ليس من السهولة بمكان أن يستقيل المرء ويتنحى ببساطة من منصبه الإداري، فما من إنسان إلا ويعتقد أن ما زال في جعبته الكثير ليقدمه للبشرية والوطن، وإنه ما زال يتألق، وإنه إن استقال فإن البشرية ستتوقف عن التنمية والتطور، وربما ستتوقف الكرة الأرضية عن الدوران، حتى وإن كان لا يملك شيئا آخر، فالإنسان بطبعه يحب المنصب والإدارة والرغبة في التحكم في رقاب البشر.
ويمكن أن يلاحظ أننا في العنوان ذكرنا (منصبك الإداري) ولم نقل (منصبك القيادي)، فالمسؤول الإداري القائد يمكنه بسهولة أن يتنحى إن وجد أنه وصل إلى مرحلة لا يمكنه أن يقدم أكثر مما قدم، فعندها يكتفي بما قدم وبالتالي يتنحى من منصبه ليقدم قائدا آخر ليتسلم زمام المبادرة.
وخلال عملنا في العمل الإداري، وكذلك من خلال علاقتنا ومتابعتنا للعديد من الشخصيات القيادية والإدارية يمكننا أن نلخص بعض الدلائل التي إن وجدت في الشخص فإنه يجب أن يشعر أنه آن الأوان للتنحي من المنصب الإداري، وهي كالتالي:
ليس لديك أفكار جديدة؛ ربما تكون متألقًا وذا قدرة على التفكير والتفكير الإبداعي والابتكاري وخاصة في بداية مشوارك الإداري، فنحن جميعًا نعرف أن الإنسان يبدأ دائمًا عمله الجديد والإداري بقوة وطموح مفرط وجهد كبير، ولكن مع استمرار الوقت والروتين اليومي ربما يجد المرء أن الملل بدأ يزحف إلى نفسه وبالتالي يمكن أن يفرط في بعض الأعمال ويهمل في أعمال أخرى، حتى يصل إلى مرحلة الاكتئاب ويصبح لا يشعر بأي متعة في أداء العمل، حينئذ يتوقف عقله عن التفكير وبالتالي يجد نفسه أنه لا يستطيع أن يقدم أية أفكار جديدة أو أطروحات أو أي شيء آخر، بعد ذلك تتحول كل الأعمال في الإدارة أو المؤسسة التي يديرها إلى عمل روتيني لا جديد فيها ولا إبداع، حينئذ فمن الأفضل أن يبتعد، ويستقيل.
فقدُ التعاطف مع فريق العمل والإحساس بالقوة؛ لا نجاح في أي عمل مؤسسي إلا بوجود فريق عمل متكامل، يعرف هدفه، ويعرف كيف يعمل ومتى يعمل وإلى أن يريد أن يصل. والمسؤول الإداري القائد هو الشخص الذي لا يمكنه أن يفرط في مثل هذا الفريق، فنجاحه هو من نجاح فريقه، ونجاح المؤسسة هو من نجاح فريق العمل، لذلك فيجب أن يكون هناك نوع من التعاطف ما بين المسؤول وفريق العمل، هذا التعاطف هو الذي يُوجد الانسجام والتفاهم بين الفريق والمسؤول القائد. فالمسؤول القائد يعرف قدرات فريقه والفريق يحترم المسؤول الإداري القائد الذي يعرف كيف يقود الفريق، ولكن ماذا يحدث إن وجد المسؤول الإداري أنه لا يستطيع قيادة الفريق، ولا يستطيع أن يطور أهداف الفريق، ولا يعرف كيف يتعامل مع أعضاء الفريق، عندئذ فإنه من الطبيعي أن يجد بعض أعضاء الفريق أنه لا يمكن الاستمرار في العمل والانصياع والاحترام، لذلك قد يلجأ المسؤول الإداري إلى فرض توجيهاته بقوة القانون وبالسلطة الممنوحة له كمسؤول إداري، وليس كمسؤول إداري قائد، عندئذ تنفرط السبحة ويذهب كل عضو من الفريق في اتجاه.
كثرة انسحاب الموظفين من حولك؛ كمسؤول إداري فإنه من الطبيعي أن ينسحب بين الفترة والأخرى بعض من الموظفين، بهدف البحث عن فرص عمل أفضل، فالجميع يبحث عن تلك الفرص، سواء في الراتب أو الأقرب إلى التخصص أو ما شابه ذلك، ولكن أن يكثر عدد الموظفين الذين ينسحبون من العمل الذي أنت ترأسه بسبب سوء بيئة العمل فهذا يعني أن هناك كارثة، وتحتاج – أنت– كمسؤول إداري أن تبحث عن السبب، إذ ربما أن تكون أنت السبب، فقد وجدنا أن أعدادًا كبيرة من الموظفين ينسحبون ويستقيلون من وظائفهم بسبب المسؤول نفسه، لأنه ببساطة سيء.
لم تعد تختلط مع موظفيك وعملائك؛ السؤال الذي يُطرح عادة، أيهما أفضل أن نعمل بأسلوب الأبواب المغلقة أو بأسلوب الأبواب المفتوحة؟ ولكن الذي يسأل هذا السؤال يجب أن يعرف أن هناك أسلوبًا ثالثا، وهو الأبواب شبه المغلقة، إذ إن غلق الأبواب نهائيًا يعني بكل بساطة أن المسؤول الإداري لا يريد أن يجلس مع الموظفين ولا مع العملاء، إلا عبر اجتماعات رسمية جدًا، وربما مرة في الشهر، وهذا الأسلوب يفقد المسؤول الإداري الحس الإداري القائد الذي من المفروض أن يتلمس من خلاله احتياجات الموظف أو العميل قبل أن يتحدث، وحتى في مؤسسات القطاع العام، الذي يعملون وفق المنهج الاحتكاري في تقديم الخدمات. فلا توجد مؤسسة إلا وتعمل من أجل تحقيق هدف معين، والهدف عادة هو العميل بأي صورة كان، لذلك فالأبواب المغلقة تنهي الإحساس بالعميل وبالموظف.
لا أحد يطرق باب مكتبك؛ وربما تؤدي سياسة الأبواب المغلقة التي يتبعها المسؤول الإداري إلى أن يجد العميل أو الموظف نفسه ليس مضطرًا أن يلجأ إليه في حالة إن وجد أن هناك أحد الأشخاص يمكنه أن يتعاطف معه ويصغي لموضوعه، وهذا يعني أن المسؤول الإداري يجد نفسه بعد فترة من الزمن من انتهاجه هذه السياسة وحيدًا وغير مطلوب، لأنه عزل نفسه في المقام الأول، وجلس في غرفة عاجية مكيفة لا يعرف ما الذي يجري حوله، وما المشاكل التي تعاني منها المؤسسة والأفراد وبقية أفراد البشر الذي يحتاجون إلى خدمات هذه المؤسسة، وربما في هذه المرحلة سيعتمد على بعض الأفراد الذين لديهم الاستعداد لنقل الأخبار بعد تزيينها ووضعها في صناديق ملونة.
كثرة ضغوط العمل وتكرار أخطائك؛ والنقطة السابقة تقودنا إلى أنه لا يعني أبدًا أن نسلك سياسة الأبواب المفتوحة أيضًا، والقيام بوظائف الموظفين بحجة أنهم لا يعرفون شيئًا، وأنهم أغبياء، وأنهم لا يفقهون وما إلى ذلك من كلمات، لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تراكم العمل على المسؤول الإداري حتى يقوم هو بنفسه بإنجاز كل الأعمال. قيام المسؤول الإداري بكل الأعمال سيؤدي حتمًا إلى وقوعه في بعض الأخطاء التي ربما ستكون ذات تأثير على سير العمل في المؤسسة، وتكرار الأخطاء وتكرار العمل وضغوطه حتمًا ستؤديان إلى التهلكة.
وجود شخص أكثر موهبة منك في فريق العمل؛ في لحظة ما قد يجد المسؤول الإداري وبعد مرور وقت من الزمن أنه بدأ يفقد بريقه وأن أحد أفراد الفريق برز وبدأ يتفوق عليه، سواء من حيث التفكير في المشاريع أو البروز في الاجتماعات وإبداء وجهات النظر، أو حتى في طريقة القيادة والإدارة. وحتى في قطعان الحيوانات فإن هذا الأمر طبيعي جدًا لذلك نجد أنه في القطعان يتصارع القائد الجديد والقائد القديم ليتصدر أحدهما قيادة القطيع، ولكن في عالم البشر فإنه من الأفضل أن نكون الأفضل لما وهبنا الله سبحانه من القدرة على التفكير والتفاهم والحوار، فالمسؤول الإداري الذي يجد أن أحد الأفراد تمكن من تطوير قدراته ومهارات ليتبوأ مكانة قيادية يمكنه أن يشاركه في معظم الأمور ويستفيد من قدراته ومهاراته بدلاً من التصارع أو أن يفقد أحدهما الوظيفة دون الآخر، ولكن التصارع عادة ما يحدث.
عدم القدرة على اتخاذ القرار؛ من الأمور المهمة التي يتميز بها المسؤول الإداري القائد هو اتخاذ القرار من خلال منهجية علمية ابتكارية، ولا يتخذ القرار بنفسه وإنما من خلال مشاركة بقية أفراد الفريق، فالمسؤول الإداري الذي يجد نفسه أنه قد فقد هذه القدرة بسبب مشاكله مع فريق العمل، أو إنه لا يمكنه التفكير بطريقة ابتكارية إبداعية، فإن ذلك يعني فقد القدرة على مسايرة أجواء العمل الإداري، لذلك فإنه من الأفضل أن ينسحب.
المبالغة في ردود الأفعال وعدم القدرة في قيادة فريق العمل؛ من أسوأ الأفعال أو ردود الأفعال التي يمكن أن تصدر عن المسؤول الإداري هو الانفعال وخاصة الغضب، فالعمل الإداري ينطوي على كثير من الأفعال والأعمال التي تثير حفيظة النفوس، ولكن المسؤول الإداري القائد هو الشخص الذي يمكنه أن يتحكم في عواطفه وانفعالاته في جميع الأحوال. فالانفعال والغضب لا يمكنهما أن يحلا المشاكل أو حتى يقربا إلى حل المشاكل، بل على العكس فإنهما يوصدان الباب على جميع الآراء والأفكار والحوارات التي يمكن أن تؤدي إلى إدارة مؤسسية سليمة.
صنف نفسك؛ نجد أن الناس في الإدارة ثلاثة أقسام، وهذا التقسيم يشبه تقسيم الأفراد عندما تتساقط عليهم الأمطار؛ فشخص يهرب من المشاكل الإدارية ولا يحاول أن يتصدى لها وإنما يرميها على الأفراد الآخرين ويهرب. وشخص يتصدى بكل قوة وعنف لتلك المشاكل ولا يهابها ويحاول أن يقف أمامها من غير خوف، وهذا ربما يؤدي إلى عمليات التكسير والتحجيم وما إلى ذلك. والشخص الأخير وهو من يبحث عن الحلول لتلك المشاكل، ويحاول مع فريق العمل ليس من أجل أن يبحث عن الحلول فحسب وإنما أن يضع خطة عملية لتنفيذ تلك الحلول من غير أن تؤثر في تحقيق الأهداف. فقس الآن من أي أصناف البشر أنت؟ وهذا موضوع سنتحدث عنه في مرات أخرى.
عندما يجد المسؤول الإداري أن تلك النقاط العشرة موجودة فيه أو أغلبها، فإنه من الأفضل له أن ينسحب فإنه لا يمكن أن يستمر حتى وإن رغب، لأنه ببساطة ستأتي لحظة سيتم الاستغناء عنه حتى إن لم يرغب.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك