العدد : ١٧٠٥٨ - الخميس ٠٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٨ - الخميس ٠٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

هل يحفر النظام الدولي الجائر قبره بيده؟!

{ حين‭ ‬يكون‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬قبضته‭ ‬شر‭ ‬كبير،‭ ‬فإن‭ ‬ميزان‭ ‬الطبيعة‭ ‬والكون‭ ‬يختل‭ ‬في‭ ‬سرمدية‭ ‬صراع‭ ‬الخير‭ ‬والشر،‭ ‬والحق‭ ‬والباطل‭! ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬حدث‭ ‬كبير‭ ‬أو‭ ‬أحداث‭ ‬كبرى‭ ‬تعيد‭ ‬التوازن‭ ‬المفقود،‭ ‬وفي‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬اختبر‭ ‬العالم‭ ‬أحداث‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬تجليات‭ ‬‮«‬النظام‭ ‬الدولي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تواتر‭ ‬ظهوره‭ ‬ثم‭ ‬رسوخه‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬واستمد‭ ‬سطوته‭ ‬من‭ ‬سطوة‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبعض‭ ‬القوى‭ ‬الأوروبية‭ ‬الكبرى،‭ ‬ليطرح‭ ‬التحديات‭ ‬العميقة‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب،‭ ‬والاختيار‭ ‬بين‭ ‬الاستسلام‭ ‬أو‭ ‬الرفض‭ ‬للمنظور‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬الاستبداد‭!‬،‭ ‬وكلاهما‭ ‬محملان‭ ‬بالمخاطر،‭ ‬إذ‭ ‬الأول‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬العبودية‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقلالية،‭ ‬فيما‭ ‬الثاني‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬الرفض‮»‬‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬داخله‭ ‬تبعات‭ ‬المواجهة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬اختلال‭ ‬ميزان‭ ‬آخر‭ ‬وهو‭ ‬ميزان‭ ‬القوى،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لخصه‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬‮«‬بوش‮»‬‭ (‬إما‭ ‬معنا‭ ‬أو‭ ‬ضدنا‭)!.‬

{ تمادت‭ ‬القوة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬سطوتها‭ ‬وقيمها‭ ‬وأجندتها‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬سواء‭ ‬الكبيرة‭ ‬أو‭ ‬الصغيرة،‭ ‬القوية‭ ‬أو‭ ‬الضعيفة،‭ ‬وما‭ ‬صراعها‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا،‭ ‬وحروبها‭ ‬المتعددة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬إلا‭ ‬نموذجا‭ ‬لذلك‭ (‬المخيلة‭ ‬الإمبريالية‭ ‬المريضة‭) ‬في‭ ‬الاستفراد‭ ‬بالعالم‭! ‬ومنع‭ ‬ظهور‭ ‬تعدد‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬وتنافسيتها‭ ‬الطبيعية،‭ ‬فتراكمت‭ ‬الأسباب‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والمالية،‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬الانكشاف‭ ‬الخطير‭ ‬للقيم‭ ‬المادية،‭ ‬باعتبارها‭ ‬المعيار‭ ‬الأول‭ ‬والأهم‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬التي‭ ‬تولد‭ ‬منها‭ ‬أيضا‭ ‬التدهور‭ ‬الأخلاقي‭ ‬الإنساني‭! ‬وحيث‭ ‬سطوة‭ ‬القوة‭ ‬وحدها‭ ‬الحاكمة،‭ ‬خاصة‭ ‬وقد‭ ‬تلاقحت‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬ثورة‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وأساليب‭ ‬الحروب‭ ‬الجديدة‭ ‬وأجيالها‭ ‬المتناسلة،‭ ‬ودخول‭ ‬الحروب‭ ‬البيولوجية‭ ‬والمناخية‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬الاستخدام‭ ‬للتلاعب‭ ‬بالدول‭ ‬والشعوب‭!‬

{ كل‭ ‬ذلك‭ ‬الانجراف‭ ‬الأعمى‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬بالسر‭ ‬والعلن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والغرب،‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬حدث‭ ‬كبير‭ ‬يكشف‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬التجمل‭ ‬به‭ ‬ورفعه‭ ‬كشعارات‭ ‬لمؤسسات‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭!‬

فجاءت‭ ‬أحداث‭ ‬غزة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬حملته‭ ‬من‭ ‬بشاعة‭ ‬وتطهير‭ ‬عرقي‭ ‬وجرائم‭ ‬حرب،‭ ‬لتضع‭ ‬على‭ ‬‮«‬النخب‭ ‬الشعبية‮»‬‭ ‬هده‭ ‬المرة‭ ‬كالطلبة‭ ‬والأساتذة‭ ‬والمثقفين‭ ‬والمفكرين‭ ‬والفنانين‭ ‬أصحاب‭ ‬الرؤى‭ ‬الإنسانية‭ ‬والضمير‭ ‬الحي‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب،‭ ‬مسؤولية‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أوجه‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬الحكم‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬بلدانهم،‭ ‬وفي‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭!‬،‭ ‬وفي‭ ‬القيد‭ ‬الذي‭ ‬تمثله‭ ‬الصهيونية‭ ‬على‭ ‬بلدانهم،‭ ‬ليقودوا‭ ‬اليوم‭ ‬الحراك‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬‮«‬الجامعات‮»‬‭ ‬ولكنه‭ ‬لن‭ ‬يتوقف‭ ‬عندها‭! ‬لأن‭ ‬من‭ ‬رمى‭ ‬الحجر‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬البركة‭ ‬الآسنة‭ ‬للظلم‭ ‬والجور،‭ ‬يمسك‭ ‬بيده‭ ‬أحجارا‭ ‬أخرى‭! ‬فالذي‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬مثَّل‭ ‬تحدياً‭ ‬كبيراً‭ ‬لدى‭ ‬الشعوب‭ ‬الغربية‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لإدراك‭ (‬المأزق‭ ‬الحضاري‭ ‬والإنساني‭ ‬والأخلاقي‭ ‬والسياسي‭) ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬تجاه‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وإنما‭ ‬إدراك‭ ‬أنهم‭ (‬حملة‭ ‬شعلة‭ ‬الحرية‭) ‬لقيادة‭ ‬الإنسانية‭ ‬إلى‭ ‬التحول‭ ‬عن‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬القائم،‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬آخر‭ ‬يحترم‭ ‬إنسانية‭ ‬الإنسان‭ ‬ويحفظ‭ ‬كرامته،‭ ‬ويمنع‭ ‬العنصرية‭ ‬والخضوع‭ ‬لسطوة‭ ‬قوى‭ ‬ونخب‭!‬،‭ ‬اتضح‭ ‬أنها‭ ‬كما‭ ‬تتلاعب‭ ‬بالشعارات،‭ ‬فهي‭ ‬تقتل‭ ‬الإنسان‭ ‬وتتلاعب‭ ‬بالبشرية‭ ‬ككل‭! ‬

{ على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭ ‬النخبوية‭ ‬‮«‬الشعبية‮»‬‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب،‭ ‬هناك‭ ‬تصاعد‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬والحراك،‭ ‬رغم‭ ‬أساليب‭ ‬الضغط‭ ‬والقمع‭ ‬والحرمان‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬والعقاب‭ ‬بفقدان‭ ‬الوظيفة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هدا‭ ‬التمادي‭ ‬القمعي‭ ‬‮«‬هو‭ ‬الذي‭ ‬سيكون‭ ‬عامل‭ ‬تأجيج‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الشعبية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المدنية‭ ‬والأهلية‭ ‬هناك‭ ‬وتقبل‭ ‬التضحيات،‭ ‬ولكأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬أدوات‭ ‬النخر‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬وفي‭ ‬التربة،‭ ‬التي‭ ‬يقف‭ ‬عليها‭ (‬القادة‭ ‬المتحكمون‭ ‬في‭ ‬الصهاينة‭ ‬والماسون‭)‬،‭ ‬وهم‭ ‬بيدهم‭ ‬يحفرون‭ ‬النهاية،‭ ‬مثلما‭ ‬يحفرون‭ ‬القبر‭ ‬الذي‭ ‬سينتهون‭ ‬إليه‭! ‬الجامعيون‭ ‬والنخب‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ (‬الغرب‭)‬هم‭ ‬من‭ ‬يقود‭ ‬حركة‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬وفي‭ ‬العالم‭ ‬اليوم،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬كانوا‭ ‬يحتاجونه‭ ‬هو‭ ‬الوعي‭ ‬بحقيقة‭ ‬أنظمتهم‭ ‬السياسية،‭ ‬وقد‭ ‬قامت‭ ‬غزة‭ ‬بالمهمة‭ ‬المستحيلة،‭ ‬ففتحوا‭ ‬عيونهم‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الحقيقة‭! ‬وأمريكا‭ ‬لن‭ ‬تتغير‭ ‬بقوة‭ ‬وعمق‭ ‬سياسي‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬داخلها‭ ‬وبأسباب‭ ‬داخلية‭ ‬وحراكات‭ ‬وعي‭ ‬شعبية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭! (‬يمكرون‭ ‬ويمكر‭ ‬الله‭ ‬والله‭ ‬خير‭ ‬الماكرين‭)‬،‭ ‬والبداية‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تقود‭ ‬‮«‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الجائر‮»‬‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا