على الرغم من اعتقاد البعض بأنه أبطأ من غيره في تبني التكنولوجيا الحديثة والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، فإن قطاع العقارات بات يسير في خطوات أكثر تسارعا في هذا الجانب، ولم يعد مقتنعا على العمل الكلاسيكي اليدوي والتقليدي. وأصبحت التكنولوجيا الحديثة ركنا أساسيا في التشييد والبناء بعد أن اثبتت هذه التطورات قدرتها على الارتقاء بالمشاريع العقارية بدءا من التخطيط ومرورا بالإنشاء وصولا الى الإنجاز بل وحتى الصيانة.
وتشير التقديرات الى ان الاستثمار العالمية في تقنيات الهندسة المعمارية وتكنولوجيا البناء وصلت إلى 50 مليار دولار بين عامي 2020 و2023. ومن المتوقع أن يواصل سوق تكنولوجيا البناء مساره التصاعدي هذا العام 2024.
في تقرير تناولته منصة (بلانرادار) المتخصصة بإدارة مشروعات البناء والتشييد، استعرضت أبرز ملامح التكنولوجيا الحديثة التي تمثل مستقبل قطاع العقارات والبناء والتشييد في العالم.. ومن ذلك:
إدارة البناء
باتت برمجيات إدارة البناء والتشييد تلعب دورًا محوريا في تسهيل وتحسين عمليات إدارة المشروعات الهندسية، حيث تسهم في تنظيم وتنسيق إدارة المشروعات والتخطيط والموارد البشرية والتكلفة والجدولة والتواصل ولعلم من أبرز سمات مثل هذه البرمجيات هو المرونة وتحسين الكفاءة، حيث تساعد في توفير الوقت والجهد في التخطيط والمتابعة وإدارة المشاريع والتحليل وتنظيم المعلومات بشكل أسرع وأكثر دقة، مما ينعكس إيجابا على اتخاذ القرارات الاستراتيجية الصحيحة.
الذكاء الاصطناعي
أكد الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي قدرته على تحسين عمليات إدارة مشاريع البناء، حيث يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية من خلال تحليل البيانات الضخمة وتوفير معلومات دقيقة وشاملة لصنع القرارات وتحليل المخاطر والتنبؤ بالمشكلات المحتملة في المشروعات وتقليل الأخطاء البشرية، مما يسمح باتخاذ إجراءات وقائية قبل حدوث المشكلات. ومن خلال تحليل كميات ضخمة من البيانات، يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بالتحديات المحتملة وتقديم حلول مبتكرة.
كما يستخدم الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة المشاريع من خلال رصد وتحليل المعايير والمعايير الفنية، وكذلك تحسين سلامة الموقع وتتبع العمال والمعدات في الوقت الحقيقي، مما يقلل من حوادث العمل ويعزز السلامة العامة.
التوائم الرقمية
هي من التقنيات الحديثة التي تعتبر ثورة نوعية في قطاع البناء والتشييد، وهي نُسخ افتراضية لكل جوانب التشييد بما في ذلك الجوانب المادية والأنظمة والعمليات. حيث يتم إنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد للمشاريع الهندسية والمباني قبل بدء عملية البناء الفعلية، وهي نماذج دقيقة وواقعية للمشروع بما في ذلك التفاصيل الهندسية والهياكل. وبذلك يمكن لفرق البناء تحسين جودة التصميم وتخفيض مخاطر الأخطاء والتكاليف الزائدة. كما يمكن استخدام التوائم الرقمية لتخطيط المشاريع بشكل أفضل، وتحسين تنظيم الجداول الزمنية وإدارة الموارد. باختصار تمكن برامج التوامة الرقمية فِرَقَ المشروع من تصوُّر ومحاكاة عمليةِ البناء بأكملها، مما يُتيح اتخاذَ قراراتٍ أفضل في كلِ مرحلة من خلال تحديد المشكلات المحتملة أثناء مرحلة التصميم وتوفير مراقبة فورية لتقدُّم البناء. كما تعمل التوائم الرقمية على تعزيز كفاءة المشروع مع تقليل الأخطاء المكلفة. وبشكل عام توفر هذه التقنيات رؤيةً شاملةً لحالة المشروع.
إنترنت الأشياء
يشير مصطلح إنترنت الأشياء أو ما يعرف بـ(IoT) إلى شبكة مترابطة من الأجهزة والمعدات التي تستخدم تقنيات الاتصال اللاسلكي للتواصل وتبادل البيانات بينها. وتسهم هذه التقنية في التواصل وتبادل البيانات عبر الإنترنت وتجميع وتحليل البيانات المستشعرة من الأجهزة المختلفة، مما يتيح التحكم والإدارة الذكية للمبنى ويسهم في تحسين كفاءة صناعة البناء وتحسين إدارة المشروعات. فمثلا يتم توصيل أجهزة الاستشعار والمعدات بشبكة الإنترنت لجمع المعلومات وتحليلها في الوقت الحقيقي. ويمكن استخدام الاستشعارات الذكية لمراقبة وقياس العديد من العوامل مثل درجة الحرارة والرطوبة والضغط واستهلاك الطاقة، مما يساعد في رصد حالة المباني والمعدات والتنبؤ بالمشاكل المحتملة قبل حدوثها، الأمر الذي يقلل من التوقفات غير المخطط لها ويوفر تكاليف الصيانة. والى جانب ذلك يمكن استخدام إنترنت الأشياء لتحسين أمن الموقع وسلامة العمال، كاستخدام كاميرات المراقبة المتصلة بالشبكة لمراقبة الموقع ورصد الحوادث والسلامة العامة. ويمكن استخدام جهاز تحمل متصل بالإنترنت لتتبع موقع العمال وتوفير المساعدة في حالات الطوارئ.
ويمكن استخدام التحليلات المتقدمة والتعلم الآلي لاستخلاص بيانات قيمة من الجمع الضخم للمعلومات، وبناء نماذج تنبؤية لتوفير التخطيط الدقيق وتحسين عمليات البناء.
البلوك تشين
قد يبدو الأمر غريبا أن تكون هناك علاقة بين قطاع العقار والتشييد وبين تقنية البلوك تشين، ولكن الواقع اثبت ان هذه التقنية أصبحت تستخدم بشكل متزايد في صناعة البناء لتحقيق شفافية أفضل وتحسين العمليات. حيث تعمل على تخزين وتوثيق البيانات بطريقة آمنة ومشفرة، مما يسهم في زيادة الثقة بين الأطراف المعنية.
وتسهم تقنية البلوك تشين كذلك في تسهيل عمليات المشاركة والتواصل بين الأطراف المختلفة، مثل المطورين والمقاولين والمهندسين المعماريين والملاك، وفي زيادة الشفافية والمصداقية في صناعة البناء. حيث يمكن للمشاركين في المشروع الوصول إلى معلومات محددة ومحدثة بشكل فوري، مما يقلل من التأخيرات والاحتيال والخلافات. بالإضافة إلى ذلك، تسمح تقنية البلوك تشين بتحسين عمليات التتبع والتحكم في سلامة المواد والمعدات. يمكن توثيق تاريخ التوريد وجودة المواد وتحديد مصدرها ومسارها من خلال سلسلة الكتل، مما يزيد من الشفافية ويسهم في تحقيق معايير الجودة والسلامة.
الروبوتات
باتت الروبوتات والأتمتة تسهم في زيادة الإنتاجية وتحسين جودة العمل وتوفير التكاليف وتعزيز السلامة في قطاع البناء. فمثلا تساعد الروبوتات في تنفيذ المهام الصعبة والمتكررة بشكل أسرع وأكثر دقة من العمل اليدوي التقليدي. كما تقلل الروبوتات من خطر الحوادث الناجمة عن العمل الشاق والمجهود البدني الزائد على العمال. ويمكن للروبوتات تنفيذ المهام في بيئات خطرة أو صعبة الوصول للإنسان، مما يحسن سلامة العمل ويقلل من المخاطر الصحية. على سبيل المثال، يمكن استخدام الروبوتات في أعمال الهدم والحفر والتشييد، حيث يمكنها تنفيذ المهام بشكل أكثر فعالية وأمانًا.
الأتمتة
تستخدم الأتمتة أيضا في صناعة البناء، حيث تساهم في تنفيذ مجموعة متنوعة من المهام مثل إدارة المخزون والجدولة والتحكم في العمليات، مما يساهم في تقليل الأخطاء البشرية وزيادة الكفاءة وتوفير التكاليف، وبالتالي تحسين الكفاءة والجودة والسلامة وتوفير التكاليف وتعزيز التحول نحو صناعة البناء المستدامة وتسهم في تحسين أداء القطاع بشكل عام.
تقنيات البناء الأخضر
باتت الاستدامة والبناء الأخضر من أبرز المبادئ العالمية التي يطالب بها القطاع العقاري وقطاعات التشييد والبناء. والحق يقال ان هذه القطاعات باتت تشهد تحولًا كبيرًا نحو الاستدامة. وبرزت هنا التقنيات الخضراء التي تشمل مجموعة واسعة من الابتكارات والممارسات التي تحقق الاستدامة لمصادر الطاقة المتجددة واستخدام مواد البناء الصديقة للبيئة الى جانب اعتماد التصاميم التي تعمل على تحسين كفاءة الطاقة وتقليل النفايات. وكل هذه التقنيات تستهدف تقليل التأثير السلبي للبناء على البيئة وتحقيق وفورات كبيرة في تكاليف المشروعات وتقليل استهلاك الطاقة وتكاليف التشغيل.
الطائرات بدون طيار
تعد طائرات بدون طيار (الدرونز) من الأدوات الحديثة التي يستفيد منها قطاع البناء مثل المسح الجوي والمراقبة وتسليم المواد ورصد تقدم الأعمال. وتعتبر هذه التقنية خيارا مثاليا للكثير من المطورين كونها تساعد في تحسين كفاءة العمل وتوفير الوقت والجهد وإمكانية المراقبة وتنفيذ المهام وتسليم المواد إلى أماكن البناء مما يقلل الوقت والجهد المطلوبين لنقلها يدويًا. كما يمكن استخدام الطائرات للمسح الجوي للمواقع قبل بدء الأعمال، وذلك لتحديد التضاريس والمسافات وتحليل المعلومات الجغرافية.
ويمكن استخدام الكاميرات والمستشعرات المثبتة على الطائرات لتحليل الصور وجمع البيانات المهمة حول الأعمال التي تم تنفيذها. هذا يساعد في تحديد المشاكل المحتملة والتدخل في الوقت المناسب لتجنب التأخيرات والمشاكل الأخرى.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك