العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

غزة وتحرير العالم... أين العرب؟!

{‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬يمور‭ ‬بالمتناقضات‭ ‬والانتكاسات‭ ‬والانكشافات،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬ضميرًا‭ ‬شعبيًّا‭ ‬عالميًّا‮»‬‭ ‬رافضًا‭ ‬لما‭ ‬آل‭ ‬إليه‭ ‬المصير‭ ‬العالمي،‭ ‬من‭ ‬فقدان‭ ‬العدالة‭ ‬وفداحة‭ ‬الظلم‭ ‬وسيطرة‭ ‬‮«‬نخبة‭ ‬شريرة‮»‬‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية،‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬إفراغها‭ ‬من‭ ‬المحتوى‭ ‬والمضمون،‭ ‬هذا‭ ‬الضمير‭ ‬بدأ‭ ‬بالتحرك‭ ‬والغليان‭ ‬بفورة‭ ‬طلابية‭ ‬آخذة‭ ‬في‭ ‬الاتساع‭ ‬والسخونة‭ ‬على‭ ‬نيران‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬‮«‬غزة‮»‬‭!‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬‮«‬غزة‮»‬‭ ‬قطاع‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬استلاب‭ ‬جغرافيتها‭ ‬إما‭ ‬بالاحتلال‭ ‬أو‭ ‬التسلط‭ ‬والقمع،‭ ‬وهي‭ ‬عربية،‭ ‬فإن‭ ‬العرب‭ ‬سواء‭ ‬بالجهود‭ ‬الرسمية‭ ‬أو‭ ‬الجهود‭ ‬الشعبية‭ ‬والأهلية‭ ‬والمدنية،‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬الحدث‭ ‬المأساوي‭ ‬والمتواصل‭ ‬منذ‭ ‬‮«‬7‭ ‬أشهر‮»‬‭! ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬هي‭ ‬‮«‬القضية‭ ‬المركزية‮»‬‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬العرب‭.‬

{‭ ‬حراكات‭ ‬الشباب‭ ‬والطلاب‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬وفي‭ ‬العالم‭ ‬وبكل‭ ‬أساليب‭ ‬الاحتجاج،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬مغزاها‭ ‬وأهدافها‭! ‬وحيث‭ ‬‮«‬الوعي‭ ‬الغربي‮»‬‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬يقوده‭ ‬طلاب‭ ‬الجامعات،‭ ‬لم‭ ‬يحركهم‭ ‬فقط‭ ‬‮«‬الضمير‭ ‬الإنساني‮»‬‭ ‬تجاه‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة،‭ ‬بل‭ ‬الوعي‭ ‬بأن‭ ‬صمود‭ ‬أهل‭ ‬‮«‬غزة‮»‬‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مآسي‭ ‬وكوارث‭ ‬الحرب‭ ‬الجائرة‭ ‬عليهم،‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬تحريرهم‭!‬،‭ ‬وهم‭ ‬يعملون‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬مفاهيم‭ ‬ذلك‭ ‬التحررّ‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإنساني‭ ‬والسياسي‭ ‬والقيمي،‭ ‬إلى‭ ‬حكامهم‭ ‬وأنظمتهم‭ ‬التي‭ ‬أصابتهم‭ ‬بالخذلان‭ ‬تجاه‭ ‬مواقفهم‭ ‬من‭ ‬‮«‬غزة‮»‬‭ ‬وإبادة‭ ‬شعبها،‭ ‬وبما‭ ‬كشف‭ ‬حقيقة‭ ‬‮«‬الادعاءات‭ ‬الغربية‮»‬‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تهيمن‭ ‬عليها‭!‬

{‭ ‬العرب‭ ‬وحدهم‭ ‬تخلفوا‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬إدراك‭ ‬سيرورة‭ ‬الأحداث‭ ‬المؤلمة‭ ‬في‭ ‬‮«‬غزة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬وأحداثها‭ ‬منذ‭ ‬سبعة‭ ‬أشهر‭ ‬امتداد‭ ‬لقهر‭ ‬تاريخي‭ ‬امتد‭ ‬عبر‭ (‬76‭ ‬عامًا‭) ‬وكان‭ ‬الصوت‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والعربي‭ ‬وحيدًا‭ ‬طوال‭ ‬تلك‭ ‬العقود‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬بدءًا‭ ‬بالحروب‭ ‬منذ‭ ‬1948،‭ ‬وبنضالات‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬والتأييد‭ ‬الشعبي‭ ‬العربي‭ ‬والرسمي‭ ‬أيضًا،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تحرك‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬ما‭ ‬أعقب‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬وتحولت‭ ‬حرية‭ ‬فلسطين‭ ‬إلى‭ ‬أيقونة‭ ‬عالمية،‭ ‬لم‭ ‬يقم‭ ‬العرب‭ ‬بالدور‭ ‬المطلوب،‭ ‬بل‭ ‬تركوا‭ (‬التحرك‭ ‬العملي‭) ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭! ‬واكتفى‭ ‬العرب‭ ‬بالمناصرة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬وبعض‭ ‬الحراكات‭ ‬الشعبية‭ ‬المتفاوتة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشعبي‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭! ‬ولكأن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬لا‭ ‬صلة‭ ‬له‭ ‬بالاتفاقيات‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬إبرامها‭ (‬جماعيا‭) ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية،‭ ‬المتعلقة‭ ‬جميعها‭ ‬بمستوجبات‭ ‬‮«‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬المدونة‭ ‬في‭ ‬وثائق‭ ‬الجامعة‭!‬

{‭ ‬وبعد‭ ‬انعقاد‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬‮«‬33‮»‬‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬التي‭ ‬فتحت‭ ‬أبوابها‭ ‬للعرب‭ ‬لتدارس‭ ‬الوضع‭ ‬العربي‭ ‬والتحديات‭ ‬والتهديدات‭ ‬المستمرة‭ ‬منذ‭ ‬عقود،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬تعبير‭ ‬‮«‬الظروف‭ ‬الاستثنائية‮»‬‭ ‬هو‭ ‬القاعدة‭ ‬فيما‭ ‬الظروف‭ ‬الطبيعية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬‮«‬الاستثناء‮»‬‭! ‬فإن‭ ‬تراكم‭ ‬الملفات‭ ‬العربية‭ ‬تضع‭ ‬العرب‭ ‬عمومًا‭ ‬أمام‭ ‬عبء‭ ‬حملها‭ ‬وقد‭ ‬ثقلت‭ ‬كثيرًا،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬الصهيونية‮»‬‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬وأهلها‭! ‬وما‭ ‬استجدّ‭ ‬خلال‭ ‬الأعوام‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬مقاربات‭ ‬ورؤى‭ ‬جديدة‭ ‬مختلفة‭ ‬حول‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭!‬،‭ ‬ومحاولات‭ ‬‮«‬الصهاينة‮»‬‭ ‬محوها‭ ‬من‭ ‬ملفات‭ ‬‮«‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‮»‬‭! ‬حتى‭ ‬جاءت‭ ‬أحداث‭ ‬غزة‭ ‬وقلبت‭ ‬الوضع‭ ‬لتعود‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬كأيقونة‭ ‬عالمية‭ ‬وكشعلة‭ ‬تحرير‭ ‬للعالم‭ ‬كله‭ ‬من‭ ‬القبضة‭ ‬الصهيونية‭ ‬‮«‬العالمية‮»‬‭!‬

في‭ ‬ظل‭ ‬تراجع‭ ‬فحوى‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬العربية‭ ‬حول‭ ‬‮«‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‮»‬‭! ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬فاعلية‭ ‬الدور‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭! ‬بل‭ ‬وعدم‭ ‬استخدام‭ ‬كل‭ ‬‮«‬أوراق‭ ‬الضغط‭ ‬العربية‮»‬‭ ‬لإيقاف‭ ‬المجازر‭ ‬العبثية،‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬ضدّ‭ ‬شعب‭ ‬عربي‭ ‬وآلاف‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬والمرضى‭! ‬وأمام‭ ‬التراجع‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬الدور‭ ‬الفاعل‭ ‬والملموس‭ ‬لحماية‭ ‬‮«‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬وما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬أخطر‭ ‬ملف‭ ‬فيه،‭ ‬فإن‭ ‬دول‭ ‬وشعوب‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬حملت‭ ‬اليوم‭ ‬راية‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬وإن‭ ‬من‭ ‬‮«‬الباب‭ ‬الإنساني‭ ‬والأخلاقي‮»‬‭ ‬لدى‭ ‬الشعوب،‭ ‬ولكن‭ ‬بربطها‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬بأن‭ ‬غزة‭ ‬التي‭ ‬وضعتهم‭ ‬أمام‭ ‬الحقائق‭ ‬البشعة،‭ ‬فإنهم‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يتحررون‭! ‬وصراخ‭ ‬ضميرهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬غزة‭ ‬وفلسطين‭ ‬وشعبها،‭ ‬هو‭ ‬صراخ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أنفسهم‭ ‬أيضًا‭! ‬في‭ ‬وجه‭ ‬‮«‬الصهيونية‭ ‬العالمية‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬اكتشفوا‭ ‬مدى‭ ‬تسلطها‭ ‬عليهم‭ ‬وعلى‭ ‬دولهم‭!‬

{‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬القمة‭ ‬33‮»‬‭ ‬فرصة‭ ‬للعرب‭ ‬جميعًا‭ ‬ومن‭ ‬أرض‭ ‬البحرين،‭ ‬لمراجعة‭ ‬الرؤى‭ ‬حول‭ ‬ملفات‭ ‬‮«‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬كأولوية‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬فلسطين،‭ ‬لتشمل‭ ‬السودان‭ ‬واليمن‭ ‬ودولا‭ ‬عربية‭ ‬أخرى،‭ ‬كأساس‭ ‬لمنطلقات‭ ‬مهمة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتجاري‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬يستوجب‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬مواجهة‭ ‬الأزمات‭ ‬المستفحلة،‭ ‬برؤية‭ ‬عربية‭ ‬جديدة،‭ ‬تؤكد‭ ‬مفاهيم‭ ‬التضامن‭ ‬العربي‭ ‬واتفاقية‭ ‬‮«‬الدفاع‭ ‬العربي‭ ‬المشترك‮»‬‭ ‬وتفعيل‭ ‬المنظمات‭ ‬والمجالس‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬أقامتها‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭!‬

إن‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬أمام‭ (‬حدث‭ ‬نوعي‭) ‬يدور‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ (‬غزة‭ ‬والضفة‭) ‬وهذا‭ ‬الحدث‭ ‬فرصة‭ (‬لفعاليات‭ ‬عربية‭ ‬ضاغطة‭) ‬لوقف‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬والتطهير‭ ‬العِرقي‭ ‬والمجازر،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬أشهر‭ ‬طويلة‭ ‬كان‭ ‬الجميع‭ ‬يتساءل‭ ‬فيها‭: ‬أين‭ ‬العرب؟‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا