يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
نظام بلا شرعية شعبية
قبل فترة جرت الانتخابات البرلمانية الإيرانية. هذه الانتخابات تعتبر بالنسبة إلى كثير من المحللين نقطة تحول مهمة في إيران وبالذات من زاوية العلاقة بين النظام والشعب.
أسباب كثيرة تجعل من الانتخابات نقطة تحول لكن في مقدمتها أن نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات كانت الأقل على الإطلاق منذ قيام الجمهورية الإسلامية، إذ بلغت نحو 40% فقط بحسب الإحصاءات الرسمية. ونظرا إلى قلة الإقبال على التصويت اضطر النظام إلى تمديد التصويت ثلاث مرات حتى الثانية عشرة ليلا، كما أن الكثيرين أكدوا أن نسبة الذين وضعوا أوراقا بيضاء على سبيل الاحتجاج ولم يصوتوا لأحد كانت كبيرة جدا.
محللون كثيرون إيرانيون ومن مختلف أنحاء العالم توقفوا كثيرا أمام الانتخابات وهذه النسبة الضئيلة من المشاركة الشعبية ونتائج الانتخابات بصفة عامة.
توقفوا أمام الانتخابات من زاويتين أساسيتين: من جانب، ما هو تفسير انصراف الشعب عن الانتخابات وهذه المشاركة الضعيفة؟ ومن جانب آخر، ماذا يعنيه ذلك بالنسبة إلى النظام الإيراني ومدى شعبيته من عدمها وما تأثيرات ذلك مستقبلا؟
فيما يتعلق بتفسير هذه النسبة من المشاركة، فقد رصدت ستة أسباب كبرى أجمع عليها تقريبا كل المحللين الذي ناقشوا المسألة هي باختصار شديد على النحو التالي:
1 - الأوضاع المعيشية المأساوية التي يعيشها الشعب الإيراني على كل المستويات والتي بلغت حدا من التردي غير مسبوق في تاريخ إيران كله.
2 - القمع الوحشي الذي يمارسه النظام ضد أي احتجاجات وكان آخرها ما شهدته البلاد من قمع عنيف للحركة الاحتجاجية الكبرى التي تفجرت في أعقاب مقتل مهسا أميني. وغير ذلك فهذا القمع هو سلوك يومي للنظام.
3 - استبعاد المرشحين الإصلاحيين من المشاركة في الانتخابات واقتصارها بالكامل على المتشددين المتطرفين، الأمر الذي لم يترك للشعب خيارات أصلا في الانتخابات.
4 - إهدار الموارد المالية الإيرانية التي تعتبر محدودة في الإنفاق على المليشيات والقوى والجماعات العميلة لإيران في المنطقة العربية بدلا من تخصيصها لتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين.
5 - فقدان ثقة الشعب في النظام السياسي والعملية السياسية برمتها وبالتالي في وجود جدوى فعلية للانتخابات. بالطبع فقدان الثقة هو محصلة للخبرة الطويلة للشعب مع النظام ومؤسساته ورجاله.
6 - فقدان الأمل في المستقبل بشكل عام في ظل وجود هذا النظام. الأغلبية الساحقة من الإيرانيين وصلوا إلى قناعة مؤداها أن الأفق مسدود أمام أي تحسن أو تطوير من أي نوع في ظل وجود النظام وبالتالي فمن العبث المراهنة على أي انتخابات أو غيرها.
هذه بشكل عام الأسباب التي دفعت الشعب الإيراني إلى عدم الإقبال على الانتخابات.
لكن ماذا يعني هذا؟
يعني أن الشعب الإيراني قرر في الحقيقة عدم إعطاء النظام الشرعية الشعبية. يعني أن هذا النظام يفتقد في حقيقة الأمر الدعم الشعبي والشرعية الشعبية.
قبيل إجراء الانتخابات عبّر مواطنون إيرانيون عن هذا المعنى بالضبط في تصريحات لوكالات أنباء ومواقع إعلامية. أحد المواطنين قال لوكالة الصحافة الفرنسية بالقرب من المدخل الرئيسي لأكبر سوق في العاصمة: «لا أحد من أفراد عائلتي يرغب في المشاركة في التصويت». وأضاف أن المواطنين «يسمعون كثيراً من الأكاذيب، وقد فقدوا ثقتهم في التصويت».
وإنه يتمنى أن «يوقف السياسيون الشعارات الفارغة».
مواطن آخر وقف أمام متجره لبيع الملابس، وقال: «عندما أخبر الراغبين في الشراء عن ثمن السلعة، يتذمرون ويشتمون الحكومة قبل أن يغادروا».
هذا إذن باختصار هو حال النظام الإيراني حاليا.. نظام ينصرف عنه الشعب ويحجب عنه الشرعية الشعبية. وبالمناسبة ليست الانتخابات فقط هي التي تؤكد هذا، لكن هناك مؤشرات وأدلة كثيرة أخرى ليس هنا مجال الخوض فيها.
نثير هذا الموضوع اليوم ليس لمتابعة أو معرفة الأوضاع الداخلية في إيران فقط، ولكن لسبب آخر أهم يعنينا نحن في الوطن العربي.
وهذا حديث آخر بإذن الله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك