بدءا لا بد من القول إننا تابعنا رؤية المملكة 2030 منذ انطلاقها وكتبنا عدة مقالات في صحيفة «أخبار الخليج» عنها، وعن منجزاتها والتحديات التي واجهتها والبيئة التي تعاملت معها، وأوضحنا في أول مقال عنها أنها تمثل مرحلة جديدة من البناء التنموي المخطط والمستند على أسس علمية في البرمجة والتخطيط طويل الأجل، الهادف إلى الارتقاء بالعملية التنموية فكرا وتطبيقا، بما يعزز حاضر البحرين، ويرسخ مستقبلها الواعد، ويحقق أهدافها في التنويع الاقتصادي وبما يخدم المواطن ويرفع من مستواه المعيشي، باعتبار أن ذلك مطلبا أساسيا لتحقيق الإصلاح الاقتصادي الشامل الذي تركزت أسسه منذ اعتلاء جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المعظم عرش البلاد، وما تضمنه ميثاق العمل الوطني.
وأشرنا أيضا إلى أن وثيقة الرؤية كانت دقيقة في تشخيصها وتقويمها لواقع الاقتصاد البحريني وبالتالي لمعالجاتها للمشكلات المزمنة التي يعاني منها، فقد أكدت أن أفضل الطرق نحو ضمان استدامة ازدهار اقتصادنا هي معالجة الخلل في سوق العمل بشقيه بشأن العمالة الأجنبية وانخفاض مستوى الرواتب والأجور في القطاع الخاص، وإعادة النظر في ذلك وتحديد مصادر جديدة للتنافسية في مؤسسات القطاع الخاص، وتطوير نوعية الوظائف والمهن ورفع مستواها في البلاد. ولن يتحقق ذلك إلا عن طريق تغيير نموذج النمو الاقتصادي والتحول إلى اقتصاد يحفزه القطاع الخاص المبادر، وتتوطن فيه المؤسسات والمشاريع التي تعتمد على معدلات إنتاجية عالية، ومستويات متقدمة من الإبداع والابتكار لإنتاج السلع وتقديم الخدمات ذات القيمة المضافة العالية، مما يوفر فرص عمل مجزية للمواطنين ويمكن الشركات البحرينية من مواجهة تحديات المنافسة على المدى البعيد.
وفي مقالات لاحقة سلطنا الضوء على التحديات الكبيرة التي واجهت تنفيذ الرؤية بأبعادها الاقتصادية والمالية والسياسية والأمنية والصحية، المحلية والإقليمية والدولية وقد كانت تلكم التحديات عميقة ومؤثرة وتخضع لمؤثرات وموجهات غاية في الخطورة والتأثير، إلا أن عزم وتصميم قيادة البلاد الشجاعة، وإرادتها الوطنية الصادقة نجحت في تجاوز تلكم التحديات، واستمرت في تنفيذ خطط وبرامج المملكة المستمدة من الرؤية، محققة العديد، إن لم يكن أغلب الأهداف والغايات التي أولتها الرؤية أريحية في التنفيذ، وعدلت وأجلت أهدافا أخرى، إما انتظارا لنضج متطلبات التنفيذ، أو إن قسما منها لم تتوفر لها البيئة الأكثر ملاءمة، أو إنها لم تعد منسجمة مع المتغيرات السريعة والديناميكية التي شهدها الاقتصاد العالمي في المرحلة المتقدمة من مراحل الثورة الصناعية الرابعة، واقتصادنا جزء منها.
لذا أقول لزملائي الذين كتبوا تصوراتهم عن رؤية 2050 وطالبوا بمراجعة رؤية 2030 وما تحقق منها ومالم يتحقق وأسباب ذلك، مركزين على الجزء غير المملوء من الإناء، كضرورة قصوى من وجهة نظرهم قبل صياغة تصورات وآراء لما ينبغي أن تشمله رؤية المملكة 2050، إن جولة سريعة في شوارع وأسواق وساحات المملكة ومقارنتها بما كانت عليه البلاد عام 2008 تظهر بجلاء حجم الإنجازات التنموية والبيئة الاستثمارية الواعدة والتنوع الاقتصادي المشهود والتشريعات والنظم الجاذبة للاستثمار التي تحققت بعد إطلاق الرؤية.
وبالتأكيد فإن رؤية المملكة لعام 2050 لابد وأن تبنى على ما تحقق من إنجازات في ظل الرؤية التي سبقتها، وستعالج الأمور التي لم يكتمل تنفيذها، والتحديات التي كانت تسعى إلى عرقلة مسيرتها، ويكفي أن رؤية 2030 كانت ممثلة للمشروع الوطني للإصلاح الوطني الشامل، الذي دعا إليه وأشرف على تنفيذه جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه.
كذلك فإن رؤية المملكة للسنوات 2050 التي ستمثل جهدا فكريا ومهنيا وسياسيا راقيا ليس لمجلس التنمية الاقتصادية أو للحكومة كما كانت الرؤية السابقة، وإنما جهدا ارتقائيا للشعب بأسره، كما دعا إلى ذلك صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء حفظه الله، لا تركن إلى البناء على ما تحقق من إنجازات، لاسيما وأنها تدرك الإيقاع السريع للمستجدات الوطنية والإقليمية والدولية، وإنما تواكب الابتكار والتطوير السابق لزمنه في ضوء سرعة إن لم يكن سبق سرعة إيقاع التطورات التقنية والاقتصادية التي يشهدها العالم، مما يتطلب الإسراع بوتيرة تنفيذ الإصلاحات في المملكة من أجل تعظيم الاستفادة من الفرص العديدة التي تتيحها معدلات النمو الإقليمي المرتفعة وبما يحقق التميز والريادة والسبق في الرهان الاقتصادي والتقني، وهذا ما تصبو إليه وتسعى إلى تحقيقه مستندة إلى وعي الشعب وعمقه الحضاري وتفاعله والتفافه حول قيادته الرشيدة. فتحية المحبة والتقدير والإخلاص إلى قيادة البلاد الشجاعة وشعبنا البحريني الوفي.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك