العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

خيارات إسرائيل الصعبة بعد الهجوم على رفح

بقلم: د. أحمد رفيق عوض

السبت ٢٥ مايو ٢٠٢٤ - 02:00

الاستمرار‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬أفق‭ ‬تحولت‭ ‬بفعل‭ ‬الخسائر‭ ‬وتآكل‭ ‬الدعم‭ ‬والخلافات‭ ‬العلنية‭ ‬بين‭ ‬أطراف‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬إلى‭ ‬خيار‭ ‬لا‭ ‬يدعمه‭ ‬سوى‭ ‬نتنياهو‭ ‬نفسه،‭ ‬ووزيران‭ ‬يؤمنان‭ ‬بأن‭ ‬مستقبلهما‭ ‬السياسي‭ ‬والأيديولوجي‭ ‬معلق‭ ‬باستمرار‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬وتوسيعها‭ ‬أيضاً،‭ ‬فالحرب‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬نتنياهو‭ ‬بروحٍ‭ ‬انتقامية‭ ‬ستوفر‭ ‬له‭ ‬الوقت‭ ‬الكافي‭ -‬ربما‭- ‬لتحقيق‭ ‬إنجاز‭ ‬ما،‭ ‬كاعتقال‭ ‬أو‭ ‬قتل‭ ‬قادة‭ ‬من‭ ‬الصف‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬أو‭ ‬تحرير‭ ‬محتجزين‭ ‬إسرائيليين،‭ ‬أو‭ -‬ربما‭ ‬أيضاً‭- ‬تستسلم‭ ‬بعض‭ ‬عناصر‭ ‬المقاومة‭ ‬بسبب‭ ‬الضغط‭ ‬والحصار‭ ‬ونقص‭ ‬المؤن‭ ‬والذخائر،‭ ‬وبالمناسبة،‭ ‬فان‭ ‬نتنياهو‭ ‬يملك‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬لإطالة‭ ‬أمد‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬فهناك‭ ‬التغطية‭ ‬الغربية‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬وهناك‭ ‬الذخائر،‭ ‬وهناك‭ ‬اللوبيات‭ ‬الضخمة‭ ‬الجاهزة‭ ‬لتبرير‭ ‬وتبييض‭ ‬وإنقاذ‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬أو‭ ‬النقد،‭ ‬إذ‭ ‬تملك‭ ‬هذه‭ ‬اللوبيات‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬الاغتيال‭ ‬المعنوي‭ ‬والسياسي‭ ‬والجسدي‭ ‬أيضاً‭ ‬لتكميم‭ ‬الأفواه‭ ‬وإجهاض‭ ‬المواقف‭.‬

ولكن‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬انتظاراً‭ ‬لحدوث‭ ‬مفاجأة‭ ‬أو‭ ‬معجزة‭ ‬ما‭ ‬خيار‭ ‬عبثي‭ ‬وجنوني‭ ‬أيضاً،‭ ‬فالاستمرار‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬يجر‭ ‬معه‭ ‬الفشل‭ ‬والانكشاف‭ ‬والمساءلة‭ ‬وتشقق‭ ‬الحكومة‭ ‬أو‭ ‬تفككها‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬يقود‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬إضراب‭ ‬شامل‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬انتخابات‭ ‬مبكرة‭.‬

الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬ليس‭ ‬خياراً‭ ‬سهلاً‭ ‬أو‭ ‬مضموناً،‭ ‬فليس‭ ‬هذا‭ ‬ضمانة‭ ‬بأن‭ ‬الحرب‭ ‬ستنهي‭ ‬حركة‭ ‬حماس،‭ ‬وليست‭ ‬هناك‭ ‬ضمانة‭ ‬بأن‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬سيضاعف‭ ‬من‭ ‬إنجازاتها،‭ ‬بالعكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬إذ‭ ‬كلما‭ ‬طالت‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬تعقَّد‭ ‬المشهد‭ ‬تماماً،‭ ‬مع‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬رغم‭ ‬ضعفها‭ ‬وارتباكها‭ ‬وتناقضها،‭ ‬ومع‭ ‬مصر،‭ ‬رغم‭ ‬رغبة‭ ‬مصر‭ ‬العلنية‭ ‬بعدم‭ ‬التصعيد‭ ‬ومحاولة‭ ‬احتواء‭ ‬الموقف،‭ ‬ومع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬الذي‭ ‬يسارع‭ ‬بعض‭ ‬أعضائه‭ ‬إلى‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ومع‭ ‬الجمهور‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬بدأت‭ ‬قطاعات‭ ‬جديدة‭ ‬تقتنع‭ ‬بأن‭ ‬نتنياهو‭ ‬يأخذهم‭ ‬رهائن‭ ‬لرؤيته‭ ‬ولسياسته‭ ‬وأطماعه،‭ ‬والأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬ذاتها‭ ‬تشهد‭ ‬مواجهات‭ ‬عنيفة‭ ‬وعلنية‭ ‬بين‭ ‬جالانت‭ ‬الذي‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬إنجازه‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬يكفي‭ ‬لإيقاف‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬وبين‭ ‬نتنياهو‭ ‬وشركائه‭ ‬الذين‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬لم‭ ‬تنته‭ ‬بعد،‭ ‬وأنها‭ ‬قد‭ ‬تحقق‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تم‭ ‬تحقيقه‭.‬

وبرأيي،‭ ‬فإن‭ ‬نتنياهو‭ -‬الذي‭ ‬يندفع‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬لأهداف‭ ‬متعددة،‭ ‬منها‭ ‬شخصية‭ ‬ودينية‭ ‬حقاً‭- ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يوقف‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬إلا‭ ‬بسقوطه‭ ‬المدوي‭. ‬إيقاف‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬تسوية‭ ‬مع‭ ‬المقاومة‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬غيرها‭ ‬هو‭ ‬انهيار‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬ادعاه‭ ‬نتنياهو‭ ‬وروج‭ ‬له،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬حربه‭ ‬هذه‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬للتسوية‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬فهو‭ ‬يريد‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬أمنياً‭ ‬وسياسياً،‭ ‬ويريد‭ ‬أن‭ ‬ينهي‭ ‬حركة‭ ‬فتح،‭ ‬أو‭ ‬تفكيكها‭ ‬تماماً،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬محاصرة‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أو‭ ‬إهمالها‭.‬

ليس‭ ‬هذا‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬يريد‭ ‬هذا‭ ‬المتطرف‭ ‬أن‭ ‬يفصل‭ ‬بين‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬والقدس‭ ‬المحتلتين‭ ‬فصلاً‭ ‬سياسياً‭ ‬وإدارياً‭ ‬وديموغرافياً‭.‬

نتنياهو‭ ‬يريد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬أن‭ ‬يسقط‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬ليطرح‭ ‬حل‭ ‬الدول‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المتعددة‭ ‬والجماعات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المتفرقة،‭ ‬وهذا‭ ‬الحل‭ ‬الذي‭ ‬يحلم‭ ‬به‭ ‬نتنياهو‭ ‬لن‭ ‬يتحقق‭ ‬بسبب‭ ‬الرفض‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أولاً،‭ ‬وبسبب‭ ‬الشروط‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬توافق‭ ‬على‭ ‬تمويل‭ ‬أو‭ ‬تغطية‭ ‬هذا‭ ‬الحل‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يؤدي‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬والاضطراب،‭ ‬ولن‭ ‬يتحقق‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الحل‭ ‬بسبب‭ ‬الرؤى‭ ‬الغربية‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأوروبية،‭ ‬لأن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الحل‭ ‬سيجعل‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تدفع‭ ‬ثمن‭ ‬استمرار‭ ‬الصراع،‭ ‬وربما‭ ‬بطريقة‭ ‬أشد‭.‬

كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لنتنياهو‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المأزق؟‭! ‬فإما‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬ومأزق‭ ‬عدم‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬النزول‭ ‬عن‭ ‬الشجرة،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬أن‭ ‬المقاومة‭ ‬أعلنت‭ ‬أنها‭ ‬مستمرة‭ ‬في‭ ‬المواجهة‭ ‬مهما‭ ‬كلف‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬ثمن‭.‬

أو‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تفتح‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬أصدقائها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ممر‭ ‬خروج‭ ‬آمن‭ ‬لنتنياهو،‭ ‬يجنبه‭ ‬الحرج‭ ‬أو‭ ‬السقوط؟‭! ‬وهل‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تقرر‭ ‬إسرائيل‭ ‬فجأة‭ ‬‭ ‬بسبب‭ ‬الخسائر‭ ‬والخلافات‭ ‬المتصاعدة‭ ‬في‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬وضغط‭ ‬الجمهور‭- ‬إعادة‭ ‬الانتشار‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاتفاق‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬طرف؟‭!‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬إسرائيل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تفعله،‭ ‬وقد‭ ‬تبرر‭ ‬ذلك‭ ‬بالقول‭ ‬إنها‭ ‬أنجزت‭ ‬المهمة‭ ‬بنسبة‭ ‬تسعين‭ ‬بالمئة،‭ ‬وإنها‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تتعايش‭ ‬مع‭ ‬تهديد‭ ‬العشرة‭ ‬بالمئة‭ ‬المتبقية‭.‬

الخيار‭ ‬الصعب‭ ‬جداً‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬نشر‭ ‬إليه‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬هو‭ ‬خيار‭ ‬التسوية‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬حرة‭ ‬وكريمة‭ ‬ضمن‭ ‬ترتيبات‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬أصعب‭ ‬خيارات‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وحقوقه‭ ‬خيارا‭ ‬أبدا‭.‬

 

{ رئيس‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬المستقبلية‭ ‬بجامعة‭ ‬القدس

‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا