ‬بين‭ ‬شمال‭ ‬القطاع‭ ‬وجنوبه‭. ‬

سادسًا‭ ‬وأخيرًا‭: ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬شكًّا‭ ‬في‭ ‬إمكانية‭ ‬مبادرة‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬شنّ‭ ‬حرب‭ ‬جديدة،‭ ‬لا‭ ‬مع‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬برغم‭ ‬جبهة‭ ‬الإسناد‭ ‬التي‭ ‬تستمر‭ ‬منذ‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬ولا‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬برغم‭ ‬ردها،‭ ‬وذلك‭ ‬ريثما‭ ‬يهضم‭ ‬نتنياهو‭ ‬الوجبة‭ ‬الكارثية‭ ‬التي‭ ‬ابتلعها،‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬صباح‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭. ‬في‭ ‬الختام‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬المنطقة‭ ‬أمام‭ ‬أيام‭ ‬حاسمة،‭ ‬فإما‭ ‬تهدئة‭.. ‬وإما‭ ‬تصعيد‭ ‬كبير‭. ‬فلننتظر‭ ‬ونرَ‭. ‬

 

{ أستاذ‭ ‬جامعي‭ ‬وباحث‭ ‬من‭ ‬لبنان

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا