تواصل الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأضعف أخلاقيا في هذا الكون حربها المباشرة على الكيانية الوطنية الفلسطينية وتستمر برعايتها للدولة الصهيونية بالمال والسلاح والدبلوماسية في محاولات تصفية القضية الفلسطينية وما استخدامها حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع القرار الذي قدمته دولة الجزائر بصفتها الممثل حاليا عن المجموعة العربية في مجلس الأمن الدولي بمنح فلسطين عضوية كاملة في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الخميس 18 أبريل 2024 م إلا الدليل القاطع على صهيونية هذه الإدارة التي وقفت ضد إرادة 12 دولة صوتت لصالح القرار وامتناع المملكة المتحدة وسويسرا عن التصويت.
وفي خطوة في نفس سياق التبني الكامل للمشروع الصهيوني أقرت الإدارة الأمريكية عبر الكونجرس مساعدات لتزويد دولة الاحتلال والعدوان والأبارثهايد بـ26 مليار دولار منذ أيام، ثلثيها يذهب إلى السلاح وللجيش الصهيوني دون ربط هذا الدعم بشروط التوقف عن استهداف المدنيين أو ضمان فتح المعابر لتزويد الفلسطينيين المدنيين بالماء والغذاء والدواء والوقود أو أي شروط.
ولا تعدم الإدارة الأمريكية المتصهينة تبريراتها الكاذبة عن أن الدولة الفلسطينية يجب أن تقوم عبر التفاوض والتفاهم الثنائي الإسرائيلي الفلسطيني فقط، ولا بأس أن تقدم لنا الإدارة الأمريكية رشوة صغيرة مخادعة تتمثل في إمكانية وقف التسلح والتدريب الأمريكي لكتيبة «نيتساح يهودا» التي تنفذ عمليات قتل خارج القانون في الضفة الغربية المحتلة، كان منها قتل المسن الأمريكي الفلسطيني «عمر أسعد» صاحب الـ 78 عاما الذي قتلوه ورموه في ورشة بناء عام 2022 م ، وفي تعليقه على موضوع إمكانية وقف الدعم الأمريكي لهذه الكتيبة قال نتنياهو إن هذا «أوج العبث والانحطاط الأخلاقي»!
في هذا الخضم ولأنها قضية عادلة تلامس الوجدان الإنساني، ولأن إنسانية البشر أصبحت تقاس بمدى قربهم والتصاقهم بهذه القضية التي تجسد الحرية والعدالة والخير والمعاني العالية السامية النبيلة، كان لا بد لفعل عظيم أن يحدث، وكان هذا الفعل بالحراك الطلابي الذي اندلع في جامعة «كولومبيا» الأمريكية وفي مدينة «نيويورك» المدينة الأهم في الولايات المتحدة!
«جامعة كولومبيا» العريقة الشهيرة بالدفاع عن القيم الإنسانية حيث كان لها شرف الوقوف ضد حرب «فيتنام» منذ عام 1963 م والأعوام التالية وحتى عودة الجنود من ميادين القتال، وفي ثمانينيات القرن الماضي وقفت الجامعة ضد نظام الفصل العنصري في «جنوب إفريقيا» وغايتها الوصول إلى تحرير السود من النظام العنصري وتمتعهم بالعدالة والحرية في وطن آبائهم وأجدادهم.
منذ 17 أبريل 2024م انطلقت من «جامعة كولومبيا» شرارة الوقوف ضد حرب الإبادة الجماعية التي تشنها دولة الاحتلال والعدوان والأبارثهايد الصهيوني ضد الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة، لتلحق بها «جامعة هارفارد» العريقة وتضم الجامعتان نخبة النخبة في المجتمع الأمريكي وهما من يفرز بشكل كبير الساسة وأعضاء الكونجرس.
لم تقتصر مطالب الطلبة على وقف حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة لا بل تطور الأمر للمطالبة بسحب الاستثمارات الجامعية من إسرائيل واتخاذ إجراءات مقاطعة لهذه الدولة المعتدية المارقة والتي تشكل تهديدا لوحدة المجتمع الأمريكي ولقيمه الإنسانية.
على الجانب الآخر، وبتعليمات من المؤسسة الأمريكية التشريعية تشكلت لجنة مختصة بالتعليم أوصت بإقالة رؤساء الجامعات الذين رفضوا ربط الاحتجاجات الطلابية بمعاداة السامية وأصروا على أنها تتعلق بحرية التعبير المكفولة بالدستور الأمريكي، وأنها حراك إنساني سلمي حضاري رافض لحرب الإبادة الجماعية المتواصلة لأكثر من 200 يوم!
وفي يوم الأربعاء 24 أبريل 2024 م وفي تصريح متلفز أطل علينا السيد «مايك جونسون» رئيس مجلس النواب الأمريكي من الحرم الجامعي لجامعة كولومبيا بمدينة نيويورك قال (إن الحراك الطلابي يشكل تهديدا للطلبة اليهود) وطالب بمواجهة «معاداة السامية» في حرم الجامعات لا بل وصل به الأمر للمطالبة بإرسال قوات الحرس الوطني للجامعات لتكميم الأفواه.
وكان الرد على رئيس مجلس النواب الأمريكي «مايك جونسون» أن 30 طالبا من أصل 108 طلاب تم اعتقالهم في جامعة كولومبيا هم يهود وأن الطلبة اليهود المعتصمين في الجامعة احتفلوا بعيد الفصح اليهودي في حرم الجامعة ووسط المخيم الطلابي مع زملائهم المسيحيين والمسلمين وأن الطلاب اليهود يشاركون في الحراك الطلابي في كل الجامعات الأمريكية.
تمتد الحراكات الطلابية المؤيدة للسردية الفلسطينية وللحق الفلسطيني في 44 جامعة أمريكية مهمة، وتم اعتقال حوالي 500 طالب من الجامعات الأمريكية حتى الآن، ويصف المجرم «نتنياهو» الحراك الطلابي بالنازي والطلبة بالغوغاء ويشبهه بالحراك الطلابي الألماني في ثلاثينيات القرن الماضي حين تحدث في مؤتمره الصحفي يوم الأربعاء 24 أبريل 2024 وكان مضطربا مذعورا مصعوقا، وطالب وزير الأمن القومي الداخلي الصهيوني المجرم «إيتمار بن غفير» بتشكيل مليشيات يهودية مسلحة تكون مهمتها قمع الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية!
سيستمر الشعب العربي الفلسطيني في نضاله العادل لنيل حقوقه وسيستمر المجتمع الإسرائيلي في انزياحه نحو اليمين العنصري الفاشي المتطرف وسيستمر طلاب أمريكا الشجعان في اعتصاماتهم وستنضم إليهم جامعات كثيرة لتشمل كل الولايات، وسيستمر الكونجرس الأمريكي الموالي للدولة الصهيونية ضغطه على رؤساء الجامعات لاستدعاء الحرس الوطني، وأمريكا تتجه إلى «المكارثية» من جديد بتكميم الأفواه وإدارة الظهر للدستور الأمريكي والعمل باتجاه سحق الديمقراطية!
{ كاتب فلسطيني مقيم في مملكة البحرين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك