تناولت الرؤية 2030 ثلاثة محاور هي الطموحات الاقتصادية والطموحات الاجتماعية والطموحات الحكومية. في مقالاتنا السابقة (13-23 مارس 2024 و13 أبريل 2024 أخبار الخليج) تناولنا الأهداف الرئيسية والطموحات الاقتصادية. في هذا المقال سوف نتناول الطموحات الاجتماعية، ونرى كيف تعاملت الرؤية معها وما النتائج التي تحققت وكيف تم متابعتها.
قبل أن نناقش محور الطموحات الاجتماعية لا بد أن نذكر أن الرؤية وضعت شرطين للنجاح في الثلاثة محاور، الأول ينص على أن «الإسراع في وتيرة تنفيذ الإصلاحات، من أجل الاستفادة من الفرص العديدة التي تتيحها معدلات النمو الإقليمي العالية، فالسرعة التي نعمل بها ليست كافية لمجاراة الآخرين وليست كافية لتحقيق التميُّز». هذا يطرح السؤال إلى أي مدى غيرت الرؤية من السرعة لمجاراة الآخرين خلال السنوات الماضية؟ وماذا كانت النتائج وكيف قيمناها وتابعناها؟ وما التحديات التي ما زالت تتطلب مزيدا من الجهد؟ أما الشرط الثاني فهو أن الرؤية نصت بالتأكيد على «الحاجة إلى إصلاحات متكاملة». نفهم من التكامل في الإصلاحات أن تشمل جميع جوانب الحياة وأبعادها المؤسسية والهيكلية على جميع المستويات والأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. وهذا توجه سليم وأساسي يستدعي أن نتابع نتائجه التي أثرت في تحقيق الأهداف وتحسين جودة الحياة. وأن تَبْنى رؤية 2050 على هذه النتائج. ويمكن أن نرى العفو الملكي السامي في هذا السياق، كونه بادرة مهمة وحكيمة في طريق الرؤية 2050.
فيما يتعلق بمحور «طموحات المجتمع» فإن الرؤية تسعى إلى خلق مجتمع يقوم على الجدارة والموهبة ووضعت لذلك ثلاثة أهداف تنبثق من الغاية «خلق مجتمع عادل ومزدهر ومتكاتف». الهدف الأول ينص على «مستوى عالٍ من المساعدات الاجتماعية يعطي جميع البحرينيين فرصا متكافئة». والهدف الثاني يتعلق «بتقديم رعاية صحية عالية الجودة مع فرصة الاختيار بين أكثر من جهة، ومراقبة الآثار الناجمة عن الزيادة السكانية» والهدف الثالث يتعلق «بتوفير أعلى مستوى ممكن من التعليم يمكن الطلبة من الحصول على المهارات المطلوبة لتحقيق طموحاتهم». تشترك هذه الأهداف الثلاثة في خلق مجتمع يقوم على الجدارة والموهبة. ركز المجال الاجتماعي على ثلاثة جوانب هي التعليم والصحة والضمان الاجتماعي.
وهذه جوانب مهمة لبناء رأس المال البشري، غير أنها بحاجة إلى زيادة الحديث عن رفع مستوى المعيشة بشكل أكبر لتحقيق رأس مال اجتماعي يكرس ويعزز الثقة في المجتمع ويرفع القدرة على الإنتاج والابتكار والإبداع ويفتح مجالا أكبر لزيادة المشاريع الريادية. تتفرع هذه الأهداف إلى ثلاثة مستهدفات تتلخص في تأمين الرعاية الأساسية، تأمين المساواة، وضمان فرص متكافئة لجميع البحرينيين. وفق الرؤية تتحقق هذه المستهدفات من خلال الدعم الإسكاني لمن هم في أمس الحاجة إليها، دعم المواهب وتنميتها في جميع المراحل التعليمية، وتشجيع التبرعات في الأوجه الخيرية. وضعت الرؤية مؤشر أداء لهذا الهدف هو «نسبة الأسر التي يزيد دخلها على الحد الأدنى للدخل» الذي تحدد في ذلك الوقت بـ 336 دينارا، ونرى أن هناك حاجة إلى مؤشرات أخرى لتقييم باقي المستهدفات بما يتناسب مع تطلعات الدولة والمجتمع. في الرؤية 2050 سيكون من المجدي وضع مؤشرات لقياس جميع المستهدفات السابقة واللاحقة وأهمها تكافؤ الفرص والمساواة ومستوى المعيشة ومدى تقدمنا فيها. فمثلا من بين المبادرات التي وُضعت في 2030 هي دعم المواهب وتنميتها في جميع المراحل التعليمية، غير أن الرؤية لم توضح كيف سيتم تقييم هذا الدعم وتنميته.
اليوم وبعد 15 سنة هناك مستجدات على المشهد الاجتماعي يتطلب إعادة النظر في بعض من هذه الأهداف. فمثلا ارتفعت وتيرة الخصخصة في التعليم والصحة، فما هو تأثيرها على تكافؤ الفرص والمساواة في المجتمع وجودة الخدمات العامة مقارنة بالخاصة، وما تأثير ذلك في فرص العمل للبحرينيين وعلى النسيج الاجتماعي، وإلى أي حد تؤثر هذه الظاهرة في بناء رأس المال البشري والاجتماعي متجانسا ومتماسكا، وكيف ستتم عملية التقييم والدراسة؟
من أهم ما ورد في الرؤية 2030 موضوع مستوى المساواة في الدخل وتكافؤ الفرص. التقدم في هذه المستهدفات له تأثير كبير في بناء رأس المال الاجتماعي لمساهمتها الكبيرة في تعزيز الثقة في المجتمع والتقليل من أوضاع فردية ومجتمعية مثل الصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية، كما تُبين العديد من الأبحاث العلاقة بين المساواة في الدخل والتعليم وتكافؤ الفرص وبين العديد من القضايا الاجتماعية والأمور التي تتأثر بالمساواة في الدخل والتعليم وفي الحصول على الفرص وفق معيار الكفاءة والجدارة، كما ورد في كتاب الميزان الزئبقي (The Spirit Level) للكاتبين (Wilkinson and Picket, 2010). لذلك نرى أن يستمر هذا التركيز في رؤية 2050 وتوضع لها المعايير والمؤشرات الملائمة.
بشكل عام في سعينا لوضع رؤية 2050 نحتاج إلى تحليل عميق يشترك فيه أكبر قدر ممكن من شرائح المجتمع لإبراز التحديات التي واجهت تحقيق أهداف الرؤية 2030 ومعرفة أي معوقات أثرت على تحقيق هذه الأهداف ووضع المعالجات المناسبة، وهذا ما بينه سمو ولي العهد رئيس الوزراء الأمير سلمان بن حمد آل خليفة. قد يتطلب الأمر إعطاء جانب المستهدفات والمبادرات والمؤشرات مزيدا من الجهد نحو التكاملية وأن تشمل جميع الجوانب المؤثرة في النتائج. فمثلا تكلمت الرؤية عن بناء وتوسعة الطبقة الوسطى، هذا جانب مهم ينبغي وضع الاستراتيجيات والبرامج لرفع مستوى وفاعلية الطبقة الوسطى بعد تحديد فاعليتها اليوم. كما أن المؤشرات الخاصة بالتعليم تتطلب إبرازا لتقديم صورة واضحة عن تطور التعليم ومدى مواءمته مع سوق العمل وحاجة المجتمع.
drmekuwaiti@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك