في أبريل 2024 تصاعدت التوترات بين «إيران»، و«إسرائيل»، والتي بدأت بغارة جوية عدوانية للأخيرة على مجمع دبلوماسي إيراني في دمشق، أعقبه رد طهران عبر إطلاق حوالي 300 مسيرة مسلحة وصاروخًا على إسرائيل، ثم رد الأخيرة بهجوم صاروخي بالقرب من منشأة نووية إيرانية بأصفهان في 19 أبريل؛ الأمر الذي أثار قلقًا كبيرًا بين المراقبين الغربيين من مخاوف الانزلاق إلى صراع إقليمي كبير.
وعلى الرغم من أن الهدوء الذي أعقب تلك الأحداث، قد أقنع العديد من المعلقين بتدارك مخاطر التصعيد على المدى القصير على الأقل؛ إلا أنه تم الاعتراف بأن التداعيات طويلة المدى لهذه الأزمة تحمل تأثيرا عميقا سيستمر على الديناميكيات الأمنية بالمنطقة. وأعلن «بول سالم»، من «معهد الشرق الأوسط»، أن التصعيد قد دشن «حقبة جديدة» في المنطقة؛ حيث أظهرت كل من إسرائيل وإيران، ليس فقط قدراتهما العسكرية، ولكن أيضًا إرادتهما السياسية لتنفيذ هجمات عدوانية مباشرة ضد أراضي كل منهما.
وفي حين وصف «إيمي ماكينون»، و«كريستينا لو»، في مجلة «فورين بوليسي»، الرد الإسرائيلي على الهجمات الصاروخية الإيرانية السابقة بـ«الانتقام المحدود»، فقد اعتبره «جوناثان بانيكوف»، من «المجلس الأطلسي»، «كاف لإغلاق هذا الفصل من الضربات المتبادلة»، وفي حالة التصعيد المستقبلي، فإن الباب مفتوح بقوة لهجمات جوية وصاروخية مباشرة بين الطرفين، ليس فقط بين الوكلاء كما جرى احتواؤه عادة في الماضي. وأشار «رافائيل كوهين»، من «مؤسسة راند»، إلى كيفية بقاء حكومات الدول «في وضعية الحرب»، التي تُشير إلى التصعيد على الرغم من دعوات التهدئة من قبل حلفاء الجانبين، وهو ما يبين انقلاب الديناميكيات الأمنية الأساسية في الشرق الأوسط رأساً على عقب.
وفي أعقاب الهجمات والعمليات الانتقامية بين البلدين، تزايدت احتمالات وقوع تداعيات إقليمية بشكل كبير. وحذرت «سوزان مالوني»، من «معهد بروكينجز»، من إثارة التداعيات الإقليمية المحتملة قلقًا كبيرًا من أن يجلب الصراع «سلسلة من العواقب المدمرة على المنطقة والعالم». وبهذا المعنى، فإن طبيعة الهجوم الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية في 19 أبريل، والذي ذكرت كل من «ماكينون»، و«لو»، أنه «نُفذ بمسيرات صغيرة»، و«استهدف إظهار قدرة إسرائيل على ضرب قلب إيران»؛ إلا أن تنفيذه خرج أيضًا بهذا الشكل لتجنب تأجيج المزيد من الإجراءات التصعيدية.
وتعليقا على ذلك، رأى «علي فايز»، من «مجموعة الأزمات الدولية»، أن هذا الهجوم «يقع ضمن نطاق المناورات السرية»، ويتعارض مع سلسلة من الضربات الأوسع التي أوضح «رونين بيرجمان»، و«باتريك كينسلي»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن إسرائيل «تخلت عنها»، بعد ضغوط دبلوماسية مارسها حلفاؤها الغربيون، أهمهم الولايات المتحدة. وعليه، أشار إلى أن هذا يمنح إيران «القدرة» على «استيعاب» الضربة الإسرائيلية ضد أراضيها، «دون الشعور بالحاجة إلى رد انتقامي» من جانبها.
ومع ذلك، أوضح «أليكس فاتانكا»، من «معهد الشرق الأوسط»، أنه مثلما أظهر هجوم إيران ضد إسرائيل قدرتها على توجيه ضربات مباشرة ضد منافسها الإقليمي الرئيسي؛ فقد أظهر رد الأخيرة ووصول عملياتها العسكرية إلى داخل الأراضي الإيرانية مدى استعدادها للتعامل مع أي هجمات عسكرية مستقبلية.
ومن وجهة نظر «بيث سانر»، من «المجلس الأطلسي»، فإن حقيقة قيام كلا البلدين بعد سنوات عديدة، بمهاجمة بعضهما البعض عسكريًا بشكل مباشر؛ قد أشارت بشكل لا يمكن إنكاره إلى «حرب الظل» القديمة بين الطرفين. وأوضح «مالوني»، أنه في حين أن انخراطهما في الأعمال السرية يزيد على 40 عامًا، فقد احتفظت هذه المناوشات بـ«حدود محددة بوضوح»؛ لتفادي أي «هجوم مباشر»، خوفًا من إثارة صراع أوسع على مستوى المنطقة من شأنه جذب قوى خارجية.
وتشكل الدوافع وراء الأعمال التصعيدية لكلا البلدين خلال الأسابيع الأخيرة، و«حرب الظل»، الطويلة المدى في العقود السابقة؛ «خطرًا بالغًا»، على التوازن الأمني الإقليمي الجديد في المستقبل، وكما أوضح «كوهين»، فإن «الدافع الأساسي»، وراء الضربة الإسرائيلية في 19 أبريل، كان «الانتقام» من هجوم طهران عليها. وعلى الرغم من أن وابل الصواريخ والمسيرات «لم يُخلف الكثير من الضرر»، فقد رأى «سالم»، أنه زاد من «قلق القادة الإسرائيليين على المدى الطويل»، بشأن القدرة العسكرية لطهران على ضربهم، ومن ثمّ، أشار «بانيكوف»، إلى أنه «ليس هناك شك في أن إسرائيل أو إيران» سوف «تنتقم من أي هجوم على أراضيهما، بغض النظر عن مدى ضآلة الضرر الذي يحدث»، أو «مدى مناشدة حلفائهما بـعدم الرد».
علاوة على ذلك، تم التأكيد في هذا السياق على أهمية التقدم المستمر للبرنامج النووي الإيراني. وأشار «سالم»، إلى قدرة طهران الواضحة على ضرب إسرائيل، خاصة مع إمكانية حصولها على أسلحة نووية في المستقبل القريب، وفي المقابل، أوضح «بانيكوف»، إلى أن الهجوم الإسرائيلي، بالقرب من مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية ومنشأة رئيسية لتحويل اليورانيوم، كان يحمل رسالة لطهران، بالقدرة على استهداف منشآتها النووية بنجاح.
ومع قيام إسرائيل بتنفيذ ضربة مباشرة على إيران، واستمرار برنامج طهران النووي في التطور، لابد من الأخذ في الاعتبار أيضاً الضغوط الداخلية المفروضة على الحكومة الإسرائيلية للمضي قدما. وفي حين أكد «كوهين»، أن نتنياهو «رجل يائس»، يسعى إلى إطالة أمد المواجهة بين إسرائيل وإيران حتى يتمكن من الاحتفاظ بزمام السلطة لفترة أطول، فقد رأى أن «الدفع الإسرائيلي للانتقام لا يأتي فقط من إسرائيل»، مستشهدا بدعوة عضو مجلس الوزراء والمنافس السياسي لنتنياهو «بيني غانتس»، إلى شن هجوم مسلح فوري على إيران. وانتقد «إيتمار بن غفير»، وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف الضربة الإسرائيلية في إيران ووصفها بأنها انتقام «ضعيف». ومع ذلك، فإن 74% من الإسرائيليين ممن استطلعت الجامعة العبرية آراءهم، أكدوا أنه كان ينبغي عدم الرد على طهران، لما يحمله ذلك من مخاطر على أمنها وعلاقاتها مع حلفائها.
ومع وجود متطرفين، مثل «بن غفير»، يتمتعون بنفوذ رئيسي على سياسات إسرائيل تجاه جيرانها وخصومها، كما يتضح من الطريقة التي لاحظ بها «مالوني»، «الحرب الشاملة التي تخوضها في غزة»، فقد حذرت «سانر»، من أن «الجولة التالية من التصعيد» من جانب إسرائيل، سواء مع إيران أو أحد وكلائها الإقليميين «قد لا تكون غدا»، لكنها على الأرجح ستأتي «في الوقت والمكان الذي تختاره إسرائيل».
وفي سياق التوترات الحالية بين البلدين، وعدم الاستقرار الإقليمي الناشئ عن احتمالات التصعيد بينهما؛ أشار «مالوني»، إلى أن الولايات المتحدة، ستكون من بين أولئك الذين يأملون بشدة أن يسود «الهدوء». وعلى الرغم من تصريح «واشنطن»، أنه «ليس لديها خيار» سوى نشر «مواردها الدبلوماسية والعسكرية، لمساعدة إسرائيل؛ فمن المسلم به أيضًا أنها لديها «رغبة قليلة في معالجة أزمة أخرى»، خاصة في الأشهر التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر».
ومع تردد أخبار عن طلب «بايدن»، من «نتنياهو»، «إعلان النصر»، بعد أن تم اعتراض مسيرات وصواريخ إيران بمساعدة الدول الغربية، فإن إمكانية قيام «واشنطن»، بدور الوساطة الفعال، وتهدئة التوترات الإقليمية أو استعادة الاستقرار، هو أمر مشكوك فيه.
ومن وجهة نظر «ستيفن سايمون»، من «جامعة واشنطن»، فإن المشاركة الأمريكية، أو الغربية الأوسع في وقف التصعيد بين البلدين، ستكون دائمًا «محدودة»؛ كون مثل هذا التدخل بالمنطقة، متوقف نجاحه على «قدرة الخصوم الإقليميين على مساعد أمريكا، وامتلاك الأخيرة نفسها استراتيجية فعالة». وفي حالة التوترات الحالية لا يتم استيفاء أي من هذه الشروط. ومع تأكيد «كوهين»، على أنه «طالما ظلت إسرائيل وإيران منخرطتين في الصراع، فسوف تستمران في تبادل الضربات بغض النظر عما قد تنصح به الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء لتلافي التصعيد».
وعلى الرغم من أن بعض المراقبين الغربيين أوضحوا أن الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي في 19 أبريل ليس متوقعا -على الأقل فيما يتعلق بضربة مباشرة – فمن المسلم به بقاء التوازن الأمني الإقليمي محفوفاً بالمخاطر على المدى القصير، فضلا عن تغير الديناميكيات على المدى الطويل. ووفقًا لـ«فاتانكا»، لا تزال البلدان في «مرحلة بث رسائل خطيرة للغاية»، حيث «تُظهر كل منهما القدرة على ضرب الأخرى»، بما يجعل حدوث تهدئة للتوترات الإقليمية، «أمرا غير مُرجح» في الوقت الحالي.
على العموم، بالنظر إلى المستقبل، فإنه مع تحذير «فايز»، أنه «لا يزال من المتوقع أن تخطئ كل من إيران، وإسرائيل، في حساباتهما ويتجاوزان الخطوط الحمراء الجديدة الغامضة عن عمد أو عن غير قصد لهذا الصراع؛ فقد حذر «جريجروي برو»، من مجموعة «أوراسيا»، من أنه حتى لو نجحت المنطقة في تجنب المزيد من التصعيد في هذه المرحلة؛ فإننا ننتقل إلى توازن جديد أكثر توترا وغير مستقر».
ويبقى هذا التحول في الديناميكيات الأمنية -الناجم عن قيام البلدين بشن
هجمات مباشرة ضد بعضهما، عقب عقود من «حرب الظل» بينهما بالوكالة – لا يُمكن التقليل من تداعياته، ودوره في صياغة مشهد إقليمي أقل توازنًا، وأكثر خطورة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك