القمة العربية في المنامة اليوم 16 مايو هي الدورة العادية الثالثة والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، وفيما تحمست مملكة البحرين لاستضافتها، انطلاقًا من ثوابت سياستها الخارجية في دعم العمل العربي المشترك، وطلب ذلك جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في الدورة الـ 32، فقد أخذ يوجه الدعوة إليها لقادة الدول العربية الأعضاء في الجامعة، كما أخذت الحكومة البحرينية بكل مكوناتها خاصة وزارة الخارجية تعد كل سبل إنجاحها، وحرص وزيرها على زيارة الدول الأعضاء وتسليم دعوة جلالة الملك لقادتها. وفيما تعدد انعقاد القمة العربية في عواصم ومدن خليجية؛ فإن الدلالة الأولى لذلك هي صعود الخليج إلى مكانة المحرك، والمنظم النشط للعمل العربي المشترك على أعلى مستوى اتخاذ القرار، في وقت تحتاج فيه الأمة العربية إلى لم الشمل، وتجنب مناحي الخلاف، والبناء على ما هو مشترك، وتطوير النجاح فيما تم تنفيذه.
ومنذ تأسيس آلية القمة العربية في العام الثاني لقيام الجامعة كانت هذه المكانة جلية، حيث كانت «السعودية»، بين الدول السبع المؤسسة للجامعة، وحضور هذه القمة في أنشاص بمصر في مايو 1946، والتي كانت القضية الفلسطينية موضوعها الرئيسي، حيث أقرت التمسك باستقلال فلسطين وتأكيد عروبتها، وفي القمة الثانية في بيروت نوفمبر 1956، بعد العدوان الثلاثي على مصر، تم التضامن معها ضد العدوان. كما شاركت السعودية والكويت في القمة الثالثة في القاهرة في يناير 1964، والتي أقرت تشكيل قوة موحدة للجيوش العربية، وهيئة استغلال نهر الأردن، وقمة الإسكندرية في نفس العام، ثم قمة الدار البيضاء 1965. وفي قمة الخرطوم في 1967 كان المقترح الكويتي الذي تم إقراره بإنشاء الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وتقديم السعودية والكويت دعمًا ماليًا سنويًا لمصر والأردن، كما كانت مشاركتهما في قمة الرباط 1969، وقمة القاهرة 1970.
وفي قمة الجزائر نوفمبر1973، بدأ الوجود الخليجي الكامل يدعم اجتماعات القمة وقراراتها، واستضافت الرياض القمة في أكتوبر 1976، بمبادرة سعودية كويتية لبحث ملف الحرب الأهلية اللبنانية. وبمبادرة سعودية أيضا تبنت قمة فاس 1982، مشروعا للسلام مع إسرائيل على أساس انسحابها من الأراضي العربية المحتلة في 1967، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. في 1985 استضافت الرياض قمة طارئة لتنقية الأجواء بين الدول العربية، وقادت دول الخليج مبادرة إعادة مصر إلى الجامعة العربية في القمة الطارئة 1987.
وفي قمة بيروت 2002، كانت «مبادرة السلام»، للعاهل السعودي الراحل الملك «عبد الله بن عبدالعزيز»، التي أصبحت مرجعية الموقف العربي، واستضافت الكويت القمة الاقتصادية العربية في 2009، واستضافتها السعودية في 2013، واستضافت الدوحة القمة الطارئة في 2009 (قمة غزة )، إثر الهجوم الإسرائيلي على القطاع، كما استضافت قمة 2013، التي أكدت مركزية القضية الفلسطينية للأمة العربية، واستضافت الكويت قمة 2014، والظهران قمة 2018، ومكة المكرمة قمة 2019، وجدة قمة 2023، وهي القمم التي أكدت أهمية القضية الفلسطينية ومركزيتها في أجندة الأمة العربية.
ومنذ الاستقلال في1971، سارعت «البحرين»، للانضمام إلى جامعة الدول العربية، حيث كان ذلك في 11 سبتمبر من نفس العام، وظل الالتزام بدعم العمل العربي المشترك على رأس ثوابت سياستها الخارجية، ويشهد على ذلك مشاركتها الفعالة بأعلى مستويات التمثيل في اجتماعات الجامعة بما في ذلك القمة، ووقوفها بقوة إلى جانب الحق العربي، ودفاعها المستميت عن القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية في كل المحافل الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة ومنظماتها، وكان لها دور داعم ومساند للتضامن العربي في مختلف المجالات، وفي تعزيز التكامل والتنسيق العربي، وتحملت مسؤولية قيادة العمل العربي المشترك من خلال ترؤسها القمة العربية الـ15، التي عقدت في شرم الشيخ عام 2003، وترؤسها العديد من اجتماعات المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية ولجانها.
ومن خلال عضويتها في «لجنة مبادرة السلام العربية» – منذ تأسيسها – لعبت البحرين «دورًا بارزًا»، في الحراك العربي نحو سلام عادل وشامل، وساندت الجهود العربية لمكافحة الإرهاب. ومن خلال عضويتها في «اللجنة الرباعية العربية»، المعنية بالتصدي للتدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية، كان لها دور متميز في هذا الشأن، كما شاركت بفاعلية في دعم العمل الاقتصادي العربي المشترك من خلال دورها كمؤسس لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى في يناير 1998، ومشاركتها في القمة الاقتصادية العربية في الكويت عام 2009، والقمم الاقتصادية التالية.
وفي إطار تعزيز التعاون بين «المجموعة العربية»، و«المجموعات الإقليمية»، و«القوى الكبرى»، استضافت «المنامة»، الدورة الثالثة للاجتماع الوزاري لـ«منتدى التعاون العربي الصيني» في 2007، وتولت الكوادر البحرينية العديد من مناصب الجامعة، فيما قدمت العديد من المبادرات لتطوير العمل العربي المشترك، كمبادرة جلالة الملك لاستضافة «البورصة العربية المشتركة»، ومبادرته «إنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان»، واستضافتها، كما حرصت على استضافة العديد من اجتماعات الجامعة العربية، كمجلس محافظي صندوق النقد العربي، ومنظمة المرأة العربية، والبرلمان العربي.
ويأتي انعقاد «قمة المنامة» الـ33 في ظل أجواء مفعمة بالتحديات الأمنية، والاقتصادية، والسياسية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والتي يعد العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة وباقي الأراضي الفلسطينية، أحد أهم تجلياتها الحالية، والذي خلف عشرات الآلاف من القتلى والمصابين، فضلاً عن حجم الدمار الهائل الذي ألحقه بمساكن غزة ومبانيها وبنيتها التحتية. ومع ذلك، فإن هذه الأحداث رفعت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمامات الدولية، وأصبح هناك نوع من التوافق الدولي على أن حل الدولتين، هو الخيار الأمثل لمنطقة الشرق الأوسط، وللسلام والأمن الدوليين. وقد سبق «قمة المنامة»، في تناول العدوان الإسرائيلي «القمة العربية الإسلامية»، بالرياض في نوفمبر الماضي، وما انتهت إليه من قرارات، وكذلك جلسة «المنتدى الاقتصادي العالمي»، بالرياض في 28 أبريل المخصصة لهذه الأزمة، بمشاركة وزراء خارجية السعودية، والأردن، ومصر، وقطر، والإمارات، وتركيا، وفرنسا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، ومسؤولين من الاتحاد الأوروبي، ورؤساء وزراء فلسطين ومصر. فيما أعلنت «السعودية»، و«قطر»، و«الإمارات»، مبادرة المساهمة في إعادة إعمار غزة، إذا قبلت إسرائيل المفاوضات بشأن إقامة دولة فلسطينية مستقلة؛ ولهذا فإن مخرجات هذه الجلسة تعد على درجة عالية من الأهمية في صياغة القرار الذي تتبناه القمة العربية الـ33، بشأن موقف عربي موحد لوقف العدوان، والتوجه إلى أسباب الحل النهائي، استنادًا إلى مرجعية المبادرة العربية للسلام.
كما تنعقد هذه القمة أيضا مع تردي الأوضاع السياسية، والإنسانية في السودان، الذي كان يُعول عليه ليكون «سلة غذاء العرب»، فإذا به لم يعرف طعم الاستقرار الذي يؤهله إلى هذا الدور على الرغم من امتلاكه الموارد؛ فالقتال الدائر بين أطراف في الحكومة السودانية منذ أبريل الماضي، قد أفشل الدولة، وتسبب في فقدان الآلاف لحياتهم، وتشريد الملايين، فيما تفجرت أزمة إنسانية خانقة، تعتبر الأكبر في العالم، مع كونها أكبر أزمة نزوح دولي (8 ملايين نازح)، حيث تتعرض حياة الملايين للخطر، ويواجه نحو 18 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد، ونحو 5 ملايين خطر المجاعة، مع تعقيدات في عمليات الإغاثة الإنسانية نتيجة لصعوبات النقل والتمويل. ووفق «برنامج الأغذية العالمي»، فإن أقل من 5% من السودانيين يستطيعون توفير وجبة كاملة يومية في الوقت الراهن، فيما أخفقت كل محاولات الوساطة في وأد هذه الأزمة السياسية والإنسانية، الأمر الذي يشكل تهديدًا للسلام والاستقرار في المنطقة بأسرها. وتأمل القمة في صياغة موقف عربي موحد ينهي معاناة السودانيين، ويعيد السودان إلى مسار الاستقرار والنماء.
فيما تأتي القمة الـ33، مع تفجر «الأزمة الصومالية الإثيوبية»، حيث أثارت الأخيرة توترًا جديدًا في منطقة القرن الإفريقي من خلال انتهاكها لحقوق دولة الصومال في أراضيها، وخرقها للمواثيق الدولية، بعد أن قام زعيم أرض الصومال المنشقة بتوقيع اتفاق مفاجئ، يمنحها منفذا على البحر الأحمر مدة 50 عامًا يضم ميناء «بربرة»، وقاعدة عسكرية، مقابل اعتراف «أديس أبابا»، بأرض الصومال، وتأسيسها كجمهورية مستقلة، في خطوة أحادية الجانب، وإجراء لم تقره الأسرة الدولية؛ ما دفع المجتمع الدولي كافة إلى التنديد بالإجراءات الإثيوبية. وعليه، طلبت الصومال من الجامعة العربية عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية؛ لمناقشة تداعيات هذا الاتفاق. وبدورها، أدانت الجامعة أي مذكرات تفاهم تنتهك سيادة الصومال، كذلك أكد البرلمان العربي ضرورة تعزيز الدعم لحكومة الصومال في إدانتها لهذا الاتفاق. ورغم عدم دخوله حيز التنفيذ، فإن التحرك العربي مطلوب لتكثيف الدعم للصومال في إدانتها للاتفاق في المحافل الدولية؛ للحيلولة دون تنفيذه، وتفادي الأضرار التي قد تلحق بالدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر. فيما تأمل القمة في صياغة قرار نحو وضع الشرعية الدولية في نصابها ووقف هذا التهديد.
وفي ملف «الأزمة اليمنية»، فإن التهديد الحوثي لأمن الملاحة في البحر الأحمر بات أحد تجليات الامتداد الإيراني في المنطقة، متذرعًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة، ما استتبع التدخل الدولي لوقف تهديداتهم السفن المارة في خليج عدن والبحر الأحمر، ولعل المتضرر الرئيسي من هذه التطورات هو مصر، التي فقدت أكثر من 75% من إيرادات قناة السويس، نتيجة تحول السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح، فضلاً عن التجارة الدولية، بسبب ارتفاع تكاليف الشحن، وطول مدة الرحلة، والخلل في سلاسل الإمداد. ويعد وقف التدخلات الإيرانية، وكذلك وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، «أمرًا ضروريًا»، لوقف هذا التهديد، ويعيد تنشيط المفاوضات بشأن الأزمة اليمنية، التي كانت قريبة من الحل مع تحسن أجواء العلاقات السعودية الإيرانية.
علاوة على ذلك، هناك «الملف السوري»، الذي تأمل «المنامة»، إحداث تقدم فيه خلال هذه القمة، بعد أن عادت سوريا إلى الجامعة العربية، وبعد عودة العلاقات السعودية السورية، فيما ينتظر هذا الملف الكثير الذي ينهي معاناة اللاجئين والنازحين السوريين، ويعيد إعمار البلاد، ويحافظ على وحدتها وسيادتها، وينهي الوجود الأجنبي على أراضيها، ويعيدها إلى سياق التعاون العربي.
وفي «الملف الليبي»، تأمل القمة إنهاء حالة الانقسام القائمة، وسيادة القانون، وإنهاء وجود المرتزقة، وتشكيل حكومة موحدة لإنهاء صراع السلطة، وفضلاً عن ذلك، يبرز ملف «الحرب الروسية الأوكرانية»، وتداعياتها على الأمن الغذائي العربي، و«ملف الطاقة»، إزاء تحدي الضغوط المناخية على إنتاج واستهلاك الوقود الأحفوري، كما يبرز «الملف الاقتصادي»، أهمية تعزيز العمل الاقتصادي العربي المشترك، بما يكفل للبلدان العربية الاستفادة المثلى من مواردها، ويبرز «ملف مكافحة الإرهاب والتطرف»، وما أدى إليه من تداعيات أصابت الاستقرار في العديد من البلدان العربية، وأضاعت عليها سنوات طويلة من عملية التنمية.
على العموم، فيما تعد «قمة المنامة» الـ33، هي أول قمة عربية في مملكة البحرين، فإنه وسط توترات المنطقة، ينتظر الشارع العربي الكثير منها، ويتطلع إلى قرارات بناءة تسهم في تعزيز التضامن العربي، ودعم جهود إحلال السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، وإحداث قدر عالٍ من التنسيق؛ لإنتاج موقف موحد من القضايا المطروحة عليها، مع استثمار أفضل للعلاقات العربية مع الولايات المتحدة والقوى الكبرى، وعواصم القرار؛ لإحداث اختراق حقيقي للقضية الفلسطينية التي مثلت الموضوع المشترك الأكبر الدائم لكل القمم العربية منذ انطلاقها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك