في يوم يُخصص لتقدير جهود العمال حول العالم، تبرز قصص بطولية تتجاوز المألوف، مضيئةً دروب الإلهام بأنوارها. اليوم، أود أن أشارككم تجربة فريدة عشتها خلال فترة رئاستي لقسم جديد في الجهة التي كنت أعمل بها، قصة تجسد حقاً معاني التحدي وصمود الإرادة في وجه الشدائد.
استقبلنا في القسم موظفة جديدة وُجهت إليها الشكوك في جديتها وإخلاصها في العمل منذ البداية، إذ حذرني البعض من أنها لن تستمر لأكثر من شهر. هذه الشكوك زادت من حماسي لإثبات قدرة قسمنا على النجاح بفضل جهود جميع أعضائه.
ما لم يكن في توقعاتي هو أن هذه الموظفة ستتحول إلى مصدر إلهام لا ينضب. على الرغم من التكهنات السلبية عنها، أظهرت تفانيًا وإخلاصًا يفوق الوصف، متحدية كل العقبات بابتسامة لا تفارق محياها. ما زاد من تقديري لها، اكتشافي لمعاناتها من فشل كلوي مزمن، فقد كانت تقضي ساعات طويلة بعد دوام يوم عمل شاق في غرف غسيل الكلى بالمستشفى، من دون أن يؤثر ذلك على حضورها والتزاماتها اليومية أو حماسها للعمل.
كانت تعاني من تقلبات شديدة في ضغط الدم، الغثيان، والصداع، الإرهاق الشديد، اضطرابات في المزاج بسبب الغسيل الكلوي الذي يستغرق أربع ساعات في كل مرة، لكنها لم تسمح لهذه التحديات أن تهزم روحها المثابرة. كانت تستيقظ كل يوم بمعنويات عالية، تتحدى المرض بإرادة لا تلين، وكانت من بين أول الموظفين الحاضرين في القسم.
بعد سنوات من نضالها وصبرها على المرض، توفيت وغادرت عن دنيانا، تاركة خلفها إرثًا من العزم والإلهام لكل من عرفها. كانت حياتها شهادة حية على أن الإنسان قادر على تجاوز أقسى العقبات بإرادة صلبة وقلب مفعم بالأمل.
في الاحتفال باليوم العالمي للعمال، تجدد قصتها تأكيد حقيقة بسيطة ومؤثرة: الروح الإنسانية قادرة على تجاوز كل العقبات، مذكرةً إيانا بأن الإرادة والعزيمة يمكنهما التغلب على التحديات الأكثر صعوبة، وأن ترسم آفاقًا جديدة للأمل والإلهام في قلوبنا جميعًا.
إعادة تشكيل بيئة العمل لتعزيز علاقات مهنية تحترم الإنسان
في ظل القصة الملهمة التي شاركتها معكم، ندرك الآن، أكثر من أي وقت مضى، الحاجة الماسة إلى علاقات عمل متينة وذات معنى بين العامل وصاحب العمل. هذه العلاقات ليست مجرد ترف أخلاقي؛ بل هي الأساس لبناء مؤسسات قوية، مرنة ومزدهرة.
التعاطف والتفهم ليسا فقط مسؤولية أخلاقية، بل هما الركيزتان الأساسيتان لبيئة عمل صحية تفيض بالإنتاجية والإبداع. موظفونا الذين يكافحون في صمت يحتاجون إلى الشعور بأنهم مسموعون، مرئيون ومقدرون. قصة الموظفة الشجاعة تعلمنا أن وراء كل إنجاز قصة إنسانية تستحق الاستماع والدعم.
الاهتمام بالجانب الإنساني في موظفينا لا يجب أن يكون استثناءً، بل يجب أن يكون قاعدة أساسية في كل سياسة عمل ناجحة. الاستثمار في الصحة النفسية والرفاهية للعاملين لا يعود فقط بالنفع على أدائهم، بل يرتقي بثقافة المؤسسة بأكملها.
أدعو كل صاحب عمل وكل مدير إلى اتخاذ خطوة إلى الأمام، ليس فقط في تقدير الجهد، ولكن أيضًا في فهم ومساندة ما يكمن وراء هذا الجهد. لنحول مكان العمل إلى مساحة تعاون وتقدير، حيث يشعر كل فرد بأنه جزء لا يتجزأ من قصة نجاح المؤسسة.
دعونا نجعل يوم العمال لا يقتصر على تذكيرنا بالتضحيات، بل أيضًا بداية لمسار جديد في العلاقات المهنية حيث الاحترام والتقدير ليسا مجرد شعارات، بل هما جوهر العملية الإنتاجية. لنبني معًا بيئة عمل تكون مصدر إلهام للجميع، محفزة كل عامل على إعطاء أفضل ما لديه، في جو يسوده الاحترام والإخلاص.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك