العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

التدمير الشامل للمساكن في غزة جريمة حرب

بقلم: إسماعيل محمد المدني

الخميس ٠٩ مايو ٢٠٢٤ - 02:00

الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬للبشر(genocide)‭ ‬معروفة‭ ‬ومقننة‭ ‬منذ‭ ‬الأربعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬اتفاقيات‭ ‬جنيف‭ ‬لعام‭ ‬1948،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تعريفها‭ ‬بأنها‭: ‬‮«‬التدمير‭ ‬المتعمد‭ ‬والمنهجي‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬بسبب‭ ‬عرقهم،‭ ‬أو‭ ‬جنسيتهم،‭ ‬أو‭ ‬دينهم،‭ ‬أو‭ ‬أصلهم‮»‬،‭ ‬فهذه‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬للبشر‭ ‬صُنِّفت‭ ‬بإجماع‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬كجريمة‭ ‬حرب‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭. ‬

ولكن‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬للبشر‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والتي‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬ألقت‭ ‬الأضواء‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬نوعٍ‭ ‬من‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬يُعد‭ ‬حديثا‭ ‬نسبياً‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬ويأخذ‭ ‬الآن‭ ‬طريقه‭ ‬رويداً‭ ‬رويداً‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الدولية‭.‬

وهذا‭ ‬النوع‭ ‬الجديد‭ ‬نسبياً‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬التدمير‭ ‬الشامل‭ ‬المنهجي‭ ‬والمتعمد‭ ‬لمساكن‭ ‬المدنيين‭ ‬ومنازلهم‭ ‬وعماراتهم،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬المدنية‭ ‬التي‭ ‬تُقدم‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭ ‬الضرورية‭ ‬لحياة‭ ‬لائقة‭ ‬وكريمة‭ ‬للبشر،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬الكهرباء،‭ ‬أو‭ ‬مياه‭ ‬الشرب،‭ ‬أو‭ ‬معالجة‭ ‬مياه‭ ‬المجاري‭ ‬والقمامة،‭ ‬أو‭ ‬المزارع‭ ‬والحقول‭ ‬المثمرة‭ (‬راجع‭ ‬تحقيق‭ ‬صحيفة‭ ‬الواشنطن‭ ‬بوست‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬مايو‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬الهجمات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬دمرت‭ ‬قدرة‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬زراعة‭ ‬غذائها‮»‬‭)‬،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬الإنسان‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ ‬ولائقة‭ ‬بدونها‭.‬

وهذه‭ ‬الفكرة‭ ‬المستجدة‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬العلمية‭ ‬الأكاديمية‭ ‬منذ‭ ‬السبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم،‭ ‬وهي‭ ‬باختصار‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬تصنيف‭ ‬‮«‬التدمير‭ ‬الشامل‭ ‬للمساكن‭ ‬أثناء‭ ‬الحروب‭ ‬والنزاعات‭ ‬كجريمة‭ ‬حرب‭ ‬دولية‮»‬،‭ ‬وأُطلق‭ ‬عليها‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬دُوْمِيسَيدْ‮»‬‭ ‬(domicide)،‭ ‬وأصله‭ ‬عبارة‭ ‬لاتينية‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬كلمتين،‭ ‬الأولى‭ ‬(domus)‭ ‬بمعنى‭ ‬بيت‭ ‬ومنزل،‭ ‬والثانية‭ ‬(cide)‭ ‬أو (caedo)‭ ‬بمعنى‭ ‬القتل‭ ‬المتعمد‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬2001‭ ‬تم‭ ‬نشر‭ ‬كتاب‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬دوموسيد‭: ‬التدمير‭ ‬الدولي‭ ‬للمنازل‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬الكتاب‭ ‬يُقدم‭ ‬تعريفاً‭ ‬مختصراً‭ ‬لهذا‭ ‬المصطلح‭ ‬وهو‭: ‬‮«‬تدمير‭ ‬المنازل،‭ ‬وهدم‭ ‬المنازل‭ ‬بصفةٍ‭ ‬متعمدة‭ ‬بدون‭ ‬رضا‭ ‬الساكنين‭ ‬فيها‮»‬‭. ‬وهناك‭ ‬تعريف‭ ‬آخر‭ ‬الآن‭ ‬هو‭: ‬‮«‬التدمير‭ ‬المتعمد‭ ‬الشامل‭ ‬لأماكن‭ ‬السكن‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬المنطقة‭ ‬غير‭ ‬صالحة‭ ‬وغير‭ ‬ملائمة‭ ‬للحياة‮»‬،‭ ‬كذلك‭ ‬التعريف‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الدوموسيد‮»‬‭ ‬هو‭: ‬‮«‬التدمير‭ ‬المتعمد‭ ‬والمنهجي‭ ‬للمنازل‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬الأساسية‭ ‬بحيث‭ ‬يصبح‭ ‬المكان‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للسكن‭ ‬والحياة‮»‬‭. ‬

أما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬ففي‭ ‬28‭ ‬أكتوبر‭ ‬2022‭ ‬نشرتْ‭ ‬‮«‬مفوضية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬العليا‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‮»‬‭ ‬تقريراً‭ ‬من‭ ‬إعداد‭ ‬‮«‬بالاكريشنان‭ ‬راجاغوبال‮»‬‭ ‬‭(‬Balakrishnan‭ ‬Rajagopal‭)‬‭ ‬المقرر‭ ‬الخاص‭ ‬بالحق‭ ‬في‭ ‬السكن‭ ‬اللائق‭. ‬وجاء‭ ‬التقرير‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬يجب‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالـ‭(‬دُوْمِيسَايد‭) ‬كجريمة‭ ‬دولية‮»‬،‭ ‬وعرَّف‭ ‬المصطلح‭ ‬الجديد‭ ‬بأنه‭: ‬‮«‬التدمير‭ ‬الشامل‭ ‬والعشوائي‭ ‬أو‭ ‬المنهجي‭ ‬لمساكن‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬النزاعات‭ ‬المسلحة‮»‬،‭ ‬وأكد‭ ‬في‭ ‬التقرير‭ ‬الذي‭ ‬عُرض‭ ‬على‭ ‬الجمعية‭ ‬العمومية‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الاعتراف‭ ‬بهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإبادة‭ ‬الشاملة‭ ‬كجريمة‭ ‬حرب‭ ‬دولية‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭.‬

وفي‭ ‬29‭ ‬يناير‭ ‬2024،‭ ‬نشر‭ ‬المقرر‭ ‬الأممي‭ ‬الخاص‭ ‬بالسكن‭ ‬اللائق‭ ‬مقالاً‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬النيويورك‭ ‬تايمز‮«‬،‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬لماذا‭ ‬يجب‭ ‬تصنيف‭ (‬الدوموسيد‭) ‬كجريمة‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬تحديث‭ ‬وتطوير‭ ‬المعاهدات‭ ‬والقوانين‭ ‬والمحاكم‭ ‬الدولية‭ ‬المختصة‭ ‬بجرائم‭ ‬الحروب‭ ‬والنزاعات‭ ‬إلى‭ ‬ضم‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬الإبادة‭ ‬الشاملة‭ ‬كجريمة‭ ‬حرب‭ ‬يحاسب‭ ‬عليها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يرتكبها،‭ ‬كما‭ ‬ذكر‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬تدمير‭ ‬شامل‭ ‬للسكن‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬الخدمية‭ ‬للمدنيين‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬جريمة‭ ‬حرب،‭ ‬لما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬التعدي‭ ‬الواضح‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬منها‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬السكن‭ ‬المناسب‭ ‬والملائم‭ ‬الذي‭ ‬يجعله‭ ‬يعيش‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ ‬ولائقة‭.‬

فما‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬منذ‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬له‭ ‬التاريخ‭ ‬مثيلاً،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬إخفاؤه‭ ‬أو‭ ‬غض‭ ‬الطرف‭ ‬عنه‭ ‬وتجاهله،‭ ‬فما‭ ‬وقع‭ ‬كان‭ ‬بالصوت‭ ‬والصورة‭ ‬أمام‭ ‬الجميع،‭ ‬ومشاهد‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬والإبادة‭ ‬الكاملة‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية‭ ‬السكنية‭ ‬والخدمية‭ ‬كانت‭ ‬تُنقل‭ ‬مباشرة‭ ‬وفوراً‭ ‬لكل‭ ‬إنسان‭ ‬يعيش‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭. ‬فالكل‭ ‬رأى‭ ‬بأم‭ ‬عينيه‭ ‬طائرات‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬الأمريكية‭ ‬الصنع‭ ‬وهي‭ ‬تقذف‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أشهر‭ ‬طويلة‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬القنابل‭ (‬الغبية‭) ‬والعشوائية‭ ‬التي‭ ‬تزن‭ ‬نحو‭ ‬طن‭ ‬واحد،‭ ‬وأمام‭ ‬الجميع‭ ‬كانت‭ ‬المباني،‭ ‬والمنازل،‭ ‬والعمارات‭ ‬السكنية‭ ‬تسقط‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬ثانية‭ ‬واحدة،‭ ‬وأمام‭ ‬الجميع‭ ‬تكرر‭ ‬هذا‭ ‬المنظر‭ ‬التدميري‭ ‬الشامل‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬سبعة‭ ‬أشهر،‭ ‬وأمام‭ ‬الجميع‭ ‬كانت‭ ‬مشاهد‭ ‬النساء،‭ ‬والأطفال،‭ ‬والشيوخ‭ ‬وهم‭ ‬يُحملون‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الناس‭ ‬سريعاً‭ ‬لنقلهم‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬الأمان،‭ ‬وأمام‭ ‬الجميع‭ ‬كان‭ ‬الناس‭ ‬يشاهدون‭ ‬ويتحسسون‭ ‬البشر‭ ‬صغاراً‭ ‬وكباراً،‭ ‬شيوخاً‭ ‬وأطفالاً،‭ ‬أحياءً‭ ‬وأمواتاً‭ ‬وهم‭ ‬يؤخذون‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬الركام‭ ‬والتراب‭ ‬وحطام‭ ‬المباني‭. ‬فالتدمير‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬شمل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70%‭ ‬من‭ ‬المساكن،‭ ‬والمساجد،‭ ‬والجامعات،‭ ‬والكنائس،‭ ‬والمباني‭ ‬الإدارية،‭ ‬والمقابر،‭ ‬حيث‭ ‬أفادت‭ ‬التقديرات‭ ‬الأممية‭ ‬الأولية‭ ‬بأن‭ ‬القصف‭ ‬الوحشي‭ ‬قضى‭ ‬كلياً‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭ ‬ألف‭ ‬وحدة‭ ‬سكنية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬290‭ ‬ألف‭ ‬وحدة‭ ‬سكنية‭ ‬تم‭ ‬تدميرها‭ ‬جزئياً،‭ ‬علماً‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الأرقام‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬مطرد‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬تستمر‭ ‬فيه‭ ‬الحرب‭.‬

فهذه‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والشاملة‭ ‬للمساكن‭ ‬خلفت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬650‭ ‬ألف‭ ‬إنسان‭ ‬نازح‭ ‬من‭ ‬بيته‭ ‬ومسقط‭ ‬رأسه‭ ‬وليس‭ ‬لهم‭ ‬سكن‭ ‬ومأوى‭ ‬ينام‭ ‬فيه،‭ ‬بحسب‭ ‬تقديرات‭ ‬مكتب‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لتنسيق‭ ‬الشؤون‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وهذا‭ ‬العدد‭ ‬المهول‭ ‬يساوي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40%‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭. ‬كذلك‭ ‬فإن‭ ‬صور‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬التي‭ ‬نشرتها‭ ‬جامعة‭ ‬ولاية‭ ‬أوريجون‭ ‬وجامعة‭ ‬مدينة‭ ‬نيويورك‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أكدت‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬هدم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬82‭.‬9%‭ ‬من‭ ‬المباني‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬غزة‭ ‬فقط‭ ‬كلياً‭ ‬أو‭ ‬جزئياً‭. ‬

فمثل‭ ‬هذا‭ ‬التدمير‭ ‬الشامل‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬تاريخياً‭ ‬للمساكن،‭ ‬صاحبه‭ ‬تدمير‭ ‬جماعي‭ ‬شامل‭ ‬للصحة‭ ‬النفسية‭ ‬والجسدية‭ ‬والعقلية‭ ‬للذين‭ ‬فقدوا‭ ‬منازلهم‭ ‬وأماكن‭ ‬سكنهم‭ ‬الخاص‭ ‬بهم،‭ ‬وفقدوا‭ ‬ذكرياتهم‭ ‬التي‭ ‬حملوها‭ ‬معهم‭ ‬أثناء‭ ‬سكنهم‭ ‬في‭ ‬البيت،‭ ‬ذكريات‭ ‬الطفولة،‭ ‬والشباب،‭ ‬والشيخوخة‭. ‬فهؤلاء‭ ‬الناس‭ ‬بنوا‭ ‬بيوتهم‭ ‬ولكافة‭ ‬أفراد‭ ‬أسرهم‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬وربما‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬قد‭ ‬أنفق‭ ‬جُل‭ ‬ماله‭ ‬الذي‭ ‬جمعه‭ ‬طوال‭ ‬سنوات‭ ‬حياته‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الدؤوب‭ ‬والشاق‭ ‬والمؤلم،‭ ‬ثم‭ ‬تأتي‭ ‬الطائرات‭ ‬الصهيونية‭ ‬فتُطلق‭ ‬صواريخها‭ ‬وقنابلها‭ ‬لتحول‭ ‬هذا‭ ‬البيت‭ ‬إلى‭ ‬ركام‭ ‬وحطام‭ ‬وتراب‭ ‬في‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬ثانية‭ ‬واحدة،‭ ‬وكأن‭ ‬شيئاً‭ ‬لم‭ ‬يكن،‭ ‬ثم‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المنظر‭ ‬القاسي‭ ‬تأتي‭ ‬الصدمة‭ ‬القوية،‭ ‬والمعاناة‭ ‬النفسية‭ ‬والعاطفية‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬ستستمر‭ ‬أبد‭ ‬الحياة‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬محوها،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصويرها‭ ‬وصياغتها‭ ‬ورسمها‭ ‬بأي‭ ‬عبارة،‭ ‬أو‭ ‬كلمات‭ ‬عندما‭ ‬يقف‭ ‬الإنسان‭ ‬أمام‭ ‬منظر‭ ‬بيته‭ ‬وقد‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬التراب‭. ‬فهؤلاء‭ ‬البشر‭ ‬فقدوا‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬كل‭ ‬استثمار‭ ‬حياتهم‭ ‬وجهدهم‭ ‬لبناء‭ ‬هذا‭ ‬السكن‭ ‬البسيط،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تعويضهم‭ ‬بأي‭ ‬ثمن‭ ‬وبأي‭ ‬مبلغ‭ ‬مالي‭. ‬

فهذه‭ ‬الإبادة‭ ‬الشاملة‭ ‬لسكن‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬ضمن‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الدولية،‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬وقع‭ ‬مدمر،‭ ‬وللبصمات‭ ‬العميقة‭ ‬والمؤلمة‭ ‬التي‭ ‬ستتركها‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬فقد‭ ‬سكنه‭ ‬طوال‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬وفقد‭ ‬حقة‭ ‬كإنسان‭ ‬في‭ ‬السكن‭ ‬اللائق،‭ ‬فضاعت‭ ‬الأحلام،‭ ‬وماتت‭ ‬التطلعات‭ ‬للمستقبل‭ ‬المزدهر‭ ‬والمشرق،‭ ‬ولذلك‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬بهذا‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل،‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬أسهم‭ ‬بالدعم‭ ‬العسكري‭ ‬والمالي‭ ‬والسياسي‭ ‬والاعلامي،‭ ‬أن‭ ‬يتحمل‭ ‬هذه‭ ‬المسؤولية‭ ‬أمام‭ ‬المحاكم‭ ‬الدولية‭ ‬المختصة‭ ‬فيعاقب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬للمساكن‭ ‬والعمارات‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬للمدنيين‭.‬

فهل‭ ‬سيأتي‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم؟

 

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا