بمناسبة (يوم الأسير الفلسطيني) الذي جاء في (17) أبريل الجاري، نستذكر سياسة الاعتقال الصهيونية، الممنهجة والثابتة، والتي شكلت إحدى أبرز سياسات المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية على مدار العقود الماضية مستهدفة البنية الاجتماعية والنضالية للوجود الفلسطيني. ومنذ ملحمة (7) أكتوبر الماضي، ترتفع يومياً أعداد الاعتقالات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
وفي «القطاع» وبحسب جمعية «نادي الأسير الفلسطيني» الحقوقية، ارتفعت حصيلة الاعتقالات حتى الخميس (18) الجاري، إلى (8310) حالات (بينهم 178 أسيرة)، بما فيهم (13) من محرري دفعات التبادل التي تمت في نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم في إطار بنود اتفاق التهدئة. وهي تشمل من جرى اعتقالهم من المنازل، وعبر الحواجز العسكرية، ومن اضطروا إلى تسليم أنفسهم تحت الضغط، ومن احتجزوا كرهائن، يرافقها – بشكل غير مسبوق– عمليات تنكيل وتعذيب «مدروسة» بحق المعتقلين وعائلاتهم، دون أن يستثني من ذلك المرضى والجرحى وكبار السّن.
وبالإضافة إلى مجمل الانتهاكات ضد الأسرى التي لم نشهد لها مثيلاً في الماضي لكن فرضتها (إدارة السجون الإسرائيلية) بعد «طوفان الأقصى»، تم سلب المعتقلين منجزاتهم التي تتمثل بأدنى الحقوق التي فرضوها بالتضحية والدم عبر سنوات طويلة. هذه (الإدارة) عملت كذلك على عزل الأسرى عزلا داخلياً، علاوة على عزل هؤلاء المناضلين عن العالم الخارجي أيضاً.
كما واصلت (الإدارة) «وتواصل سياسة التضييق على عمل الطواقم القانونية، لا سيما فيما يتعلق بإتمام الزيارات للأسرى في غالبية السجون». ناهيكم عما حدث ويحدث من انتهاكات فادحة أدت إلى استشهاد عدد قياسي متنام من الأسرى من «قطاع غزة»، فضحها عدد من الأطباء والكتاب الإسرائيليين، بخصوص معتقل (سديه تيمان) الذي بات معروفا باسم «سجن غوانتنامو الإسرائيلي!!».
ومن المعروف أنه، منذ «نكسة» 1967، استشهد ما لا يقل عن (236) من الأسرى الفلسطينيين لأسباب عديدة في طليعتها التعذيب والإهمال الطبي، بالإضافة إلى مئات آخرين استشهدوا بعد تحريرهم متأثرين بفعل أمراض السجون. ومنذئذٍ أيضاً، جرى اعتقال أكثر من مليون و(200) ألف فلسطيني، بينهم (17) ألفاً من الفتيات والأمهات وأكثر من (54) ألفاً من الأطفال. وحديثاً، شهدنا بألم خاص وشديد، رحيل الأسير البارز (وليد دقة) في أعقاب معاناة طويلة مع المرض بعد أن قضى محكومية تجاوزت 38 عاماً متصلة.
وطبعاً، لم يكن الأسير(وليد) آخر الشهداء بين المعتقلين الفلسطينيين إذ التحق به أسرى آخرون تم «حجز» جثامينهم مثلما جرى «حجز» جثمانه.
ومما زاد الطين بلة، السياسات الفاشية التي أشرف عليها ويتابعها الفاشي «العريق» (ايتماربن غفير). ففي عهد هذا الأخير، تم إلغاء عدد من «المكتسبات» التي أسفرت عنها نضالات الحركة الأسيرة على مدى سنوات وعلى رأسها نجاحها في فرض «الإدارة الذاتية» على شؤون الأسرى.
ولعل أبلغ وصف بخصوص «مخططات هندسة القهر» المستحدثة والممارسة راهنا ضد أسرانا، ما جاء في مقالة أخيرة للأسير السابق (أمير مخول) الذي لخص شهادات عدد ممن تم تحريرهم مؤخراً بقوله: «يتحدثون عن الجوع أو بالأحرى عن التجويع (للأسير الفلسطيني)، عن القمع والقامعين، عن ملابسه التي لم يغيرها منذ أشهر، عن فرشاة الأسنان التي اختفت من الوجود وتلتها أوجاع الأسنان واللاعلاج، وعن ندرة الاستحمام، وغسل الملابس الداخلية ذاتها التي يرتديها رطبة لتلحق به الأمراض الجلدية الخطيرة، عن النوم جماعيا على مصطبة الزنزانة من دون غطاء أو وسادة أو أي شيء. عن قصص الأسرى الذين قتلهم التعذيب أمام ناظرهم، عن الأسير الذي يخرجونه للتحقيق ليعود بعد أيام وقد بُترت رجله أو يده، وعمّن لم يعودوا أبدا».
وحقاً، فإن «القهر الجديد» له «في السجن صوت وجلبة على وقع السلاسل واندفاع الكلاب الشرسة في أيدي السجانين ليطلقوا لها العنان على الأسرى، وتتبعها القنابل الغازية وصوت الهراوات تهوي على الأجساد الأسيرة التي تكون مكبّلة اليدين، وفي كثير من الحالات مكبلة الرجلين ومعصوبة العينين.
الشيء الوحيد الذي لا صوت له، هو القلق! فالقلق صامت وخانق؛ قلق عائلة الأسير عليه، فلا زيارة عائلية، ولا زيارة ممثلي الصليب الأحمر، وتضييق، ومنع زيارات المحامين، ولا علم لهم أين وكيف».
ما يحدث في سجون الاحتلال يُعطي صورة جلية إضافية لبعض جرائم الاحتلال الصهيوني تجاه الفلسطينيين. وفي ظل حرب الإبادة الجماعية التي يشهدها الأهل في قطاع غزة، وذلك ضمن إطار عمليات المحو المستمرة لعموم فلسطينيي الأراضي المحتلة، تصاعدت حملات الاعتقال الممنهجة والتي طالت كل فئات المجتمع الفلسطيني، في محاولة من منظومة الفصل العنصري الإسرائيلية لتقويض أي حالة نضالية تسعى إلى ترسيخ حق الفلسطيني في تقرير مصيره.
غير أن أسرى فلسطين خاضوا، ولا يزالون، معارك قاسية ومستمرة وهم يرددون: «يا ظلام السجن خيّم…. إننا نهوى الظلاما، ليس بعد الليل إلا فجر مجد يتسامى!».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك