العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الرابح والخاسر في الضربة الإيرانية

بقلم: باسم برهوم {

الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

ما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬الضربة‭ ‬الإيرانية‭ ‬لإسرائيل‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ضربة‭ ‬بالمعنى‭ ‬الحقيقي‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬تمرينا‭ ‬بالأسلحة‭ ‬الحية،‭ ‬الجميع‭ ‬كان‭ ‬يعلم‭ ‬مسبقا‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيله،‭ ‬بتوقيته‭ ‬ومدته‭ ‬الزمنية‭ ‬والأسلحة‭ ‬التي‭ ‬ستستخدم‭ ‬ومراحله‭ ‬خطوة‭ ‬بخطوة‭. ‬وكأن‭ ‬الجميع‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬غرفة‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬نفسها‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬هناك‭ ‬حدث‭ ‬حصل‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬أنه‭ ‬حدث‭ ‬تكتيكي‭ ‬بامتياز،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬رابح‭ ‬ومن‭ ‬هو‭ ‬خاسر،‭ ‬وهو‭ ‬ربح‭ ‬وخسارة‭ ‬نسبية‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬أكبر‭ ‬الرابحين‭ ‬هي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬لأنها‭ ‬أولا‭: ‬أثبتت‭ ‬أنها‭ ‬المايسترو‭ ‬الذي‭ ‬تحت‭ ‬مظلته‭ ‬يعزف‭ ‬الجميع،‭ ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬يضبط‭ ‬إيقاع‭ ‬تحركات‭ ‬الأطراف‭ ‬ولا‭ ‬غنى‭ ‬للجميع‭ ‬عنه،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬إيران،‭ ‬فالشرطي‭ ‬الأمريكي،‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يحدد‭ ‬هوامش‭ ‬مناورات‭ ‬كل‭ ‬طرف،‭ ‬وثانيا‭: ‬إن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬الحماية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬يتلقى‭ ‬الحماية،‭ ‬بالطبع‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬هؤلاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬يعتبر‭ ‬أمنها‭ ‬مسألة‭ ‬إستراتيجية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والغرب‭ ‬عموما‭.‬

أما‭ ‬الرابح‭ ‬الثاني‭ ‬فهي‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬أولا،‭ ‬تمتلك‭ ‬بلا‭ ‬شروط‭ ‬مظلة‭ ‬الحماية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬أثبتت‭ ‬أن‭ ‬المتطور‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يتحكم‭ ‬بالمشاهد،‭ ‬وثانيا‭: ‬إسرائيل‭ ‬استفادت‭ ‬سياسيا‭ ‬لأنها‭ ‬استعادت‭ ‬التضامن‭ ‬القوي‭ ‬معها،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬باتت‭ ‬تمتلك‭ ‬شرعية‭ ‬الرد‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أرادت‭ ‬وسمحت‭ ‬لها‭ ‬واشنطن،‭ ‬والأهم‭ ‬أنها،‭ ‬ولو‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬تخلصت‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬وثالثا‭: ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬الضربة‭ ‬بإجبار‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬منع‭ ‬تفردها‭ ‬بقطاع‭ ‬غزة‭. ‬من‭ ‬الرابحين‭ ‬تأتي‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬التصدي‭ ‬وهي‭ ‬بريطانيا،‭ ‬فرنسا‭ ‬والأردن‭ ‬وربما‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬تظهر‭ ‬بالمشهد‭ ‬مباشرة‭.‬

تبقى‭ ‬إيران‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬بين‭ ‬الرابحين‭ ‬والخاسرين،‭ ‬فهي‭ ‬قامت‭ ‬بالرد‭ ‬لكن‭ ‬ردها‭ ‬لم‭ ‬يغير‭ ‬الكثير‭ ‬في‭ ‬المعادلات‭ ‬وموازين‭ ‬القوى،‭ ‬فمن‭ ‬جانب‭ ‬بإمكانها‭ ‬أن‭ ‬تدعي‭ ‬أنها‭ ‬ردت‭ ‬وتقول‭ ‬إنها‭ ‬تخطت‭ ‬أحد‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمر‭ ‬عبر‭ ‬مهاجمة‭ ‬إسرائيل‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬أراضيها،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الهجوم‭ ‬جاء‭ ‬ضمن‭ ‬ترتيبات‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬بشأنها‭ ‬مع‭ ‬واشنطن،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يسبب‭ ‬أي‭ ‬أذى‭ ‬لإسرائيل‭. ‬أما‭ ‬باقي‭ ‬أطراف‭ ‬محور‭ ‬المقاومة‭ ‬فحاله‭ ‬مثل‭ ‬حال‭ ‬إيران‭ ‬لم‭ ‬تربح‭ ‬ولم‭ ‬تخسر،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬مأزق‭ ‬لأن‭ ‬الرد‭ ‬الإيراني‭ ‬لم‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬عباءة‭ ‬المايسترو‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬محور‭ ‬مقاومة‭ ‬حر‭ ‬القرار‭ ‬أو‭ ‬مطلق‭ ‬اليدين‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭.‬

أما‭ ‬الخاسرون‭ ‬فيأتي‭ ‬في‭ ‬المقدمة‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬الذي‭ ‬قبل‭ ‬الهجوم‭ ‬الإيراني‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬ونتنياهو‭ ‬شخصيا‭ ‬في‭ ‬عزلة‭ ‬ويواجه‭ ‬ضغوطا‭ ‬حقيقية‭ ‬لوقف‭ ‬الحرب،‭ ‬فاليوم‭ ‬انتقل‭ ‬التضامن‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬فالدول‭ ‬السبع‭ ‬الكبرى،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬تحمس‭ ‬روسيا‭ ‬للضربة،‭ ‬فما‭ ‬حصل‭ ‬قلب‭ ‬عمليا‭ ‬المزاج‭ ‬الدولي‭ ‬المتعاطف‭ ‬مع‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬مزاج‭ ‬مجند‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ورفض‭ ‬أي‭ ‬اعتداء‭ ‬عليها،‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬الخاسرين‭ ‬العرب‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬فالرد‭ ‬الإيراني‭ ‬ومن‭ ‬واجهوه‭ ‬كلهم‭ ‬تقاتلوا‭ ‬في‭ ‬الأجواء‭ ‬العربية‭. ‬أما‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬وبشكل‭ ‬عام‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬مصلحتهم‭ ‬أن‭ ‬ينشغل‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬هناك‭ ‬حكومة‭ ‬فاشية‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬قد‭ ‬تستغل‭ ‬الفرصة‭ ‬إما‭ ‬لإطلاق‭ ‬يد‭ ‬المستوطنين‭ ‬لممارسة‭ ‬الوحشية‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الضفة،‭ ‬وإما‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تحاول‭ ‬تهجير‭ ‬المواطنين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

وبغض‭ ‬النظر‭ ‬كيف‭ ‬ومتى‭ ‬سيأتي‭ ‬الرد‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬إيران،‭ ‬فإن‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬شاملة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬خطير‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لشعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬وإنما‭ ‬قد‭ ‬تتدحرج‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬ثالثة‭. ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬ستلحق‭ ‬بدول‭ ‬وشعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬دمارا‭ ‬كبيرا،‭ ‬وخسائر‭ ‬بشرية‭ ‬واقتصادية‭ ‬هائلة‭. ‬وقد‭ ‬تعود‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬مئات‭ ‬السنوات‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬مع‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬إن‭ ‬حصل‭ ‬فالجميع‭ ‬سيكون‭ ‬خاسرا‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬انتصر‭ ‬في‭ ‬الحرب‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬سيتأثر‭ ‬بشكل‭ ‬خطير،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬المنطقة‭ ‬هي‭ ‬مصدر‭ ‬الطاقة‭ ‬الأهم،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬كونها‭ ‬تستحوذ‭ ‬على‭ ‬الممرات‭ ‬المائية‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬سواء‭ ‬للتجارة‭ ‬العالمية‭ ‬أو‭ ‬للأغراض‭ ‬العسكرية‭. ‬ربما‭ ‬لكل‭ ‬ذلك،‭ ‬وللخطورة‭ ‬الكبيرة‭ ‬فإن‭ ‬أحدا‭ ‬لا‭ ‬يسعى‭ ‬فعليا‭ ‬إلى‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬رابح‭ ‬حقيقي‭.‬

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا