العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

المفردات.. ونداء من الأعماق!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٢٦ مايو ٢٠٢٤ - 02:00

حين‭ ‬أكتب‭ ‬أو‭ ‬أقرأ‭ ‬هذه‭ ‬المفردات‭ ‬بصوت‭ ‬منخفض،‭ ‬أو‭ ‬صوت‭ ‬مسموع‭ ‬أشعر‭ ‬بأن‭ ‬وراءها‭ ‬عطاء‭ ‬مخبوءا،‭ ‬وهذا‭ ‬يكشف‭ ‬لي‭ ‬ثراء‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وكريم‭ ‬بذلها،‭ ‬وليس‭ ‬ذلك‭ ‬بغريب‭ ‬على‭ ‬لغة‭ ‬وسعت‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لفظًا‭ ‬وغاية،‭ ‬وقال‭ ‬عنها‭ ‬شاعر‭ ‬النيل،‭ ‬حافظ‭ ‬إبراهيم‭:‬

وسعت‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬لفظًا‭ ‬وغاية‭ ‬

وما‭ ‬ضقت‭ ‬عن‭ ‬آي‭ ‬به‭ ‬وعظات‭ ‬

فكيف‭ ‬أضيق‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬وصف‭ ‬

آلة‭ ‬وتنسيق‭ ‬أسماء‭ ‬لمخترعاتي

أنا‭ ‬البحر‭ ‬في‭ ‬أحشائه‭ ‬الدر‭ ‬كامن

‭ ‬فهل‭ ‬ساءلوا‭ ‬الغواص‭ ‬عن‭ ‬صدفاتي‭ ‬

إذًا،‭ ‬فالعربية‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬أحشائها‭ ‬اللآلئ‭ ‬والدرر،‭ ‬وعليهم‭ ‬أن‭ ‬يسألوا‭ ‬أهل‭ ‬الدراية‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬اللغة،‭ ‬والباحثين‭ ‬في‭ ‬آدابها‭ ‬وفنونها،‭ ‬وسنكتفي‭ ‬اليوم‭ ‬ببضع‭ ‬كلمات،‭ ‬بل‭ ‬ببضع‭ ‬حروف‭ ‬التي‭ ‬تكشف‭ ‬شيئًا‭ ‬يسيرًا‭ ‬من‭ ‬عطاء‭ ‬هذه‭ ‬الحروف‭ ‬أو‭ ‬المفردات،‭ ‬ومن‭ ‬عطاء‭ ‬العربية‭ ‬وعظيم‭ ‬شأنها‭ ‬بين‭ ‬لغات‭ ‬العالم،‭ ‬سوف‭ ‬يظهر‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تدبر‭ ‬هذه‭ ‬المفردات‭ ‬ما‭ ‬يغنينا‭ ‬عن‭ ‬ذكر‭ ‬بعضها‭ ‬عن‭ ‬استقصاء‭ ‬كلها‭.‬

القلم‭.. ‬تقييد‭ ‬وتحرير،‭ ‬وقد‭ ‬ورد‭ ‬من‭ ‬هدي‭ ‬المصطفى‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬قيدوا‭ ‬العلم‭ ‬بالكتابة،‭ ‬فالكتابة‭ ‬إذًا‭ ‬وسيلة‭ ‬لحفظ‭ ‬العلم،‭ ‬فإن‭ ‬بذله‭ ‬وإنفاقه‭ ‬لمن‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬تحرير‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬قيوده‭.‬

إذًا،‭ ‬فالكتاب‭ ‬خزانة‭ ‬للعلم‭ ‬يرجع‭ ‬إليها‭ ‬عند‭ ‬الحاجة‭.‬

أما‭ ‬العقل‭.. ‬فهو‭ ‬يقين‭ ‬لا‭ ‬نشك‭ ‬في‭ ‬نزاهته‭ ‬ووسطيته‭ ‬وعدله‭.‬

والثقافة‭.. ‬أخذٌ‭ ‬وعطاء،‭ ‬فأنت‭ ‬حين‭ ‬تقرأ،‭ ‬وتمتص‭ ‬رحيق‭ ‬الكلمات،‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنك‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تأخذ‭ ‬فعليك‭ ‬أن‭ ‬تعطي،‭ ‬وسوف‭ ‬يزداد‭ ‬علمك‭ ‬بالعطاء،‭ ‬وسوف‭ ‬يتنامى‭ ‬صيدك‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬كلما‭ ‬بسطت‭ ‬يدك‭ ‬بالعطاء‭.‬

والعلم‭.. ‬نور‭ ‬وبيان،‭ ‬به‭ ‬تستقيم‭ ‬خطوات‭ ‬الإنسان،‭ ‬أما‭ ‬نقطة‭ ‬الحبر‭.. ‬فهي‭ ‬توضيح‭ ‬وإفصاح‭ ‬رُغمَ‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬ينظر‭ ‬إليها‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الاستخفاف،‭ ‬لكنها‭ ‬لديها‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬تحريك‭ ‬الحروف‭ ‬والأفعال،‭ ‬وكم‭ ‬سمعنا‭ ‬قول‭ ‬بعض‭ ‬السياسيين‭ ‬حين‭ ‬يريدون‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬البيان‭ ‬من‭ ‬خصومهم،‭ ‬فيقولون‭ ‬لهم‭: ‬رجاءً‭ ‬ضعوا‭ ‬النقاط‭ ‬على‭ ‬الحروف‭! ‬وقديمًا‭ ‬كانت‭ ‬الكلمات‭ ‬بغير‭ ‬تنقيط،‭ ‬فتحتمل‭ ‬الكلمة‭ ‬الواحدة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬معنى،‭ ‬فيشتبه‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬المقاصد‭ ‬والغايات،‭ ‬ومثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬أشاء‮»‬‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (.. ‬قال‭ ‬عذابي‭ ‬أصيب‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أشاء‭) ‬الأعراف‭ / ‬156‭.‬

فالكلمة‭ ‬بدون‭ ‬تنقيط‭ ‬تلفظ‭ ‬‮«‬أساء‮»‬‭ ‬والمعنى‭ ‬صحيح‭ ‬لكنها‭ ‬استقر‭ ‬الوحي‭ ‬بتنقيط‭ ‬الكلًمة‭.‬

الزيتون‭.. ‬وقود،‭ ‬وهو‭ ‬كذلك‭ ‬نور‭ ‬وهداية،‭ ‬ومن‭ ‬صفاء‭ ‬نوره،‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬الله‭ ‬نور‭ ‬السماوات‭ ‬والأرض‭ ‬مثل‭ ‬نوره‭ ‬كمشكاة‭ ‬فيها‭ ‬مصباح‭ ‬المصباح‭ ‬في‭ ‬زجاجة‭ ‬الزجاجة‭ ‬كأنها‭ ‬كوكبً‭ ‬دري‭ ‬يوقد‭ ‬من‭ ‬شجرة‭ ‬مباركة‭ ‬زيتونة‭ ‬لا‭ ‬شرقية‭ ‬ولا‭ ‬غربية‭ ‬يكاد‭ ‬زيتها‭ ‬يضئ‭ ‬ولو‭ ‬تمسسه‭ ‬نار‭ ‬نور‭ ‬على‭ ‬نور‭ ‬يهدي‭ ‬الله‭ ‬لنوره‭ ‬من‭ ‬يشاء‭ ‬ويضرب‭ ‬الله‭ ‬الأمثال‭ ‬للناس‭ ‬والله‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬عليم‭) ‬النور‭/ ‬35‭. ‬وقال‭ ‬تعالى‭: (‬أفمن‭ ‬يمشي‭ ‬مكبًا‭ ‬على‭ ‬وجهه‭ ‬أهدى‭ ‬أمَّن‭ ‬يمشي‭ ‬سويًا‭ ‬على‭ ‬صراط‭ ‬مستقيم‭) ‬الملك‭ / ‬22‭.‬

أما‭ ‬الهداية،‭ ‬وما‭ ‬توحيه‭ ‬من‭ ‬عطاء‭.. ‬فهي‭ ‬السبيل‭ ‬إلى‭ ‬بلوغ‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬أقصر‭ ‬طريق،‭ ‬وهي‭ ‬هدايتان‭: ‬هداية‭ ‬دلالة،‭ ‬وهداية‭ ‬معونة‭ ‬وتمكين،‭ ‬فمن‭ ‬قبل‭ ‬أعانه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ومكنه،‭ ‬ومن‭ ‬أعرض‭ ‬ونأى‭ ‬بجانبه‭ ‬تركه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لنفسه‭ ‬الأمارة‭ ‬بالسوء‭ ‬ووسوسة‭ ‬شيطانه‭.‬

وتأمل‭ ‬قول‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: (‬قد‭ ‬أفلح‭ ‬المؤمنون‭ (‬1‭) ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬صلاتهم‭ ‬خاشعون‭ (‬2‭) ‬والذين‭ ‬هم‭ ‬عن‭ ‬اللغو‭ ‬معرضون‭ (‬3‭) ‬والذين‭ ‬هم‭ ‬للزكاة‭ ‬فاعلون‭ (‬4‭) ‬والذين‭ ‬هم‭ ‬لفروجهم‭ ‬حافظون‭ (‬5‭) ‬إلا‭ ‬على‭ ‬أزواجهم‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬ملكت‭ ‬أيمانهم‭ ‬فإنهم‭ ‬غير‭ ‬ملومين‭ (‬6‭)) ‬المؤمنون‭.‬

ومن‭ ‬مفردات‭ ‬العربية،‭ ‬الهبة‭.. ‬وهي‭ ‬العطاء‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استحقاق،‭ ‬أي‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬نصيب‭ ‬شرعي،‭ ‬واقرأ‭ ‬إن‭ ‬شئت‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬وإني‭ ‬خفت‭ ‬الموالي‭ ‬من‭ ‬ورائي‭ ‬وكانت‭ ‬امرأتي‭ ‬عاقرًا‭ ‬فهب‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬لدنك‭ ‬وليا‭) ‬مريم‭ / ‬5‭. ‬وانتفاء‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تحقق‭ ‬لنبي‭ ‬الله‭ ‬زكريا‭ (‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭)‬،‭ ‬ولقد‭ ‬نبهته‭ ‬السيدة‭ ‬مريم‭ ‬إلى‭ ‬طلاقة‭ ‬القدرة‭ ‬الإلهية،‭ ‬وأنه‭ ‬سبحانه‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬الأسباب‭ ‬لتكون‭ ‬فاعلة‭.‬

السيدة‭ ‬مريم‭ (‬عليها‭ ‬السلام‭) ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬هو‭ ‬خالق‭ ‬الأسباب‭ ‬ومفعلها‭ ‬إذا‭ ‬شاء،‭ ‬وله‭ ‬أن‭ ‬يعطلها‭ ‬كذلك‭ ‬إذا‭ ‬شاء،‭ ‬سبحانه‭ ‬يملك‭ ‬الأسباب‭ ‬ولا‭ ‬تملكه‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب،‭ ‬قال‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: (‬كلما‭ ‬دخل‭ ‬عليها‭ ‬زكريا‭ ‬المحراب‭ ‬وجد‭ ‬عندها‭ ‬رزقا‭ ‬قال‭ ‬يا‭ ‬مريم‭ ‬أنى‭ ‬لك‭ ‬هذا‭ ‬قالت‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬يرزق‭ ‬من‭ ‬يشاء‭ ‬بغير‭ ‬حساب‭) ‬آل‭ ‬عمران‭ / ‬37‭.‬

قال‭ ‬تعالى‭: (‬هنالك‭ ‬دعا‭ ‬زكريا‭ ‬ربه‭ ‬قال‭ ‬رب‭ ‬هب‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬لدنك‭ ‬ذرية‭ ‬طيبة‭ ‬إنك‭ ‬سميع‭ ‬الدعاء‭) ‬آل‭ ‬عمران‭ / ‬38‭.‬

المال‭.. ‬فتنة‭ ‬فتن‭ ‬بها‭ ‬قارون،‭ ‬وهو‭ ‬المثل‭ ‬الصارخ‭ ‬في‭ ‬الثراء،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬إن‭ ‬قارون‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬قوم‭ ‬موسى‭ ‬فبغى‭ ‬عليهم‭ ‬وآتيناه‭ ‬من‭ ‬الكنوز‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬مفاتحه‭ ‬لتنوء‭ ‬بالعصبة‭ ‬أولي‭ ‬القوة‭ ‬إذ‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬قومه‭ ‬لا‭ ‬تفرح‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬الفرحين‭) ‬القصص‭ / ‬76‭.‬

أما‭ ‬البلاء‭.. ‬فهو‭ ‬الامتحان‭ ‬والاختبار،‭ ‬يمتحن‭ ‬به‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عباده‭ ‬الطائعين‭ ‬ليمتحن‭ ‬صدق‭ ‬إيمانهم،‭ ‬وقوة‭ ‬يقينهم،‭ ‬ويختبر‭ ‬العصاة‭ ‬منهم،‭ ‬وكل‭ ‬الناس‭ ‬بلا‭ ‬استثناء‭ ‬عرضة‭ ‬للبلاء‭ ‬أي‭ ‬للامتحان‭ ‬والاختبار‭.‬

هذه‭ ‬باقة‭ ‬من‭ ‬المفردات،‭ ‬ونداء‭ ‬من‭ ‬الأعماق‭ ‬نستوضح‭ ‬بها‭ ‬ومنها‭ ‬بعض‭ ‬عطاء‭ ‬الحروف‭ ‬والكلمات‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬بمثابة‭ ‬قطوف‭ ‬دانية‭ ‬من‭ ‬الثمار‭ ‬اليانعة‭ ‬تتدلى‭ ‬من‭ ‬أشجار‭ ‬المعرفة‭ ‬التي‭ ‬أصولها‭ ‬ثابتة،‭ ‬وفروعها‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬تؤتي‭ ‬أكلها،‭ ‬ويستريح‭ ‬الناس‭ ‬تحت‭ ‬ظلالها‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا