العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

سـرديـات: في سرديات المسرح ما بعد الكولونيالي!

بقلم: د. ضياء عبدالله الكعبي

السبت ٢٠ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

منذ‭ ‬نشأة‭ ‬المسرح‭ ‬الإغريقي‭ ‬في‭ ‬أبجدياته‭ ‬الأولى‭ ‬وهو‭ ‬مسرح‭ ‬مؤسَّس‭ ‬على‭ ‬الميثولوجيا‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬مكوَّن‭ ‬رئيس‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬المتخيل‭ ‬السَّردي‭ ‬الذي‭ ‬تمَّ‭ ‬تداوله‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬الشفهي‭ ‬والملاحم‭ ‬الشعرية‭ ‬مثل‭ ‬الإلياذة‭ ‬والأوديسة‭. ‬ولقد‭ ‬استلهم‭ ‬الكتاب‭ ‬المسرحيون‭ ‬التراجيديون‭ ‬مثل‭ ‬إسخليوس‭ ‬وسوفوكليس‭ ‬ويوريبديس‭ ‬نصوص‭ ‬مسرحياتهم‭ ‬من‭ ‬ميثولوجيا‭ ‬عصر‭ ‬الأبطال‭ ‬مثل‭ ‬أجاممنون‭ ‬وأوديب‭ ‬وميديا‭ ‬وغيرها‭. ‬إذن‭ ‬منذ‭ ‬بواكير‭ ‬المسرح‭ ‬العالمي‭ ‬الأولى‭ ‬وتلك‭ ‬التخوم‭ ‬السّردية‭ ‬والمسرحية‭ ‬متداخلة‭ ‬في‭ ‬المرجعيات‭ ‬النصية‭ ‬وفي‭ ‬المتخيل‭ ‬وفي‭ ‬الأداء‭ ‬المسرحي‭. ‬لقد‭ ‬تحوَّلت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬العالميّة‭ ‬إلى‭ ‬نصوص‭ ‬مسرحية‭ ‬مُثلت‭ ‬على‭ ‬خشبات‭ ‬المسارح،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬الرواية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬مغمورة‭ ‬عند‭ ‬المتلقين‭ ‬ثم‭ ‬تلقى‭ ‬رواجًا‭ ‬مذهلاً‭ ‬عندما‭ ‬تتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬نصوص‭ ‬مسرحية‭! ‬فرواية‭ ‬‮«‬شبح‭ ‬الأوبرا‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬رواية‭ ‬فرنسية‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬غاستون‭ ‬ليرو‭ ‬لم‭ ‬تنل‭ ‬إعجاب‭ ‬القراء‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬تحوّلت‭ ‬إلى‭ ‬مسرحية‭ ‬موسيقية‭ ‬في‭ ‬برودواي،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تُعرض‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬خشبات‭ ‬أرقى‭ ‬المسارح‭ ‬العالمية‭. ‬ومن‭ ‬أشهر‭ ‬روائع‭ ‬الأدب‭ ‬العالمي‭ ‬التي‭ ‬حوَّلت‭ ‬إلى‭ ‬نصوص‭ ‬مسرحية‭: ‬رواية‭ ‬‮«‬دون‭ ‬كيخوته‭ ‬دي‭ ‬لا‭ ‬منتشا‮»‬‭ ‬للأديب‭ ‬الإسباني‭ ‬ميغيل‭ ‬دي‭ ‬ثيربانتس،‭ ‬ورواية‭ ‬‮«‬البؤساء‮»‬‭ ‬لفيكتور‭ ‬هوجو،‭ ‬ورواية‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬والسلام‮»‬‭ ‬لديستويفسكي،‭ ‬وروايات‭ ‬أجاثا‭ ‬كريستي‭ ‬وغيرها‭.‬

‭ ‬انتبه‭ ‬بريخت‭ ‬في‭ ‬نظريته‭ ‬عن‭ ‬المسرح‭ ‬الملحمي‭ ‬إلى‭ ‬الرابطة‭ ‬الوثيقة‭ ‬بين‭ ‬الدراما‭ ‬والملحمة‭ ‬أيّ‭ ‬بين‭ ‬المسرحي‭ ‬والسَّردي‭ ‬عندما‭ ‬جرَّب‭ ‬مع‭ ‬المخرج‭ ‬إيرفين‭ ‬بيسكاتور‭ ‬في‭ ‬عشرينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬أشكالاً‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬المسرح‭ ‬هي‭ ‬المسرح‭ ‬الملحمي‭. ‬ولقد‭ ‬انتبه‭ ‬فرانشيسكو‭ ‬جارثون‭ ‬ثيسبدس‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬مسرح‭ ‬السَّرد‭ ‬التمثيلي‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬ذوبان‭ ‬التخوم‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬الجنسين‭ ‬الأدبيين‭ ‬السَّرد‭ ‬والمسرح‭. ‬

ومن‭ ‬الاشتغالات‭ ‬النقدية‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬بحثت‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬السَّرد‭ ‬والمسرح‭ ‬اشتغالات‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الباحثين‭ ‬والنقاد‭ ‬المسرحيين‭ ‬الروس‭: ‬ميخائيل‭ ‬سموليانينسكي‭ ‬وآلكسندر‭ ‬سوكوليانسكي‭ ‬وناتاليا‭ ‬ياكوبوفا‭ ‬وأولجا‭ ‬رومان‭ ‬تسوفا‭ ‬وفيكتوريا‭ ‬نيكيفروفا‭ ‬وأولجا‭ ‬يوجوشينا‭ ‬وجريجوري‭ ‬زاسلافسكي‭. ‬لقد‭ ‬بحث‭ ‬هؤلاء‭ ‬النقاد‭ ‬المسرحيون‭ ‬الروس‭ ‬قضايا‭ ‬مسرحية‭ ‬مهمة‭ ‬مثل‭ ‬إعداد‭ ‬النص‭ ‬المسرحي،‭ ‬والسينوغرافيا،‭ ‬ومنطق‭ ‬الجنس‭ ‬الدرامي‭ ‬لرصد‭ ‬علاقته‭ ‬بأشهر‭ ‬النصوص‭ ‬المسرحية‭ ‬الروسية‭ ‬والعالميّة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬حضور‭ ‬التقنيات‭ ‬السردية‭ ‬في‭ ‬النصوص‭ ‬المسرحية‭.‬

ونحن‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬ومع‭ ‬ظهور‭ ‬الرواية‭ ‬التفاعلية‭ ‬والمسرحية‭ ‬التفاعلية‭ ‬نتساءل‭ ‬عن‭ ‬حجم‭ ‬التداخل‭ ‬الممكن‭ ‬بين‭ ‬هذين‭ ‬الجنسين‭ ‬الأدبيين‭ ‬عالميًا‭ ‬مع‭ ‬دخول‭ ‬الوسائط‭ ‬الإلكترونية‭: ‬في‭ ‬النص‭ ‬والعرض‭ ‬الدرامي‭ ‬والسينوغرافيا‭ ‬المسرحية‭. ‬كما‭ ‬تحتاج‭ ‬النصوص‭ ‬المسرحية‭ ‬العربيّة‭ ‬المعاصرة‭ ‬إلى‭ ‬مقاربات‭ ‬نقدية‭ ‬مغايرة‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬المقاربات‭ ‬الثقافيّة‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المقاربات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الكولونياليّة‭ ‬التي‭ ‬ركزت‭ ‬على‭ ‬فعالية‭ ‬التراث‭ ‬المحلي‭ ‬في‭ ‬الإبداع‭ ‬الأدبي‭ ‬والفني‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬إعادة‭ ‬كتابة‭ ‬التواريخ‭ ‬الثقافيّة‭ ‬الخاصة‭ ‬برؤية‭ ‬الذات،‭ ‬والاحتفاء‭ ‬بالسياقات‭ ‬الثقافية‭ ‬الخاصة،‭ ‬وإعادة‭ ‬تصوُّر‭ ‬التاريخ‭ ‬البشري‭ ‬بوصفه‭ ‬عالمًا‭ ‬من‭ ‬التفاعل‭ ‬والاحتفاء‭ ‬بالاختلاف‭ ‬رغم‭ ‬خصوصيات‭ ‬الجغرافيا‭ ‬والعرق‭ ‬والثقافة‭. ‬

{ أستاذ‭ ‬السرديات‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبيّ‭ ‬الحديث‭ ‬المشارك،

كلية‭ ‬الآداب،‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا