باعتبارها إحدى المناطق الأكثر جفافًا في العالم، فإن كميات الأمطار الهائلة التي سقطت على الخليج العربي – لا سيما الإمارات – وتسببت في فيضانات واسعة النطاق في منتصف أبريل 2024، تعد «غير مسبوقة»، و«ظاهرة استثنائية بكل المقاييس»؛ مما يعكس الانتباه المتزايد إلى تأثيرات ارتفاع حرارة الأرض في الظواهر المناخية والجوية المتطرفة في الوقت الحالي.
وعلى الرغم من شيوع وانتشار العواصف المطيرة المتفرقة في المنطقة مؤخرا بعد فترات طويلة من الجفاف؛ إلا أن هطول هذه الكميات الكبيرة من الأمطار اليومية على الإمارات يعد أكبر سابقة في تاريخها الحديث وأكثر مما تعرضت له منذ 75 عامًا، ويمكن وصفها بأنها الأكبر منذ بدء تسجيل البيانات المناخية في عام 1949، حيث أثرت بشكل كبير في البنية التحتية، وتم تعليق العمليات مؤقتًا في مطار دبي الدولي – أحد أكثر المطارات ازدحاما في العالم – وتسببت في أضرار اقتصادية تقدر بملايين الدولارات أعقبها عملية تنظيف مطولة لمخلفات وحطام الفيضانات.
وفي ظل هذا الوضع، أوضح «مارك بوينتينغ»، و«ماركو سيلفا»، من شبكة «بي بي سي»، أن مستويات هطول الأمطار السريعة والمستمرة «أثارت تكهنات مضللة» على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، حول الدور المفترض لعملية «تلقيح السحب»، وهي عملية أوضحا أنها «تتضمن التلاعب بتكوينات السحب الموجودة للمساعدة في عملية الاستمطار». ومع ذلك، فقد رفض المحللون مثل هذه الادعاءات. ونقلت «جابرييل كانون»، في صحيفة «الجارديان» عن خبراء الأرصاد الجوية، أنهم متفقون على أن هذه الحالة من هطول الأمطار الغزيرة، كانت بسبب «أنظمة الطقس الطبيعية»، التي «تدهورت بسبب تغير المناخ».
وبالنظر إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من التحليل لتحديد السبب الدقيق لهذه العاصفة القوية المطيرة الأسوأ على الإطلاق، والتي ضربت منطقة الخليج؛ فسيظل احتمال تكرار مثل هذه العواصف في السنوات المقبلة «محل دراسة»، من قبل المراقبين العلميين، كجزء من رؤية تداعيات أنماط الطقس غير المنتظمة بشكل متزايد، والمتعلقة بارتفاع درجة حرارة الأرض.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن حجم الأمطار التي سقطت على الإمارات، وعمان، والبحرين، وأجزاء من شرق السعودية، لم يسبق لها مثيل. وفي حين أن معدل هطول الأمطار في دبي يقل عن 100 ملم سنويًا، إلا أنه في 16 أبريل 2024، بلغ متوسط هطول الأمطار بها أكثر من 140 ملم. وتم تسجيل نحو 256 ملم (10 بوصات) من الأمطار في مدينة العين خلال 24 ساعة فقط. ومع سقوط 127 ملم من الأمطار على مطار دبي الدولي، وهو أعلى بكثير من نسبة الـ 76 ملم التي يتم هطولها عادة على مدار العام؛ اضطر إلى وقف رحلاته؛ بسبب غمر مياه الأمطار لمدرجه.
وفي حين أشار «مارتن أمباوم»، من «جامعة ريدينغ»، إلى أن بيئة المنطقة «تتميز بالفعل بفترات جفاف طويلة دون هطول أمطار، يتبعها «مرحلة من الأمطار الغزيرة، وغير المنتظمة في الوقت الراهن»؛ إلا أنه أقر بأن شدة هطول الأمطار الغزيرة هي «حدث نادر جدًا». وفي «حالة دبي»، وغيرها من المناطق «شديدة التحضر»، أشار «بوينتينغ»، و«سيلفا»، إلى أن الافتقار إلى توفر المساحات الخضراء المعنية بـ«امتصاص الرطوبة»، وعدم قدرة البنى التحتية، وأنظمة الصرف الحالية على تحمل هذه المستويات غير المسبوقة من هطول الأمطار، قد فاقم من حجم الأضرار التي لحقت بتلك المناطق.
وبالنظر إلى أنه في ضوء مصطلحات الأرصاد الجوية، يتم تفسير السبب الرئيسي لهطول الأمطار على تلك الشاكلة، بارتفاع الهواء الساخن للأعلى من منطقة الضغط المنخفض إلى منطقة الضغط المرتفع؛ فقد لاحظ «بوينتينغ»، و«سيلفا»، أنه في الساعات التي تلت بدء هطول الأمطار الغزيرة، أرجع مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي حالة الطقس القاسية إلى استخدام تقنية «الاستمطار السحابي». وتم الاستشهاد على نطاق واسع بكيفية استثمار «الإمارات»، ملايين الدولارات في استخدام أساليب البذر السحابي، لتعزيز مستويات هطول الأمطار السنوية المنخفضة بشكل صناعي، وذلك عن طريق استخدام تقنية الملح الشائعة من أجل تكثيف بخار الماء الموجود في الجو.
ووفقا للباحثين، فإن هذه العملية تستخدم عادة في المناطق ذات المعدلات المنخفضة في هطول الأمطار، عن طريق «استخدام طائرات لإسقاط جزيئات كيميائية صغيرة» على السحب الموجودة، مما يسمح لبخار الماء «بالتكاثف بسهولة أكبر والتحول إلى أمطار»، وتعود هذه التقنية إلى الأربعينيات من القرن الماضي، حيث استخدمتها الولايات المتحدة.
ومع انتشار الشائعات عبر الإنترنت، بشأن افتراض وجود سبب خارجي وراء هذه العاصفة المطيرة والفيضانات؛ أصدر «المركز الوطني للأرصاد الجوية»، في الإمارات (NCM)، بيانا أكد فيه أنه «لم يقم بأي عمليات تلقيح للسحب خلال فترة اضطراب الأحداث الجوية الأخيرة والراهنة». وتعليقا على ذلك، أوضح «أمباوم»، أن مثل هذه العمليات من التلقيح، التي لا تستمر في تفاعلها سوى «بضع ساعات قليلة على الأكثر»، هي ذات «تأثير محدود النطاق»، على أنماط الطقس، وبالتالي «لا يمكنها التأثير في هذا النظام المناخي برمته بهذه القسوة والشراسة».
واتفقت مع هذا التقييم «فريدريك أوتو»، من «إمبريال كوليدج لندن»، مؤكدة أن تلقيح السحب «لا يمكن أن يخلق السحب من عدمها»، وأن تأثيره يقتصر على تشجيع بخار الماء على التجمع والتكثف في السحب «بالفعل»، وأشار خبير الأرصاد الجوية في شبكة «بي بي سي»، «مات تايلور»، إلى حقيقة أن هطول الأمطار الغزيرة لم يؤثر في الإمارات فحسب، بل أثر أيضًا على البحرين في الشمال، وعمان في الجنوب، وبالتالي كانت هذه التأثيرات «أوسع بكثير»، مما يمكن أن يكون ناتجًا عن آليات البذر السحابي وحدها. وللتدليل على ذلك، أكد أنه قبل هذا الحدث، كانت هناك توقعات بحدوث «اضطراب مناخي شديد»، حيث كانت نماذج حاسوبية (لا تغطي تأثيرات الاستمطار السحابي)، تتنبأ بالفعل بهطول أمطار تزيد في حجمها على عام في حوالي 24 ساعة.
وعلى الرغم من التوضيحات التي قدمها خبراء المناخ والبيئة، والتي تم تناولها بشكل كبير في وسائل الإعلام الغربية؛ فمن المهم تأكيد أن هناك حالات سابقة لانتشار المعلومات المضللة على الإنترنت حول أسباب وقوع الظواهر الجوية القاسية، وإسنادها بشكل استباقي إلى التدخلات البشرية. وعلى سبيل المثال، أشارت «كانون»، إلى كيف أدت الأمطار الغزيرة المماثلة في «ولاية كاليفورنيا»، إلى ظهور تكهنات واسعة بأن عمليات تلقيح السحب كانت هي المتهم الأول وراء سقوطها. وبالإشارة إلى الجدل المثار حول حالة هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات في الخليج، والتي أثارت «جدلاً واسعًا»، أدى إلى توليد «شعور بالشك والريبة» لدى العديد من المراقبين غير المتخصصين؛ أوضحت أن الدافع وراء ذلك، ربما اعتقاد مفاده أن «الظروف الطبيعية وحدها تمثل السبب الرئيسي لتلك الظواهر»، ما يعني تجنب الاعتراف بأن التدخلات البشرية الأخرى تسهم بشكل فعال في تفاقم أزمة المناخ الحالية.
ومع رفض خبراء الطقس للدور المفترض الذي قد تلعبه عملية تلقيح السحب على نطاق واسع، والتأكيد بدلاً من ذلك، على التأثيرات الشاملة لتغير المناخ الناجمة عن ظاهرة «الاحتباس الحراري»، التي يسببها الإنسان؛ لم يتم إلقاء اللوم على تلك التأثيرات في هذه الأحداث المناخية بشكل كامل. وأوضح «مارك هودن»، من «معهد المناخ والطاقة وحلول الكوارث»، بأستراليا، أن ظاهرة الاحتباس الحراري على مدى المائة عام الماضية، أدت إلى وجود مياه دافئة «غير عادية» في البحار المحيطة بالخليج العربي، وهو ما يزيد من معدلات التبخر المحتملة، وقدرة الغلاف الجوي على الاحتفاظ بهذه المياه، ما يسمح بتراكم كميات أكبر من الأمطار مثل ما حدث في «دبي».
علاوة على ذلك، أوضح «ديم كومو»، من جامعة «ريجي»، أن هطول الأمطار الناجمة عن العواصف الرعدية -مثل ما حدث في الخليج – تشهد زيادة قوية جراء الاحترار، كون التيارات الصاعدة القوية في تلك العواصف الرعدية، أصبحت «أكثر حرارة». وأشار «ريتشارد آلان»، من «جامعة ريدينغ»، إلى أن كثافة الأمطار «حطمت الأرقام القياسية، ويتوافق هذا مع مناخ «أكثر حرارة»، و«وجود الرطوبة الكافية لتأجيج العواصف»، و«جعل هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات المصاحبة لها أكثر قوة بشكل تدريجي». وفي ضوء هذه التقييمات، رأت «أوتو»، أنه «حتى لو كانت عملية تلقيح السحب لها دور وراء هطول الأمطار»؛ فمن المحتمل أن يحمل الغلاف الجوي لمنطقة الخليج مستقبلا، المزيد من بخار الماء القادر على تكوين السحب، بسبب ظاهرة تغير المناخ».
وفي إدراك لأهمية هذه القضية، أوضح «بوينتينغ»، و«سيلفا»، أنه «ليس من الممكن الآن تحديد الدور الذي لعبه تغير المناخ بالضبط» في هذا الحدث المناخي الأخير، لا سيما وأن «التحليل العلمي الكامل»، لجميع العوامل الطبيعية والبشرية، قد يستغرق «عدة أشهر» من أجل التوصل إلى استنتاجات واضحة. ومع ذلك، تشير تحذيرات خبراء الأرصاد الجوية، وخبراء المناخ إلى الدور الأساسي للاحتباس الحراري في الظهور المتزايد للظواهر الجوية المتطرفة في منطقة الخليج، كما أن حقيقة أن المنطقة تتعرض في أوقات مختلفة من العام، لحرارة شديدة، وصلت إلى أرقام قياسية خلال صيف عام 2023، وعواصف رملية وترابية عنيفة، وأصبح مناخها غير مستقر بشكل متزايد، قد دفع الخبراء للتحذير من أن أجزاء كبيرة من شبه الجزيرة العربية، قد تصبح غير صالحة للسكن مع مرور الوقت.
وللتخفيف من الأضرار الناجمة عن التغيرات المناخية المفاجئة؛ دعت «ديانا فرنسيس»، من «جامعة خليفة»، إلى وضع استراتيجيات، وإجراءات للتكيف مع تأثيرات «الواقع الجديد»، المتمثل في الفيضانات الأكثر تواترا، والأمطار الأكثر ثقلا، لا سيما على البنية التحتية الرئيسية، مثل الطرق، والصرف الصحي. وفي ضوء الاعتبارات الاستراتيجية طويلة المدى المرتبطة بالنقص الحاد في المياه خلال أشهر الصيف الحارة، اقترحت أيضًا بناء خزانات جديدة «لتخزين المياه من أمطار الربيع، واستخدامها في وقت لاحق من العام».
على العموم، في حين دحض خبراء المناخ والبيئة الادعاءات التي تم تناولها حول الدور المفترض للبذر السحابي، وتسببه في هطول الأمطار الغزيرة على كل من الإمارات، وعمان، والبحرين، والسعودية، فقد أوضح «أمباوم»، أن أنماط الطقس المتغيرة، «تم التنبؤ بها جيدًا» مسبقًا، وأنه «لم يكن هناك أي دليل علمي على أن عملية تلقيح السحب، يمكن أن تغير المناخ، بتلك الطريقة التي شهدتها المنطقة، أو تسبب عواقب طويلة المدى»، وعليه، من الضروري تسليط الضوء على دور «التغير المناخي»، باعتباره «خطرا حقيقيا»، على الأمن البيئي، والذي يجب أن يؤخذ على محمل الجد، قبل أن تصبح أنماط الطقس القاسية غير قابلة للتنبؤ بها وتجاوز آثارها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك