سواء نجحت أو فشلت إدارات الجامعات الأمريكية في قمع أو احتواء احتجاجات الطلاب فيها، فإن الأثر الأهم على الإطلاق لتلك الاحتجاجات قد تحقق بالفعل، فلأول مرة، يدخل لوبي إسرائيل في الولايات المتحدة في مواجهة مفتوحة داخل أمريكا نفسها وضد أمريكيين لقمع حرياتهم!،
ذلك أن واحدا من أهم مصادر القوة التي طالما تمتع بها لوبي إسرائيل هو أن الأمريكيين عادة ما لا ينتبهون لما تفعله بلادهم في الخارج، ولا يكترثون بما يحدث خارج مدينتهم. وهو ما يجعل الجماعات المنظمة الساعية للتأثير في صنع السياسة الخارجية أكثر قوة، فتلك المنظمات مكونة من مواطنين أمريكيين هم وحدهم الذين يهتمون بتلك القضية، الأمر الذي يجعل دورهم محوريًّا في صنع السياسة تجاهها، إذ تدور اللعبة برمتها بينهم وبين صناع القرار، في غيبة شبه كاملة للرأي العام الأمريكي، فإذا تمكنت تلك المنظمات من امتلاك مصادر القوة الأخرى التي لابد أن تمتلكها أي من جماعات الضغط، كالإنفاق الضخم في الحملات الانتخابية وعلي تشكيل الخطاب العام والإعلامي والتصويت ككتلة واحدة، صارت تلك الجماعة بالغة التأثير.
وينطبق هذا كله على لوبي إسرائيل، فحتي المواطن الأمريكي الذي يتابع سياسة بلاده الخارجية، بما فيها سياستها تجاه منطقتنا، فإن علاقته الإيجابية بمواطنيه من الصهاينة الأمريكيين، (ليسوا كلهم يهودًا، بالمناسبة، مثلهم في ذلك مثل لوبي إسرائيل نفسه)، تجعله على استعداد للتخلي عما يتعلق بتلك القضية طالما أنها تهمه لهذه الدرجة.
لذلك كله، فإن من يتابع من كثب أداء لوبي إسرائيل يرى بوضوح حرصه الشديد على عدم الإفصاح عن كل ما يقوم به، اللهم إلا في حالات محدودة من باب التباهي بنتيجة عمله لتخويف مَن يهمه الأمر، ولكن دون الإفصاح عما يستخدمه من تكتيكات لتحقيق تلك النتيجة.
وهو يفعل ذلك داخل واشنطن، لا خارجها في الولايات وبين الناس. بعبارة أخرى، فإن العاملين بالسياسة بأمريكا يعرفون جيدًا قوة لوبي إسرائيل، ويحسبون له ألف حساب.
أما غالبية المواطنين العاديين، باستثناءات قليلة للغاية، فلا يعلمون أصلًا بوجوده ولا بحجم تأثيره. وحتى حين يعلمون، فإن الأمر لا يهمهم لأن الإعلام قد تكفّل أصلًا بتشكيل رؤاهم لتصبح إيجابية تجاه إسرائيل.
ومن هنا، فإن الجديد بعد «طوفان الأقصى» لم يكن فقط أن الشباب عمومًا، لا فقط شباب الجامعات، باتوا يتلقون معلوماتهم بالصوت والصورة من خلال وسائل تلتف بالكامل حول الإعلام الأمريكي، الذي يشكل لوبي إسرائيل مواقفه، وإنما أن هؤلاء الشباب انتفضوا لأجل فلسطين في طول البلاد وعرضها، بما استحال معه على ذلك الإعلام أن يتجاهل تغطية ما يحدث، كما كان يفعل من قبل.
ومن هنا، صار القاصي والداني من الأمريكيين العاديين يرون بأعينهم مَن الذي وراء قمع شبابهم ومعاملتهم بتلك القسوة.
بعبارة أخرى، فإن أهم ما فقدته إسرائيل هذه المرة لم يكن مجرد فضح جرائمها ونقلها بالصوت والصورة لأجيال ستشكل المستقبل، وإنما أنها اضطرت أنصارها الأمريكيين اضطرارًا إلى خوض مواجهة لأول مرة داخل أمريكا بالاشتباك مع شباب أمريكيين ليسوا كلهم من أصول عربية ومسلمة.
ولو أن أي زعيم أجنبي آخر حرض صراحة على الطلاب الأمريكيين، ودعا إلي قمعهم، كما فعل نتنياهو، لقامت الدنيا، ولم تقعد بين السياسيين في واشنطن. لكن ما حدث كان أن ردد أغلبهم ما قاله نتنياهو حرفيًّا!
السؤال الأهم إذًا: لأي مدي سيغضب الأمريكيون العاديون لقمع طلاب الجامعات من جانب لوبي مكون من أمريكيين يدافعون عن إسرائيل؟
{ باحثة مختصة في الشؤون الأمريكية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك