بدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن حكمه في يناير 2021 محاولا توجيه التركيز الأمريكي الاستراتيجي لمواجهة تصاعد التحدي الصيني اقتصاديا وعسكريا وفكريا. وبدلا من ذلك، بدأ بايدن عامه الأخير في الحكم متورطا في حربي أوكرانيا التي بدأت في فبراير 2022، وغزة التي بدأت في السابع من أكتوبر الماضي.
وبينما أكدت استراتيجية الأمن القومي لإدارة بايدن الصادرة في أكتوبر 2022، ضرورة التركيز على التنافس الاستراتيجي مع الصين من خلال بناء شبكة تحالفات ضخمة، ينهي بايدن فترة حكمه متورطا في نزاعين يهددان مصالح واشنطن الحيوية في أوروبا والشرق الأوسط وحول العالم.
وبعد مرور أكثر من عامين على حرب أوكرانيا، وبعد مرور أكثر من نصف العام على العدوان على قطاع غزة، تغيب أي آفاق واقعية لانتهائهما قريبا، بل على النقيض، تزداد احتمالات توسع وتمدد النزاعين جغرافيا.
وعلى الرغم من هامشية قضايا السياسة الخارجية تقليديا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وضع بايدن أجندة سياسته الخارجية تحت رقابة الناخبين الأمريكيين الذين سيدلون بأصواتهم في نوفمبر القادم، في وقت تشير أغلب استطلاعات الرأي إلى تأخره أمام غريمه الرئيس السابق دونالد ترامب.
وخلال الأسابيع الأخيرة، طالبت إدارة بايدن الحكومة الإسرائيلية بتغيير طبيعة عملياتها لتتبنى نهج عمليات ينتج عنه مقتل عدد أقل من أهالي غزة المدنيين، كما طالبت، عوضا عن التعهد الإسرائيلي باقتحام مدينة رفح، التي نزح إليها ما يقرب من 1.2 مليون فلسطيني، بتبني استراتيجية هجمات «جراحية» محدودة ضد قادة حركة حماس بما يتجنب حمامات دماء واسعة بين المدنيين قد تنتج عن أي اقتحام عسكري بري للمدينة.
ويدرك كثير من قادة الحزب الديمقراطي أن إنهاء الحرب ووقف القتال هو المفتاح لخفض التكاليف التي تدفعها إدارة جو بايدن، سواء فيما يتعلق بمصداقيته ومصداقية الولايات المتحدة على المستوى العالمي، أو الكلفة الداخلية للانتخابية التي قد تكلفه فرصة البقاء فترة حكم ثانية.
وفي معرض بحثه عن مخارج للأزمة التي وضع بايدن نفسه فيها بدعمه غير المسبوق لإسرائيل، والاتفاق معها على ضرورة القضاء على حركة حماس بأي كلفة، يراهن بايدن الذي لم يطالب بعد إسرائيل بوقف دائم لإطلاق النار، على أن وقف القتال المؤقت، سيسمح له باستعادة الزخم نحو تسهيل عملية تطبيع العلاقات بين إسرائيل مع دول عربية أخرى.
إذ ان بايدن يبحث عن انتصار دبلوماسي في الشرق الأوسط يمكن له استخدامه انتخابيا.
وبعدما أدرك بايدن، وكبار مستشاريه، تراجع حظوظه الانتخابية بعد فقدانه أصوات شرائح واسعة من الديمقراطيين التقدميين، وخاصة الشباب منهم، إضافة الى أصوات مئات الآلاف من الناخبين العرب والمسلمين الأمريكيين، جراء موقفه الداعم بلا شروط للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، صعد بايدن من حدة خطابه ضد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، لكنه لم يغير مواقفه وسياساته بعد.
من ناحية أخرى، فإن الهجوم الجوي على إسرائيل الذي شنته إيران داخل أراضيها يرقى إلى سيناريو سعي بايدن إلى تجنبه منذ بداية الصراع الحالي. وحدد بايدن ثلاثة أهداف منذ 7 أكتوبر، من أهمها عدم اتساع نطاق النزاع جغرافيا. بمعنى آخر، ترك إسرائيل تقوم بعدوانها على قطاع غزة من دون أن يشغلها أي طرف آخر، سواء كان «حزب الله» من الشمال، أو جماعة الحوثيين من الجنوب، أو إيران نفسها، ومليشياتها، من جهة الشرق.
وأكثر ما يخشاه بايدن حاليا، وفي ظل اقتراب سيناريو حدوث ضربة بين إيران وإسرائيل بعد المواجهة الأخيرة بينهما، أن تزيد الأعمال الانتقامية من خطر نشوب صراع إقليمي أوسع يمكن أن يورط الولايات المتحدة في مستنقعات الشرق الأوسط، بعدما تنفس الأمريكيون الصعداء بإنهاء منافس بايدن الانتخابي، دونالد ترامب، حروب أمريكا التي لا تنتهي في الشرق الأوسط بتوقيعه على اتفاقية الانسحاب من أفغانستان.
ويضع بايدن نفسه من جديد في موقف صعب بعدما تعهد بدعم قوي لإسرائيل في أي صدام مستقبلي مع إيران، وذلك بدلا من العمل على منع اندلاع حريق جديد تشارك الولايات المتحدة في إشعاله.
وحذر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت من أن المواجهة مع إيران «لم تنته بعد».
وعلى الجانب الآخر، حذر قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي من أن طهران سترد مباشرة إذا اعتدت إسرائيل قائلا إنه وضع «معادلة جديدة» في المنطقة.
ويحدث كل ذلك، ولا يسيطر على ذهن بايدن وكبار مساعديه، إلا القلق المرتبط بفقدان دعم الناخبين، وهو ما يتحكم في الكثير من قراراته المهمة وخاصة بعد تأكد بايدن من تآكل دعمه لدى الناخبين في عدة ولايات حاسمة متأرجحة على رأسها ميشيجان وبنسلفانيا وجورجيا. ودفع ذلك ببايدن للعودة على الفور إلى البيت الأبيض من منزله الشاطئي في ولاية ديلاوير مع بدء المسيرات الإيرانية رحلتها إلى الأجواء الإسرائيلية، وذلك كي يظهر بمظهر القائد القوي المسيطر على الأحداث وسط قيادته اجتماعات غرفة العمليات بالبيت الأبيض وتصويره محاطا بكبار مساعديه العسكريين والاستخباراتيين والسياسيين.
ويخشى بايدن من أن السيناريو الأسوأ لم يأت بعد، وهو أن تنزلق إسرائيل إلى شن هجمات قوية على إيران مستقبلا، وأن تضطر طهران إلى الرد بقوة كذلك، وربما استهداف القواعد والوجود الأمريكي بالمنطقة، وهو ما يقضي تماما على أي حظوظ انتخابية باقية لديه.
منذ بدء النزاع في غزة، عمل بايدن بكل السبل على ألا يكون ذلك بداية صراع إقليمي أوسع، إلا أن بايدن ورط بلاده بالفعل فيما يبدو أنه اتساع إقليمي للنزاع. ولا يترك بايدن فرصة إلا ويكرر القول «اسمحوا لي أن أقولها مرة أخرى: وبصورة صارمة. سنفعل كل ما في وسعنا لحماية أمن إسرائيل».
{ كاتب صحفي مختص
في الشؤون الأمريكية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك