أشار كثير من خبراء المناخ الغربيين إلى هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات المفاجئة التي أثرت بشدة في الجانب الشرقي من شبه الجزيرة العربية -وعلى الأخص الإمارات، وسلطنة عُمان- كأحد أعراض آثار تغير المناخ في المنطقة. وعلى نحو متزايد يُتوقع أن تأثير ارتفاع درجات الحرارة، وأنماط الطقس المتغيرة، والتي تشمل أيضا موجات الحر والجفاف والعواصف الترابية؛ لا ينحصر على دول الخليج فحسب، بل أيضا على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لدرجة تصنيف الأمم المتحدة للمنطقة بأنها نقطة ساخنة لتغير المناخ.
وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالفعل أكثر المناطق معاناة من ندرة المياه على الكوكب. ووفقًا للأمم المتحدة، لا يحصل أكثر من 60% من السكان سوى على القليل جدًا من المياه الصالحة للشرب، إن وجدت. وأشار معهد الموارد العالمية، إلى أن دولا خليجية؛ كالبحرين، والكويت، وعمان، وقطر من بين الدول الخمس الأكثر تعرضًا للإجهاد المائي على هذا الكوكب. وفي حين أن درجات الحرارة الإقليمية قد ترتفع بنسبة تصل إلى 4% بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، فمن المتوقع أن يكون لانخفاض هطول الأمطار بنسبة 10% في المتوسط، تأثير غير مباشر بنسبة 20 إلى 30% في الإنتاج الزراعي خلال نفس الفترة الزمنية.
وبالإشارة إلى أن منطقة الخليج تعد مركزًا، لصناعة وإنتاج النفط والغاز الطبيعي عالميا؛ فقد أوضح سايمون ستيل، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أن المنطقة على مفترق طرق، ليس فقط في مواجهة الآثار المدمرة لتغير المناخ، ولكن أيضًا بسبب التحدي المتمثل في تحويل اقتصاداتها لتتماشى مع ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية. ومع إدراك دولها لأهمية هذه القضية، تعهدت بخفض مستويات انبعاثاتها الكربونية طوال القرن الحالي. ولتقييم أولوياتها ونجاحاتها في تعزيز الطاقة المتجددة وخفض الانبعاثات، أشار تايلور لاك، من مركز ويلسون، إلى أن تغير المناخ، يعد عاملًا مضاعفًا للمخاطر بالنسبة إلى المنطقة، لكنه مع ذلك يمكن دمج العمل المناخي بين دول المنطقة في جهود خفض التصعيد وإقرار السلام.
وفي يناير 2009، ذكرت إليزابيث روزنتال، في صحيفة نيويورك تايمز، أن دول الخليج الغنية بالنفط كانت مكانًا غير محتمل لثورة خضراء، ومع ذلك وبحلول عام 2024، رسخت هذه الدول نفسها بقوة كرائدة دوليًا في تطوير التقنيات الخضراء إلى جانب النفط والغاز الطبيعي. وأشار لاك، إلى كيف استثمرت مليارات الدولارات في استراتيجيات مناخية طموحة، فضلًا عن رؤاها الخاصة لمستقبل صافي صفر من الانبعاثات الكربونية، مع الدفع نحو مصادر طاقة أنظف.
علاوة على ذلك، أوضح أن توجهات دول الخليج كانت مدفوعة بـالأهداف الاستراتيجية الثلاثة المتمثلة في؛ تأمين مصدر طاقة مستقل ومنخفض التكلفة لتحقيق النمو الاقتصادي المستقبلي، وتحرير الوقود الأحفوري لبيعه في الخارج لتمويل التنويع الاقتصادي، وهيمنتهم على سوق الطاقة ما بعد النفط، مشيرا إلى كيف بدأت السعودية، والإمارات، والكويت، وقطر، وعمان، والبحرين في تكثيف استخدام طاقتي الشمس والرياح، وإنتاج واستخدام الهيدروجين الأزرق والأخضر، جنبا إلى جنب مع تقنية احتجاز الكربون. وكدليل على المدى الذي وصلت إليه هذه العملية، أشارت عائشة السريحي، من المعهد الملكي للشؤون الدولية، إلى أن إنتاج الطاقة المتجددة في دول الخليج، قد شهد زيادة قدرها 85 ضعفًا بين عامي 2012 و2022، من 67 ميجاوات إلى أكثر من 5600 ميجاوات.
ومع ذلك، رأى روبن ميلز، من مركز سياسة الطاقة العالمية، أن دول الخليج على الرغم من تقدمها الملموس حتى الآن في هذا الشأن، لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه للوصول إلى أهدافها الطموحة، وخاصة في ظل نمو طلبها على الطاقة الكهربائية فحسب، مدللاً على ذلك بزيادة الطلب على تلك الطاقة في المنطقة لاستخدام مكيفات الهواء في أشهر الصيف الحارة، وهو ما يظهر بوضوح من خلال ارتفاع إنتاج الطاقة من قبل شركة مياه وكهرباء الإمارات، من ما لا يقل عن 7.4 جيجاوات في يناير، إلى أكثر من 16 جيجاوات في يوليو2022.
وفي حالة الإمارات، التي استضافت مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ كوب 28، أواخر عام 2023، رأى لاك، أن هدفها لتسريع تحولها الأخضر، هو تحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050، حيث تخطط لخفض مستويات انبعاثاتها من 103 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون في عام 2019، إلى 7 ملايين طن فقط، ولا يقتصر الأمر على تعهدها بمبلغ 54 مليار دولار لإنتاج الطاقة المتجددة والبنية التحتية، وزراعة 100 مليون شجرة مانجروف قبيل نهاية العِقد الحالي؛ بل إن تشكيل وزارة البيئة وتغير المناخ؛ يعد دليلا على كيفية وضع الطموحات المناخية في قلب منهاج عمل حكومتها.
وكجزء من طموحاتها لتعزيز استخدام مصادر الطاقة المتجددة، والنووية لتمثل 32% من الاستخدام المحلي بحلول عام 2030، ومن ثمّ، إلى 53% بحلول عام 2050 (ارتفاعًا من 4% فقط حاليًا)؛ هدفت أبوظبي، إلى مضاعفة توليد طاقتي الشمس والرياح ثلاث مرات بحلول عام 2030، فضلاً عن خفض استهلاكها للطاقة المستخدمة في صناعة البناء والتشييد بنسبة 40%. ويعد افتتاح أكبر محطة للطاقة الشمسية في موقع واحد بالعالم نوفمبر 2023 -والتي توفر الكهرباء لحوالي 200 ألف منزل وتساعد على تقليل انبعاثات الكربون بمقدار 2.4 مليون طن سنويًا- خطوة مهمة، تؤكد هذا الالتزام. وفي تقييمه، أوضح لاك، أن إنتاج الهيدروجين يعد ركيزة أساسية ضمن الاستراتيجية الخضراء للإمارات. وأضاف مايك كامبل، وكريستين ياسا، من شركة ألين آند أوفري، أنها دعمت إنشاء واحات لإنتاج الهيدروجين تمزج بين تطبيقات الإنتاج، والاستخدام النهائي؛ للمساعدة على تسريع اعتماد الصناعة على حلول تحول الطاقة القائمة على الهيدروجين.
وبالنسبة إلى السعودية، التي التزمت بصافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060، فقد وصفها لاك، بـاتباع الاستراتيجية المناخية الأكثر طموحًا في المنطقة، من خلال المبادرة السعودية الخضراء، التي تهدف إلى زيادة مزيجها من مصادر الطاقة المتجددة في إنتاج الطاقة من 2%، إلى 50% بحلول عام 2030، وهو ما يعد محاولة لوضعها في مركز التحول الأخضر بالشرق الأوسط. وفي إطار هذا الهدف، وصف هدف زراعة 10 مليارات شجرة في المملكة لمكافحة التصحر؛ بأنه مشروع مذهل. فيما تمت الإشارة إلى قيامها بـتطوير مشروعات الهيدروجين الأخضر بقوة، لتكون المركز الرائد للطاقة في مرحلة ما بعد النفط. وكجزء من هذا، أشار لاك، إلى سعيها لتحويل ساحل البحر الأحمر إلى مركز لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر إلى باقي العالم. ومع ما تحوزه من إمكانيات هائلة لتوليد الطاقة الشمسية، وتخطيطها لإنتاج 27.5 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030؛ رأى أنه بحلول يناير 2024، تم توفير 2.8 جيجاوات من الطاقة الشمسية، فضلًا عن سعيها لإضافة 10 جيجاوات من مصادر الطاقة المتجددة خلال العامين المقبلين.
وفي حالة البحرين، التي تهدف إلى الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2060، وبلوغ أهداف توليد الطاقة المتجددة بنسبة 5% بحلول عام2025، وزيادة تلك النسبة لتصل إلى 20% بحلول عام 2035؛ فقد أشار ميلز، إلى أن قدرتها في مجال الطاقة المتجددة يمكن وصفها بـالمحدودة، مقارنة بجيرانها في ضوء مساحة أراضيها الصغيرة، التي تقيد توفير المساحات الرحبة المخصصة لمشروعات توليد الطاقة الشمسية. ومع بناء أكبر محطة للطاقة الشمسية بها في منطقة الصخير، والتي من المتوقع أن تولد 72 ميجاوات من الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى إعلان الشراكة مع شركة بهاجيريا للصناعات الهندية، فقد تحول ميناء خليفة بن سلمان إلى أول ميناء يتم تشغيله في المنطقة بالكامل باستخدام الطاقة الشمسية.
ومع ذلك، أوضح أن توليد الطاقة المتجددة سيصل إلى 0.5% من إجمالي الطاقة المنتجة في البحرين، أي أقل من النسبة المستهدفة للعِقد المقبل. ولتعزيز هذه النسبة، رأى أنها تحتاج إلى مزيج ما من الألواح الشمسية المثبتة فوق أسطح المباني، بالإضافة إلى مزارع الطاقة الشمسية العائمة، واستمرار بناء مزارع الرياح البحرية، واستكشاف طرق بديلة للاستثمار في محطات طاقة متجددة في السعودية؛ لتزويد المنامة باحتياجاتها في هذا الصدد.
أما بالنسبة إلى سلطنة عُمان، فقد أشار ميلز، إلى اعتمادها بشكل كبير على الطاقة الشمسية الكهروضوئية، للوصول إلى صافي صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2050، بالإضافة إلى هدفها المتمثل في أن تصبح مركزًا عالميًا للهيدروجين الأخضر. ولتحقيق هذين الهدفين، أوضح أنها وقعت بالفعل اتفاقية بشأن خطتين للطاقة الشمسية ليتم تشغيلهما بحلول 2050، بالإضافة إلى تخصيصها 1500 كيلومتر مربع من الأرض للمرحلة الأولى من مشروع الهيدروجين المتجدد، مع وجود خطط لتخصيص 50 ألف كيلومتر مربع أخرى (أي ما يعادل 16% من إجمالي أراضي البلاد).
وفي جميع دول الخليج، يعتبر الترويج لتقنيات احتجاز الكربون، أحد الأمور التي أوضح مقرن المطيري، وكارين يونغ، من جامعة كولومبيا، أنها يمكن أن تحافظ على إرثهم النفطي، كقادة في سوق الطاقة العالمية. ولاحظ لاك، أن هذه التقنيات -حيث يتم أخذ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الهواء، ثم تخزينها تحت الأرض، وتحويلها إلى منتجات مفيدة- هي مساهم رئيسي لخطط المناخ في السعودية. ومع ذلك، وعلى الرغم من قيام شركة أرامكو، ببناء مركز احتجاز الكربون وعزله تحت الأرض، والذي من المقرر أن يخزن 44 مليون طن كربون بحلول عام 2035، فقد أشار إلى أن المراقبة العلمية لهذه التقنية تخضع لتدقيق بالغ من قبل المسؤولين، حيث يناقشون الجدوى الاقتصادية والبيئية لهذه التكنولوجيا.
على العموم، إن حقيقة تعرض منطقة الشرق الأوسط لتغير ملحوظ في مناخها، حيث ترتفع درجة الحرارة بمعدل أسرع مرتين تقريبا من المتوسط العالمي؛ تفرض تحديا كبيرا، على دولها لاتخاذ إجراءات مجدية.
وفي الخليج، تشير الإجراءات المتعلقة بالطاقة المتجددة إلى إدراك هذه الدول لضرورة اعتماد مصادر الطاقة الأكثر مراعاة للبيئة. ومع ذلك فإن هذه العملية نفسها لا تخلو من المخاطر. وكما كتب لاك، فإنه مع رغبة هذه الدول في احتلال مكانة بارزة كقادة إقليميين بمجال الطاقة المتجددة، يظل من غير الواضح ما إذا كان الطلب العالمي على هذه المصادر المتجددة، يمكن أن يدعم مراكز إنتاجها في دول الخليج والشرق الأوسط، خاصة الطاقة الهيدروجينية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك